map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

اليرموك ظاهرة الانتماء لفلسطين

تاريخ النشر : 13-04-2015
اليرموك ظاهرة الانتماء لفلسطين


بقلم: د. حسن الباش

لا شك أن نكبة اليرموك والمخيمات الفلسطينية أوجدت كثيرا من الإرهاصات المتعلقة بالحالة النفسية والفكرية والثقافية لدى أبناء الشعب الفلسطيني وخاصة هؤلاء الذين عاشوا في المخيمات عقوداً واضطروا للخروج منها لأسباب عديدة .

وخلال أكثر من سنتين على التشرد والبعد عن المخيم نتلمس ظاهرة من أهم الظواهر لدى الشعب الفلسطيني وهذه الظواهر أفرزتها حالة المخيمات المنكوبة , هذه الظاهرة هي ظاهرة الربط بين الانتماء للمخيم والانتماء لفلسطين . صحيح أن الانتماء كظاهرة موجود منذ عقود طويلة لكنه اليوم يأخذ منحى مختلفاً فيه من المستجدات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية ما لم يكن سابقاً .
إن كثيراً من سكان المخيمات ولا سيما المثقفون منهم وجيل النكبة يشعرون أن المخيم يشكل لهم وطناً ثانياً على الرغم من أنه وطن مؤقت . فكما يحب الفلسطيني وطنه وأرض فلسطين يحب المخيم ويحن له كونه عاش فيه ما يقارب الستين عاماً , إنهم يشعرون أن هذا المخيم أصبح من نسيج نفسي وفكري واقتصادي وسياسي للإنسان الفلسطيني . وهذا الانتماء ليس انتساباً بورقة أو عقد إيجار أو ما شابه , بل هو انتماء فيه الهوية بكل ما تعني الكلمة من معنى . فليس غريباً أن يظل الناس المهجرون يلهجون باسم المخيم وكأنه جزء من فلسطين .
ونعتقد أن لهم الحق ومعهم الحق في ذلك لأنهم لن ينسوا أن المخيم بُني بعرق أبنائه وأموالهم . وقليل من الرجال من لم يسافر ليعمل في دول الخليج أو ليبيا أو بعض بلدان أوروبا ليجلب المال حتى يعمر بيته وبيت إخوته وأولاده وكذلك عيادته وصيدليته ومحله التجاري .
إن أكثر أرض المخيم اشتراها الفلسطينيون من أصحاب الأراضي وعمروا بيوتهم عليها وكثير من الناس اشتروا شققاً في بنايات على شارع ال 30 وشارع ال 15 وقرب يلدا وقرب التضامن . عمروها وأثثوا بيوتهم بأرقى الأثاث وفتحوا المحلات التجارية في شارع لوبية وشارع اليرموك وشارع صفد وشارع فلسطين . والأهم من ذلك أن مخيم اليرموك صار عمره حوالي 60 عاماً وهذا يعني وجود خمسة أو ستة أجيال متتالية فيه مما يخلق حالة انتماء شديد له وكان جزء من الوطن الأم فلسطين .
( المخيم وأبناء فلسطين التاريخية )
من المعروف أن سكان المخيم هم من الفلسطينيين والسوريين ويشكل أبناء فلسطين خُمس سكان اليرموك وحسب الإحصاءات فإن عدد الفلسطينيين في المخيم بلغ ما بين 230-250 ألفاً لذلك يعتبر المخيم أكبر تجمع فلسطيني في الشتات وأكبر المخيمات في العالم .
والملفت للنظر أن هؤلاء الفلسطينيين هم في غالبيتهم من اللاجئين إثر نكبة 1948 أي من فلسطين التاريخية , من الجليل وقضاء حيفا وعكا وصفد وطبريا ويافا واللد والناصرة والرملة . 
وهذه المناطق احتُلت عام 1948 من قبل العدو الصهيوني وهُجّر هؤلاء إلى الأردن وسوريا ولبنان والعراق . وبعضهم ظل في الضفة الغربية وغزة في مخيمات اللجوء العديدة .
وأبناء المخيم من كافة هذه المناطق , وتجد في الشارع الواحد عائلات من حيفا وقضائها وصفد وقضائها وطبريا وقضائها . ومع مرور العقود من السنين شكل هؤلاء نسيجاً اجتماعياً واحداً , كون العادات والتقاليد واحدة وكون الآلام والطموحات واحدة . وحدثت مصاهرات مستمرة بين الجميع بمعنى أن الحدود بين المدن والقرى الفلسطينية الأصلية قد ألغيت تماماً .
وحين نسبر هذا النسيج الموحّد نرى عدة مظاهر في غاية الأهمية والخطورة ,
أولها : اللهجة الفلسطينية الموحدة , من الطبيعي أن كل منطقة تلهج بلهجة قد تختلف عن لهجة منطقة أخرى حنى أنك ترى مثلاً قرى مثل فورية وطيرة حيفا ولوبيا تنطق القاف العربية الأصيلة بينما مثلاً ترى قرى جنوب حيفا وجوار صفد وطبرية ينطقون القاف كافاً بينما أبناء المدن مثل حيفا وصفد وطبريا ويافا ينطقون القاف ألفاً . وبعض المناطق تكسر في بعض الحروف ويمدها أو يقطعها قطعاً . وخلال ستين عاماً في بيئة المخيم زالت هذه الفوارق خاصة بين الأجيال الجديدة فأصبحت لهجة أبناء المخيم واحدة تقريباً . ومما ساعد على استقامتها وقربها كثيراً من الفصحى وجود نسبة عالية جداً من المتعلمين وذوي الشهادات العليا ومن المثقفين إضافة لوجود مدارس وكالة الغوث التي تضم آلاف الطلاب والطالبات ومئات من الأساتذة الفلسطينيين المتخصصين في كافة الاختصاصات إضافة للتعامل التجاري اليومي بين الناس . وعندما نقارن - على سبيل المثال – لهجة سكان آلاف الناس من اليرموك الموحدة بلهجة الفلسطينيين الذين يسكنون بركن الدين أو في مخيم حمص أو مخيم النيرب أو الرمل في اللاذقية , نجد آلاف المفردات الشامية والحلبية أو الحمصية قد دخلت في لهجاتهم . لكن الأخطر من ذلك تحوّل اللهجة الفلسطينية كلياً إلى لهجة أخرى في بعض أحياء دمشق وتشعر وأنت تتحدث مع شخص يسكن داخل العاصمة قد انسلخ عن لهجته الفلسطينية تماماً مع ملاحظة أن المئات من طلاب الجامعات من سكان الشام قد استقامت لهجتهم ومالت إلى الفصحى وتخلت عن كثير من المفردات المحلية , حتى لتجد تقارباً شديداً في لهجات الطلاب الفلسطينيين وغيرهم من شباب الشام وخاصة طلاب الجامعات .
إن اللهجة الفلسطينية الموحدة في مخيم اليرموك خلقت أيضاً لهجة ثقافية موحدة إن كان ذلك على المستوى الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي والسياسي . والأجمل في اللهجة الموحّدة أنها مفهومة وقريبة من الفصحى الخالية من المدّ والكسر أو البتر أو الغموض , فهي صلبة راكزة وقوية ومفهومة . ومن المصادفات التي حدثت وتحدث بعد الخروج من المخيم أنك تكون في شارع أو محل تجاري أو مؤسسة فتسمع من شخص مفردة واحدة أو مفردتين فتعرف على الفور أن صاحبها من سكان اليرموك . ومن ذلك كلمة خيّا وخيتا ويامّا وهاي فتدرك أنها لا تُلفظ إلا من قبل فلسطيني من سكان المخيم . وفي جميع الأحوال فاللهجة الموحدة للمخيم هي عنصر مهم في الحفاظ على الهوية الفلسطينية والثقافة الفلسطينية .

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/1482


بقلم: د. حسن الباش

لا شك أن نكبة اليرموك والمخيمات الفلسطينية أوجدت كثيرا من الإرهاصات المتعلقة بالحالة النفسية والفكرية والثقافية لدى أبناء الشعب الفلسطيني وخاصة هؤلاء الذين عاشوا في المخيمات عقوداً واضطروا للخروج منها لأسباب عديدة .

وخلال أكثر من سنتين على التشرد والبعد عن المخيم نتلمس ظاهرة من أهم الظواهر لدى الشعب الفلسطيني وهذه الظواهر أفرزتها حالة المخيمات المنكوبة , هذه الظاهرة هي ظاهرة الربط بين الانتماء للمخيم والانتماء لفلسطين . صحيح أن الانتماء كظاهرة موجود منذ عقود طويلة لكنه اليوم يأخذ منحى مختلفاً فيه من المستجدات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية ما لم يكن سابقاً .
إن كثيراً من سكان المخيمات ولا سيما المثقفون منهم وجيل النكبة يشعرون أن المخيم يشكل لهم وطناً ثانياً على الرغم من أنه وطن مؤقت . فكما يحب الفلسطيني وطنه وأرض فلسطين يحب المخيم ويحن له كونه عاش فيه ما يقارب الستين عاماً , إنهم يشعرون أن هذا المخيم أصبح من نسيج نفسي وفكري واقتصادي وسياسي للإنسان الفلسطيني . وهذا الانتماء ليس انتساباً بورقة أو عقد إيجار أو ما شابه , بل هو انتماء فيه الهوية بكل ما تعني الكلمة من معنى . فليس غريباً أن يظل الناس المهجرون يلهجون باسم المخيم وكأنه جزء من فلسطين .
ونعتقد أن لهم الحق ومعهم الحق في ذلك لأنهم لن ينسوا أن المخيم بُني بعرق أبنائه وأموالهم . وقليل من الرجال من لم يسافر ليعمل في دول الخليج أو ليبيا أو بعض بلدان أوروبا ليجلب المال حتى يعمر بيته وبيت إخوته وأولاده وكذلك عيادته وصيدليته ومحله التجاري .
إن أكثر أرض المخيم اشتراها الفلسطينيون من أصحاب الأراضي وعمروا بيوتهم عليها وكثير من الناس اشتروا شققاً في بنايات على شارع ال 30 وشارع ال 15 وقرب يلدا وقرب التضامن . عمروها وأثثوا بيوتهم بأرقى الأثاث وفتحوا المحلات التجارية في شارع لوبية وشارع اليرموك وشارع صفد وشارع فلسطين . والأهم من ذلك أن مخيم اليرموك صار عمره حوالي 60 عاماً وهذا يعني وجود خمسة أو ستة أجيال متتالية فيه مما يخلق حالة انتماء شديد له وكان جزء من الوطن الأم فلسطين .
( المخيم وأبناء فلسطين التاريخية )
من المعروف أن سكان المخيم هم من الفلسطينيين والسوريين ويشكل أبناء فلسطين خُمس سكان اليرموك وحسب الإحصاءات فإن عدد الفلسطينيين في المخيم بلغ ما بين 230-250 ألفاً لذلك يعتبر المخيم أكبر تجمع فلسطيني في الشتات وأكبر المخيمات في العالم .
والملفت للنظر أن هؤلاء الفلسطينيين هم في غالبيتهم من اللاجئين إثر نكبة 1948 أي من فلسطين التاريخية , من الجليل وقضاء حيفا وعكا وصفد وطبريا ويافا واللد والناصرة والرملة . 
وهذه المناطق احتُلت عام 1948 من قبل العدو الصهيوني وهُجّر هؤلاء إلى الأردن وسوريا ولبنان والعراق . وبعضهم ظل في الضفة الغربية وغزة في مخيمات اللجوء العديدة .
وأبناء المخيم من كافة هذه المناطق , وتجد في الشارع الواحد عائلات من حيفا وقضائها وصفد وقضائها وطبريا وقضائها . ومع مرور العقود من السنين شكل هؤلاء نسيجاً اجتماعياً واحداً , كون العادات والتقاليد واحدة وكون الآلام والطموحات واحدة . وحدثت مصاهرات مستمرة بين الجميع بمعنى أن الحدود بين المدن والقرى الفلسطينية الأصلية قد ألغيت تماماً .
وحين نسبر هذا النسيج الموحّد نرى عدة مظاهر في غاية الأهمية والخطورة ,
أولها : اللهجة الفلسطينية الموحدة , من الطبيعي أن كل منطقة تلهج بلهجة قد تختلف عن لهجة منطقة أخرى حنى أنك ترى مثلاً قرى مثل فورية وطيرة حيفا ولوبيا تنطق القاف العربية الأصيلة بينما مثلاً ترى قرى جنوب حيفا وجوار صفد وطبرية ينطقون القاف كافاً بينما أبناء المدن مثل حيفا وصفد وطبريا ويافا ينطقون القاف ألفاً . وبعض المناطق تكسر في بعض الحروف ويمدها أو يقطعها قطعاً . وخلال ستين عاماً في بيئة المخيم زالت هذه الفوارق خاصة بين الأجيال الجديدة فأصبحت لهجة أبناء المخيم واحدة تقريباً . ومما ساعد على استقامتها وقربها كثيراً من الفصحى وجود نسبة عالية جداً من المتعلمين وذوي الشهادات العليا ومن المثقفين إضافة لوجود مدارس وكالة الغوث التي تضم آلاف الطلاب والطالبات ومئات من الأساتذة الفلسطينيين المتخصصين في كافة الاختصاصات إضافة للتعامل التجاري اليومي بين الناس . وعندما نقارن - على سبيل المثال – لهجة سكان آلاف الناس من اليرموك الموحدة بلهجة الفلسطينيين الذين يسكنون بركن الدين أو في مخيم حمص أو مخيم النيرب أو الرمل في اللاذقية , نجد آلاف المفردات الشامية والحلبية أو الحمصية قد دخلت في لهجاتهم . لكن الأخطر من ذلك تحوّل اللهجة الفلسطينية كلياً إلى لهجة أخرى في بعض أحياء دمشق وتشعر وأنت تتحدث مع شخص يسكن داخل العاصمة قد انسلخ عن لهجته الفلسطينية تماماً مع ملاحظة أن المئات من طلاب الجامعات من سكان الشام قد استقامت لهجتهم ومالت إلى الفصحى وتخلت عن كثير من المفردات المحلية , حتى لتجد تقارباً شديداً في لهجات الطلاب الفلسطينيين وغيرهم من شباب الشام وخاصة طلاب الجامعات .
إن اللهجة الفلسطينية الموحدة في مخيم اليرموك خلقت أيضاً لهجة ثقافية موحدة إن كان ذلك على المستوى الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي والسياسي . والأجمل في اللهجة الموحّدة أنها مفهومة وقريبة من الفصحى الخالية من المدّ والكسر أو البتر أو الغموض , فهي صلبة راكزة وقوية ومفهومة . ومن المصادفات التي حدثت وتحدث بعد الخروج من المخيم أنك تكون في شارع أو محل تجاري أو مؤسسة فتسمع من شخص مفردة واحدة أو مفردتين فتعرف على الفور أن صاحبها من سكان اليرموك . ومن ذلك كلمة خيّا وخيتا ويامّا وهاي فتدرك أنها لا تُلفظ إلا من قبل فلسطيني من سكان المخيم . وفي جميع الأحوال فاللهجة الموحدة للمخيم هي عنصر مهم في الحفاظ على الهوية الفلسطينية والثقافة الفلسطينية .

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/1482