map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

هذه حكايتي (51) | "حسن" اعتقالي بمصر أجبرني على ركوب قوارب الموت

تاريخ النشر : 02-07-2018
هذه حكايتي (51) | "حسن" اعتقالي بمصر أجبرني على ركوب قوارب الموت

مجموعة العمل – برلين

"حسن" شاب فلسطيني من مخيم اليرموك، درس في مدارس المخيم، وأتم دراسته الجامعية في كلية الصيدلة بجامعة دمشق، أجبرته الحرب كالآلاف من اللاجئين الفلسطينيين على النزوح عن مخيمه والهجرة بعدها عبر قوارب الموت، يروي "حسن" حكايته التي بدأت من مخيم اليرموك إلى مصر حيث تم توقيفه هناك لينطلق منها إلى أوروبا.

سورية وبداية الحرب

مثلي مثل أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطينيي عشت في سورية وتعلمت وعملت فيها،  كانت حياتنا في سورية أفضل بعشرات المرات من حياة باقي اللاجئين الفلسطينيين في غير بلدان، فقد كانت معاملتنا في معظم الأمور كمعاملة السوريين خصوصاً ما يتعلق بالتعليم والتوظيف.

درست في مدارس الأونروا في مخيم اليرموك، وبعدها أتممت دراستي الثانوية لألتحق فيما بعد بكلية الصيدلة في جامعة دمشق، حيث تخرجت منها قبل بدء الحرب بعامين، وعملت بعدها في أحد مستودعات الأدوية بمدينة دمشق.

كان الوضع مستقراً وجيداً بالنسبة لي، إلى أن بدأت الحرب في سورية حيث بدأ الوضع يتوتر شيئاً فشيئاً، فقد انتشرت الحواجز على طول الطرقات، وبدأ التدقيق على أي انسان يعمل في الحقل الطبي.

كان يتواجد معي بالسيارة العديد من النماذج الطبية التي جعلت مني عرضة للتوقيف لساعات طويلة على الحواجز، وفي إحدى المرات عند أحد الحواجز في مدينة دمشق تعرضت للإهانة ومصادرة كل ما في سيارتي من أدوية ومستلزمات طبية بحجة أن المنطقة التي كنت سأتجه إليها فيها "مسلحين"، بعد ذلك تركت عملي، ومع استهداف مخيم اليرموك بالقصف الجوي وبقذائف الهاون قررت وعائلتي ترك المخيم والسفر إلى خارج سورية.

مصر ومحاولة العيش فيها

عندما قررت الخروج من سورية، لم يكن عندي خيارات كثيرة إما لبنان أو مصر، وأمام ما سمعناه من أقربائنا الذين لجؤوا إلى لبنان وجدت خيار مصر أفضل، حيث كانت مصر حينها تعيش نشوة الثورة، وظننا حينها أن ذلك سيخفف علينا وستكون معاملتنا جيدة.

سافرت مع زوجتي وابنتي إلى مصر، وسكنت في إحدى ضواحي القاهرة، في البداية كان هناك صعوبات كثيرة تواجهنا من تأمين السكن، والبحث عن عمل، والحصول على الإقامة، حيث لم تعاملنا الدولة هناك على أننا لاجئي حرب إنما كانت معاملتنا معاملة سائحين.

الحمد لله وجدت منزل واستأجرته، وبعدها قدمت طلب للحصول على الإقامة السياحية  وبالوقت نفسه بدأت البحث عن عمل.

كان الحصول على الإقامة أمراً مقعداً جداً ومعاملة الداخلية المصرية كانت سيئة للغاية، كل مرة يؤجلون الموعد لأسبوعين أو أكثر، وبعد أن قدمت على الطلب، صارت المراجعة كل شهر تقريباً والجواب نفسه أنه لم تصدر الإقامات بعد دون إبداء أي سبب، في نهاية الموضوع قال لنا أحد ضباط الشرطة بشكل غير رسمي أنه لا توجد إقامات في هذا الوقت للفلسطينيين السوريين.  استمر الوضع على ما هو عليه.

ولم استطع إيجاد عمل، ففرص العمل نادرة بمصر، مرت الشهور وأنا أصرف على نفسي دون الحصول على جنيه واحد، وأخيراً وجدت فرصة للعمل بإحدى الصيدليات بدوام ليلي، وساعات دوام طويلة، ومرتب قليل، لكن لم أملك خيار الرفض. كان العمل يبعد عن منزلي كثيراً كما أنه كان ليلاً فقد كان علي السير على الأقدام لعدم وجود مواصلات، وفي إحدى المرات واجهني بعض قطاع الطرق، وسرقوا مني كل شيء حتى أوراقي الشخصية.

ذهبت إلى المخفر وهناك تعرضت لمضايقة كبيرة من قبل الشرطة، عملت محضر بفقدان أوراقي الشخصية، كان الضباط غير متعاونين، وبقيت محتجزاً ليومين  بظروف احتجاز صعبة، فالمكان غير نظيف والرائحة قذرة  وفيه عدد من المجرمين الجنائين، بالإضافة لكون عناصر الشرطة غير محترمين.

 عندما أطلق سراحي وعدت إلى عائلتي كنت مصدوماً جداً وخائفاً في الوقت ذاته، عندها قررت ترك مصر والسفر عبر البحر.

قوارب الموت الخيار الأخير

عندما حسمت أمري وقررت السفر بالبحر بدأت بالبحث عن مهربين يوصلوني وعائلتي إلى أوروبا، بحثت كثيراً وتعرضت للنصب في إحدى المرات لأجد أخيراً شخصاً عُرف بتهريب اللاجئين إلى أوروبا في مدينة الإسكندرية، وبالفعل بعد ان اتفقنا على المبلغ تحضرنا للسفر، وتجهزنا بالأدوية والطعام.

في البداية لم يكن سفرنا صعب، كباقي الحالات  فقد أخذ منا المهرب ضعفي المبلغ الذي كان يأخذه من باقي الرحلات، استمرت الرحلة البحرية لمدة ثلاثة أيام  وكان القارب مقبولاً، لكن الأمر تغير عندما نقلنا إلى قارب أكبر وأشد ازدحاماً بالركاب فحشرنا وكأننا أغنام، كان الوضع صعباً جداً، تشبثت بابنتي وزوجتي وبينا في البحر لحوالي أسبوع امضينا آخر يومين منه دون طعام وشربنا المياه الملوثة.

بعدها ظهرت سفينة كبيرة بوجهنا، توقفت ونقلت الركاب على متنها بمساعدة من قوارب تابعة للبحرية الإيطالية على ما اعتقد.

في إيطاليا بقينا لعدة أيام وبعدها غادرنا المكان واستكملت وجهتي نحو ألمانيا، وقدمت لجوئي هناك، كان الوضع بألمانيا جيداً جداً مقارنة بمصر، المعاملة جيدة والحكومة الألمانية تقدم كافة المساعدات لنا.

الآن أنا أعيش مع أسرتي في برلين، ابنتي تتعلم في الروضة، وأنا وزوجتي نتعلم اللغة الألمانية، وأعمل على تعديل شهادتي حتى أجد عملاً باختصاصي، ورغم ذلك لا أشعر بالهدوء أو الاستقرار لأن قلبي وتفكيري منشغل مع بقية أهلي الذين لا تزال معاناتهم مستمرة بعد أن هجروا من مخيم اليرموك، حيث ازدادت حياتهم صعوبة بعد تدمير منازلهم بفعل الحملة العسكرية الأخيرة التي شنها الجيش السوري على المخيم، لكن الحمد لله على كل حال، بعد كل ما مر بنا أدركت أن خياري بالمجازفة وركوب قوارب الموت كان صحيحاً فنحن كلاجئين فلسطينيين سوريين لا خيار لنا والجميع يتآمر علينا.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/10111

مجموعة العمل – برلين

"حسن" شاب فلسطيني من مخيم اليرموك، درس في مدارس المخيم، وأتم دراسته الجامعية في كلية الصيدلة بجامعة دمشق، أجبرته الحرب كالآلاف من اللاجئين الفلسطينيين على النزوح عن مخيمه والهجرة بعدها عبر قوارب الموت، يروي "حسن" حكايته التي بدأت من مخيم اليرموك إلى مصر حيث تم توقيفه هناك لينطلق منها إلى أوروبا.

سورية وبداية الحرب

مثلي مثل أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطينيي عشت في سورية وتعلمت وعملت فيها،  كانت حياتنا في سورية أفضل بعشرات المرات من حياة باقي اللاجئين الفلسطينيين في غير بلدان، فقد كانت معاملتنا في معظم الأمور كمعاملة السوريين خصوصاً ما يتعلق بالتعليم والتوظيف.

درست في مدارس الأونروا في مخيم اليرموك، وبعدها أتممت دراستي الثانوية لألتحق فيما بعد بكلية الصيدلة في جامعة دمشق، حيث تخرجت منها قبل بدء الحرب بعامين، وعملت بعدها في أحد مستودعات الأدوية بمدينة دمشق.

كان الوضع مستقراً وجيداً بالنسبة لي، إلى أن بدأت الحرب في سورية حيث بدأ الوضع يتوتر شيئاً فشيئاً، فقد انتشرت الحواجز على طول الطرقات، وبدأ التدقيق على أي انسان يعمل في الحقل الطبي.

كان يتواجد معي بالسيارة العديد من النماذج الطبية التي جعلت مني عرضة للتوقيف لساعات طويلة على الحواجز، وفي إحدى المرات عند أحد الحواجز في مدينة دمشق تعرضت للإهانة ومصادرة كل ما في سيارتي من أدوية ومستلزمات طبية بحجة أن المنطقة التي كنت سأتجه إليها فيها "مسلحين"، بعد ذلك تركت عملي، ومع استهداف مخيم اليرموك بالقصف الجوي وبقذائف الهاون قررت وعائلتي ترك المخيم والسفر إلى خارج سورية.

مصر ومحاولة العيش فيها

عندما قررت الخروج من سورية، لم يكن عندي خيارات كثيرة إما لبنان أو مصر، وأمام ما سمعناه من أقربائنا الذين لجؤوا إلى لبنان وجدت خيار مصر أفضل، حيث كانت مصر حينها تعيش نشوة الثورة، وظننا حينها أن ذلك سيخفف علينا وستكون معاملتنا جيدة.

سافرت مع زوجتي وابنتي إلى مصر، وسكنت في إحدى ضواحي القاهرة، في البداية كان هناك صعوبات كثيرة تواجهنا من تأمين السكن، والبحث عن عمل، والحصول على الإقامة، حيث لم تعاملنا الدولة هناك على أننا لاجئي حرب إنما كانت معاملتنا معاملة سائحين.

الحمد لله وجدت منزل واستأجرته، وبعدها قدمت طلب للحصول على الإقامة السياحية  وبالوقت نفسه بدأت البحث عن عمل.

كان الحصول على الإقامة أمراً مقعداً جداً ومعاملة الداخلية المصرية كانت سيئة للغاية، كل مرة يؤجلون الموعد لأسبوعين أو أكثر، وبعد أن قدمت على الطلب، صارت المراجعة كل شهر تقريباً والجواب نفسه أنه لم تصدر الإقامات بعد دون إبداء أي سبب، في نهاية الموضوع قال لنا أحد ضباط الشرطة بشكل غير رسمي أنه لا توجد إقامات في هذا الوقت للفلسطينيين السوريين.  استمر الوضع على ما هو عليه.

ولم استطع إيجاد عمل، ففرص العمل نادرة بمصر، مرت الشهور وأنا أصرف على نفسي دون الحصول على جنيه واحد، وأخيراً وجدت فرصة للعمل بإحدى الصيدليات بدوام ليلي، وساعات دوام طويلة، ومرتب قليل، لكن لم أملك خيار الرفض. كان العمل يبعد عن منزلي كثيراً كما أنه كان ليلاً فقد كان علي السير على الأقدام لعدم وجود مواصلات، وفي إحدى المرات واجهني بعض قطاع الطرق، وسرقوا مني كل شيء حتى أوراقي الشخصية.

ذهبت إلى المخفر وهناك تعرضت لمضايقة كبيرة من قبل الشرطة، عملت محضر بفقدان أوراقي الشخصية، كان الضباط غير متعاونين، وبقيت محتجزاً ليومين  بظروف احتجاز صعبة، فالمكان غير نظيف والرائحة قذرة  وفيه عدد من المجرمين الجنائين، بالإضافة لكون عناصر الشرطة غير محترمين.

 عندما أطلق سراحي وعدت إلى عائلتي كنت مصدوماً جداً وخائفاً في الوقت ذاته، عندها قررت ترك مصر والسفر عبر البحر.

قوارب الموت الخيار الأخير

عندما حسمت أمري وقررت السفر بالبحر بدأت بالبحث عن مهربين يوصلوني وعائلتي إلى أوروبا، بحثت كثيراً وتعرضت للنصب في إحدى المرات لأجد أخيراً شخصاً عُرف بتهريب اللاجئين إلى أوروبا في مدينة الإسكندرية، وبالفعل بعد ان اتفقنا على المبلغ تحضرنا للسفر، وتجهزنا بالأدوية والطعام.

في البداية لم يكن سفرنا صعب، كباقي الحالات  فقد أخذ منا المهرب ضعفي المبلغ الذي كان يأخذه من باقي الرحلات، استمرت الرحلة البحرية لمدة ثلاثة أيام  وكان القارب مقبولاً، لكن الأمر تغير عندما نقلنا إلى قارب أكبر وأشد ازدحاماً بالركاب فحشرنا وكأننا أغنام، كان الوضع صعباً جداً، تشبثت بابنتي وزوجتي وبينا في البحر لحوالي أسبوع امضينا آخر يومين منه دون طعام وشربنا المياه الملوثة.

بعدها ظهرت سفينة كبيرة بوجهنا، توقفت ونقلت الركاب على متنها بمساعدة من قوارب تابعة للبحرية الإيطالية على ما اعتقد.

في إيطاليا بقينا لعدة أيام وبعدها غادرنا المكان واستكملت وجهتي نحو ألمانيا، وقدمت لجوئي هناك، كان الوضع بألمانيا جيداً جداً مقارنة بمصر، المعاملة جيدة والحكومة الألمانية تقدم كافة المساعدات لنا.

الآن أنا أعيش مع أسرتي في برلين، ابنتي تتعلم في الروضة، وأنا وزوجتي نتعلم اللغة الألمانية، وأعمل على تعديل شهادتي حتى أجد عملاً باختصاصي، ورغم ذلك لا أشعر بالهدوء أو الاستقرار لأن قلبي وتفكيري منشغل مع بقية أهلي الذين لا تزال معاناتهم مستمرة بعد أن هجروا من مخيم اليرموك، حيث ازدادت حياتهم صعوبة بعد تدمير منازلهم بفعل الحملة العسكرية الأخيرة التي شنها الجيش السوري على المخيم، لكن الحمد لله على كل حال، بعد كل ما مر بنا أدركت أن خياري بالمجازفة وركوب قوارب الموت كان صحيحاً فنحن كلاجئين فلسطينيين سوريين لا خيار لنا والجميع يتآمر علينا.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/10111