map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

حين تُحاكم الذاكرة. المخيّمُ على محكِّ الصورة

تاريخ النشر : 31-12-2025
حين تُحاكم الذاكرة. المخيّمُ على محكِّ الصورة

نضال خليل | مجموعة العمل 
المخيّمُ ليس مجردَ بقايا جدرانٍ وممرّاتٍ ضيقة هو ذاكرةٌ متكدّسةٌ على أبوابِ النسيان، سجلٌّ من وجوهٍ انتُزعت من تاريخها وغُيّبت أخطارها. 
هناك حيث تعيش العائلاتُ على أطلالِ زمنٍ لم تَغادره الحربُ وحدها يكبر الخوفُ ويَتلوّنُ بالصورةِ المختَزلة:
 صورةٌ على شاشةٍ صغيرة قد تُقضي على اسمٍ أو تطلقُ حكمًا مؤبَّدًا على إنسانٍ قبل أن يُستدعى إلى مواجهة
 هذا ليس أدبًا هذه حقيقةٌ يومية تحتاجُ إلى قراءةٍ دقيقة بعيدًا عن صيحاتِ العار والجلد.
أكثرُ من أربعةِ مئةٍ وثلاثةٍ وثلاثين ألف لاجئ فلسطينيٍّ مسجلٍ في سورية اليوم يتقاسمون مع السوريّين عبءَ ما تبقّى من شبكةٍ اجتماعيةٍ ومؤسساتٍ منهـكةٍ وتظل احتياجاتُهم الإنسانية عاجلةً وموسومةً بهشاشةٍ مُدقِقةٍ 
اليرموكُ — ذلك الحيّ الذي كان سوقًا وحياةً ومقاماتٍ للأبدان والأسماء — صارَ مثالًا مرئيًا لما فعلته الحربُ بأرضٍ كانت تفيضُ حياةً.
 صورُ البيوتِ المهدمة وشهاداتٌ عن حصارٍ وجوعٍ واختفاءاتٍ لا تزال تلهِب الذاكرة تذكّرنا بأن إعادةَ البناءِ ليستَ مسألةَ طوبٍ وحديدٍ فحسب بل استعادةُ كرامةٍ وحقٍ في العودةِ الآمنة - التقارير الميدانية تُوثّقُ حجمَ الدمارِ وعوائقَ العودةِ أمام الأهالي
في الخلفية ينهشُ الفقرُ ما تبقّى من ملامحِ الشباب ويشرعُ العدمُ في محوِ أفقهم  فتتسعُ دائرةُ التجاهل والتهميش وتصبحُ مشكلةً صحيةً واجتماعيةً لا يمكنُ تجاهلُها
 دراساتٌ وتقاريرٌ ميدانية تشيرُ إلى صعودٍ ملحوظٍ في أنماطِ الاستهلاكِ والاعتمادِ بين فئاتٍ شبابيةٍ داخل سوريا ما يستدعيَّ استجاباتٍ علاجيةً ووقائيةٍ موازيةً للمقاربةِ الأمنية
وفي العصرِ الرقميّ تُصبح الصورةُ مُحكمةً وإحالةُ الشخصِ إلى منصَّةِ العارِ فعلًا يُنفَّذُ دون محاكمةٍ عادلة فتنتشرُ ظواهرُ التشهيرِ وتتحولُ الشكاوىُ إلى ركامٍ من الإشاعاتِ التي تغذي الفتنَ وتجرحُ تماسكَ المجتمع  منظماتُ محليةٍ تروي حالاتٍ رُفِعَت فيها شكاوىٌ أو أُثيرت اتهاماتٌ عبر صفحاتٍ افتراضيةٍ تسببت لاحقًا في ملاحقاتٍ أو وصمٍ اجتماعي طويل الأمد. 
من هذه النقاط تنبثقُ ثلاثُ دعواتٍ عمليةٍ لا مرثيةً ولا صرخةً ثوريةً فحسب بل أدواتُ عملٍ تحفظُ الناسَ وتردُّ على العنفِ بصيغٍ منتجة:
أولًا — حفظُ إجراءاتِ العدالة: أيُّ اتهامٍ يجبُ أن يُستقبلَ في مسارِ تحقيقيٍّ رسميٍّ مستقلٍّ يضمنُ قرينةَ البراءة ويمنعُ إصدارَ أحكامٍ على صورٍ قبل أن تُوضَعَ أمام قضاءٍ شفافٍ
ثانيًا — مقاربةٌ صحيةٌ شاملة: مواجهةُ آفةِ المخدِّرات لا تنجحُ بعصا الأمنِ وحدها بل ببرامجِ علاجٍ متاحةٍ داخل المخيّمات بدعمٍ نفسيٍ واجتماعيٍ ومبادراتٍ اقتصاديةٍ تفتحُ أمام الشبابِ أبوابًا لتوظيفٍ وحياةٍ منتجةٍ 
ثالثًا — أخلاقياتُ النشرِ والتحقُّق: الناشطونَ والإعلاميون والأهالي جميعًا مسئولون عن لغةٍ لا تقتلُ قبل أن تُحاكمَ فالتشهيرُ قد يبقى أثرَه أبدًا بينما المحاسبةُ العادلةُ قد تُعيدُ للبشرِ كرامتهم
العدالة الانتقالية هنا ليست رفاهيةً نظريةً هي خريطةُ طريقٍ تعيدُ بناءَ الثقةِ — إحقاقُ الحقيقةِ ومحاكماتٌ عادلةٌ وإصلاحٌ مؤسَّسيٌّ وجبرُ ضررٍ للضحايا — كلّها شروطٌ لكي لا تبقى الخسائرُ مجردَ أحاديثٍ على شاشاتٍ سوداء.
وخاتمةُ القولِ ليست بمأساةٍ مسكوبةٍ على صفحاتٍ بل بمطالبةٍ بسيطةٍ: 
أن يُعاملَ أهلُ المخيّمِ كبشرٍ لهم حقوقٌ وأن تُبنى السياساتُ على حفظِ الحقِّ والكرامةِ لا على فرضِ ذلٍّ أو وصمٍ.
 إذا أردنا أن نصونَ بقايا الروحِ في تلك الأزقّةِ فعلينا أن نصونَ اللغةَ قانونًا وممارسةً فلا تكونْ وسيلةَ سحقٍ بل ممرًّا لعودةٍ متكاملةٍ للّفظِ والإنسانية.

الوسوم

رابط مختصر : http://actionpal.org.uk/ar/post/22532

نضال خليل | مجموعة العمل 
المخيّمُ ليس مجردَ بقايا جدرانٍ وممرّاتٍ ضيقة هو ذاكرةٌ متكدّسةٌ على أبوابِ النسيان، سجلٌّ من وجوهٍ انتُزعت من تاريخها وغُيّبت أخطارها. 
هناك حيث تعيش العائلاتُ على أطلالِ زمنٍ لم تَغادره الحربُ وحدها يكبر الخوفُ ويَتلوّنُ بالصورةِ المختَزلة:
 صورةٌ على شاشةٍ صغيرة قد تُقضي على اسمٍ أو تطلقُ حكمًا مؤبَّدًا على إنسانٍ قبل أن يُستدعى إلى مواجهة
 هذا ليس أدبًا هذه حقيقةٌ يومية تحتاجُ إلى قراءةٍ دقيقة بعيدًا عن صيحاتِ العار والجلد.
أكثرُ من أربعةِ مئةٍ وثلاثةٍ وثلاثين ألف لاجئ فلسطينيٍّ مسجلٍ في سورية اليوم يتقاسمون مع السوريّين عبءَ ما تبقّى من شبكةٍ اجتماعيةٍ ومؤسساتٍ منهـكةٍ وتظل احتياجاتُهم الإنسانية عاجلةً وموسومةً بهشاشةٍ مُدقِقةٍ 
اليرموكُ — ذلك الحيّ الذي كان سوقًا وحياةً ومقاماتٍ للأبدان والأسماء — صارَ مثالًا مرئيًا لما فعلته الحربُ بأرضٍ كانت تفيضُ حياةً.
 صورُ البيوتِ المهدمة وشهاداتٌ عن حصارٍ وجوعٍ واختفاءاتٍ لا تزال تلهِب الذاكرة تذكّرنا بأن إعادةَ البناءِ ليستَ مسألةَ طوبٍ وحديدٍ فحسب بل استعادةُ كرامةٍ وحقٍ في العودةِ الآمنة - التقارير الميدانية تُوثّقُ حجمَ الدمارِ وعوائقَ العودةِ أمام الأهالي
في الخلفية ينهشُ الفقرُ ما تبقّى من ملامحِ الشباب ويشرعُ العدمُ في محوِ أفقهم  فتتسعُ دائرةُ التجاهل والتهميش وتصبحُ مشكلةً صحيةً واجتماعيةً لا يمكنُ تجاهلُها
 دراساتٌ وتقاريرٌ ميدانية تشيرُ إلى صعودٍ ملحوظٍ في أنماطِ الاستهلاكِ والاعتمادِ بين فئاتٍ شبابيةٍ داخل سوريا ما يستدعيَّ استجاباتٍ علاجيةً ووقائيةٍ موازيةً للمقاربةِ الأمنية
وفي العصرِ الرقميّ تُصبح الصورةُ مُحكمةً وإحالةُ الشخصِ إلى منصَّةِ العارِ فعلًا يُنفَّذُ دون محاكمةٍ عادلة فتنتشرُ ظواهرُ التشهيرِ وتتحولُ الشكاوىُ إلى ركامٍ من الإشاعاتِ التي تغذي الفتنَ وتجرحُ تماسكَ المجتمع  منظماتُ محليةٍ تروي حالاتٍ رُفِعَت فيها شكاوىٌ أو أُثيرت اتهاماتٌ عبر صفحاتٍ افتراضيةٍ تسببت لاحقًا في ملاحقاتٍ أو وصمٍ اجتماعي طويل الأمد. 
من هذه النقاط تنبثقُ ثلاثُ دعواتٍ عمليةٍ لا مرثيةً ولا صرخةً ثوريةً فحسب بل أدواتُ عملٍ تحفظُ الناسَ وتردُّ على العنفِ بصيغٍ منتجة:
أولًا — حفظُ إجراءاتِ العدالة: أيُّ اتهامٍ يجبُ أن يُستقبلَ في مسارِ تحقيقيٍّ رسميٍّ مستقلٍّ يضمنُ قرينةَ البراءة ويمنعُ إصدارَ أحكامٍ على صورٍ قبل أن تُوضَعَ أمام قضاءٍ شفافٍ
ثانيًا — مقاربةٌ صحيةٌ شاملة: مواجهةُ آفةِ المخدِّرات لا تنجحُ بعصا الأمنِ وحدها بل ببرامجِ علاجٍ متاحةٍ داخل المخيّمات بدعمٍ نفسيٍ واجتماعيٍ ومبادراتٍ اقتصاديةٍ تفتحُ أمام الشبابِ أبوابًا لتوظيفٍ وحياةٍ منتجةٍ 
ثالثًا — أخلاقياتُ النشرِ والتحقُّق: الناشطونَ والإعلاميون والأهالي جميعًا مسئولون عن لغةٍ لا تقتلُ قبل أن تُحاكمَ فالتشهيرُ قد يبقى أثرَه أبدًا بينما المحاسبةُ العادلةُ قد تُعيدُ للبشرِ كرامتهم
العدالة الانتقالية هنا ليست رفاهيةً نظريةً هي خريطةُ طريقٍ تعيدُ بناءَ الثقةِ — إحقاقُ الحقيقةِ ومحاكماتٌ عادلةٌ وإصلاحٌ مؤسَّسيٌّ وجبرُ ضررٍ للضحايا — كلّها شروطٌ لكي لا تبقى الخسائرُ مجردَ أحاديثٍ على شاشاتٍ سوداء.
وخاتمةُ القولِ ليست بمأساةٍ مسكوبةٍ على صفحاتٍ بل بمطالبةٍ بسيطةٍ: 
أن يُعاملَ أهلُ المخيّمِ كبشرٍ لهم حقوقٌ وأن تُبنى السياساتُ على حفظِ الحقِّ والكرامةِ لا على فرضِ ذلٍّ أو وصمٍ.
 إذا أردنا أن نصونَ بقايا الروحِ في تلك الأزقّةِ فعلينا أن نصونَ اللغةَ قانونًا وممارسةً فلا تكونْ وسيلةَ سحقٍ بل ممرًّا لعودةٍ متكاملةٍ للّفظِ والإنسانية.

الوسوم

رابط مختصر : http://actionpal.org.uk/ar/post/22532