map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

أن تكون نازحًا فلسطينيًّا من سوريا

تاريخ النشر : 10-09-2015
أن تكون نازحًا فلسطينيًّا من سوريا

ظاهر صالح - بيروت

خرج مع أهله وجيرانه بعد أن ازدادت الأحداث سوءا في مخيم الحسينية الذي يبعد 15 كم، جنوب دمشق.

والذي تحول خلال أسابيع إلى مدينة أشباح، الأحياء، والشوارع، والأزقة، والمحلات التي كانت تضج بالحياة لم تعد هي نفسها، والساحات المزينة بحركة الناس وأصوات الباعة، اختفت كلها، حتى البيت الذي ولد ونشأ وكبر هو وإخوته فيه، لم يعد كما هو، تفرقت العائلة الواحدة، ليسلك افرادها طريق المجهول في رحلة جديدة من الجراح والعذابات.

"رحلة محطاتها الظلم والقهر من ذوي القربى". هكذا سماها هاني علي محمد شهاب الذي جاء ويرافقه زوجته وأبناؤه الأربعة مع أفواج فلسطينيي سورية إلى لبنان قبل منع دخول الفلسطيني، وقبل إغلاق الحدود بوجهه في دول بني جلدتنا الذين باتوا يتمنون موت الفلسطيني والتخلص منه.

اختار لبنان، التي طالما سمع عنها من افواه المطربين والمطربات وهم يتغنون وتصدح اصواتهم بجمالها ويتغزلون بعاصمتها بيروت .

بيروت ست الدنيا المكتوبة على لوحة احد الجسور في شارع المزرعة، قالها في خيالاته، هي كأهلها رقة وجمالا، ولم يكن قد زارها من قبل، لكن وجد نفسه أمام هذا الخيار، لأن هذا هو الأفضل والأقل خسارة من بين عدة خيارات تفرضها الحروب، إما أن تقاتل أو تقتل أو تنتظر سقوط قذيفة أو رصاصة جبانة.

"هي معركة لا شأن لي بها، لا من قريب ولا من بعيد، إنها أقذر الحروب، الحرب الأهلية". هكذا يقيم شهاب المسألة من زاويته كانسان يسعى لعيش آمن.

"وهذه ليست معركة اللاجئ الفلسطيني، الضيف على إخوته في البلدان العربية". تجتاحه الافكار والاسئلة وتتزاحم في رأسه .

وعندما نسأله: ألا تحب سوريا يا هاني؟ بلى احبها، ولأنني احبها، لا أريد أن اكون طرفا فيها، (عدونا وعدو العرب معروف)، هو ذاك الاسرائيلي المغتصب لارضنا وارض أجدادنا .

هكذا بكل هدوء وحذر يشرح هاني ويعبر عن فكرته وأنه لم يجد أمامه من سبيل إلا أن يختار لبنان. 

لكن ما لم يكن يدركه، هو أين سيبيت هو وعائلته، وإلى أي مكان سيحط رحاله، وبالكاد يكفيه المبلغ الذي بحوزته لاستئجار غرفة في أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.

لم تكن المعيشة في بيوت المخيمات كالتي كان يتمتع بها في بيته في سوريا، فبعد ساعات كانت تمر كدهر عليه وبعد جولات بحث وجد بيتا صغيرا في مخيم عين الحلوة فاضطر لاستئجاره بمبلغ200  دولار .

وتمضي الايام على هاني وعائلته ليخوض في جولات جديدة من العذاب ويهم بالخروج والسؤال عن مكتب وكالة الاونروا، حاملا أوراق العائلة والبطاقة البيضاء ليسجل اسمه في قائمة إحدى الجمعيات الخيرية التي يدعي بعضها مساعدة اللاجئين وتقديم الخدمات للمهجرين. ويسأل عن السفارة الفلسطينية، وعن مؤسسات تسمي نفسها شؤون اللاجئين، أي لاجئين يا ترى؟ وأين هم من الفلسطيني المهان كيفما اتجه.

بدأ هاني بالبحث عن عمل، لكن أين يمكن إيجاد فرصة عمل لفلسطيني من سوريا، في بلد لا يسمح اصلا قانونه للفلسطيني من لبنان أن يعمل، وسأل كثيرا ودخل المعامل والمحال، لكن النتيجة هي ذاتها. "يسمعون لهجتي، يسألونني أنت فلسطيني ..نعم فلسطيني".،فيعود أدراجه.

عاد هاني يجر اذيال الخيبة، بعد ان ضاقت الارض عليه، وفي طريق عودته وجد شابين يعبثان بكومة نفايات، وقف ينظر إليهما وهما  يفرزان البلاستيك، والحديد.

إنها رحلة عذاب شاقة وجديدة على حياته، لكنه قرر أن يعمل ويجمع هذه المواد ويحملها إلى مراكز بيعها، ليجني  5دولارات في الأحوال العادية، وفي أحيان اخرى تجود عليه مهارته وتجارته بـ 7دولارات.

واستمر على هذه الحال أياما، متحملا الروائح المنبعثة من أكياس القمامة، لكن المشكلة التي لم يحسب لها حسابا هي ما سمعه من زملاء المهنة، وهي ان الدرك اللبناني بدأ يقوم بحملات اعتقال لهؤلاء العمال إثر شكاوى من أهالي الأبنية في مدينة صيدا تفيد بأن هناك بعض العمال يقومون بالسرقات.

يحتار هاني ويتقلب بين الخيارات الصعبة؛ هل يرجع إلى سوريا بين الموت والقصف، أم يموت جوعا وإهانة في لبنان، أم يهاجر في البحر ولا يملك للناقل والسماسرة دولارا واحدا؟ هي خيارات الموت الملون بألوان ورائحة القهر، والظلم، هو الموت فحسب، أمام الفلسطيني النازح من سوريا، ولا شيء غير الموت.

المصدر: جريدة الحال 

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/2921

ظاهر صالح - بيروت

خرج مع أهله وجيرانه بعد أن ازدادت الأحداث سوءا في مخيم الحسينية الذي يبعد 15 كم، جنوب دمشق.

والذي تحول خلال أسابيع إلى مدينة أشباح، الأحياء، والشوارع، والأزقة، والمحلات التي كانت تضج بالحياة لم تعد هي نفسها، والساحات المزينة بحركة الناس وأصوات الباعة، اختفت كلها، حتى البيت الذي ولد ونشأ وكبر هو وإخوته فيه، لم يعد كما هو، تفرقت العائلة الواحدة، ليسلك افرادها طريق المجهول في رحلة جديدة من الجراح والعذابات.

"رحلة محطاتها الظلم والقهر من ذوي القربى". هكذا سماها هاني علي محمد شهاب الذي جاء ويرافقه زوجته وأبناؤه الأربعة مع أفواج فلسطينيي سورية إلى لبنان قبل منع دخول الفلسطيني، وقبل إغلاق الحدود بوجهه في دول بني جلدتنا الذين باتوا يتمنون موت الفلسطيني والتخلص منه.

اختار لبنان، التي طالما سمع عنها من افواه المطربين والمطربات وهم يتغنون وتصدح اصواتهم بجمالها ويتغزلون بعاصمتها بيروت .

بيروت ست الدنيا المكتوبة على لوحة احد الجسور في شارع المزرعة، قالها في خيالاته، هي كأهلها رقة وجمالا، ولم يكن قد زارها من قبل، لكن وجد نفسه أمام هذا الخيار، لأن هذا هو الأفضل والأقل خسارة من بين عدة خيارات تفرضها الحروب، إما أن تقاتل أو تقتل أو تنتظر سقوط قذيفة أو رصاصة جبانة.

"هي معركة لا شأن لي بها، لا من قريب ولا من بعيد، إنها أقذر الحروب، الحرب الأهلية". هكذا يقيم شهاب المسألة من زاويته كانسان يسعى لعيش آمن.

"وهذه ليست معركة اللاجئ الفلسطيني، الضيف على إخوته في البلدان العربية". تجتاحه الافكار والاسئلة وتتزاحم في رأسه .

وعندما نسأله: ألا تحب سوريا يا هاني؟ بلى احبها، ولأنني احبها، لا أريد أن اكون طرفا فيها، (عدونا وعدو العرب معروف)، هو ذاك الاسرائيلي المغتصب لارضنا وارض أجدادنا .

هكذا بكل هدوء وحذر يشرح هاني ويعبر عن فكرته وأنه لم يجد أمامه من سبيل إلا أن يختار لبنان. 

لكن ما لم يكن يدركه، هو أين سيبيت هو وعائلته، وإلى أي مكان سيحط رحاله، وبالكاد يكفيه المبلغ الذي بحوزته لاستئجار غرفة في أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.

لم تكن المعيشة في بيوت المخيمات كالتي كان يتمتع بها في بيته في سوريا، فبعد ساعات كانت تمر كدهر عليه وبعد جولات بحث وجد بيتا صغيرا في مخيم عين الحلوة فاضطر لاستئجاره بمبلغ200  دولار .

وتمضي الايام على هاني وعائلته ليخوض في جولات جديدة من العذاب ويهم بالخروج والسؤال عن مكتب وكالة الاونروا، حاملا أوراق العائلة والبطاقة البيضاء ليسجل اسمه في قائمة إحدى الجمعيات الخيرية التي يدعي بعضها مساعدة اللاجئين وتقديم الخدمات للمهجرين. ويسأل عن السفارة الفلسطينية، وعن مؤسسات تسمي نفسها شؤون اللاجئين، أي لاجئين يا ترى؟ وأين هم من الفلسطيني المهان كيفما اتجه.

بدأ هاني بالبحث عن عمل، لكن أين يمكن إيجاد فرصة عمل لفلسطيني من سوريا، في بلد لا يسمح اصلا قانونه للفلسطيني من لبنان أن يعمل، وسأل كثيرا ودخل المعامل والمحال، لكن النتيجة هي ذاتها. "يسمعون لهجتي، يسألونني أنت فلسطيني ..نعم فلسطيني".،فيعود أدراجه.

عاد هاني يجر اذيال الخيبة، بعد ان ضاقت الارض عليه، وفي طريق عودته وجد شابين يعبثان بكومة نفايات، وقف ينظر إليهما وهما  يفرزان البلاستيك، والحديد.

إنها رحلة عذاب شاقة وجديدة على حياته، لكنه قرر أن يعمل ويجمع هذه المواد ويحملها إلى مراكز بيعها، ليجني  5دولارات في الأحوال العادية، وفي أحيان اخرى تجود عليه مهارته وتجارته بـ 7دولارات.

واستمر على هذه الحال أياما، متحملا الروائح المنبعثة من أكياس القمامة، لكن المشكلة التي لم يحسب لها حسابا هي ما سمعه من زملاء المهنة، وهي ان الدرك اللبناني بدأ يقوم بحملات اعتقال لهؤلاء العمال إثر شكاوى من أهالي الأبنية في مدينة صيدا تفيد بأن هناك بعض العمال يقومون بالسرقات.

يحتار هاني ويتقلب بين الخيارات الصعبة؛ هل يرجع إلى سوريا بين الموت والقصف، أم يموت جوعا وإهانة في لبنان، أم يهاجر في البحر ولا يملك للناقل والسماسرة دولارا واحدا؟ هي خيارات الموت الملون بألوان ورائحة القهر، والظلم، هو الموت فحسب، أمام الفلسطيني النازح من سوريا، ولا شيء غير الموت.

المصدر: جريدة الحال 

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/2921