map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

هذه حكايتي (31)|| "ربا رحمة" جعلت من جراحي ومأساتي وسيلة لنزف إبداعي المغموس بالأمل والعمل

تاريخ النشر : 12-02-2018
هذه حكايتي (31)|| "ربا رحمة" جعلت من جراحي ومأساتي  وسيلة لنزف إبداعي المغموس بالأمل والعمل

مجموعة العمل – فايز أبو عيد| بيروت

على مر العصور هنالك مبدعين استطاعوا بالرغم من مأساتهم وآلامهم، أن فجروا ما بدخلهم من معاناة إبداعاً، ليصلوا إلى حالة الاستقرار الروحي، ويبدؤوا بعدها بنسج واقعهم بطريقتهم، بحسب ما يروه، وهذا ما حققه اللاجئون الفلسطينيون في دول الشتات الجديد، ومنهم اللاجئة الفلسطينية السورية "ربا رحمة" التي حملت معها ذكرياتها وأحلامها ومأساتها، جاعلة من جرحها وآهاتها وسيلة لنزف إبداعاها المغموس بالأمل والعمل.

ربا رحمة فلسطينية من مدينة طبريا في فلسطين، ولدت في مخيم اليرموك في سوريا، تحمل شهادة جامعية في اللغة العربية، تحب الكتابة و الرسم وتبدع في فن الزخرفة والخط العربي، هي من أسرة محبة للعلم والعمل، والدها حاصل على اجازة عامة في الآداب وعمل في الصحافة، أما والدتها درست اللغة العربية وعملت في التعليم بالمدارس السورية.

غادرنا مخيمنا بعد أن فقدنا الأمان

ربا رحمة مثلها مثل الألاف من الفلسطينيين والسوريين الذين غادروا مرغمين منازلهم وممتلكاتهم بعد أن تدهور الوضع الأمني في لأماكن سكنهم جراء الصراع الدائر في سورية، تقول ربا "اضطررت أنا وعائلتي مغادرة مخيم اليرموك يوم 17 كانون الأول 2012 بعد أن قُصف المخيم ودخلت قوات المعارضة السورية المسلحة إليه، مكثنا في بيت أحد أقاربنا في دمشق مدة وجيزة، وكلنا أمل أن نعود إلى منازلنا بعد شهر أو شهرين، إلا أننا لاحظنا من مجرى الأحداث المتصاعد في سورية أن اقامتنا وتشردنا سوف يطول، فقررنا اللجوء إلى لبنان بحثاً عن الآمن والأمان ولأنها الأقرب إلى سورية. 

تتابع ربا سرد قصتها "وصلت إلى لبنان أنا وعائلتي المكونة من ستة أشخاص، والدي ووالدتي وابنتان وأخوين ذكور، يوم 2 كانون الثاني/ 2013، إلا أننا صدمنا بالواقع المعيشي الصعب وغلاء الأسعار وعدم وجود فرص عمل لجميع اللاجئين، لذلك كانت السنة الأولى الأكثر صعوبة على كل أفراد العائلة، وبتنا أمام خيارين أما "الأمل والعمل"، أو اليأس والاكتئاب"، وبما أننا أسرة تعودنا أن ننهض من تحت الأنقاض ونبادر إلى العمل، اخترنا خيار الأمل والعمل، كي نبث الطمئنية ليس فقط في نفوسنا وإنما في نفوس ممن حولنا والتي دمرت الحرب حياتهم وجعلتهم أكثر عرضة لليأس.

تستطرد ربا تمكنا بفضل مساعدة والدي من ايجاد فرصة عمل في مجال التعليم، فقد بدأت أعطي دروس خصوصية في اللغة العربية للطلاب والطالبات اللاجئات إلى لبنان، بعدها تعرفت على ذوييهم وأصدقائهم وحينها بدأت دائرة علاقتي تتسع وبت على يقين أن وضعنا أفضل من عدد من العائلات التي لا تجد قوت يومها.  

من جانبهما اختارت شقيقاتي هزار وسلام بعد أن فقدتا الأمل بإكمال تعليمهما الجامعي بسبب غلاء أقساط الجامعات اللبنانية واختلاف المنهاج، العمل مع الأطفال لترسما على وجوههم البسمة وتعطيهم الأمل بغد أفضل، وكنت كلما عدت إلى البيت وجدت معهما ما يقارب 15 طفلاً يرسمون ويقفزون ويلعبون ويتعلمون الدبكة وحب فلسطين.    

تشير ربا إلى أنها أثناء ذلك بدأت بالعمل التطوعي في جمعية التنمية للإنسان والبيئة، والمنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان، وبعدها انتقلت للعمل في جمعيات عديدة، اكتسبت من خلال تجربتها وعملها خبرة في كيفية الرصد والتوثيق، وتعلمت كيفية حل النزاع بالطرق السلمية، وأن الصورة النمطية للاجئ لا يمكن أن تتغير إلا بعد أن نرسمها بشكلها الجيد أمام الشعب اللبناني الذي كان يرفض وجودنا ويعاملنا معاملة عنصرية، كما عملت ناشطة شبابية وحقوقية في لبنان، وشاركت بتجربة في الكتابة الابداعية في كتاب حكايات اللجوء الفلسطيني و ايضا تجربة بسيطة في الكتابة الصحفية بموقع شبابيك الالكتروني، وكذلك عملت مدربة دعم نفسي واجتماعي وتحويل النزاع والمهارات الحياتية للمراهقين والاطفال الذين عاصروا الحرب، وتطوعت في عدة جمعيات محلية اجتماعية وثقافية تخدم الوسط الفلسطيني في لبنان.

فرقة لاجئ للتراث والفنون الشعبية والحديثة

لا تحبذ ربا رحمة أن تتحدث عن انجازاتها التي حققتها في مجال العمل التطوعي دون ذكر عائلتها التي باتت مشتتة اليوم بين هولندا وأمريكا وألمانيا، وأصدقائها الذين حفظوها ودفعوها للعمل وأعطوها الأمل في المتابعة والاستمرار.

وعن تأسيس فرقة لاجئ للتراث تحدثنا ربا أن الفكرة انطلقت من اقتراح أختي سلام التي كانت تدرس وتقدم دعم نفسي لأطفال فلسطينيي سورية في لبنان، على إنشاء فرقة للصغار

بعد أن لمست الموهبة لديهم وكذلك لإشغال وقتهم بشيء مفيد ينسيهم آلام الحرب ويجعلهم مفيدين لمجتمعهم، تتابع ربا أن اختها بدأت بالفعل مشروعها بشكل بسيط حيث قدمت حفلات للصغار في مخيم عين الحلوة، ومدينة صيدا، وفي عام 2015 اقترحت سلام أن تؤسس فرقة فنية تضم أطفالها وأخي الأصغر صالح الذي لم يكن له حظ في المدارس اللبنانية لكنه كان يملك صوت رائع، بالإضافة إلى هوايته المميزة رياضة (البريك دانس)، وبعض التلاميذ الموهوبين  بالغناء والمسرح والراب ممن كنت أعلمهم في صفي وتناقشنا بتسمية الفرقة بين لاجئ او لاجئ ويعيد، فاخترنا أن نسمي الفرقة فرقة لاجئ للتراث والفنون الشعبية.

تشدد ربا على أن فكرة إنشاء فرقة ليس بالأمر اليسير فقد تعذبنا في البداية نتيجة العقبات الكثيرة التي واجهتنا وهي عدم وجود تمويل مالي للفرقة أو مكان للتدريب، أو الاستخفاف بنا، حتى أن هناك جهات اقترحت علينا أن تتبنى الفكرة ولكن تكون تحت وصايتها وتابعة لها، إلا أننا رفضنا ذلك لهذا حوربنا ووضعوا أمامنا العراقيل الكيرة، لذا اتخذنا من الكورنيش البحري والحدائق مكاناً للتدريب وأصبح عنواننا لاجئ بكل معنى الكلمة، وأصبحت هذه الكلمة محل فخر لدى كل الشبان ولكن هذا جعلنا نقتصر على الأطفال الذين من الصعب جلبهم من بيوتهم الى الكورنيش واعادتهم الى أهاليهم.

إلا أننا أصرينا على أن نكون مستقلين بشكل تام فكان البديل أن نعتمد على ذاتنا سواء بالتمويل أو الأمور الأخرى، حتى أننا كنا ندرب الفرقة في منزلنا أو بعض الجمعيات الصديقة التي تقبلت الفكرة وشجعتها، وبالفعل وفقنا الله في عام 2015 وقدمت الفرقة ما يقارب 5 عروض في بلدية صيدا، وعلى الكورنيش البحري لصيدا وفي الجمعيات.

تستطرد ربا بدأت الفرقة تشتهر على صعيد صيدا،  إلا أن أختي سلام هاجرت في أواخر عام 2015، وتركت الفرقة دون مشرف، وهنا بدأت أفكر بحل جدي للنهوض بالفرقة التي لم يكن يعنيني الجانب الفني فيها، بقدر ما كان يعنيني أولئك الأطفال الذين وجدوا في الفرقة ملاذا للانطلاق مواهبهم وسد الفراغ الحاصل في حياتهم، خاصة أن عدد منهم لم يستطع إكمال تعليمه، في هذه الأثناء وأنا في حيرة من أمري آخذ بلال وهو أحد المتطوعين في الفرقة قراره بالتطوع لإكمال ما بدأته أختي في تدريب الفرقة والنهوض بها مجدداً، وهنا بدأت الفرقة باستعادة نشاطها من جديد، فكانت الثمرة أننا أقمنا  عدد من الحفلات بأربع مناطق مختلفة في لبنان من بيروت الى النبطية وصور وجزين، عدا العروض التي كانت تقام في صيدا.

نهوض الفرقة وتحقيقها النجاح جعلاني فخورة بأن عملنا بدأ يزهر ويحقق النجاح، حتى أننا حققنا انتشاراً واسعاً وبدأ اسم الفرقة معروف عند العديد من الجمعيات التي أصبحت محبة لأعمال الفرقة، والتي تخصصت أكثر فأصبح لدينا فريق لرياضة( البريك دانس) بإشراف المدرب "صالح رحمة" وفريق للدبكة بإشراف المدرب بلال قاسم، وفريق للراب بإشراف المدرب "مالك العلي"، تضيف ربا فرقة لاجئ للتراث لم تعد تقتصر على وجود اللاجئ الفلسطيني المهجر م سورية إلى لبنان بل أصبحت تضم أعضاء جدد من الجنسية السورية واللبنانية.

و في شهر أيلول من عام 2017 فتح مركز معروف سعد الثقافي في صيدا أبوابه لنا يوماً في الاسبوع، وهذا كان كفيلاً لأن نحقق بعض الخصوصية مما جعلنا نعيد فريق الأطفال للعمل، حتى أن عدد أعضاء الفرقة وصل إلى 31 شخصاً في آخر عرض قدمنا في مركز معروف سعد بصيدا، والذي حضره ما يقارب 300 من الجمهور وارسلوا لي الكثير من التهاني لنجاح العرض بإمكانياتنا الصغيرة وأرادتنا الكبيرة، فالفرقة اليوم تمثل لي العائلة فلا استطيع إلا وأن اطمئن عليهم وعلى حياتهم الاجتماعية وتعرفي على أهلهم الذين أصبحوا من أعز الأصدقاء والمعارف.  

تشير ربا رحمة إلى أن أنه بجهود أعضاء الفرقة وإيمانهم بعملهم استطاعوا تجاوز العديد من العثرات وتحقيق النجاح، فقد استطاعت الفرقة تشتري لباس تراث فلسطيني وتجهز استديو للتسجيل خاص بها، وهذا ما جعلني أؤمن أنه مهما طال بنا الزمن وقست علينا الظروف لابد من يوم لنخرج به ناجحين ونثبت للجميع أننا نستطيع إنجاح مبادرة فردية تقوم على دعم نفسها بنفسها، فبعد ثلاث سنوات من 2015 و حتى اليوم أصبح اسم فرقة لاجئ للتراث معروفاً على مستوى كبير في لبنان، وقد تلقت الفرقة دعوات كثيرة من قبل الجمعيات والكشاف للمشاركة في عروضهم.

الإنسان هو أساس التغيير

ترى "ربا رحمة" في ختام  سرد قصتها لمجموعة العمل أن الإنسان هو أساس التغيير، فمهما قست علينا الظروف لا بد أن نواجهها بإرادة صلبة، فالشعب الفلسطيني  لم تكسر إرادته المصائب والنكبات المتتالية التي مر بها، وأنا فرد من هذا الشعب أحمل رسالة منذ صغري أعمل على تحقيقها وهي أن أكون جزءً من تحرير فلسطين، وهذا يبدأ بتوعية الشباب والأطفال وأبعادهم عن التطرف والتسلح والطرق الملتوية ورفاق السوء، وذلك من خلال غرس العادات والتقاليد الجيدة فيهم وغرس حب فلسطين في قلوبهم من خلال تقديم المسرحيات والأغاني الوطنية أو حتى الدبكات لهم وتعليمهم تراث وطنهم، لأننا جميعاً نعلم أن عدونا الصهيوني يسعى بشكل حثيث إلى غزو عقولنا وتفرقتنا بأي وسيلة، وتضيف ربا لقد استطعت بحسب وجهة نظري أن أغير ولو بشكل بسيط نفوس وذهنية بعض اللاجئين من خلال الاعتماد على أنفسهم وعدم إلقاء اللوم على قياداتهم بشكل دائم، فأنا أؤمن أن الشباب هم أساس التغيير، وعماد التحرير لذلك وجب علينا زرع الأمل والمحبة في قلوبهم والارادة والتصميم في عقولهم كي نتجاوز محننا وآلام دربنا الجديد.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/9064

مجموعة العمل – فايز أبو عيد| بيروت

على مر العصور هنالك مبدعين استطاعوا بالرغم من مأساتهم وآلامهم، أن فجروا ما بدخلهم من معاناة إبداعاً، ليصلوا إلى حالة الاستقرار الروحي، ويبدؤوا بعدها بنسج واقعهم بطريقتهم، بحسب ما يروه، وهذا ما حققه اللاجئون الفلسطينيون في دول الشتات الجديد، ومنهم اللاجئة الفلسطينية السورية "ربا رحمة" التي حملت معها ذكرياتها وأحلامها ومأساتها، جاعلة من جرحها وآهاتها وسيلة لنزف إبداعاها المغموس بالأمل والعمل.

ربا رحمة فلسطينية من مدينة طبريا في فلسطين، ولدت في مخيم اليرموك في سوريا، تحمل شهادة جامعية في اللغة العربية، تحب الكتابة و الرسم وتبدع في فن الزخرفة والخط العربي، هي من أسرة محبة للعلم والعمل، والدها حاصل على اجازة عامة في الآداب وعمل في الصحافة، أما والدتها درست اللغة العربية وعملت في التعليم بالمدارس السورية.

غادرنا مخيمنا بعد أن فقدنا الأمان

ربا رحمة مثلها مثل الألاف من الفلسطينيين والسوريين الذين غادروا مرغمين منازلهم وممتلكاتهم بعد أن تدهور الوضع الأمني في لأماكن سكنهم جراء الصراع الدائر في سورية، تقول ربا "اضطررت أنا وعائلتي مغادرة مخيم اليرموك يوم 17 كانون الأول 2012 بعد أن قُصف المخيم ودخلت قوات المعارضة السورية المسلحة إليه، مكثنا في بيت أحد أقاربنا في دمشق مدة وجيزة، وكلنا أمل أن نعود إلى منازلنا بعد شهر أو شهرين، إلا أننا لاحظنا من مجرى الأحداث المتصاعد في سورية أن اقامتنا وتشردنا سوف يطول، فقررنا اللجوء إلى لبنان بحثاً عن الآمن والأمان ولأنها الأقرب إلى سورية. 

تتابع ربا سرد قصتها "وصلت إلى لبنان أنا وعائلتي المكونة من ستة أشخاص، والدي ووالدتي وابنتان وأخوين ذكور، يوم 2 كانون الثاني/ 2013، إلا أننا صدمنا بالواقع المعيشي الصعب وغلاء الأسعار وعدم وجود فرص عمل لجميع اللاجئين، لذلك كانت السنة الأولى الأكثر صعوبة على كل أفراد العائلة، وبتنا أمام خيارين أما "الأمل والعمل"، أو اليأس والاكتئاب"، وبما أننا أسرة تعودنا أن ننهض من تحت الأنقاض ونبادر إلى العمل، اخترنا خيار الأمل والعمل، كي نبث الطمئنية ليس فقط في نفوسنا وإنما في نفوس ممن حولنا والتي دمرت الحرب حياتهم وجعلتهم أكثر عرضة لليأس.

تستطرد ربا تمكنا بفضل مساعدة والدي من ايجاد فرصة عمل في مجال التعليم، فقد بدأت أعطي دروس خصوصية في اللغة العربية للطلاب والطالبات اللاجئات إلى لبنان، بعدها تعرفت على ذوييهم وأصدقائهم وحينها بدأت دائرة علاقتي تتسع وبت على يقين أن وضعنا أفضل من عدد من العائلات التي لا تجد قوت يومها.  

من جانبهما اختارت شقيقاتي هزار وسلام بعد أن فقدتا الأمل بإكمال تعليمهما الجامعي بسبب غلاء أقساط الجامعات اللبنانية واختلاف المنهاج، العمل مع الأطفال لترسما على وجوههم البسمة وتعطيهم الأمل بغد أفضل، وكنت كلما عدت إلى البيت وجدت معهما ما يقارب 15 طفلاً يرسمون ويقفزون ويلعبون ويتعلمون الدبكة وحب فلسطين.    

تشير ربا إلى أنها أثناء ذلك بدأت بالعمل التطوعي في جمعية التنمية للإنسان والبيئة، والمنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان، وبعدها انتقلت للعمل في جمعيات عديدة، اكتسبت من خلال تجربتها وعملها خبرة في كيفية الرصد والتوثيق، وتعلمت كيفية حل النزاع بالطرق السلمية، وأن الصورة النمطية للاجئ لا يمكن أن تتغير إلا بعد أن نرسمها بشكلها الجيد أمام الشعب اللبناني الذي كان يرفض وجودنا ويعاملنا معاملة عنصرية، كما عملت ناشطة شبابية وحقوقية في لبنان، وشاركت بتجربة في الكتابة الابداعية في كتاب حكايات اللجوء الفلسطيني و ايضا تجربة بسيطة في الكتابة الصحفية بموقع شبابيك الالكتروني، وكذلك عملت مدربة دعم نفسي واجتماعي وتحويل النزاع والمهارات الحياتية للمراهقين والاطفال الذين عاصروا الحرب، وتطوعت في عدة جمعيات محلية اجتماعية وثقافية تخدم الوسط الفلسطيني في لبنان.

فرقة لاجئ للتراث والفنون الشعبية والحديثة

لا تحبذ ربا رحمة أن تتحدث عن انجازاتها التي حققتها في مجال العمل التطوعي دون ذكر عائلتها التي باتت مشتتة اليوم بين هولندا وأمريكا وألمانيا، وأصدقائها الذين حفظوها ودفعوها للعمل وأعطوها الأمل في المتابعة والاستمرار.

وعن تأسيس فرقة لاجئ للتراث تحدثنا ربا أن الفكرة انطلقت من اقتراح أختي سلام التي كانت تدرس وتقدم دعم نفسي لأطفال فلسطينيي سورية في لبنان، على إنشاء فرقة للصغار

بعد أن لمست الموهبة لديهم وكذلك لإشغال وقتهم بشيء مفيد ينسيهم آلام الحرب ويجعلهم مفيدين لمجتمعهم، تتابع ربا أن اختها بدأت بالفعل مشروعها بشكل بسيط حيث قدمت حفلات للصغار في مخيم عين الحلوة، ومدينة صيدا، وفي عام 2015 اقترحت سلام أن تؤسس فرقة فنية تضم أطفالها وأخي الأصغر صالح الذي لم يكن له حظ في المدارس اللبنانية لكنه كان يملك صوت رائع، بالإضافة إلى هوايته المميزة رياضة (البريك دانس)، وبعض التلاميذ الموهوبين  بالغناء والمسرح والراب ممن كنت أعلمهم في صفي وتناقشنا بتسمية الفرقة بين لاجئ او لاجئ ويعيد، فاخترنا أن نسمي الفرقة فرقة لاجئ للتراث والفنون الشعبية.

تشدد ربا على أن فكرة إنشاء فرقة ليس بالأمر اليسير فقد تعذبنا في البداية نتيجة العقبات الكثيرة التي واجهتنا وهي عدم وجود تمويل مالي للفرقة أو مكان للتدريب، أو الاستخفاف بنا، حتى أن هناك جهات اقترحت علينا أن تتبنى الفكرة ولكن تكون تحت وصايتها وتابعة لها، إلا أننا رفضنا ذلك لهذا حوربنا ووضعوا أمامنا العراقيل الكيرة، لذا اتخذنا من الكورنيش البحري والحدائق مكاناً للتدريب وأصبح عنواننا لاجئ بكل معنى الكلمة، وأصبحت هذه الكلمة محل فخر لدى كل الشبان ولكن هذا جعلنا نقتصر على الأطفال الذين من الصعب جلبهم من بيوتهم الى الكورنيش واعادتهم الى أهاليهم.

إلا أننا أصرينا على أن نكون مستقلين بشكل تام فكان البديل أن نعتمد على ذاتنا سواء بالتمويل أو الأمور الأخرى، حتى أننا كنا ندرب الفرقة في منزلنا أو بعض الجمعيات الصديقة التي تقبلت الفكرة وشجعتها، وبالفعل وفقنا الله في عام 2015 وقدمت الفرقة ما يقارب 5 عروض في بلدية صيدا، وعلى الكورنيش البحري لصيدا وفي الجمعيات.

تستطرد ربا بدأت الفرقة تشتهر على صعيد صيدا،  إلا أن أختي سلام هاجرت في أواخر عام 2015، وتركت الفرقة دون مشرف، وهنا بدأت أفكر بحل جدي للنهوض بالفرقة التي لم يكن يعنيني الجانب الفني فيها، بقدر ما كان يعنيني أولئك الأطفال الذين وجدوا في الفرقة ملاذا للانطلاق مواهبهم وسد الفراغ الحاصل في حياتهم، خاصة أن عدد منهم لم يستطع إكمال تعليمه، في هذه الأثناء وأنا في حيرة من أمري آخذ بلال وهو أحد المتطوعين في الفرقة قراره بالتطوع لإكمال ما بدأته أختي في تدريب الفرقة والنهوض بها مجدداً، وهنا بدأت الفرقة باستعادة نشاطها من جديد، فكانت الثمرة أننا أقمنا  عدد من الحفلات بأربع مناطق مختلفة في لبنان من بيروت الى النبطية وصور وجزين، عدا العروض التي كانت تقام في صيدا.

نهوض الفرقة وتحقيقها النجاح جعلاني فخورة بأن عملنا بدأ يزهر ويحقق النجاح، حتى أننا حققنا انتشاراً واسعاً وبدأ اسم الفرقة معروف عند العديد من الجمعيات التي أصبحت محبة لأعمال الفرقة، والتي تخصصت أكثر فأصبح لدينا فريق لرياضة( البريك دانس) بإشراف المدرب "صالح رحمة" وفريق للدبكة بإشراف المدرب بلال قاسم، وفريق للراب بإشراف المدرب "مالك العلي"، تضيف ربا فرقة لاجئ للتراث لم تعد تقتصر على وجود اللاجئ الفلسطيني المهجر م سورية إلى لبنان بل أصبحت تضم أعضاء جدد من الجنسية السورية واللبنانية.

و في شهر أيلول من عام 2017 فتح مركز معروف سعد الثقافي في صيدا أبوابه لنا يوماً في الاسبوع، وهذا كان كفيلاً لأن نحقق بعض الخصوصية مما جعلنا نعيد فريق الأطفال للعمل، حتى أن عدد أعضاء الفرقة وصل إلى 31 شخصاً في آخر عرض قدمنا في مركز معروف سعد بصيدا، والذي حضره ما يقارب 300 من الجمهور وارسلوا لي الكثير من التهاني لنجاح العرض بإمكانياتنا الصغيرة وأرادتنا الكبيرة، فالفرقة اليوم تمثل لي العائلة فلا استطيع إلا وأن اطمئن عليهم وعلى حياتهم الاجتماعية وتعرفي على أهلهم الذين أصبحوا من أعز الأصدقاء والمعارف.  

تشير ربا رحمة إلى أن أنه بجهود أعضاء الفرقة وإيمانهم بعملهم استطاعوا تجاوز العديد من العثرات وتحقيق النجاح، فقد استطاعت الفرقة تشتري لباس تراث فلسطيني وتجهز استديو للتسجيل خاص بها، وهذا ما جعلني أؤمن أنه مهما طال بنا الزمن وقست علينا الظروف لابد من يوم لنخرج به ناجحين ونثبت للجميع أننا نستطيع إنجاح مبادرة فردية تقوم على دعم نفسها بنفسها، فبعد ثلاث سنوات من 2015 و حتى اليوم أصبح اسم فرقة لاجئ للتراث معروفاً على مستوى كبير في لبنان، وقد تلقت الفرقة دعوات كثيرة من قبل الجمعيات والكشاف للمشاركة في عروضهم.

الإنسان هو أساس التغيير

ترى "ربا رحمة" في ختام  سرد قصتها لمجموعة العمل أن الإنسان هو أساس التغيير، فمهما قست علينا الظروف لا بد أن نواجهها بإرادة صلبة، فالشعب الفلسطيني  لم تكسر إرادته المصائب والنكبات المتتالية التي مر بها، وأنا فرد من هذا الشعب أحمل رسالة منذ صغري أعمل على تحقيقها وهي أن أكون جزءً من تحرير فلسطين، وهذا يبدأ بتوعية الشباب والأطفال وأبعادهم عن التطرف والتسلح والطرق الملتوية ورفاق السوء، وذلك من خلال غرس العادات والتقاليد الجيدة فيهم وغرس حب فلسطين في قلوبهم من خلال تقديم المسرحيات والأغاني الوطنية أو حتى الدبكات لهم وتعليمهم تراث وطنهم، لأننا جميعاً نعلم أن عدونا الصهيوني يسعى بشكل حثيث إلى غزو عقولنا وتفرقتنا بأي وسيلة، وتضيف ربا لقد استطعت بحسب وجهة نظري أن أغير ولو بشكل بسيط نفوس وذهنية بعض اللاجئين من خلال الاعتماد على أنفسهم وعدم إلقاء اللوم على قياداتهم بشكل دائم، فأنا أؤمن أن الشباب هم أساس التغيير، وعماد التحرير لذلك وجب علينا زرع الأمل والمحبة في قلوبهم والارادة والتصميم في عقولهم كي نتجاوز محننا وآلام دربنا الجديد.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/9064