map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

إعدام الذاكرة الفلسطينية في مخيم اليرموك

تاريخ النشر : 02-05-2018
إعدام الذاكرة الفلسطينية في مخيم اليرموك

محمود زغموت - كاتب و باحث فلسطيني من سوريا

والحميم يصب على المخيم صباً، تابعت الغالبية التي نزحت من أهالي اليرموك ورشة الهدم التي تمركزت آلتها المتوحشة في المحيط، وأخذت تفكك تاريخهم وذكرياتهم حجراً حجراً. طال القصف صوراً كثيرةً من الذاكرة، ليالي العيد في شارعي لوبية وصفد، دوري المخيمات الفلسطينية لكرة القدم في النادي العربي الفلسطيني، ازدحام سوق الخضار في شارع فلسطين، كيس "عكوب" وآخر فيه "لبنة بلدية" على رصيف مركز الهاتف، تجلس أمامه عجوز بدوية ترقب المارة، جنازة خليل الوزير طالها شيء من القصف أيضاً، حفل تأبين لذكرى الراحل جورج حبش، محاضرة للشيخ أحمد ياسين.

في شارع اليرموك الرئيسي قُصفت هتافات الرجال وزغاريد النساء خلال جنازات فتحي الشقاقي، أبو داوود، محمود المبحوح، عز الدين الشيخ خليل، وعشرات الشهداء الذين شيعوا هنا. صور في المخيلة لخيمة اعتصام نصبت سريعاً للتضامن مع غزة. أمسية شعرية لسميح القاسم، شهداء معركة الكرامة، حفل للأطفال في مدرسة القسطل، شهداء حصار بيروت، لعبة ورق على طاولة في مقهى "أبوحشيش"، مهرجانات الانطلاقة، شهداء مسيرة العودة في ذكرى النكبة، حلقات الدبكة، حفلات الزفاف الجماعي، كل هذه التفاصيل المخبوءة في ذاكرة الناس، آلاف الصور والمشاهد طالها القصف أيضا.

لم تتأثر "حارة الفدائية" هذه المرة، إذ دمرتها حملات كثيرة سابقة مرت من هنا. لم تأت البراميل على شواهد القبور في مقبرة الشهداء، فقد سبقتها بهذا معاول "داعش"، عندما أيقن عناصر التنظيم أنها تحول بينهم وبين تحرير "روما". في اختبار المخيم فشلت منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل و"الأونروا" ومؤسسات اللاجئين، ظهر الجميع عاجزون أو متواطئون، بينما شارك البعض الآخر بالعمليات العسكرية، وبين هذا وذاك وقف أبناء اليرموك والمخيمات الفلسطينية الأخرى الذين ذاقوا من نفس الكأس، يبكون المخيم.

استمرت العملية العسكرية منذ التاسع عشر من الشهر الجاري ولاتزال، بدعم جوي روسي ومشاركة فصائل فلسطينية. شعارها وهدفها المعلن "تحرير" المخيم من قبضة تنظيم الدولة "داعش". الطائرات بأنواعها لم تغادر الأجواء. طال الدمار أكثر من ستين بالمئة من مباني المخيم وبنيته التحتية، فيما استمر الحصار المفروض على المنطقة منذ تموز يوليو 2013. 

مئات المدنيين حوصروا بين عسف التنظيم وقصف النظام، لاوجود هنا للمشافي أو النقاط الطبية حيث خرجت جميعها عن العمل، وسط انقطاع كامل لجميع مقومات الحياة من ماء أو غذاء أو كهرباء، وغياب تام للمنظمات الانسانية. ذاق المدنيون من أبناء مخيم اليرموك الذين قرروا الصمود فيه، ذاقوا كل ويلات هذه الحرب المستمرة منذ ما يزيد عن سبع سنوات، لم يكن همهم إلا أن يحافظوا على كينونة المخيم، وفكرته، وروحه الباقية ما بقوا فيه كشاهد على النكبة ومحطة على طريق العودة، بيد أن الذي حصل تجاوز قدراتهم البشرية على التحمل.

نزح بعضهم تحت القصف إلى البلدات المحيطة من خلال ثغرة وحيدة أغلقت لاحقا على من بقي في الداخل، فشل بعضهم بمحاولة الخروج، وباتوا ينتظرون مصيراً مجهولاً وسط مشاعر يسودها الخوف والتوتر والشعور بالخذلان. من أين أتت داعش بهذه القوة؟ من أدخل لها السلاح وسيارات الدفع الرباعي ومدافع 23 التي احتلت بها المخيم؟، كيف نمت وتمددت، في منطقة سقط فيها عشرات الفلسطينيين والسوريين جوعاً وعطشاً ومرضاً، كيف يدخل السلاح بينما يعجز المدنيون عن ادخال رغيف خبز.

قال البعض أن مشروع "باسيليا سيتي" قادم وسيبتلع المخيم مرة واحدة وإلى الأبد. قال آخرون أن هذه إحدى مكائد "صفقة القرن"، نفى بعض آخر ووعدوا السكان بعودة قريبة عقب التحرير المنشود، بيد أن اللاجئ الفلسطيني وحده وسط كل هذا البؤس، يعلم جيداً أن ما مضى لن يعود، وهو يستحضر في مخيلته صور مئات الشهداء والمعتقلين والمفقودين والضحايا، يستحضر مخيمات تل الزعتر وجسر الباشا والنبطية ونهر البارد ولسان حاله بعد كل هذا الفقد يردد ما قاله محمود درويش: إن أعادوا لك الطريق فمن يعيد لك خطاك؟ إن أعادوا لك صوتك فمن يعيد لك الكلمات؟ إن أعادوا لك المقاهي القديمة فمن يعيد لك الرفاق؟

المصدر: مدونات الجزيرة

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/9644

محمود زغموت - كاتب و باحث فلسطيني من سوريا

والحميم يصب على المخيم صباً، تابعت الغالبية التي نزحت من أهالي اليرموك ورشة الهدم التي تمركزت آلتها المتوحشة في المحيط، وأخذت تفكك تاريخهم وذكرياتهم حجراً حجراً. طال القصف صوراً كثيرةً من الذاكرة، ليالي العيد في شارعي لوبية وصفد، دوري المخيمات الفلسطينية لكرة القدم في النادي العربي الفلسطيني، ازدحام سوق الخضار في شارع فلسطين، كيس "عكوب" وآخر فيه "لبنة بلدية" على رصيف مركز الهاتف، تجلس أمامه عجوز بدوية ترقب المارة، جنازة خليل الوزير طالها شيء من القصف أيضاً، حفل تأبين لذكرى الراحل جورج حبش، محاضرة للشيخ أحمد ياسين.

في شارع اليرموك الرئيسي قُصفت هتافات الرجال وزغاريد النساء خلال جنازات فتحي الشقاقي، أبو داوود، محمود المبحوح، عز الدين الشيخ خليل، وعشرات الشهداء الذين شيعوا هنا. صور في المخيلة لخيمة اعتصام نصبت سريعاً للتضامن مع غزة. أمسية شعرية لسميح القاسم، شهداء معركة الكرامة، حفل للأطفال في مدرسة القسطل، شهداء حصار بيروت، لعبة ورق على طاولة في مقهى "أبوحشيش"، مهرجانات الانطلاقة، شهداء مسيرة العودة في ذكرى النكبة، حلقات الدبكة، حفلات الزفاف الجماعي، كل هذه التفاصيل المخبوءة في ذاكرة الناس، آلاف الصور والمشاهد طالها القصف أيضا.

لم تتأثر "حارة الفدائية" هذه المرة، إذ دمرتها حملات كثيرة سابقة مرت من هنا. لم تأت البراميل على شواهد القبور في مقبرة الشهداء، فقد سبقتها بهذا معاول "داعش"، عندما أيقن عناصر التنظيم أنها تحول بينهم وبين تحرير "روما". في اختبار المخيم فشلت منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل و"الأونروا" ومؤسسات اللاجئين، ظهر الجميع عاجزون أو متواطئون، بينما شارك البعض الآخر بالعمليات العسكرية، وبين هذا وذاك وقف أبناء اليرموك والمخيمات الفلسطينية الأخرى الذين ذاقوا من نفس الكأس، يبكون المخيم.

استمرت العملية العسكرية منذ التاسع عشر من الشهر الجاري ولاتزال، بدعم جوي روسي ومشاركة فصائل فلسطينية. شعارها وهدفها المعلن "تحرير" المخيم من قبضة تنظيم الدولة "داعش". الطائرات بأنواعها لم تغادر الأجواء. طال الدمار أكثر من ستين بالمئة من مباني المخيم وبنيته التحتية، فيما استمر الحصار المفروض على المنطقة منذ تموز يوليو 2013. 

مئات المدنيين حوصروا بين عسف التنظيم وقصف النظام، لاوجود هنا للمشافي أو النقاط الطبية حيث خرجت جميعها عن العمل، وسط انقطاع كامل لجميع مقومات الحياة من ماء أو غذاء أو كهرباء، وغياب تام للمنظمات الانسانية. ذاق المدنيون من أبناء مخيم اليرموك الذين قرروا الصمود فيه، ذاقوا كل ويلات هذه الحرب المستمرة منذ ما يزيد عن سبع سنوات، لم يكن همهم إلا أن يحافظوا على كينونة المخيم، وفكرته، وروحه الباقية ما بقوا فيه كشاهد على النكبة ومحطة على طريق العودة، بيد أن الذي حصل تجاوز قدراتهم البشرية على التحمل.

نزح بعضهم تحت القصف إلى البلدات المحيطة من خلال ثغرة وحيدة أغلقت لاحقا على من بقي في الداخل، فشل بعضهم بمحاولة الخروج، وباتوا ينتظرون مصيراً مجهولاً وسط مشاعر يسودها الخوف والتوتر والشعور بالخذلان. من أين أتت داعش بهذه القوة؟ من أدخل لها السلاح وسيارات الدفع الرباعي ومدافع 23 التي احتلت بها المخيم؟، كيف نمت وتمددت، في منطقة سقط فيها عشرات الفلسطينيين والسوريين جوعاً وعطشاً ومرضاً، كيف يدخل السلاح بينما يعجز المدنيون عن ادخال رغيف خبز.

قال البعض أن مشروع "باسيليا سيتي" قادم وسيبتلع المخيم مرة واحدة وإلى الأبد. قال آخرون أن هذه إحدى مكائد "صفقة القرن"، نفى بعض آخر ووعدوا السكان بعودة قريبة عقب التحرير المنشود، بيد أن اللاجئ الفلسطيني وحده وسط كل هذا البؤس، يعلم جيداً أن ما مضى لن يعود، وهو يستحضر في مخيلته صور مئات الشهداء والمعتقلين والمفقودين والضحايا، يستحضر مخيمات تل الزعتر وجسر الباشا والنبطية ونهر البارد ولسان حاله بعد كل هذا الفقد يردد ما قاله محمود درويش: إن أعادوا لك الطريق فمن يعيد لك خطاك؟ إن أعادوا لك صوتك فمن يعيد لك الكلمات؟ إن أعادوا لك المقاهي القديمة فمن يعيد لك الرفاق؟

المصدر: مدونات الجزيرة

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/9644