map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

وقد يجمع الله الشتيتين

تاريخ النشر : 01-03-2016
وقد يجمع الله الشتيتين

ماجد محمد الأنصاري

خلال الأسبوع الماضي حضرت حفل زفاف لا أعرف فيه أحدا، لم أكن أعرف العريس ولا أحداً من أهله، لا تجمعني به صلة دم أو نسب، بل، وحيث إن الحفل كان في مانشستر البريطانية فإنني لم أعرف معظم الحضور، لماذا كنت هناك؟ بسبب قصة العريسين.

بعض الأصدقاء حضر من لندن والتي تبعد قرابة الأربع ساعات بالسيارة لحضور هذا الزفاف، ونظراً لأني أتخذ من مانشستر مستقراً مؤقتاً خلال رحلة الدكتوراه تواصلنا والتقينا قبل الحفل الذي لم أكن أعرف عنه شيئاً، سألتهم عن الرابط بينهم وبين العريس، فأجابوا بأنهم لا يعرفونه، إذن لماذا يشد أربعة أشخاص الرحال لحضور زفاف شخص لا يعرفونه؟ إجابة هذا السؤال هي التي جعلتني خامسهم، العريس والعروس من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وبالتحديد العريس محمد عيسى من درعا وزوجته سارة سحيم من مخيم خان الشيح، تمت خطبتهم قبل سنوات ومع تطور أحداث الثورة السورية إلى حرب أهلية اضطر العريسان للافتراق في رحلة لجوء صعبة، العريس انتقل من سوريا إلى لبنان ثم تركيا ومروراً بمقدونيا وصربيا والمجر والنمسا وألمانيا واستقر به الأمر في هولندا، أما عائلة العروس فبدأت في لبنان ثم ماليزيا ثم تفرقت العائلة لتذهب العروس منفردة إلى بريطانيا بينما تستقر بقية العائلة في ليبيا، كل ذلك طبعاً ليس سفراً عادياً إنما هي رحلة حياة أو موت بين الحدود المتلاطمة كالأمواج هنا يدخلون بشكل غير رسمي وهناك باستخدام أوراق غير قانونية ومكان آخر بأوراق مرور فقط وهكذا.

حملت الرياح العريسين حتى انتهى المطاف بالعروس في مانشستر وبالعريس في هولندا، وبعد تدخل مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية وبعض الناشطين بدأ العمل على استخراج موافقة للم شمل العريسين واستمرت المحاولات حتى استصدرت الموافقة لقدوم محمد إلى مانشستر ليجتمع أخيراً مع زوجة المستقبل خطيبة السنوات، وبعد رحلة طويلة شاقة مليئة بالمخاطر اجتمع الزوجان في مدينة واحدة ليعقدوا القران في الغربة.

لم يستقم لبعض الناشطين الذين سعوا في جمع الشتيتين أن يتم الأمر دون حفل زفاف حقيقي، ولكن العريس الذي وصل منذ أيام إلى مانشستر ليستقر فيها والعروس التي لم يطل بها المقام لم تكن لهم دائرة اجتماعية تسعفهم، فمن سيحضر هذا الزفاف ومن سيحييه ويساهم في ترتيبه وليس لهم أهل أو عشيرة أو حتى معارف في هذه الغربة؟ هنا تضافرت الجهود بين المؤسسات وأبناء الجالية الفلسطينية لترتيب حفل الزفاف الذي حضرناه، لم يكن حفلاً بذخاً ولا كان الحضور بالمئات، كان حفلاً بسيطاً في قاعة صغيرة وعلى ما تيسر من الطعام، ولكن الروح التي جمعت أولئك الناس في تلك القاعة الصغيرة كانت كافية لجعل حفل زفافهم أسطورياً.

دخل العريس القاعة وهو لا يعرف إلا قلة من الحضور وكذلك والد العروس الذي تكبد مشقة السفر ليفرح بابنته، دخلا القاعة وسط الأهازيج والتبريكات، والد العروس لم يتمالك نفسه وهو يشكر الناس على حضورهم فاغرورقت عيناه، والفرحة البادية على عيني العريس الذي أمضى شهوراً في عزلة وتشرد ليجد نفسه فجأة وسط أكثر من خمسين شخصاً لم يجمعهم إلا رغبتهم المشاركة في فرحته كانت استثنائية، كان يوماً يدعوك إلى الفخر بانتمائك لهذه الأمة التي يشد بعضها بعضاً.

فلسطينيو سوريا كما هو الحال مع الملايين من أهلها وجدوا أنفسهم في أتون حرب طاحنة يقودها نظام مجرم تعاونه قوى دولية وإقليمية على دك المدن السورية وتشريد أهلها ليل نهار، هناك إلى جوار ملايين اللاجئين السوريين أكثر من 135 ألف لاجئ من فلسطيني سوريا، حسب إحصاءات مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا وما زال مخيم اليرموك يعاني حصاراً خانقاً لقرابة الألف يوم مع انقطاع الكهرباء والماء، فلسطينيو سوريا هم جزء من حالة الشتات السوري التي تمثل مأساة هذا العصر، قصة محمد وسارة ليست استثنائية وليست هي الأقسى في هذه المأساة المستمرة، السوريون وفلسطينيو سوريا معهم يغرقون في مياه المتوسط، يموتون في البرد وتفتك بهم الأمراض في المخيمات، اللجوء حالة غير إنسانية يتحول معها الإنسان إلى رقم، إما رقم على طلب اللجوء، أو رقم سجين في سجون الإبعاد، أو رقم لاجئ في مخيمات اللجوء، أو ربما رقم ضحية في مركب غارق أو تابوت مجهول الهوية.

محمد وسارة يمثلان ذلك الجانب المشرق وبصيص الأمل الذي يتبدى من رحم المأساة، عائلة جديدة تتشكل، ذكرياتها بدأت بقصة ملحمية سيروونها بلا شك لأبنائهم وأحفادهم، هذه القصة ستكون الدافع الذي سيحرك الأجيال القادمة للإنجاز في مجتمعات الغربة، للتميز علمياً وعملياً، بانتظار ذلك اليوم الذي يعود معه هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم التي تركوها مكرهين، حين تزول الغمة عن الأمة في سوريا وفلسطين، حينها ستكون هذه الذاكرة التاريخية من المآسي هي الدافع الأول حتى لا نكرر أخطاء الأمس.

المصدر: صحيفة العرب 

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/4363

ماجد محمد الأنصاري

خلال الأسبوع الماضي حضرت حفل زفاف لا أعرف فيه أحدا، لم أكن أعرف العريس ولا أحداً من أهله، لا تجمعني به صلة دم أو نسب، بل، وحيث إن الحفل كان في مانشستر البريطانية فإنني لم أعرف معظم الحضور، لماذا كنت هناك؟ بسبب قصة العريسين.

بعض الأصدقاء حضر من لندن والتي تبعد قرابة الأربع ساعات بالسيارة لحضور هذا الزفاف، ونظراً لأني أتخذ من مانشستر مستقراً مؤقتاً خلال رحلة الدكتوراه تواصلنا والتقينا قبل الحفل الذي لم أكن أعرف عنه شيئاً، سألتهم عن الرابط بينهم وبين العريس، فأجابوا بأنهم لا يعرفونه، إذن لماذا يشد أربعة أشخاص الرحال لحضور زفاف شخص لا يعرفونه؟ إجابة هذا السؤال هي التي جعلتني خامسهم، العريس والعروس من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وبالتحديد العريس محمد عيسى من درعا وزوجته سارة سحيم من مخيم خان الشيح، تمت خطبتهم قبل سنوات ومع تطور أحداث الثورة السورية إلى حرب أهلية اضطر العريسان للافتراق في رحلة لجوء صعبة، العريس انتقل من سوريا إلى لبنان ثم تركيا ومروراً بمقدونيا وصربيا والمجر والنمسا وألمانيا واستقر به الأمر في هولندا، أما عائلة العروس فبدأت في لبنان ثم ماليزيا ثم تفرقت العائلة لتذهب العروس منفردة إلى بريطانيا بينما تستقر بقية العائلة في ليبيا، كل ذلك طبعاً ليس سفراً عادياً إنما هي رحلة حياة أو موت بين الحدود المتلاطمة كالأمواج هنا يدخلون بشكل غير رسمي وهناك باستخدام أوراق غير قانونية ومكان آخر بأوراق مرور فقط وهكذا.

حملت الرياح العريسين حتى انتهى المطاف بالعروس في مانشستر وبالعريس في هولندا، وبعد تدخل مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية وبعض الناشطين بدأ العمل على استخراج موافقة للم شمل العريسين واستمرت المحاولات حتى استصدرت الموافقة لقدوم محمد إلى مانشستر ليجتمع أخيراً مع زوجة المستقبل خطيبة السنوات، وبعد رحلة طويلة شاقة مليئة بالمخاطر اجتمع الزوجان في مدينة واحدة ليعقدوا القران في الغربة.

لم يستقم لبعض الناشطين الذين سعوا في جمع الشتيتين أن يتم الأمر دون حفل زفاف حقيقي، ولكن العريس الذي وصل منذ أيام إلى مانشستر ليستقر فيها والعروس التي لم يطل بها المقام لم تكن لهم دائرة اجتماعية تسعفهم، فمن سيحضر هذا الزفاف ومن سيحييه ويساهم في ترتيبه وليس لهم أهل أو عشيرة أو حتى معارف في هذه الغربة؟ هنا تضافرت الجهود بين المؤسسات وأبناء الجالية الفلسطينية لترتيب حفل الزفاف الذي حضرناه، لم يكن حفلاً بذخاً ولا كان الحضور بالمئات، كان حفلاً بسيطاً في قاعة صغيرة وعلى ما تيسر من الطعام، ولكن الروح التي جمعت أولئك الناس في تلك القاعة الصغيرة كانت كافية لجعل حفل زفافهم أسطورياً.

دخل العريس القاعة وهو لا يعرف إلا قلة من الحضور وكذلك والد العروس الذي تكبد مشقة السفر ليفرح بابنته، دخلا القاعة وسط الأهازيج والتبريكات، والد العروس لم يتمالك نفسه وهو يشكر الناس على حضورهم فاغرورقت عيناه، والفرحة البادية على عيني العريس الذي أمضى شهوراً في عزلة وتشرد ليجد نفسه فجأة وسط أكثر من خمسين شخصاً لم يجمعهم إلا رغبتهم المشاركة في فرحته كانت استثنائية، كان يوماً يدعوك إلى الفخر بانتمائك لهذه الأمة التي يشد بعضها بعضاً.

فلسطينيو سوريا كما هو الحال مع الملايين من أهلها وجدوا أنفسهم في أتون حرب طاحنة يقودها نظام مجرم تعاونه قوى دولية وإقليمية على دك المدن السورية وتشريد أهلها ليل نهار، هناك إلى جوار ملايين اللاجئين السوريين أكثر من 135 ألف لاجئ من فلسطيني سوريا، حسب إحصاءات مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا وما زال مخيم اليرموك يعاني حصاراً خانقاً لقرابة الألف يوم مع انقطاع الكهرباء والماء، فلسطينيو سوريا هم جزء من حالة الشتات السوري التي تمثل مأساة هذا العصر، قصة محمد وسارة ليست استثنائية وليست هي الأقسى في هذه المأساة المستمرة، السوريون وفلسطينيو سوريا معهم يغرقون في مياه المتوسط، يموتون في البرد وتفتك بهم الأمراض في المخيمات، اللجوء حالة غير إنسانية يتحول معها الإنسان إلى رقم، إما رقم على طلب اللجوء، أو رقم سجين في سجون الإبعاد، أو رقم لاجئ في مخيمات اللجوء، أو ربما رقم ضحية في مركب غارق أو تابوت مجهول الهوية.

محمد وسارة يمثلان ذلك الجانب المشرق وبصيص الأمل الذي يتبدى من رحم المأساة، عائلة جديدة تتشكل، ذكرياتها بدأت بقصة ملحمية سيروونها بلا شك لأبنائهم وأحفادهم، هذه القصة ستكون الدافع الذي سيحرك الأجيال القادمة للإنجاز في مجتمعات الغربة، للتميز علمياً وعملياً، بانتظار ذلك اليوم الذي يعود معه هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم التي تركوها مكرهين، حين تزول الغمة عن الأمة في سوريا وفلسطين، حينها ستكون هذه الذاكرة التاريخية من المآسي هي الدافع الأول حتى لا نكرر أخطاء الأمس.

المصدر: صحيفة العرب 

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/4363