map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

هذه حكايتي (54) أبو الفدا: بعد قصف منزلي واعتقالي وطردي من وظيفتي لم يبقى لي أي خيار سوى الهجرة والرحيل

تاريخ النشر : 30-07-2018
هذه حكايتي (54) أبو الفدا: بعد قصف منزلي واعتقالي وطردي من وظيفتي لم يبقى لي أي خيار سوى الهجرة والرحيل

مجموعة العمل – فايز أبو عيد

أبو الفدا  (اسم مستعار) لاجئ فلسطيني من سكان مخيم السبينة كان يعمل في شركة للصناعات الدوائية وموظف في إحدى الدوائر الحكومية، عاش مع عائلته حياة مستقرة وأمنة إلى أن دخل مخيم السبينة في أتون الحرب الدائرة في سورية، قُصف منزله ودمر فاضطر للنزوح إلى منطقة كفرسوسة بدمشق،  ومن ثم اعتقل من قبل قوات الأمن السوري لمدة خمسة عشر يوماً دون ذنب يذكر، حينها قرر الهجرة فسلك كغيره من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين درب الألم والشقاء والهجرة إلى بلاد أكثر رأفة وإنسانية من بلاد العرب.

درب الألم والنزوح  والمعاناة

يقول أبو الفدا :" في أحد الأيام عندما كنت على رأس عملي رن جرس هاتفي وإذ بصديقي يخبرني أن منزلي تعرض للقصف، هنا انتابتني حالة من الهلع والخوف الشديدين على عائلتي التي كانت في المنزل،  "فتركت عملي وتوجهت مباشرة إلى المخيّم للاطمئنان عنهم، إلا أنني لم استطع الوصول إليهم بسبب الاشتباكات العنيفة والقصف الذي كانت تتعرض له المنطقة وهذا ما زاد من قلقي وخوفي، إلى أن اتصلوا بي أخوتي القاطنين بجوار منزلي وأخبروني أن زوجتي وأولادي بخير وصحة وسلامة ولم يصب أياً منهم بأذى.

يتابع أبو الفدا رواية حكايته في اليوم الثاني منذ الصباح الباكر ذهبت إلى المنزل ومن هنا بدأ درب الألم والنزوح والمعاناة، حيث انتقلت إلى منزل عائلة زوجتي في كفرسوسة لكون الوضع فيها أكثر أمناً من مخيم سبينة، طبعا كانت الفكرة أن نترك المنزل لفترة وجيزة حتى تهدأ الأوضاع في المخيّم ثم نعود، لكن الوضع زاد سوء، حينها اضطررت للمكوث في منطقة كفرسوسه بدمشق بسبب التوتر الأمني الذي شهدته بلدة سبينة والمخيّم والحصار الذي فرضه الجيش السوري على المنطقة والذي منع بموجبه دخول وخروج السكان منها وإليها.

في عام ٢٠١٣ تم اعتقالي من قبل قوات الأمن السوري لمدة خمسة عشر يوماَ دون أي سبب يذكر، بالرغم من أنني موظف حكومي.

 يروي أبو الفدا قصصاً مروعة عن ما شاهده في المعتقل، واصفاً الأيام التي عاشها فيه بأنها مرعبة، فكان يشعر كأنه يموت باليوم ألف مرة، خاصة أن التفكير بعائلته ومصيرهم كان يأخذ الحيز الكبير من تفكيره.

فما بعد الاعتقال ليس كما قبله

بعد معاناة وعذاب دام خمسة عشر يوماً أفرج الأمن السوري عني، وعندما خرجت من السجن تفاجأت أنه تم فصلي من الوظيفة لأسباب أمنية، حينها  بدأت أفكر بالهجرة بشكل جدي، لذلك تقدمت بطلب فيزا إلى السودان في شهر مايو ٢٠١٤ لكن تم رفض طلبي لأنني فلسطيني ولعدم وجود كفيل،  بعد ذلك قررت الهجرة إلى أوروبا عن طريق تركيا، وللوصول إليها كان لابد من اجتياز  مدينة إدلب السورية، إلا أن الطريق إليها كان من أصعب الطرق فقد عشنا حالة من الخوف الشديد نتيجة كثرة الحواجز الأمنية سواء التابع منها للنظام أو لمجموعات المعارضة السورية وداعش، مضيفاً " أن الطريق  استغرق ١٢ ساعة إلى أن وصلوا إلى الحدود التركية" ، ويتابع عند وصولنا بقينا ثلاث ساعات ننتظر على الحدود من أجل العبور،  كان الوقت ليلا والظلام دامس يصعب الرؤية فيه حينها قال لنا المهرب الذي كان يرافقنا :"أذهبوا في هذه الطريق حتى تصلوا إلى الضوء" وعندما وصلنا كان هناك شخص ينتظرنا بالسيارة نحن لانعرف اننا كما نمشي على جسر فوق الماء، لقد وقعت في الماء ذلك الحين وابتلت ملابسي وأغراضي وساعدني أصدقائي للخروج، بعد ذلك وجدنا أسلاك اضطررنا لاجتيازها ما أدى إلى إصابتنا بجروح والدم يسيل من كل مكان في جسدنا التي مزقته الأسلاك.

بعد أن وصلنا إلى السيارة انطلق السائق بنا بسرعة جنونية إلى أن أوصلنا إلى منزل المسؤول عن سيارات التهريب فدفعنا له النقود المتفق عليها، عندها قال لنا :"سوف تذهبون إلى الكراج من أجل السفر إلى مدينة اسطنبول"

طريق الشقاء ودرب الألآم

يستطرد أبو الفدا سرد قصته لمجموعة العمل ذهبنا إلى الكراج واستقلينا  الحافلة وانطلقنا إلى مدينة اسطنبول وبعد حوالي ١٦ ساعة وصلنا إليها،  وكنا متعبين منهكين نبحث عن مأوى إلى أن وجدنا شقة للإيجار وكانت غالية، بقينا لمدة أسبوع في اسطنبول حتى وجدنا قارب مطاطي (بلم) من أجل العبور إلى اليونان، ركبنا حفي البلم الذي كان عليه حوالي ٤٠ شخصاً بينهم نساء وأطفال ومسنين، كانت الرحلة مليئة بالأحداث المرعبة  فمع ارتفاع الموج وارتطامه بالبلم كان صراخ النساء والأطفال يتعالى والتكبير والدعاء ينبع من قلوب أيقنت أن حتفها واقع لا محالة، وما زاد الطين بلة أن محرك البلم تعطل عدة مرات، استغرقت الرحلة ٤ ساعات إلى أن وصلنا إلى شواطئ الجزيرة اليونانية كيوس، وهناك استقبلنا  البوليس اليوناني وأحضر سيارات الإسعاف وتم نقلنا إلى كامب مغلق وبقينا بالكامب لمدة أسبوع وبعد ذلك تم اعطائنا الخارطية (وهي عبارة عن ورقة يسمح لنا بموجبها البقاء لمدة شهر على الأراضي اليونانية)، بعد ذلك انتقلنا إلى أثينا منطقة سالونيك وبقينا أسبوع فيها، بعدها  بدأت رحلة الشقاء والمسير سيراً على الأقدام بالغابات وعلى سكة القطار، وعندما دخلنا إلى الأراضي المقدونية ألقى البوليس القبض علينا وأعادنا إلى الحدود اليونانية، مرات عديدة حاولنا فيها اجتياز الحدود المقدونية إلا أن الشرطة كانت لنا بالمرصاد، بقينا لمدة شهر كامل في اليونان إلى أن تمكنا أخيراً وبتوفيق من الله اجتياز الحدود والذهاب إلى عاصمة مقدونيا ومنها إلى صربيا.

يضيف أبو الفدا بقيت في صربيا لمدة أسبوعين لعدم توفر النقود من أجل إكمال الرحلة ولكن الحمد لله تم تحويل المال لي من قبل أخوتي وأقربائي وأصدقائي، بعد ذلك ذهبت إلى الحدود الصربية الهنكارية ومكثنا في منزل مهجور، وفي المساء كان هاتفي المحمول فارغ من الشحن،  فذهبت إلى مكان بعيد يوجد فيه بعض الأسلاك الكهربائية لشحن الهاتف، وبينما كنت انتظر حتى يتم شحنة رأيت ثلاثة أشخاص يرتدون لباس البوليس يتقدمون نحوي ويصبون مسدساتهم على رأسي، وبسرعة أخذوا مني حقيبتي وفتشوها كما أخذوا نقودي وهاتفي المحمول، ما تسبب لي بصدمة كبيرة لأنني لم أعد أملك المال وليس لدي وسيلة للاتصال بعائلتي والاطمئنان عنها، بعد ذلك لم أجد أمامي من خلاص سوى متابعة السير على الأقدام  مشيت أنا ورفاقي الأربعة في الغابات إلى أن وصلنا إلى هنغاريا، هناك وجدت صديق قديم لي عرض عليّ أن يقرضني بعض المال لمتابعة رحلتي إلا أنني رفضت في البداية  وبعد أن علمت أنه ذاهب إلى النمسا التي اخترتها مقراً ومستقراً لي ولعائلتي لسببين الأول لأنها أول بلد أوربي سأصل إليه، والثاني أن نظام اللجوء فيها ومعاملات اعطاء الإقامة ولم الشمل أسرع من بقية الدول الأوروبية، قبلت أخذ النقود.

في هنغاريا اتفقنا مع مهرب على إدخالنا إلى النمسا، وفي المساء ركبنا شاحنة مغلقة يوجد فيها أكثر من خمسين شخص، وكانت بها فتحة صغيرة التهوية وكان الرحلة مريرة جداً إلى أن وصلنا إلى فينا، حيث كانت سعادتي كبيرة جداً، بعدها ذهبت أنا ورفاقي إلى الكامب وسلمنا أوراقنا الثبوتية إلى البوليس من أجل طلب اللجوء.

النمسا وهاجس لم الشمل والتفكير بالمستقبل

يضيف أبو الفدا بعد أن قمنا بتسليم أنفسنا إلى البوليس النمساوي بقينا في الكامب لمدة ٩ أشهر ونصف ننتظر تسوية أوضاعنا، إلا أن أحداً لم ينظر في أمرنا مما دفعنا للتظاهر احتجاجاً على تجاهلنا وتهميشنا، بعد ذلك تم تلبية مطالبنا وسويت أوضاعنا وتم اعطائنا الإقامة الدائمة في النمسا.

بعدها انتقلت إلى فينا ومكثت في سكن شبابي مشترك، وبدأت بإجراءات تسجيل أوراقي في مكتب العمل من أجل لم شمل أولادي وزوجتي، وبعد شهرين تلقيت اتصال من زوجتي وأخبرتني أن السفارة اتصلت بها ويجب عليها مغادرة سوريا خلال ١٥ يوماً، وفي هذه الأثناء باشرت تعلم اللغة  والبحث عن منزل لعائلتي حتى علمت أن هناك منظمة اسمها الكريتاس تساعد اللاجئين في فينا في تأمين منزل لهم في الأرياف، وبالفعل ذهبت إلى المنظمة وكان هناك العديد من الأشخاص ينتظرون وأخبروني أنه يتوجب عليّ حجز دور مسبق، وبالفعل حجزت دور وكان رقمي 40 وما زاد من احباطي أن المنظمة تختار ٥٠ رقم ومن ثم تعمل مقابلات مع الأشخاص الخمسين ويتم اختيار ثلاث عائلات منهم، وينوه أبو الفدا  أن فرحته كانت عارمة عندما تم اختياره من ضمن الأسماء الخمسين لاستئجار المنزل مضيفاً أن ما سهل ويسر أمري هو وجود تذاكر سفر بحوزته. 

بعد يومين تم أخذ موعد للقاء أصحاب المنزل في القرية التي تبعد عن فينا حولي ٤٠ كم وكانت المفاجئة أن المنزل تابع للبلدية ويوجد مجموعة من الأشخاص يردون مساعدة اللاجئين ودمجهم بالمجتمع النمساوي،  فسخر الله لي سيدة كبيرة في السن كانت بمنتهى اللطف معي وبعد أن حدثتها عن نفسي وعائلتي أخبرتني أنها سوف تساعدني بتأمين المنزل، إلا أنني قلت في قرارة نفسي أنها لن تساعدني، لذلك اتصلت بها بعد أسبوع وطلبت منها أن أرى المنزل فوافقت على ذلك ووعدتني خيراً، وذهبت والشكوك تساوريني إلى أن وصلت عائلتي من سورية حينها كنت في حالة ارتباك لأنه لا يوجد مكان يمكثون به، لكن المفاجئة أن المسنة أرسلت شاب إلي لنقلي أنا وعائلتي إلى المنزل، وعندما وصلنا تم اعطائي مفاتيح، وكان المنزل مفروش ومجهز بكل شيء حتى أن الثلاجة كانت مليئة بالطعام والفاكهة.

العزيمة والإصرار كانا طريقي للنجاح

اعتبر أبو الفدا الحفاوة والاستقبال الجيد من المسنة والعائلات النمساوية والمساعدة في تأمين مسكن له ولعائلته من الأمور التي حفزته على تعلم اللغة الالمانية للاندماج بالمجتمع النمساوي وفهم عاداته وتقاليده، مردفاً بعدها وبعزيمة وإصرار على متابعة حياتي بشكل طبيعي ونسيان ما حصل معي من متاعب وأهول في سورية وأثناء رحلة الموت التي أقدمت عليها، حصلت على شهادة السياقة النمساوية، وبعدها تقدمت بطلبات عمل عديدة وكانت جميعها تأتي بالرفض،  وبينما كنت في الكورس اتصلت بي شركة "ريش اوند فريش" وأخبرتني أن الشركة تريد إجراء مقابلة شفهية معي، ذهبت في  الموعد المحدد وقابلت المسؤول عنها، فطرح عليّ عدة اسئلة وقال لي انتظر حتى ندرس سيرتك الذاتية ونخبرك في وقت لاحق،  بعد أسبوع اتصلت الشركة بي وأخبرتني أنهم يريدون اختباري، وبالفعل ذهبت إلى الشركة وعملت فيها لمدة ٤ أيام كل يوم ٣ ساعات، بعد ذلك قال لي المسؤول هل أعجبك العمل قلت له نعم ولكن لدي مشكلة بالتنقل لأن الشركة كانت  تبعد عن منزلي ما يقارب  ٥٠ كم وكنت انتقل بالقطار وامشي مسافة ٤كم سيراَ على الأقدام  للوصول للعمل، فقال لي لا مشكلة بذلك،  وكرر سؤاله لي هل هناك مصاعب أو مشاكل أخرى تعاني منها فقلت لا، حينها تم الاتفاق بيني وبين الشركة على أعمل بدوام جزئي،  وهو عبارة عن أربع ساعات يومية بعد الكورس وتم اعطائي سيارة للتنقل من المنزل إلى الكورس إلى العمل بشرط أن أكمل تعلم اللغة الألمانية وأحصل على الشهادة.

هذا الأمر شجعني على المضي قدماً أكثر فأنهيت الدراسة وحصلت على الشهادة وكانت فرحة كبيرة لي ولزملائي بالعمل وبذلك أكون أتممت كل شروط العمل.

لا أخفيكم سراً أنني ورغم كل تلك التسهيلات والمساعدة التي حصلت عليها كنت في البداية أجد صعوبة بالعمل، وذلك بسبب اختلاف الثقافة والعادات وطريقة العمل،  لكنني كنت مصراَ على إكمال الطريق وبعد ذلك تم نقل عملي إلى منطقة قريبة من منزلي تبعد ١٢ كم، وبدأت العمل بدوام وكنت في كل مرة أحرص على التقدم بالعمل والاجتهاد أكثر، ما دفع الشركة إلى الثناء على عملي وتكريمي يثني عدة مرات، وأنا الآن أعمل في عدة أقسام بالشركة، فيما أصبحت عائلتي أكثر اندماجاً وتأقلماً مع المجتمع النمساوي والحياة الجديدة.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/10258

مجموعة العمل – فايز أبو عيد

أبو الفدا  (اسم مستعار) لاجئ فلسطيني من سكان مخيم السبينة كان يعمل في شركة للصناعات الدوائية وموظف في إحدى الدوائر الحكومية، عاش مع عائلته حياة مستقرة وأمنة إلى أن دخل مخيم السبينة في أتون الحرب الدائرة في سورية، قُصف منزله ودمر فاضطر للنزوح إلى منطقة كفرسوسة بدمشق،  ومن ثم اعتقل من قبل قوات الأمن السوري لمدة خمسة عشر يوماً دون ذنب يذكر، حينها قرر الهجرة فسلك كغيره من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين درب الألم والشقاء والهجرة إلى بلاد أكثر رأفة وإنسانية من بلاد العرب.

درب الألم والنزوح  والمعاناة

يقول أبو الفدا :" في أحد الأيام عندما كنت على رأس عملي رن جرس هاتفي وإذ بصديقي يخبرني أن منزلي تعرض للقصف، هنا انتابتني حالة من الهلع والخوف الشديدين على عائلتي التي كانت في المنزل،  "فتركت عملي وتوجهت مباشرة إلى المخيّم للاطمئنان عنهم، إلا أنني لم استطع الوصول إليهم بسبب الاشتباكات العنيفة والقصف الذي كانت تتعرض له المنطقة وهذا ما زاد من قلقي وخوفي، إلى أن اتصلوا بي أخوتي القاطنين بجوار منزلي وأخبروني أن زوجتي وأولادي بخير وصحة وسلامة ولم يصب أياً منهم بأذى.

يتابع أبو الفدا رواية حكايته في اليوم الثاني منذ الصباح الباكر ذهبت إلى المنزل ومن هنا بدأ درب الألم والنزوح والمعاناة، حيث انتقلت إلى منزل عائلة زوجتي في كفرسوسة لكون الوضع فيها أكثر أمناً من مخيم سبينة، طبعا كانت الفكرة أن نترك المنزل لفترة وجيزة حتى تهدأ الأوضاع في المخيّم ثم نعود، لكن الوضع زاد سوء، حينها اضطررت للمكوث في منطقة كفرسوسه بدمشق بسبب التوتر الأمني الذي شهدته بلدة سبينة والمخيّم والحصار الذي فرضه الجيش السوري على المنطقة والذي منع بموجبه دخول وخروج السكان منها وإليها.

في عام ٢٠١٣ تم اعتقالي من قبل قوات الأمن السوري لمدة خمسة عشر يوماَ دون أي سبب يذكر، بالرغم من أنني موظف حكومي.

 يروي أبو الفدا قصصاً مروعة عن ما شاهده في المعتقل، واصفاً الأيام التي عاشها فيه بأنها مرعبة، فكان يشعر كأنه يموت باليوم ألف مرة، خاصة أن التفكير بعائلته ومصيرهم كان يأخذ الحيز الكبير من تفكيره.

فما بعد الاعتقال ليس كما قبله

بعد معاناة وعذاب دام خمسة عشر يوماً أفرج الأمن السوري عني، وعندما خرجت من السجن تفاجأت أنه تم فصلي من الوظيفة لأسباب أمنية، حينها  بدأت أفكر بالهجرة بشكل جدي، لذلك تقدمت بطلب فيزا إلى السودان في شهر مايو ٢٠١٤ لكن تم رفض طلبي لأنني فلسطيني ولعدم وجود كفيل،  بعد ذلك قررت الهجرة إلى أوروبا عن طريق تركيا، وللوصول إليها كان لابد من اجتياز  مدينة إدلب السورية، إلا أن الطريق إليها كان من أصعب الطرق فقد عشنا حالة من الخوف الشديد نتيجة كثرة الحواجز الأمنية سواء التابع منها للنظام أو لمجموعات المعارضة السورية وداعش، مضيفاً " أن الطريق  استغرق ١٢ ساعة إلى أن وصلوا إلى الحدود التركية" ، ويتابع عند وصولنا بقينا ثلاث ساعات ننتظر على الحدود من أجل العبور،  كان الوقت ليلا والظلام دامس يصعب الرؤية فيه حينها قال لنا المهرب الذي كان يرافقنا :"أذهبوا في هذه الطريق حتى تصلوا إلى الضوء" وعندما وصلنا كان هناك شخص ينتظرنا بالسيارة نحن لانعرف اننا كما نمشي على جسر فوق الماء، لقد وقعت في الماء ذلك الحين وابتلت ملابسي وأغراضي وساعدني أصدقائي للخروج، بعد ذلك وجدنا أسلاك اضطررنا لاجتيازها ما أدى إلى إصابتنا بجروح والدم يسيل من كل مكان في جسدنا التي مزقته الأسلاك.

بعد أن وصلنا إلى السيارة انطلق السائق بنا بسرعة جنونية إلى أن أوصلنا إلى منزل المسؤول عن سيارات التهريب فدفعنا له النقود المتفق عليها، عندها قال لنا :"سوف تذهبون إلى الكراج من أجل السفر إلى مدينة اسطنبول"

طريق الشقاء ودرب الألآم

يستطرد أبو الفدا سرد قصته لمجموعة العمل ذهبنا إلى الكراج واستقلينا  الحافلة وانطلقنا إلى مدينة اسطنبول وبعد حوالي ١٦ ساعة وصلنا إليها،  وكنا متعبين منهكين نبحث عن مأوى إلى أن وجدنا شقة للإيجار وكانت غالية، بقينا لمدة أسبوع في اسطنبول حتى وجدنا قارب مطاطي (بلم) من أجل العبور إلى اليونان، ركبنا حفي البلم الذي كان عليه حوالي ٤٠ شخصاً بينهم نساء وأطفال ومسنين، كانت الرحلة مليئة بالأحداث المرعبة  فمع ارتفاع الموج وارتطامه بالبلم كان صراخ النساء والأطفال يتعالى والتكبير والدعاء ينبع من قلوب أيقنت أن حتفها واقع لا محالة، وما زاد الطين بلة أن محرك البلم تعطل عدة مرات، استغرقت الرحلة ٤ ساعات إلى أن وصلنا إلى شواطئ الجزيرة اليونانية كيوس، وهناك استقبلنا  البوليس اليوناني وأحضر سيارات الإسعاف وتم نقلنا إلى كامب مغلق وبقينا بالكامب لمدة أسبوع وبعد ذلك تم اعطائنا الخارطية (وهي عبارة عن ورقة يسمح لنا بموجبها البقاء لمدة شهر على الأراضي اليونانية)، بعد ذلك انتقلنا إلى أثينا منطقة سالونيك وبقينا أسبوع فيها، بعدها  بدأت رحلة الشقاء والمسير سيراً على الأقدام بالغابات وعلى سكة القطار، وعندما دخلنا إلى الأراضي المقدونية ألقى البوليس القبض علينا وأعادنا إلى الحدود اليونانية، مرات عديدة حاولنا فيها اجتياز الحدود المقدونية إلا أن الشرطة كانت لنا بالمرصاد، بقينا لمدة شهر كامل في اليونان إلى أن تمكنا أخيراً وبتوفيق من الله اجتياز الحدود والذهاب إلى عاصمة مقدونيا ومنها إلى صربيا.

يضيف أبو الفدا بقيت في صربيا لمدة أسبوعين لعدم توفر النقود من أجل إكمال الرحلة ولكن الحمد لله تم تحويل المال لي من قبل أخوتي وأقربائي وأصدقائي، بعد ذلك ذهبت إلى الحدود الصربية الهنكارية ومكثنا في منزل مهجور، وفي المساء كان هاتفي المحمول فارغ من الشحن،  فذهبت إلى مكان بعيد يوجد فيه بعض الأسلاك الكهربائية لشحن الهاتف، وبينما كنت انتظر حتى يتم شحنة رأيت ثلاثة أشخاص يرتدون لباس البوليس يتقدمون نحوي ويصبون مسدساتهم على رأسي، وبسرعة أخذوا مني حقيبتي وفتشوها كما أخذوا نقودي وهاتفي المحمول، ما تسبب لي بصدمة كبيرة لأنني لم أعد أملك المال وليس لدي وسيلة للاتصال بعائلتي والاطمئنان عنها، بعد ذلك لم أجد أمامي من خلاص سوى متابعة السير على الأقدام  مشيت أنا ورفاقي الأربعة في الغابات إلى أن وصلنا إلى هنغاريا، هناك وجدت صديق قديم لي عرض عليّ أن يقرضني بعض المال لمتابعة رحلتي إلا أنني رفضت في البداية  وبعد أن علمت أنه ذاهب إلى النمسا التي اخترتها مقراً ومستقراً لي ولعائلتي لسببين الأول لأنها أول بلد أوربي سأصل إليه، والثاني أن نظام اللجوء فيها ومعاملات اعطاء الإقامة ولم الشمل أسرع من بقية الدول الأوروبية، قبلت أخذ النقود.

في هنغاريا اتفقنا مع مهرب على إدخالنا إلى النمسا، وفي المساء ركبنا شاحنة مغلقة يوجد فيها أكثر من خمسين شخص، وكانت بها فتحة صغيرة التهوية وكان الرحلة مريرة جداً إلى أن وصلنا إلى فينا، حيث كانت سعادتي كبيرة جداً، بعدها ذهبت أنا ورفاقي إلى الكامب وسلمنا أوراقنا الثبوتية إلى البوليس من أجل طلب اللجوء.

النمسا وهاجس لم الشمل والتفكير بالمستقبل

يضيف أبو الفدا بعد أن قمنا بتسليم أنفسنا إلى البوليس النمساوي بقينا في الكامب لمدة ٩ أشهر ونصف ننتظر تسوية أوضاعنا، إلا أن أحداً لم ينظر في أمرنا مما دفعنا للتظاهر احتجاجاً على تجاهلنا وتهميشنا، بعد ذلك تم تلبية مطالبنا وسويت أوضاعنا وتم اعطائنا الإقامة الدائمة في النمسا.

بعدها انتقلت إلى فينا ومكثت في سكن شبابي مشترك، وبدأت بإجراءات تسجيل أوراقي في مكتب العمل من أجل لم شمل أولادي وزوجتي، وبعد شهرين تلقيت اتصال من زوجتي وأخبرتني أن السفارة اتصلت بها ويجب عليها مغادرة سوريا خلال ١٥ يوماً، وفي هذه الأثناء باشرت تعلم اللغة  والبحث عن منزل لعائلتي حتى علمت أن هناك منظمة اسمها الكريتاس تساعد اللاجئين في فينا في تأمين منزل لهم في الأرياف، وبالفعل ذهبت إلى المنظمة وكان هناك العديد من الأشخاص ينتظرون وأخبروني أنه يتوجب عليّ حجز دور مسبق، وبالفعل حجزت دور وكان رقمي 40 وما زاد من احباطي أن المنظمة تختار ٥٠ رقم ومن ثم تعمل مقابلات مع الأشخاص الخمسين ويتم اختيار ثلاث عائلات منهم، وينوه أبو الفدا  أن فرحته كانت عارمة عندما تم اختياره من ضمن الأسماء الخمسين لاستئجار المنزل مضيفاً أن ما سهل ويسر أمري هو وجود تذاكر سفر بحوزته. 

بعد يومين تم أخذ موعد للقاء أصحاب المنزل في القرية التي تبعد عن فينا حولي ٤٠ كم وكانت المفاجئة أن المنزل تابع للبلدية ويوجد مجموعة من الأشخاص يردون مساعدة اللاجئين ودمجهم بالمجتمع النمساوي،  فسخر الله لي سيدة كبيرة في السن كانت بمنتهى اللطف معي وبعد أن حدثتها عن نفسي وعائلتي أخبرتني أنها سوف تساعدني بتأمين المنزل، إلا أنني قلت في قرارة نفسي أنها لن تساعدني، لذلك اتصلت بها بعد أسبوع وطلبت منها أن أرى المنزل فوافقت على ذلك ووعدتني خيراً، وذهبت والشكوك تساوريني إلى أن وصلت عائلتي من سورية حينها كنت في حالة ارتباك لأنه لا يوجد مكان يمكثون به، لكن المفاجئة أن المسنة أرسلت شاب إلي لنقلي أنا وعائلتي إلى المنزل، وعندما وصلنا تم اعطائي مفاتيح، وكان المنزل مفروش ومجهز بكل شيء حتى أن الثلاجة كانت مليئة بالطعام والفاكهة.

العزيمة والإصرار كانا طريقي للنجاح

اعتبر أبو الفدا الحفاوة والاستقبال الجيد من المسنة والعائلات النمساوية والمساعدة في تأمين مسكن له ولعائلته من الأمور التي حفزته على تعلم اللغة الالمانية للاندماج بالمجتمع النمساوي وفهم عاداته وتقاليده، مردفاً بعدها وبعزيمة وإصرار على متابعة حياتي بشكل طبيعي ونسيان ما حصل معي من متاعب وأهول في سورية وأثناء رحلة الموت التي أقدمت عليها، حصلت على شهادة السياقة النمساوية، وبعدها تقدمت بطلبات عمل عديدة وكانت جميعها تأتي بالرفض،  وبينما كنت في الكورس اتصلت بي شركة "ريش اوند فريش" وأخبرتني أن الشركة تريد إجراء مقابلة شفهية معي، ذهبت في  الموعد المحدد وقابلت المسؤول عنها، فطرح عليّ عدة اسئلة وقال لي انتظر حتى ندرس سيرتك الذاتية ونخبرك في وقت لاحق،  بعد أسبوع اتصلت الشركة بي وأخبرتني أنهم يريدون اختباري، وبالفعل ذهبت إلى الشركة وعملت فيها لمدة ٤ أيام كل يوم ٣ ساعات، بعد ذلك قال لي المسؤول هل أعجبك العمل قلت له نعم ولكن لدي مشكلة بالتنقل لأن الشركة كانت  تبعد عن منزلي ما يقارب  ٥٠ كم وكنت انتقل بالقطار وامشي مسافة ٤كم سيراَ على الأقدام  للوصول للعمل، فقال لي لا مشكلة بذلك،  وكرر سؤاله لي هل هناك مصاعب أو مشاكل أخرى تعاني منها فقلت لا، حينها تم الاتفاق بيني وبين الشركة على أعمل بدوام جزئي،  وهو عبارة عن أربع ساعات يومية بعد الكورس وتم اعطائي سيارة للتنقل من المنزل إلى الكورس إلى العمل بشرط أن أكمل تعلم اللغة الألمانية وأحصل على الشهادة.

هذا الأمر شجعني على المضي قدماً أكثر فأنهيت الدراسة وحصلت على الشهادة وكانت فرحة كبيرة لي ولزملائي بالعمل وبذلك أكون أتممت كل شروط العمل.

لا أخفيكم سراً أنني ورغم كل تلك التسهيلات والمساعدة التي حصلت عليها كنت في البداية أجد صعوبة بالعمل، وذلك بسبب اختلاف الثقافة والعادات وطريقة العمل،  لكنني كنت مصراَ على إكمال الطريق وبعد ذلك تم نقل عملي إلى منطقة قريبة من منزلي تبعد ١٢ كم، وبدأت العمل بدوام وكنت في كل مرة أحرص على التقدم بالعمل والاجتهاد أكثر، ما دفع الشركة إلى الثناء على عملي وتكريمي يثني عدة مرات، وأنا الآن أعمل في عدة أقسام بالشركة، فيما أصبحت عائلتي أكثر اندماجاً وتأقلماً مع المجتمع النمساوي والحياة الجديدة.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/10258