map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

مجموعة العمل ومؤسسات حقوقية وإعلامية تصدر تقريراً بعنوان

تاريخ النشر : 25-04-2018
مجموعة العمل ومؤسسات حقوقية وإعلامية تصدر تقريراً بعنوان

 مجموعة العمل - لندن 

مقدّمة

منذ بداية الثورة السوريّة مال اللاجئون الفلسطينيّون إلى الحذر خوفًا من تكرار تجربةٍ عاشها أقرانٌ لهم في الكويت والعراق وقبلها الأردن ولبنان. إلّا أنّ أجهزة الأمن السوريّة، بمعونةٍ من حزب الله، وفصائلَ فلسطينيّةٍ، تحدّت هذه الإرادة العامّة عبر محاولة استخدام شبابهم وقودًا في حرب النظام السوريّ على الشعب الثائر، وهو ما انتفضوا ضدّه يوم 6 حزيرانيونيو 2011. وبدلًا من أن تؤدّي رسالتهم الواضحة إلى الكفّ عن العبث بدم اللاجئين الفلسطينيّين، حسم النظام السوريّ خياراته بزجّهم في حربه الدمويّة؛ فدفع بمخيّم اليرموك إلى الحرب ليحاصره بعد أن تيقّن أنّه لا يستطيع تحويل أغلبيّة الفلسطينيّين فيه إلى مقاتلين (على الرغم من التنكيل، والإغراءات، من قبل النظام كان انضمام اللاجئين الفلسطينيّين، ولاسيّما في مخيّم اليرموك، للميليشيا الموالية له أقلّ من توقّعات أجهزته الأمنيّة بكثير) يكونون وقودًا في الكارثة السوريّة. 

وفي الواقع، إنّ قصّة اليرموك هي تكثيفٌ لنضج خبرة اللاجئين الفلسطينيّين في سورية بواقعهم، وعلاقتهم بمحيطهم، خارج الأطر السياسيّة الفلسطينيّة التقليديّة، وبشكلٍ متقدّمٍ عنها، ما جعلهم يرفضون التساوق مع مخطّطات النظام السوريّ، الأمر الذي ردّ عليه بتصنيفهم في صفّ أعدائه؛ وهو التصنيف الذي لم يتوقّف أثره بقراره توريط مخيّم اليرموك في الحرب، إنّما في رفضه خلال سنوات الحصار أيّ إمكانيّةٍ تلوح لإخراج المخيّم من الصراع.

وإنّنا نجد الكثير من الدلائل على صحّة الاتّهامات التي يتداولها أبناء مخيّم اليرموك للنظام السوريّ بأنّه كان يتقصّد إطالة أزمتهم، ليصل إلى مسح مخيّمهم عن وجه البسيطة (يجدر الإشارة بهذا الموضع أننا نتفهم مخاوف اللاجئين الفلسطينيين الذين اتصلنا بهم -في سياق اعداد تقريرنا- من أن يوسع النظام السوري من حجم الانتقام منهم مع الوقت، ونطالب بالتدخل لمنع ذلك). ومن آخر هذه الدلائل المخطّط التنفيذيّ لمشروعٍ سكنيٍّ على مساحة المنطقة الجنوبيّة، بما فيها مخيّم اليرموك، الذي أقرّته محافظة دمشق، والذي يغيّر بشكلٍ كلّيٍّ طبيعة المخيّم كسوقٍ تجاريٍّ رئيسٍ في دمشق؛ ما يعني أنّ قرار تدمير مخيّم اليرموك، هو خطوةٌ باتّجاه منع عودة دورة الاقتصاد التي كانت فيه، ونمط حياة سكّانه قبل الحرب، أي تدمير مجتمعه. وإذا أضفنا إلى هذا القانونَ رقم (10) لعام 2018، الخاصّ بالتنظيم العمرانيّ في سورية، والذي نراه بداية قوننة استغلال إعادة الإعمار لعقاب السوريّين وتأديبهم الجماعيّ، والذي صيغ ليكون جزءًا من العقاب الجماعيّ للأغلبيّة التي خرجت على النظام، وأحد أدوات إعادة تأديبها، عبر نزعه ملكيّة المعارضين غير القادرين على تنفيذ شروطه لأسبابٍ أمنيّةٍ، نفهم حجم التغيير السكّانيّ الذي يُعدّ له في مخيّم اليرموك. 

إنّ التقرير الذي بين أيديكم سيتضمّن ما استطعنا توثيقه من جريمة تدمير مخيّم اليرموك في الأيّام الأخيرة منذ 19 نيسان/ أبريل حتى لحظة إعداد هذا التقرير (ضمن عمليّةٍ عسكريّةٍ شنّها النظام السوريّ وحلفاؤه على منطقة جنوب العاصمة دمشق)، بينما كنّا قد وثّقنا بأعمالنا خلال السنوات الماضية الحكاية الدامية للاجئين الفلسطينيّين في الكارثة السوريّة.

إحصاءات ومحطّات

قُدِّر عدد اللاجئين الفلسطينيّين إلى سورية عام 1948 ما بين (75000 و 85000) لاجئ، يرجع معظمهم إلى سكّان الجزء الشماليّ من فلسطين، ولا سيّما صفد وحيفا ويافا.

وحسب إحصاءٍ خاصٍّ للأونروا، بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيّين المسجّلين لديها في تاريخ 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، 564,691 لاجئًا، يعيش نحو 27% منهم في المخيّمات. وفي ما يتعلّق بمخيّم اليرموك، نزح معظم سكّانه إثر استهداف طيران النظام السوريّ مسجد عبد القادر الحسينيّ الواقع في قلب المخيّم في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2012، ما أدّى إلى دخول مجموعاتٍ معارضةٍ على إثر هذا إلى المخيّم ومن ثمّ حصاره من قبل سلطة النظام السوريّ والفصائل الفلسطينيّة المؤتمرة بأمره (جيش التحرير الفلسطينيّ، القيادة العامّة، فتح الانتفاضة، فلسطين الحرّة، لواء القدس...) في تموز/ يوليو 2013. وكان يقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيّين في بداية فرض الحصار على المخيّم بـ 30 ألف مدنيٍّ، ولكنّ هذا العدد كان يتراجع باستمرارٍ كلّما اشتدّت المعارك، بسبب نزوح المدنيّين إلى يلدا وباقي المناطق التي أنجزت مصالحاتٍ جنوب دمشق. وآخر تقديرٍ لعدد المدنيّين في المخيّم عشيّة الهجوم التدميريّ الأخير من قبل النظام والميليشيا المساندة له، وبدعمٍ جوّيٍّ تدميريٍّ روسيّ، كان ٣٠٠٠ مدنيٍّ فلسطينيٍّ (ولا يمكن في الظرف الحاليّ تقدير العدد بشكلٍ دقيقٍ لمن استطاع الهروب في ظلّ هذا القصف المكثّف إلى المحيط) وهم من تبقّى من المدنيّين الذين فرضت عليهم سلطة النظام السوريّ والفصائل الفلسطينيّة المؤتمرة بأمره (فصائل دمشق) حصارًا خانقًا منذ تموز/ يوليو 2013، ومن ثمّ قطعت المياه عن اليرموك بشكلٍ كاملٍ يوم 8 أيلول/ سبتمبر 2014؛ ما أدّى إلى مقتل أكثر من (200) ضحيّةٍ بسبب شدة الحصار ونقص الغذاء والرعاية الطبيّة في المخيّم، من بين 1355 ضحيّةً على الأقلّ من أبناء مخيّم اليرموك الذين كانوا قد قضوا منذ بدء الصراع في سورية في عام 2011. وفي نيسان/ أبريل 2015 اقتحم تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش" (الذي ظهر بشكلٍ مفاجئٍ في المنطقة الجنوبيّة، وسط تأكيداتٍ شعبيّةٍ أنّ من المستحيل حصول ذلك من دون تسهيلاتٍ من النظام السوريّ) مخيّم اليرموك وفرض سيطرته عليه، بعدها فرض حصاره على أحياءٍ كاملةٍ داخل مخيّم اليرموك بحجّة وجود مسلّحي هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا)  فيها. ومّما ساهم أيضًا في تفاقم معاناة المدنيّين في المخيّم، الإغلاق المتكرّر للمعبر سواء بين مخيّم اليرموك من جهة بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم من قبل فصائل المعارضة السوريّة أو من جهة تلك البلدات مع مدينة دمشق من قبل النظام السوريّ، وهو ما أدّى إلى فقدان الموادّ الأساسيّة كالطحين والسكر والأرز والمازوت وغاز الطهي من جنوب دمشق عمومًا ومن اليرموك خصوصًا.

توثيق آثار العدوان الأخير ومجرياته

في 19 نيسان/ أبريل 2018، شنّت قوّات النظام السوريّ عمليّةً عسكريّةً واسعة النطاق مدعومةً بلواء القدس والدفاع الوطنيّ ودرع القلمون، إضافةً إلى جيش التحرير الفلسطينيّ والفصائل الفلسطينيّة الموالية له، على أحياء مخيّم اليرموك والحجر الأسود والتضامن وعسالي جنوب دمشق. هذا بعدما منح النظام السوريّ مقاتلي تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش" مهلة 48 ساعةً للخروج من أماكن سيطرته في مناطق جنوب العاصمة دمشق (مخيّم اليرموك – القدم – حيّ الحجر الأسود – التضامن)، بحسب مصادرَ إعلاميّةٍ عدّةٍ (وهو ما أوردته أيضًا صحيفة "الوطن" السوريّة).

ويشهد مخيّم اليرموك المحاصر الآن موجةً عنيفةً من قصف الطائرات السوريّة والروسيّة؛ حيث تركّز القصف على (شارع القدس، وشارع المغاربة، وشارع 30، وشارع 15، وشارع المدارس، وشارع سعيد العاص، وشارع عين الغزال، وساحة الريجة، وحيّ الزين)، في حين استهدف النظام بلدة بيت سحم، إحدى بلدات جنوب دمشق، بصاروخين من الطيران الحربيّ، مع العلم أنّها إحدى البلدات الموقّعة على اتّفاق مصالحة مع النظام. وبحسب مجموعة العمل من أجل فلسطينيّي سوريا، فإنّ القصف وصل في ذروته إلى معدّل غارتين كلّ دقيقةٍ ونصف الدقيقة، كما وثّقت المجموعة، الأحد 22 نيسان/ أبريل الجاري، (140) غارةً جوّيّةً استهدفت أحياء التضامن ومخيّم اليرموك والحجر الأسود والقدم، و(227) طلعة، و(78) برميلًا متفجّرًا سقط على حيّ الحجر الأسود ومخيّم اليرموك. فيما وثّقت سقوط (98) صاروخ أرض- أرض استهدفت أحياء التضامن والحجر الأسود وأطراف مخيّم اليرموك. واستخدم النظام السوريّ في قصفها أثناء الحملة الأخيرة آنفة الذكر صواريخ فيل وصواريخ أرض أرض وخراطيم كاسحة UR-77 المتفجّرة وقذائف الهاون والدبّابات والمدفعيّة... وتزامن هذا القصف مع محاولة قوّات النظام السوريّ والميليشيات المساندة لها التقدّم على أكثر من محورٍ، وأهمّها محاور (ساحة الريجة، التضامن، السليخة، شارع 30، شارع فلسطين، ساحة الريجة، حيّ الزين...) الذي أدّى إلى دمارٍ كبيرٍ طال الأبنية. كما استهدف القصف المنشآت الحيويّة والبنية التحتيّة ودور العبادة، ومنها المشفى "الياباني" على أطراف مخيّم اليرموك ومشفى "فلسطين" التابع للهلال الأحمر ومخبز "حمدان" ومسجد "فلسطين". إضافةً إلى استهداف فرق الدفاع المدنيّ ومقتل أحد كوادرها وهو المسعف "جمال سميح حميد". كما أدّت الأعمال الحربيّة إلى مقتل أحد عشر مدنيًّا على الأقلّ وهم : "عماد ريان" و"جمال سميح حميد" و"صالح محمود عموري" ونجله الشابّ "مهند محمود عموري أبو ضياء" و"أنس باسم عموري" و"محمّد راتب فضل عيلوطي" و"محمود الباش" وزوجته وطفله الرضيع "راشد محمود الباش" و"مروان محمود عقلة" و"مجدي ..."

إضافةً إلى أنّ هذه العمليّة العسكريّة التي شنّها النظام السوريّ وحلفاؤه على مخيّم اليرموك والمنطقة الجنوبيّة قد فاقمت من معاناة الأهالي المحاصرين داخله، والذين يعانون من عدم توفّر الموادّ الغذائيّة والأدوية والمستلزمات الطبيّة، نتيجة الحصار الذي يفرضه النظام على المخيّم منذ منتصف عام 2013، فضلًا عن إغلاق حاجز العروبة الذي يعدّ الشريان والمتنفّس الوحيد لسكّان اليرموك، وإغلاق حاجز القدم.

1خريطة توضّح توزّع سيطرة الأطراف المتصارعة في منطقة جنوب العاصمة دمشق

ختامًا، ماذا علينا أن نفعل؟

نتائج رصدنا تقول إنّ ردّات الفعل الدوليّة والإقليميّة تجاه ما يحصل في جنوب دمشق، كما حصل في كلّ سورية، كانت محبطةً. فحتى الأونروا التي لها الوصاية على اللاجئين الفلسطينيّين تأثّرت بما عدّه النظام السوريّ، وحلفاؤه، تفويضًا دوليًّا لهم لمعاقبة السوريّين وتأديبهم، فكان بيانها ضعيفًا جدًّا. وللخروج من هذا الصمت المشجّع للنظام السوريّ على الاستمرار بجرائمه، هناك خطواتٌ من المهمّ القيام بها منها:

1.         التوقّف السريع والفوريّ للعمليّة العسكريّة على منطقة جنوب دمشق بما فيها مخيّم اليرموك الذي يحوي نحو 3000 من المدنيّين المحاصرين فيه.

2.         السعي لإخراج المقاتلين المتطرفين (داعش وجبهة تحرير الشام – النصرة سابقاً) عبر الانفتاح على المجتمع الدوليّ والمجتمع السوريّ (ومنه اللاجئون الفلسطينيّون)، وعبر تنفيذ القرارات الدوليّة الخاصّة بسورية، وليس عبر قتل المدنيّين وتدمير حواضرهم.

3.         العمل على إعادة البنية التحتيّة من ماءٍ وكهرباءٍ وصرفٍ صحّيٍّ ومنشآتٍ صحّيّةٍ وتعليميّةٍ فور خروج المسلّحين تمهيدًا للإعادة الفوريّة للسكّان.

4.         إدخال المساعدات الإنسانيّة والمادّيّة العاجلة للأهالي وتعويض المتضرّرين عبر المؤسسات الدولية (بما فيها "الانروا" المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين)، وبالتعاون مع المجتمع المدني والمحلي، ومدّ يد العون لهم للبدء بإعادة تأهيل المساكن المتضرّرة من الحرب والوصول إلى الحدّ المقبول من الحياة الكريمة.

5.         قيام الأونروا بالدور المطلوب من الإغاثة وتطوير آليّات عملها لتشمل الحماية الجسديّة والقانونيّة للمخيّمات الفلسطينيّة في سورية.

6.         الإفصاح عن مصير المفقودين والمعتقلين داخل السجون والمعتقلات، ووقف الانتهاكات بحقّ المدنيّين. 

7.         الحفاظ على المكتسبات القانونيّة للاجئين الفلسطينيّين، ومنها ما تضمنه بروتوكول "الدار البيضاء" لعام ١٩٦٥، والعمل على تحسينها بالتعاون مع مؤسّساتهم الحقوقيّة والمدنيّة، والأونروا.

الجدير بالتنويه أن ثلاث مؤسسات أصدرت تقرير مخيم اليرموك تحت النار هي مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية ومركز دراسات الجمهورية الديمقراطيةوالمركز السوري للإعلام وحرية التعبير.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/9592

 مجموعة العمل - لندن 

مقدّمة

منذ بداية الثورة السوريّة مال اللاجئون الفلسطينيّون إلى الحذر خوفًا من تكرار تجربةٍ عاشها أقرانٌ لهم في الكويت والعراق وقبلها الأردن ولبنان. إلّا أنّ أجهزة الأمن السوريّة، بمعونةٍ من حزب الله، وفصائلَ فلسطينيّةٍ، تحدّت هذه الإرادة العامّة عبر محاولة استخدام شبابهم وقودًا في حرب النظام السوريّ على الشعب الثائر، وهو ما انتفضوا ضدّه يوم 6 حزيرانيونيو 2011. وبدلًا من أن تؤدّي رسالتهم الواضحة إلى الكفّ عن العبث بدم اللاجئين الفلسطينيّين، حسم النظام السوريّ خياراته بزجّهم في حربه الدمويّة؛ فدفع بمخيّم اليرموك إلى الحرب ليحاصره بعد أن تيقّن أنّه لا يستطيع تحويل أغلبيّة الفلسطينيّين فيه إلى مقاتلين (على الرغم من التنكيل، والإغراءات، من قبل النظام كان انضمام اللاجئين الفلسطينيّين، ولاسيّما في مخيّم اليرموك، للميليشيا الموالية له أقلّ من توقّعات أجهزته الأمنيّة بكثير) يكونون وقودًا في الكارثة السوريّة. 

وفي الواقع، إنّ قصّة اليرموك هي تكثيفٌ لنضج خبرة اللاجئين الفلسطينيّين في سورية بواقعهم، وعلاقتهم بمحيطهم، خارج الأطر السياسيّة الفلسطينيّة التقليديّة، وبشكلٍ متقدّمٍ عنها، ما جعلهم يرفضون التساوق مع مخطّطات النظام السوريّ، الأمر الذي ردّ عليه بتصنيفهم في صفّ أعدائه؛ وهو التصنيف الذي لم يتوقّف أثره بقراره توريط مخيّم اليرموك في الحرب، إنّما في رفضه خلال سنوات الحصار أيّ إمكانيّةٍ تلوح لإخراج المخيّم من الصراع.

وإنّنا نجد الكثير من الدلائل على صحّة الاتّهامات التي يتداولها أبناء مخيّم اليرموك للنظام السوريّ بأنّه كان يتقصّد إطالة أزمتهم، ليصل إلى مسح مخيّمهم عن وجه البسيطة (يجدر الإشارة بهذا الموضع أننا نتفهم مخاوف اللاجئين الفلسطينيين الذين اتصلنا بهم -في سياق اعداد تقريرنا- من أن يوسع النظام السوري من حجم الانتقام منهم مع الوقت، ونطالب بالتدخل لمنع ذلك). ومن آخر هذه الدلائل المخطّط التنفيذيّ لمشروعٍ سكنيٍّ على مساحة المنطقة الجنوبيّة، بما فيها مخيّم اليرموك، الذي أقرّته محافظة دمشق، والذي يغيّر بشكلٍ كلّيٍّ طبيعة المخيّم كسوقٍ تجاريٍّ رئيسٍ في دمشق؛ ما يعني أنّ قرار تدمير مخيّم اليرموك، هو خطوةٌ باتّجاه منع عودة دورة الاقتصاد التي كانت فيه، ونمط حياة سكّانه قبل الحرب، أي تدمير مجتمعه. وإذا أضفنا إلى هذا القانونَ رقم (10) لعام 2018، الخاصّ بالتنظيم العمرانيّ في سورية، والذي نراه بداية قوننة استغلال إعادة الإعمار لعقاب السوريّين وتأديبهم الجماعيّ، والذي صيغ ليكون جزءًا من العقاب الجماعيّ للأغلبيّة التي خرجت على النظام، وأحد أدوات إعادة تأديبها، عبر نزعه ملكيّة المعارضين غير القادرين على تنفيذ شروطه لأسبابٍ أمنيّةٍ، نفهم حجم التغيير السكّانيّ الذي يُعدّ له في مخيّم اليرموك. 

إنّ التقرير الذي بين أيديكم سيتضمّن ما استطعنا توثيقه من جريمة تدمير مخيّم اليرموك في الأيّام الأخيرة منذ 19 نيسان/ أبريل حتى لحظة إعداد هذا التقرير (ضمن عمليّةٍ عسكريّةٍ شنّها النظام السوريّ وحلفاؤه على منطقة جنوب العاصمة دمشق)، بينما كنّا قد وثّقنا بأعمالنا خلال السنوات الماضية الحكاية الدامية للاجئين الفلسطينيّين في الكارثة السوريّة.

إحصاءات ومحطّات

قُدِّر عدد اللاجئين الفلسطينيّين إلى سورية عام 1948 ما بين (75000 و 85000) لاجئ، يرجع معظمهم إلى سكّان الجزء الشماليّ من فلسطين، ولا سيّما صفد وحيفا ويافا.

وحسب إحصاءٍ خاصٍّ للأونروا، بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيّين المسجّلين لديها في تاريخ 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، 564,691 لاجئًا، يعيش نحو 27% منهم في المخيّمات. وفي ما يتعلّق بمخيّم اليرموك، نزح معظم سكّانه إثر استهداف طيران النظام السوريّ مسجد عبد القادر الحسينيّ الواقع في قلب المخيّم في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2012، ما أدّى إلى دخول مجموعاتٍ معارضةٍ على إثر هذا إلى المخيّم ومن ثمّ حصاره من قبل سلطة النظام السوريّ والفصائل الفلسطينيّة المؤتمرة بأمره (جيش التحرير الفلسطينيّ، القيادة العامّة، فتح الانتفاضة، فلسطين الحرّة، لواء القدس...) في تموز/ يوليو 2013. وكان يقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيّين في بداية فرض الحصار على المخيّم بـ 30 ألف مدنيٍّ، ولكنّ هذا العدد كان يتراجع باستمرارٍ كلّما اشتدّت المعارك، بسبب نزوح المدنيّين إلى يلدا وباقي المناطق التي أنجزت مصالحاتٍ جنوب دمشق. وآخر تقديرٍ لعدد المدنيّين في المخيّم عشيّة الهجوم التدميريّ الأخير من قبل النظام والميليشيا المساندة له، وبدعمٍ جوّيٍّ تدميريٍّ روسيّ، كان ٣٠٠٠ مدنيٍّ فلسطينيٍّ (ولا يمكن في الظرف الحاليّ تقدير العدد بشكلٍ دقيقٍ لمن استطاع الهروب في ظلّ هذا القصف المكثّف إلى المحيط) وهم من تبقّى من المدنيّين الذين فرضت عليهم سلطة النظام السوريّ والفصائل الفلسطينيّة المؤتمرة بأمره (فصائل دمشق) حصارًا خانقًا منذ تموز/ يوليو 2013، ومن ثمّ قطعت المياه عن اليرموك بشكلٍ كاملٍ يوم 8 أيلول/ سبتمبر 2014؛ ما أدّى إلى مقتل أكثر من (200) ضحيّةٍ بسبب شدة الحصار ونقص الغذاء والرعاية الطبيّة في المخيّم، من بين 1355 ضحيّةً على الأقلّ من أبناء مخيّم اليرموك الذين كانوا قد قضوا منذ بدء الصراع في سورية في عام 2011. وفي نيسان/ أبريل 2015 اقتحم تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش" (الذي ظهر بشكلٍ مفاجئٍ في المنطقة الجنوبيّة، وسط تأكيداتٍ شعبيّةٍ أنّ من المستحيل حصول ذلك من دون تسهيلاتٍ من النظام السوريّ) مخيّم اليرموك وفرض سيطرته عليه، بعدها فرض حصاره على أحياءٍ كاملةٍ داخل مخيّم اليرموك بحجّة وجود مسلّحي هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا)  فيها. ومّما ساهم أيضًا في تفاقم معاناة المدنيّين في المخيّم، الإغلاق المتكرّر للمعبر سواء بين مخيّم اليرموك من جهة بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم من قبل فصائل المعارضة السوريّة أو من جهة تلك البلدات مع مدينة دمشق من قبل النظام السوريّ، وهو ما أدّى إلى فقدان الموادّ الأساسيّة كالطحين والسكر والأرز والمازوت وغاز الطهي من جنوب دمشق عمومًا ومن اليرموك خصوصًا.

توثيق آثار العدوان الأخير ومجرياته

في 19 نيسان/ أبريل 2018، شنّت قوّات النظام السوريّ عمليّةً عسكريّةً واسعة النطاق مدعومةً بلواء القدس والدفاع الوطنيّ ودرع القلمون، إضافةً إلى جيش التحرير الفلسطينيّ والفصائل الفلسطينيّة الموالية له، على أحياء مخيّم اليرموك والحجر الأسود والتضامن وعسالي جنوب دمشق. هذا بعدما منح النظام السوريّ مقاتلي تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش" مهلة 48 ساعةً للخروج من أماكن سيطرته في مناطق جنوب العاصمة دمشق (مخيّم اليرموك – القدم – حيّ الحجر الأسود – التضامن)، بحسب مصادرَ إعلاميّةٍ عدّةٍ (وهو ما أوردته أيضًا صحيفة "الوطن" السوريّة).

ويشهد مخيّم اليرموك المحاصر الآن موجةً عنيفةً من قصف الطائرات السوريّة والروسيّة؛ حيث تركّز القصف على (شارع القدس، وشارع المغاربة، وشارع 30، وشارع 15، وشارع المدارس، وشارع سعيد العاص، وشارع عين الغزال، وساحة الريجة، وحيّ الزين)، في حين استهدف النظام بلدة بيت سحم، إحدى بلدات جنوب دمشق، بصاروخين من الطيران الحربيّ، مع العلم أنّها إحدى البلدات الموقّعة على اتّفاق مصالحة مع النظام. وبحسب مجموعة العمل من أجل فلسطينيّي سوريا، فإنّ القصف وصل في ذروته إلى معدّل غارتين كلّ دقيقةٍ ونصف الدقيقة، كما وثّقت المجموعة، الأحد 22 نيسان/ أبريل الجاري، (140) غارةً جوّيّةً استهدفت أحياء التضامن ومخيّم اليرموك والحجر الأسود والقدم، و(227) طلعة، و(78) برميلًا متفجّرًا سقط على حيّ الحجر الأسود ومخيّم اليرموك. فيما وثّقت سقوط (98) صاروخ أرض- أرض استهدفت أحياء التضامن والحجر الأسود وأطراف مخيّم اليرموك. واستخدم النظام السوريّ في قصفها أثناء الحملة الأخيرة آنفة الذكر صواريخ فيل وصواريخ أرض أرض وخراطيم كاسحة UR-77 المتفجّرة وقذائف الهاون والدبّابات والمدفعيّة... وتزامن هذا القصف مع محاولة قوّات النظام السوريّ والميليشيات المساندة لها التقدّم على أكثر من محورٍ، وأهمّها محاور (ساحة الريجة، التضامن، السليخة، شارع 30، شارع فلسطين، ساحة الريجة، حيّ الزين...) الذي أدّى إلى دمارٍ كبيرٍ طال الأبنية. كما استهدف القصف المنشآت الحيويّة والبنية التحتيّة ودور العبادة، ومنها المشفى "الياباني" على أطراف مخيّم اليرموك ومشفى "فلسطين" التابع للهلال الأحمر ومخبز "حمدان" ومسجد "فلسطين". إضافةً إلى استهداف فرق الدفاع المدنيّ ومقتل أحد كوادرها وهو المسعف "جمال سميح حميد". كما أدّت الأعمال الحربيّة إلى مقتل أحد عشر مدنيًّا على الأقلّ وهم : "عماد ريان" و"جمال سميح حميد" و"صالح محمود عموري" ونجله الشابّ "مهند محمود عموري أبو ضياء" و"أنس باسم عموري" و"محمّد راتب فضل عيلوطي" و"محمود الباش" وزوجته وطفله الرضيع "راشد محمود الباش" و"مروان محمود عقلة" و"مجدي ..."

إضافةً إلى أنّ هذه العمليّة العسكريّة التي شنّها النظام السوريّ وحلفاؤه على مخيّم اليرموك والمنطقة الجنوبيّة قد فاقمت من معاناة الأهالي المحاصرين داخله، والذين يعانون من عدم توفّر الموادّ الغذائيّة والأدوية والمستلزمات الطبيّة، نتيجة الحصار الذي يفرضه النظام على المخيّم منذ منتصف عام 2013، فضلًا عن إغلاق حاجز العروبة الذي يعدّ الشريان والمتنفّس الوحيد لسكّان اليرموك، وإغلاق حاجز القدم.

1خريطة توضّح توزّع سيطرة الأطراف المتصارعة في منطقة جنوب العاصمة دمشق

ختامًا، ماذا علينا أن نفعل؟

نتائج رصدنا تقول إنّ ردّات الفعل الدوليّة والإقليميّة تجاه ما يحصل في جنوب دمشق، كما حصل في كلّ سورية، كانت محبطةً. فحتى الأونروا التي لها الوصاية على اللاجئين الفلسطينيّين تأثّرت بما عدّه النظام السوريّ، وحلفاؤه، تفويضًا دوليًّا لهم لمعاقبة السوريّين وتأديبهم، فكان بيانها ضعيفًا جدًّا. وللخروج من هذا الصمت المشجّع للنظام السوريّ على الاستمرار بجرائمه، هناك خطواتٌ من المهمّ القيام بها منها:

1.         التوقّف السريع والفوريّ للعمليّة العسكريّة على منطقة جنوب دمشق بما فيها مخيّم اليرموك الذي يحوي نحو 3000 من المدنيّين المحاصرين فيه.

2.         السعي لإخراج المقاتلين المتطرفين (داعش وجبهة تحرير الشام – النصرة سابقاً) عبر الانفتاح على المجتمع الدوليّ والمجتمع السوريّ (ومنه اللاجئون الفلسطينيّون)، وعبر تنفيذ القرارات الدوليّة الخاصّة بسورية، وليس عبر قتل المدنيّين وتدمير حواضرهم.

3.         العمل على إعادة البنية التحتيّة من ماءٍ وكهرباءٍ وصرفٍ صحّيٍّ ومنشآتٍ صحّيّةٍ وتعليميّةٍ فور خروج المسلّحين تمهيدًا للإعادة الفوريّة للسكّان.

4.         إدخال المساعدات الإنسانيّة والمادّيّة العاجلة للأهالي وتعويض المتضرّرين عبر المؤسسات الدولية (بما فيها "الانروا" المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين)، وبالتعاون مع المجتمع المدني والمحلي، ومدّ يد العون لهم للبدء بإعادة تأهيل المساكن المتضرّرة من الحرب والوصول إلى الحدّ المقبول من الحياة الكريمة.

5.         قيام الأونروا بالدور المطلوب من الإغاثة وتطوير آليّات عملها لتشمل الحماية الجسديّة والقانونيّة للمخيّمات الفلسطينيّة في سورية.

6.         الإفصاح عن مصير المفقودين والمعتقلين داخل السجون والمعتقلات، ووقف الانتهاكات بحقّ المدنيّين. 

7.         الحفاظ على المكتسبات القانونيّة للاجئين الفلسطينيّين، ومنها ما تضمنه بروتوكول "الدار البيضاء" لعام ١٩٦٥، والعمل على تحسينها بالتعاون مع مؤسّساتهم الحقوقيّة والمدنيّة، والأونروا.

الجدير بالتنويه أن ثلاث مؤسسات أصدرت تقرير مخيم اليرموك تحت النار هي مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية ومركز دراسات الجمهورية الديمقراطيةوالمركز السوري للإعلام وحرية التعبير.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/9592