map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

من نطالب؟ أسئلة معلّقة حول مصير آلاف المفقودين في سورية

تاريخ النشر : 27-12-2025
من نطالب؟ أسئلة معلّقة حول مصير آلاف المفقودين في سورية

فايز أبو عيد

بعد مرور عام كامل على فتح السجون في ديسمبر/كانون الأول 2024، ما تزال قضية المفقودين والمختفين قسرًا واحدة من أكثر الملفات إيلامًا وتعقيدًا في سوريا، يوميًا تمتلئ منصات التواصل الاجتماعي بنداءات عائلات تبحث عن أثر، عن اسم، عن خبر يضع حدًا لسنوات الانتظار القاسي منذ اندلاع الثورة عام 2011.

وبين كل نداء وآخر من قبل الآباء والأمهات والأخوة والزوجات، يتكرر سؤال واحد بصيغ مختلفة: من نطالب اليوم بكشف الحقيقة؟

تجد العائلات نفسها أمام واقع ملتبس، فالحكومة الجديدة، رغم ما أُعلن عن نواياها في معالجة هذا الملف، تواجه إرثًا ثقيلًا من الجرائم والانتهاكات، آلاف المقابر الجماعية التي يُكشف عنها تباعًا في دمشق وريفها ومناطق أخرى لا تقدّم سوى معلومات قليلة موجعة من الحقيقة، فيما يبقى مصير عدد هائل من المختفين قسراً مجهولًا حتى اليوم، ويطرح الأهالي تساؤلات قاسية: هل يمكن لأي سلطة، مهما كانت، أن تعيد أسماء ووجوهًا ذابت في المقابر أو غابت خلف الجدران دون سجلات؟

منذ عام 2011، وثّقت منظمات حقوقية محلية ودولية عشرات آلاف حالات الاختفاء القسري على يد الأجهزة الأمنية للنظام السابق. ويُعدّ ملف المعتقلين من أكثر الملفات توثيقًا، لكنه في الوقت ذاته الأكثر انسدادًا.

 حالة الدكتور محمد همام تميم، المولود عام 1980، مثال واحد من آلاف، الطبيب المتخصص في نظم الرعاية الصحية، وابن مخيم اليرموك، اعتُقل في 4 مايو/أيار 2013 على حاجز الجسر الأبيض في دمشق، واقتيد إلى جهة مجهولة من دون مذكرة توقيف أو تهمة رسمية، بعد أكثر من عقد، وعام كامل على فتح السجون، لا تزال عائلته بلا أي معلومة مؤكدة عن مصيره، لا شهادة وفاة ولا إثبات حياة.

التحديات أمام كشف الحقيقة لا تتوقف عند غياب السجلات، بل تمتد إلى مصير الوثائق نفسها. فعدد من المسؤولين الأمنيين السابقين فرّوا إلى خارج البلاد، وسط تساؤلات عن مدى تسليمهم قوائم بأسماء الضحايا والمختفين، أو معلومات دقيقة عن أماكن الدفن الجماعي.

فيما يرى مختصون في القانون الدولي أن ما يُكشف حتى الآن لا يمثل سوى طبقة سطحية من الحقيقة، في حين تتطلب المقابر الجماعية تحقيقات فنية مستقلة، تشمل فحوصات الحمض النووي، وتعاونًا دوليًا واسعًا لتحديد الهويات وربطها بالملفات الحقوقية القائمة.

في هذا السياق، يؤكد خبراء حقوق الإنسان أن حق العائلات في معرفة مصير أبنائها حق أصيل وغير قابل للتصرف، كفلته اتفاقيات جنيف، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، لكن هذا الحق ما يزال معلقًا بين ضعف الآليات الوطنية، وبطء المسارات الدولية، وضغط الزمن الذي ينهك العائلات نفسيًا واجتماعيًا.

ورغم الغضب المتراكم، تشدد عائلات المفقودين على أن مطلبها ليس الانتقام، بل الحقيقة والعدالة، تقول أمهات فقدن أبناءهن منذ سنوات إن ما يحتجنه أولًا هو الاعتراف، وتسمية ما جرى باسمه، وفتح مسار واضح للمساءلة. وفي ظل مرحلة سياسية واجتماعية شديدة الحساسية، يدعو أهالي الضحايا إلى التماسك، وتغليب ما يوحّد السوريين على ما يفرقهم، باعتبار أن كشف مصير المفقودين يشكّل مدخلًا أساسيًا لأي حديث عن العدالة أو المصالحة.

ومع كل مقبرة جماعية جديدة، يعود السؤال ذاته ليطفو على السطح: من نطالب اليوم، وكيف يمكن الوصول إلى الحقيقة كاملة؟ منظمات حقوقية، من بينها الشبكة السورية لحقوق الإنسان واللجنة السورية للمفقودين، تطالب بالإسراع في تشكيل لجنة وطنية مستقلة، بصلاحيات واضحة ودعم دولي، تكون مهمتها حصريًا كشف مصير المفقودين، وضمان حق العائلات في المعرفة والإنصاف. وحتى يتحقق ذلك، يبقى صوت الأهالي معلقًا بين الأمل والخوف، في انتظار إجابة طال غيابها.

الوسوم

رابط مختصر : http://actionpal.org.uk/ar/post/22511

فايز أبو عيد

بعد مرور عام كامل على فتح السجون في ديسمبر/كانون الأول 2024، ما تزال قضية المفقودين والمختفين قسرًا واحدة من أكثر الملفات إيلامًا وتعقيدًا في سوريا، يوميًا تمتلئ منصات التواصل الاجتماعي بنداءات عائلات تبحث عن أثر، عن اسم، عن خبر يضع حدًا لسنوات الانتظار القاسي منذ اندلاع الثورة عام 2011.

وبين كل نداء وآخر من قبل الآباء والأمهات والأخوة والزوجات، يتكرر سؤال واحد بصيغ مختلفة: من نطالب اليوم بكشف الحقيقة؟

تجد العائلات نفسها أمام واقع ملتبس، فالحكومة الجديدة، رغم ما أُعلن عن نواياها في معالجة هذا الملف، تواجه إرثًا ثقيلًا من الجرائم والانتهاكات، آلاف المقابر الجماعية التي يُكشف عنها تباعًا في دمشق وريفها ومناطق أخرى لا تقدّم سوى معلومات قليلة موجعة من الحقيقة، فيما يبقى مصير عدد هائل من المختفين قسراً مجهولًا حتى اليوم، ويطرح الأهالي تساؤلات قاسية: هل يمكن لأي سلطة، مهما كانت، أن تعيد أسماء ووجوهًا ذابت في المقابر أو غابت خلف الجدران دون سجلات؟

منذ عام 2011، وثّقت منظمات حقوقية محلية ودولية عشرات آلاف حالات الاختفاء القسري على يد الأجهزة الأمنية للنظام السابق. ويُعدّ ملف المعتقلين من أكثر الملفات توثيقًا، لكنه في الوقت ذاته الأكثر انسدادًا.

 حالة الدكتور محمد همام تميم، المولود عام 1980، مثال واحد من آلاف، الطبيب المتخصص في نظم الرعاية الصحية، وابن مخيم اليرموك، اعتُقل في 4 مايو/أيار 2013 على حاجز الجسر الأبيض في دمشق، واقتيد إلى جهة مجهولة من دون مذكرة توقيف أو تهمة رسمية، بعد أكثر من عقد، وعام كامل على فتح السجون، لا تزال عائلته بلا أي معلومة مؤكدة عن مصيره، لا شهادة وفاة ولا إثبات حياة.

التحديات أمام كشف الحقيقة لا تتوقف عند غياب السجلات، بل تمتد إلى مصير الوثائق نفسها. فعدد من المسؤولين الأمنيين السابقين فرّوا إلى خارج البلاد، وسط تساؤلات عن مدى تسليمهم قوائم بأسماء الضحايا والمختفين، أو معلومات دقيقة عن أماكن الدفن الجماعي.

فيما يرى مختصون في القانون الدولي أن ما يُكشف حتى الآن لا يمثل سوى طبقة سطحية من الحقيقة، في حين تتطلب المقابر الجماعية تحقيقات فنية مستقلة، تشمل فحوصات الحمض النووي، وتعاونًا دوليًا واسعًا لتحديد الهويات وربطها بالملفات الحقوقية القائمة.

في هذا السياق، يؤكد خبراء حقوق الإنسان أن حق العائلات في معرفة مصير أبنائها حق أصيل وغير قابل للتصرف، كفلته اتفاقيات جنيف، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، لكن هذا الحق ما يزال معلقًا بين ضعف الآليات الوطنية، وبطء المسارات الدولية، وضغط الزمن الذي ينهك العائلات نفسيًا واجتماعيًا.

ورغم الغضب المتراكم، تشدد عائلات المفقودين على أن مطلبها ليس الانتقام، بل الحقيقة والعدالة، تقول أمهات فقدن أبناءهن منذ سنوات إن ما يحتجنه أولًا هو الاعتراف، وتسمية ما جرى باسمه، وفتح مسار واضح للمساءلة. وفي ظل مرحلة سياسية واجتماعية شديدة الحساسية، يدعو أهالي الضحايا إلى التماسك، وتغليب ما يوحّد السوريين على ما يفرقهم، باعتبار أن كشف مصير المفقودين يشكّل مدخلًا أساسيًا لأي حديث عن العدالة أو المصالحة.

ومع كل مقبرة جماعية جديدة، يعود السؤال ذاته ليطفو على السطح: من نطالب اليوم، وكيف يمكن الوصول إلى الحقيقة كاملة؟ منظمات حقوقية، من بينها الشبكة السورية لحقوق الإنسان واللجنة السورية للمفقودين، تطالب بالإسراع في تشكيل لجنة وطنية مستقلة، بصلاحيات واضحة ودعم دولي، تكون مهمتها حصريًا كشف مصير المفقودين، وضمان حق العائلات في المعرفة والإنصاف. وحتى يتحقق ذلك، يبقى صوت الأهالي معلقًا بين الأمل والخوف، في انتظار إجابة طال غيابها.

الوسوم

رابط مختصر : http://actionpal.org.uk/ar/post/22511