map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

بودكاست قصة من المخيم "حين يمسي الطبيب الفلسطيني مُكبّلاً في سجون النظام السوري" (2)

تاريخ النشر : 03-09-2021
بودكاست قصة من المخيم "حين يمسي الطبيب الفلسطيني مُكبّلاً في سجون النظام السوري" (2)

خاص|| مجموعة العمل – لندن

اُقتِيد الطبيب أحمد إلى فرع المخابرات الجوية في مدينة درعا، رغم عدم اقترافه أي ذنب، فالأشياء التي كان يخشى على نفسه أن يُعتقَل بسببها لم تتصدر المشهد على الإطلاق، بل إنّ سبب الاعتقال جاء من حيث لم يحتسب كما يقول، حيث يتابع معنا حديثه الذي كان قد بدأه معنا الأسبوع الفائت:" عندما وصلنا إلى بوابة الفرع كان في استقبالنا عنصر ضخم الجثة، كثيف الشعر، ذو لحية طويلة، يجلس في بوابة المحرس ويضع طنجرة كبيرة على سخّانة الكهرباء و في قاعها قليل من البصل يحرّكه بعصا خشبية، وإذ بأحد الذين كانوا معي في السيارة يقول لهذا الحارس: اتفضل استلم هالدكتور الفلسطيني اللي مو عاجبو دكتورنا، وفور ولوجي من فم السيارة تناولني بضربة على وجهي أوقعتني أرضاً على تلك الطنجرة، لتحرقني قطع البصل الملتهبة التي كانت فيها، ولأنني كنت مكبّل اليدين والقدمين لم أستطع النهوض، فبدأ يدوسني بأقدامه ويضربني على بطني حتى كدت أموت وجعاً، ثم سأل المجموعة التي اقتادتني عن سبب عدم تغطية وجهي وعيوني، فقالوا له: إحنا بنضرب ع المكشوف حيدرة وما بنخاف من حدى، تغطاية الوش مو شغلتنا، بعدين البركة فيك معلم، اعميلو عيونو وما في داعي انغطيهن بالأساس.. قالوها ثم انصرفوا وبقيت وحيداً على الأرض تحت قدميه، يدوسني وهو يلملم قطع البصل، ويقرّبني من سخانة الكهرباء فأستغيث، ثم يبعدها ويقرّبها من جسدي ووجهي وكأنه يتسلى، ثم قال لي: لك يا حيوان، اللي عم يسب على عنصر عم نفعل ونساوي فيو كذا وكذا، فَ كِيف اللي عم يسب على سيادة الرئيس، والله لتشتهي الموت وما تلاقيه.. ثم بدأ يتوعدني إلى أن جاءت مجموعة قامت بتغطية وجهي واقتيادي إلى القبو باللكمات والشتائم والركل، وهم يقولون لي أنّ هذا كله مقبّلات، أمّا الوجبة الدسمة فهي من الأمور اللاحقة دون أدنى شك، ولم يكن من وسيلة لي سوء البكاء والمناشدة بأنني لم أشتم سيادة الرئيس أبداً، بل إنني أخبرتهم فقط بأنني طبيب عندما سألوني عن سبب تواجدي في ذلك المربع الأمني، ولكنّ تلك المناشدات لم تُجدِ نفعاً على الإطلاق..

خمسةٌ وأربعون يوماً كنا نتناوب فيها على التعذيب بكافة أصنافه أنا وبقية الصحب المُعذَّبين، كانوا يأتون بالبراميل ويملؤونها بالماء ثم يضعون رؤوسنا فيها حتى تكاد الروح تخرج إلى الله، ثم يرفعون رؤوسنا لنأخذ شيئاً من هواء الشهيق ثم تعود الكرّة مرة أخرى، وفي كل مرة يتم إنزال رؤوسنا كنا نبلع من ماء البرميل الملوّث حتى تنتفخ بطوننا، وكلما ناشدناهم بالله أو بالرسول كانوا يتطاولون عليهم ويزيدون من فترة الإغراق بالماء، هذا الأمر ومع تكراره أكثر من مرة أدى إلى تلوث المعدة، حيث إنني مُصاب بألم في معدتي وقرحة دموية تمنعني حتى اليوم من الوصول لمرحلة الشبع حين أتناول الطعام، إذ لا أستطيع أن أتناول أكثر من وجبة صغيرة، وإلّا فإنني سوف أعاني ذلك النهار من ألمٍ لا يُطَاق، كل ذلك التعذيب لأنهم يريدون مني أن أعترف بأنني أعالج الإرهابيين وأنا الذي أنشأت المشفى الميداني داخل المخيم واستجلبت الدواء والمعدّات الطبية من الأردن وإسرائيل، ولدي علاقات معهم ..

كان معي شباب في عمر الورود أرهقهم التعذيب وبساط الريح والكيّ بالسياط، وقلع الأظافر بالمعدّات، لدرجة أنّ أجسادهم لا تقوى على النهوض من شدة التعذيب، حيث كان معنا إمام لأحد المساجد اتهموه بالدعاء على بشار الأسد فوق المنبر، فاختاروا له عقوبة لا يفعلها إلا من تجرد من الضمير والوجدان والأخلاق والإنسانية، إذ فرضوا عليه أن يأكل من برازهم لأن فمه الذي دعا على بشار الأسد لابدّ أن يُحاسب هذا الحساب الذي يليق به على حَدّ قولهم..

عُصِيّ الكهرباء أكلت من أجسادنا لحماً ودماً، وهي أكثر شيء لازمَنا خلال فترة الاعتقال حيث يضعها على المناطق الرخوة في الجسد لتبعث الصعقات الكهربائية في كافة أنحاء الجسم ثم تطرحك أرضاً ليبدأ بعدها الركل على البطن والخواصر بكل قوة وكأننا بعنا الوطن بكل ما فيه إلى الأعداء..

أكثرُ يومٍ عُذّبتُ فيه كان عندما اقتادوا أمامنا فتاة في الثلاثينيات من عمرها وأساؤوا إليها إساءات أخجل من وصفها على الملأ، فأعراضنا عندهم رخيصة للغاية، لكنّ تُهمتي في تلك الساعة كانت أنني غرتُ على هذه الفتاة بعد أن اعتدوا عليها بأشياء لا تليق بها كأنثى، و بأنّ العنصر شاهد في عيوني ملامح الشفقة عليها، وهذا من الممنوعات في عُرفهم، الأمر الذي أدّى إلى اقتيادي إلى جوارها ليتم ربطي معها بالحبال، الظهر على الظهر، ثم شُدّت الأحزمة على أجسادنا بقوة كبيرة لدرجة أننا أصبحنا نصرخ بعدما أصبحنا جسدا واحداً يتدحرج كالبرميل تحت أقدامهم وأمام مرأى بقية العناصر الذين راحوا يتضاحكون ويساهمون في عملية الركل والدعس والضرب بالعُصي وإغراقنا بالماء البارد، وضربنا بالعُصِيّ الكهربائية والأدوات الحادة والسخرية منا لاسيما أن تلك الفتاة بدأت تفقد وعيها من شدة الضرب والتعذيب الذي استمر لأكثر من ست ساعات متواصلة ..

أما عن الطعام فكان في أغلب فترة الاعتقال عبارة عن حبة بطاطا مسلوقة مع رغيف خبز صباحاً، وقليل من الرز المسلوق عند وقت العصر تقريباً، بالإضافة إلى الماء الملوّث الذي كنا نشربه كالبهائم، والويل الويل لكل من يصدر صوتاً أثناء توزيع الطعام، فينزل عليه غضب العنصر الذي سيعكّر له نهاره بالتعذيب..

لا أدري أخي الكريم لماذا انهارت معنوياتي منذ ذلك الحين حتى اليوم، حتى شخصيتي كطبيب ضاعت ولم أعد أعترف بنفسي، الأمر كان صعباً جداً، ولم أفلت منه إلا بعد جهود حثيثة قام بها ابن خالتي المتطوع منذ سنوات طويلة في صفوف القيادة العامة، حيث تواصل مع مكتب أحمد جبريل الذي ساهم في إطلاق سراحي قبل إحالتي إلى القاضي، مقابل مبلغ مالي قدره خمسة ملايين ليرة سورية..

خرجت من المعتقل فاقد الكرامة، مشوّه الجسد، بوزن لا يتجاوز خمسين كيلوغرام، وجسد مليء بالعاهات والأورام والجرب، وأشياء أعاني منها حتى اليوم، ولهذا قررت الرحيل عن هذا البلد، وبالفعل رحلت وأنا الآن أزاول مهنة الطب في ألمانيا..

لعلّ لقاءنا مع موقعكم الحر يتجدد، فأحدثكم عن مهنتي كطبيب هنا والفرق بين الطبيب في دولة الأسد والطبيب في أوروبا..

كل الاحترام والتقدير لجهودكم في إيصال صوتنا.. لكم مني كل الاحترام والتقدير..

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/15983

خاص|| مجموعة العمل – لندن

اُقتِيد الطبيب أحمد إلى فرع المخابرات الجوية في مدينة درعا، رغم عدم اقترافه أي ذنب، فالأشياء التي كان يخشى على نفسه أن يُعتقَل بسببها لم تتصدر المشهد على الإطلاق، بل إنّ سبب الاعتقال جاء من حيث لم يحتسب كما يقول، حيث يتابع معنا حديثه الذي كان قد بدأه معنا الأسبوع الفائت:" عندما وصلنا إلى بوابة الفرع كان في استقبالنا عنصر ضخم الجثة، كثيف الشعر، ذو لحية طويلة، يجلس في بوابة المحرس ويضع طنجرة كبيرة على سخّانة الكهرباء و في قاعها قليل من البصل يحرّكه بعصا خشبية، وإذ بأحد الذين كانوا معي في السيارة يقول لهذا الحارس: اتفضل استلم هالدكتور الفلسطيني اللي مو عاجبو دكتورنا، وفور ولوجي من فم السيارة تناولني بضربة على وجهي أوقعتني أرضاً على تلك الطنجرة، لتحرقني قطع البصل الملتهبة التي كانت فيها، ولأنني كنت مكبّل اليدين والقدمين لم أستطع النهوض، فبدأ يدوسني بأقدامه ويضربني على بطني حتى كدت أموت وجعاً، ثم سأل المجموعة التي اقتادتني عن سبب عدم تغطية وجهي وعيوني، فقالوا له: إحنا بنضرب ع المكشوف حيدرة وما بنخاف من حدى، تغطاية الوش مو شغلتنا، بعدين البركة فيك معلم، اعميلو عيونو وما في داعي انغطيهن بالأساس.. قالوها ثم انصرفوا وبقيت وحيداً على الأرض تحت قدميه، يدوسني وهو يلملم قطع البصل، ويقرّبني من سخانة الكهرباء فأستغيث، ثم يبعدها ويقرّبها من جسدي ووجهي وكأنه يتسلى، ثم قال لي: لك يا حيوان، اللي عم يسب على عنصر عم نفعل ونساوي فيو كذا وكذا، فَ كِيف اللي عم يسب على سيادة الرئيس، والله لتشتهي الموت وما تلاقيه.. ثم بدأ يتوعدني إلى أن جاءت مجموعة قامت بتغطية وجهي واقتيادي إلى القبو باللكمات والشتائم والركل، وهم يقولون لي أنّ هذا كله مقبّلات، أمّا الوجبة الدسمة فهي من الأمور اللاحقة دون أدنى شك، ولم يكن من وسيلة لي سوء البكاء والمناشدة بأنني لم أشتم سيادة الرئيس أبداً، بل إنني أخبرتهم فقط بأنني طبيب عندما سألوني عن سبب تواجدي في ذلك المربع الأمني، ولكنّ تلك المناشدات لم تُجدِ نفعاً على الإطلاق..

خمسةٌ وأربعون يوماً كنا نتناوب فيها على التعذيب بكافة أصنافه أنا وبقية الصحب المُعذَّبين، كانوا يأتون بالبراميل ويملؤونها بالماء ثم يضعون رؤوسنا فيها حتى تكاد الروح تخرج إلى الله، ثم يرفعون رؤوسنا لنأخذ شيئاً من هواء الشهيق ثم تعود الكرّة مرة أخرى، وفي كل مرة يتم إنزال رؤوسنا كنا نبلع من ماء البرميل الملوّث حتى تنتفخ بطوننا، وكلما ناشدناهم بالله أو بالرسول كانوا يتطاولون عليهم ويزيدون من فترة الإغراق بالماء، هذا الأمر ومع تكراره أكثر من مرة أدى إلى تلوث المعدة، حيث إنني مُصاب بألم في معدتي وقرحة دموية تمنعني حتى اليوم من الوصول لمرحلة الشبع حين أتناول الطعام، إذ لا أستطيع أن أتناول أكثر من وجبة صغيرة، وإلّا فإنني سوف أعاني ذلك النهار من ألمٍ لا يُطَاق، كل ذلك التعذيب لأنهم يريدون مني أن أعترف بأنني أعالج الإرهابيين وأنا الذي أنشأت المشفى الميداني داخل المخيم واستجلبت الدواء والمعدّات الطبية من الأردن وإسرائيل، ولدي علاقات معهم ..

كان معي شباب في عمر الورود أرهقهم التعذيب وبساط الريح والكيّ بالسياط، وقلع الأظافر بالمعدّات، لدرجة أنّ أجسادهم لا تقوى على النهوض من شدة التعذيب، حيث كان معنا إمام لأحد المساجد اتهموه بالدعاء على بشار الأسد فوق المنبر، فاختاروا له عقوبة لا يفعلها إلا من تجرد من الضمير والوجدان والأخلاق والإنسانية، إذ فرضوا عليه أن يأكل من برازهم لأن فمه الذي دعا على بشار الأسد لابدّ أن يُحاسب هذا الحساب الذي يليق به على حَدّ قولهم..

عُصِيّ الكهرباء أكلت من أجسادنا لحماً ودماً، وهي أكثر شيء لازمَنا خلال فترة الاعتقال حيث يضعها على المناطق الرخوة في الجسد لتبعث الصعقات الكهربائية في كافة أنحاء الجسم ثم تطرحك أرضاً ليبدأ بعدها الركل على البطن والخواصر بكل قوة وكأننا بعنا الوطن بكل ما فيه إلى الأعداء..

أكثرُ يومٍ عُذّبتُ فيه كان عندما اقتادوا أمامنا فتاة في الثلاثينيات من عمرها وأساؤوا إليها إساءات أخجل من وصفها على الملأ، فأعراضنا عندهم رخيصة للغاية، لكنّ تُهمتي في تلك الساعة كانت أنني غرتُ على هذه الفتاة بعد أن اعتدوا عليها بأشياء لا تليق بها كأنثى، و بأنّ العنصر شاهد في عيوني ملامح الشفقة عليها، وهذا من الممنوعات في عُرفهم، الأمر الذي أدّى إلى اقتيادي إلى جوارها ليتم ربطي معها بالحبال، الظهر على الظهر، ثم شُدّت الأحزمة على أجسادنا بقوة كبيرة لدرجة أننا أصبحنا نصرخ بعدما أصبحنا جسدا واحداً يتدحرج كالبرميل تحت أقدامهم وأمام مرأى بقية العناصر الذين راحوا يتضاحكون ويساهمون في عملية الركل والدعس والضرب بالعُصي وإغراقنا بالماء البارد، وضربنا بالعُصِيّ الكهربائية والأدوات الحادة والسخرية منا لاسيما أن تلك الفتاة بدأت تفقد وعيها من شدة الضرب والتعذيب الذي استمر لأكثر من ست ساعات متواصلة ..

أما عن الطعام فكان في أغلب فترة الاعتقال عبارة عن حبة بطاطا مسلوقة مع رغيف خبز صباحاً، وقليل من الرز المسلوق عند وقت العصر تقريباً، بالإضافة إلى الماء الملوّث الذي كنا نشربه كالبهائم، والويل الويل لكل من يصدر صوتاً أثناء توزيع الطعام، فينزل عليه غضب العنصر الذي سيعكّر له نهاره بالتعذيب..

لا أدري أخي الكريم لماذا انهارت معنوياتي منذ ذلك الحين حتى اليوم، حتى شخصيتي كطبيب ضاعت ولم أعد أعترف بنفسي، الأمر كان صعباً جداً، ولم أفلت منه إلا بعد جهود حثيثة قام بها ابن خالتي المتطوع منذ سنوات طويلة في صفوف القيادة العامة، حيث تواصل مع مكتب أحمد جبريل الذي ساهم في إطلاق سراحي قبل إحالتي إلى القاضي، مقابل مبلغ مالي قدره خمسة ملايين ليرة سورية..

خرجت من المعتقل فاقد الكرامة، مشوّه الجسد، بوزن لا يتجاوز خمسين كيلوغرام، وجسد مليء بالعاهات والأورام والجرب، وأشياء أعاني منها حتى اليوم، ولهذا قررت الرحيل عن هذا البلد، وبالفعل رحلت وأنا الآن أزاول مهنة الطب في ألمانيا..

لعلّ لقاءنا مع موقعكم الحر يتجدد، فأحدثكم عن مهنتي كطبيب هنا والفرق بين الطبيب في دولة الأسد والطبيب في أوروبا..

كل الاحترام والتقدير لجهودكم في إيصال صوتنا.. لكم مني كل الاحترام والتقدير..

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/15983