map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

بودكاست قصة من المخيم بعنوان "بين مخيّمات سورية ولبنان.. مأساةٌ لم تنتهِ بعد" (2)

تاريخ النشر : 24-01-2022
بودكاست قصة من المخيم بعنوان "بين مخيّمات سورية ولبنان.. مأساةٌ لم تنتهِ بعد" (2)

|مجموعة العمل | لندن |

وصل أبو رائد مخيمَ الرشيدية في لبنان بعد رحلةٍ شاقةٍ جداً، وانتظارٍ طويلٍ على الحدود، برفقةِ أبنائِه وزوجتِه، جميعُهم لا يعرفون أحداً بشكلٍ مُسْبقٍ في هذا المخيم، كما أنّها المرةُ الأولى التي يطؤون فيها أرضَ لبنان، و حولَ هذه القضيةِ يقولُ أبو رائد في حديثِهِ الخاص لمجموعة العمل :" دخلنا الحدودَ و سارت بنا السيارةُ إلى العُمْقِ اللبناني و نحنُ ما نزالُ نرى صورَ الأسدِ الأبِ والابنِ تسربلُ بعضَ شوارعِ لبنان، وهذا ما عادَ بنا إلى مغبّةِ الخوفِ والقلق، وكأنّنا مازلنا في سورية التي تغطي هذه الصورُ مساحاتٍ واسعةٍ منها، فمازحتُ زوجتي محاولاً أن أبعثَ في نفسِها شيئاً من الطمأنينة، بعدما ظهرت عليها علاماتُ الاستياء، وقلت لها :" اتفضلي .. هياتو بعدو عم يشوّحلنا بيدو، وراك وراك مافي خلاص..".

وصلنا مخيمَ الرشيديةِ ودخلناه على حينِ غفلةٍ من أمرِنا وأمرِه، فوجدنا فيه ثلةٌ من الشبابِ المسلحين، يرتدون قمصاناً عليها صورةُ الزعيمِ الراحلِ ياسر عرفات و شعارُ حركةِ فتح، وعندما شاهدونا عرفوا أننا غرباء، فتقدّموا نحونا بخطواتٍ واثقة، و سألونا عن الوضع بشكل عام، فشرحنا لهم القصةَ كاملة، وبأننا وصلنا للتوِّ و ليس لدينا أيُّ شيء، ولا نعرف أحداً هنا للمساعدة، ولكنني انتبهتُ إلى أحدِهم وهو ينظرُ إلى زوجتي نظراتٍ تشي بأشياءٍ كثيرة، فحاولتُ أن أتنحنحَ كي أوحيَ لهُ أنني منزعج، فلم يكترث و كأنه حاز الكونَ كلَّهُ ببندقيّتِهِ التي يحملُها، عندها قلتُ له بشكل مباشر : أهكذا تستقبلونَ ضيوفَكم ؟!! بهذهِ النظراتِ التي تبعثُ على الغضبِ والسخط؟!! وهل هذه هي أخلاقُ الثوريّينَ الفتحاويّينَ أصحابِ الرصاصةِ الأولى والضمائرِ الحيّة؟!!

هذه التساؤلات تَبِعَها ملاسنةٌ حادةٌ بيني وبينه، انتهت بنصيحةٍ قدّمها لي أحدُ الواقفين على المشهد بأنّ المخيمَ فيه فوضى سلاح عارمة، وهو خارجَ سيطرةِ الدولة اللبنانية، ولا يستطيعُ الأمنُ أو الجيشُ الدخولَ إليه، بل إنهم يعمّمون اسم أيِّ شخصٍ مطلوبٍ من المخيمِ على حاجزِ الأمنِ اللبنانيِّ عند بوابةِ المخيم، حتى إذا خرجَ من المخيمِ يتمُّ إلقاءُ القبضِ عليه، وإذا لم يخرجْ أو يتم تسليمُه باليد، فإنّه سيبقى حراً طليقاً داخل أزقةِ المخيم المتآكلة..

عندما سمعتُ هذا الكلامَ التزمتُ الصمتَ الذي سادَ لفترةٍ طويلة، ونحنُ نقفُ في فمِ المخيم كالمتسوّلينَ و الكلُّ ينظرُ إلينا، إلى أن صادفَنا جارٌ قديمٌ لنا في مدينةِ درعا، تفاجأ بوجودِنا على هذه ِالحال، و أخذَنا بالأحضانِ و أبى إلّا أن يصطحبَنا إلى منزلِهِ كي نأخذَ قسطاً من الراحة، ثم بعد ذلك نرسمُ الخطة، و أثناء توجّهِنا إلى منزله شاهدتُ المخيم كاملاً و كأنني أتابعُ مسلسلَ التغريبةِ الفلسطينية، فالبيوتُ متآكلةٌ و فوضى البناءِ واضحةٌ للعيان، ورائحةُ مجاري المياه تخيمُ على أجزاءٍ واسعةٍ منه، و الجرذانُ تتراكضُ بين الأزقة، والسلاحُ منتشرٌ في أيدي الفتيةِ و الشُبان ..

شرح لنا هذا الجارُ كثيراً ، و قضينا ليلَتنا تلك وهو ينصحُني، لدرجةِ أنني شعرتُ و كأنني سأعيشُ على كوكبٍ آخر، له قوانينُه الخاصةُ و ثوابتُه، ولستُ في مخيّمِ الرشيدية، و قالَ لي إنّ الخطوةَ الأولى ستكونُ في إيجادِ مأوى لنا، ثم التسجيلِ في وكالةِ الأونروا و مكاتبِ الفصائل للحصولِ على مساعداتِهم المخصصةِ لأهالي المخيم، ثم بعد ذلك تبدأُ مرحلةُ البحثِ عن العمل، و لكنّني أخبرتُه بأنني لا أملكُ إلا مئتي دولار، فقال لي بأنه سيقرضُني المالَ على أن أعيدَهُ له خلال ثلاثةٍ أشهرٍ كحدٍّ أقصى، لأنه ينوي السفرَ نحو أوروبا، وبالفعل خرجنا في الصباحِ للبحثِ عن منزلٍ فوجدنا بعد عمليةِ بحثٍ مُطوّلة غرفةً و صالوناً مسقوفاً بألواحِ الزينكو، و فيها شيءٌ من الأثاثِ القديم، فاستأجرناها و دفع لي أجارَ ثلاثةِ أشهر، و بتنا ليلَتَنا الأولى على ضوءِ الشمعةِ و على أصواتِ نباحِ الكلاب ..

كان الخوفُ يملأُ قلوبَنا، واليأسُ يسيطرُ علينا بشكلٍ كامل، فكيف سوف أعيشُ في مثلِ هذه الأجواء؟! وكيف سأكونُ آمناً على زوجتي وأطفالي في هذه البيئةِ المَلأى بالسلاحِ والفوضى؟!! وكيف سيكونُ الأفقُ أمامي بعدما سُدّ في وجهي طريقُ العودة إلى سورية، وطريقُ الزحف نحو أوروبا أيضاً ولا طاقةَ لي بالبقاء هنا؟!!

كانت أولُ خطوةٍ أنني طلبت من زوجتي أن ترتديَ الحجاب خوفاً عليها من تلك الوجوهِ المليئةِ بالطيش، وأن تلتزمَ في البيت عندما أغيبُ وألا تخرجَ إلا للضرورة..

دعني أحدّثك يا أخي عن الاقتتالِ الذي كان يدورُ بين المسلحيَن بين الفينةِ والفينةِ لأسبابٍ تافهةٍ جداً، حيث يدوّي الرصاصُ في أروقةِ المخيمِ وسط خوفٍ شديدٍ يخيمُ على الأهالي، وتبدأُ عمليةُ حرقِ الإطاراتِ في الشوارع والتي لم أجدْ لها سبباً حتى هذه اللحظة، لتتدخلَ بعد ذلك الفصائلُ والوجهاءُ لاحتواءِ الخلافِ الحاصل، وتقريبِ وجهاتِ النظرِ إلى حدٍّ بعيد..

دعني أحدثك عن نظرةِ اللبنانيِّ لنا نحن القادمينَ من سورية، تلك النظرةُ الدونيّةُ التي نعاني منها كثيراً، حتى الفلسطينيُّ اللبنانيُّ كان ينظرُ إلينا بنفسِ تلك الطريقة، وكأنهُ هو صاحبُ الأرضِ ونحن الذين نريدُ أن نسلبَهُ حقَّ السيادة.. نعم يا أخي يمكن لك أن تعطيَ علامةً متدنيةً إذا أردتَ أن تقيّمَ طريقةَ تعاطي فلسطينيّي لبنان مع أشقائِهم القادمينَ من سورية، وربما هذا الكلام لن يعجبَ موقعُكُم الكريم ومُتَابعيكم، لكنّها الحقيقةُ التي لابد أن تُروَى، وبإمكانِكَ أن تسألَ أكثرَ من شخصٍ عاش في مخيماتِ لبنان، لتتأكدَ من صحةِ هذا الكلام، وأكثرُ من ذلك أقول: إنّ هذه المعاملةَ كانت أكثرَ شيءٍ عانيتُ منه أنا وعائلتي في لبنان..

دعني أحدثك عن عدمِ ارتياحي عندما كان أولادي يذهبون إلى مدارسِهِم في ظلِّ هذا الفلتانِ الأمنيِّ، حيث أبقى قَلِقاً حتى عودتِهِم، وقد لاحظتُ في الآونةِ الأخيرةِ أنهم بدؤوا يتأثرونَ بهذه الأجواءِ، عندما أصبح حديثُهم عن السلاحِ و المشاكلِ و الفوضى، وإذا ما حصل خلافٌ بينَهُم و بين أيِّ زميلٍ لهم في المدرسة، فإنه ينبغي علينا أن نسألَ عن هذا الزميلِ و عن أصلِه و حَسَبِه و نَسبِه، فإذا كان من ( هظلاك الجماعة ) فيجب علينا فضُّ الخلافِ على حسابِ أبنائنا و بدونِ أيِّ اعتراض، فالقوي يأكلُ الضعيفَ في شريعةِ الغاب الذي كنا نعيشُ فيه ..

دعني أحدثك عن المعاناة التي كنا نعاني منها أثناءَ توجّهِنا لِتَلّقي المساعداتِ الماليّةِ و الإغاثيةِ من الأونروا أو الفصائلِ أو المؤسساتِ الإنسانية، داخلَ المخيمِ وخارجَه، وساعاتِ الانتظارِ الطويلة، و حجمِ الإرهاقِ الكبير الذي كنا نكابدُهُ أثناءَ وقوفِنا على الطابور، وعراكِنا مع بقيةِ الناس، فالمشهدُ لا يوَصفُ وحجمُ الإهانةِ فاقَ التوقعات..

دعني أحدثُكَ كيف قررتُ الخروجَ من المخيمِ بسبب تحرّشِ أحدِ المسلحينَ بابنتي الوسطى، في وضحِ النهارِ وبوقاحةٍ فجّة، وعندما حاولتُ التصرفَ كرجلٍ لديه الغيرةُ على عِرضِه تم تهديدي بالتصفية، ولهذا اتصلتُ مع بعضِ أقاربي في مخيم برج البراجنة في العاصمةِ بيروت، ونسّقتُ معهم طويلاً ورتّبتُ أموري وخرجتُ سراً إلى هناك لأبدأ حياةً جديدة..

أعيش الآن على المساعداتِ وما أعملُ به والحمد لله، لكنّ الماضي يا أخي كان سوداويّاً إلى حدٍّ بعيد، محفورٌ في الذاكرة، يأبى النسيانَ والزوالَ ولا يفارقُ النفس..

أنصِفوا مخيماتِ لبنان..

أنصِفوا قلةَ فرصِ العمل وفوضى السلاحِ والمخدرات..

أنصِفوا العشوائيةَ هناك..

فالشعب هناك بحاجةٍ عاجلةٍ إلى مساعداتٍ عقليّةٍ و نفسيّةٍ قبلَ المساعداتِ الغذائيّة..

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/16719

|مجموعة العمل | لندن |

وصل أبو رائد مخيمَ الرشيدية في لبنان بعد رحلةٍ شاقةٍ جداً، وانتظارٍ طويلٍ على الحدود، برفقةِ أبنائِه وزوجتِه، جميعُهم لا يعرفون أحداً بشكلٍ مُسْبقٍ في هذا المخيم، كما أنّها المرةُ الأولى التي يطؤون فيها أرضَ لبنان، و حولَ هذه القضيةِ يقولُ أبو رائد في حديثِهِ الخاص لمجموعة العمل :" دخلنا الحدودَ و سارت بنا السيارةُ إلى العُمْقِ اللبناني و نحنُ ما نزالُ نرى صورَ الأسدِ الأبِ والابنِ تسربلُ بعضَ شوارعِ لبنان، وهذا ما عادَ بنا إلى مغبّةِ الخوفِ والقلق، وكأنّنا مازلنا في سورية التي تغطي هذه الصورُ مساحاتٍ واسعةٍ منها، فمازحتُ زوجتي محاولاً أن أبعثَ في نفسِها شيئاً من الطمأنينة، بعدما ظهرت عليها علاماتُ الاستياء، وقلت لها :" اتفضلي .. هياتو بعدو عم يشوّحلنا بيدو، وراك وراك مافي خلاص..".

وصلنا مخيمَ الرشيديةِ ودخلناه على حينِ غفلةٍ من أمرِنا وأمرِه، فوجدنا فيه ثلةٌ من الشبابِ المسلحين، يرتدون قمصاناً عليها صورةُ الزعيمِ الراحلِ ياسر عرفات و شعارُ حركةِ فتح، وعندما شاهدونا عرفوا أننا غرباء، فتقدّموا نحونا بخطواتٍ واثقة، و سألونا عن الوضع بشكل عام، فشرحنا لهم القصةَ كاملة، وبأننا وصلنا للتوِّ و ليس لدينا أيُّ شيء، ولا نعرف أحداً هنا للمساعدة، ولكنني انتبهتُ إلى أحدِهم وهو ينظرُ إلى زوجتي نظراتٍ تشي بأشياءٍ كثيرة، فحاولتُ أن أتنحنحَ كي أوحيَ لهُ أنني منزعج، فلم يكترث و كأنه حاز الكونَ كلَّهُ ببندقيّتِهِ التي يحملُها، عندها قلتُ له بشكل مباشر : أهكذا تستقبلونَ ضيوفَكم ؟!! بهذهِ النظراتِ التي تبعثُ على الغضبِ والسخط؟!! وهل هذه هي أخلاقُ الثوريّينَ الفتحاويّينَ أصحابِ الرصاصةِ الأولى والضمائرِ الحيّة؟!!

هذه التساؤلات تَبِعَها ملاسنةٌ حادةٌ بيني وبينه، انتهت بنصيحةٍ قدّمها لي أحدُ الواقفين على المشهد بأنّ المخيمَ فيه فوضى سلاح عارمة، وهو خارجَ سيطرةِ الدولة اللبنانية، ولا يستطيعُ الأمنُ أو الجيشُ الدخولَ إليه، بل إنهم يعمّمون اسم أيِّ شخصٍ مطلوبٍ من المخيمِ على حاجزِ الأمنِ اللبنانيِّ عند بوابةِ المخيم، حتى إذا خرجَ من المخيمِ يتمُّ إلقاءُ القبضِ عليه، وإذا لم يخرجْ أو يتم تسليمُه باليد، فإنّه سيبقى حراً طليقاً داخل أزقةِ المخيم المتآكلة..

عندما سمعتُ هذا الكلامَ التزمتُ الصمتَ الذي سادَ لفترةٍ طويلة، ونحنُ نقفُ في فمِ المخيم كالمتسوّلينَ و الكلُّ ينظرُ إلينا، إلى أن صادفَنا جارٌ قديمٌ لنا في مدينةِ درعا، تفاجأ بوجودِنا على هذه ِالحال، و أخذَنا بالأحضانِ و أبى إلّا أن يصطحبَنا إلى منزلِهِ كي نأخذَ قسطاً من الراحة، ثم بعد ذلك نرسمُ الخطة، و أثناء توجّهِنا إلى منزله شاهدتُ المخيم كاملاً و كأنني أتابعُ مسلسلَ التغريبةِ الفلسطينية، فالبيوتُ متآكلةٌ و فوضى البناءِ واضحةٌ للعيان، ورائحةُ مجاري المياه تخيمُ على أجزاءٍ واسعةٍ منه، و الجرذانُ تتراكضُ بين الأزقة، والسلاحُ منتشرٌ في أيدي الفتيةِ و الشُبان ..

شرح لنا هذا الجارُ كثيراً ، و قضينا ليلَتنا تلك وهو ينصحُني، لدرجةِ أنني شعرتُ و كأنني سأعيشُ على كوكبٍ آخر، له قوانينُه الخاصةُ و ثوابتُه، ولستُ في مخيّمِ الرشيدية، و قالَ لي إنّ الخطوةَ الأولى ستكونُ في إيجادِ مأوى لنا، ثم التسجيلِ في وكالةِ الأونروا و مكاتبِ الفصائل للحصولِ على مساعداتِهم المخصصةِ لأهالي المخيم، ثم بعد ذلك تبدأُ مرحلةُ البحثِ عن العمل، و لكنّني أخبرتُه بأنني لا أملكُ إلا مئتي دولار، فقال لي بأنه سيقرضُني المالَ على أن أعيدَهُ له خلال ثلاثةٍ أشهرٍ كحدٍّ أقصى، لأنه ينوي السفرَ نحو أوروبا، وبالفعل خرجنا في الصباحِ للبحثِ عن منزلٍ فوجدنا بعد عمليةِ بحثٍ مُطوّلة غرفةً و صالوناً مسقوفاً بألواحِ الزينكو، و فيها شيءٌ من الأثاثِ القديم، فاستأجرناها و دفع لي أجارَ ثلاثةِ أشهر، و بتنا ليلَتَنا الأولى على ضوءِ الشمعةِ و على أصواتِ نباحِ الكلاب ..

كان الخوفُ يملأُ قلوبَنا، واليأسُ يسيطرُ علينا بشكلٍ كامل، فكيف سوف أعيشُ في مثلِ هذه الأجواء؟! وكيف سأكونُ آمناً على زوجتي وأطفالي في هذه البيئةِ المَلأى بالسلاحِ والفوضى؟!! وكيف سيكونُ الأفقُ أمامي بعدما سُدّ في وجهي طريقُ العودة إلى سورية، وطريقُ الزحف نحو أوروبا أيضاً ولا طاقةَ لي بالبقاء هنا؟!!

كانت أولُ خطوةٍ أنني طلبت من زوجتي أن ترتديَ الحجاب خوفاً عليها من تلك الوجوهِ المليئةِ بالطيش، وأن تلتزمَ في البيت عندما أغيبُ وألا تخرجَ إلا للضرورة..

دعني أحدّثك يا أخي عن الاقتتالِ الذي كان يدورُ بين المسلحيَن بين الفينةِ والفينةِ لأسبابٍ تافهةٍ جداً، حيث يدوّي الرصاصُ في أروقةِ المخيمِ وسط خوفٍ شديدٍ يخيمُ على الأهالي، وتبدأُ عمليةُ حرقِ الإطاراتِ في الشوارع والتي لم أجدْ لها سبباً حتى هذه اللحظة، لتتدخلَ بعد ذلك الفصائلُ والوجهاءُ لاحتواءِ الخلافِ الحاصل، وتقريبِ وجهاتِ النظرِ إلى حدٍّ بعيد..

دعني أحدثك عن نظرةِ اللبنانيِّ لنا نحن القادمينَ من سورية، تلك النظرةُ الدونيّةُ التي نعاني منها كثيراً، حتى الفلسطينيُّ اللبنانيُّ كان ينظرُ إلينا بنفسِ تلك الطريقة، وكأنهُ هو صاحبُ الأرضِ ونحن الذين نريدُ أن نسلبَهُ حقَّ السيادة.. نعم يا أخي يمكن لك أن تعطيَ علامةً متدنيةً إذا أردتَ أن تقيّمَ طريقةَ تعاطي فلسطينيّي لبنان مع أشقائِهم القادمينَ من سورية، وربما هذا الكلام لن يعجبَ موقعُكُم الكريم ومُتَابعيكم، لكنّها الحقيقةُ التي لابد أن تُروَى، وبإمكانِكَ أن تسألَ أكثرَ من شخصٍ عاش في مخيماتِ لبنان، لتتأكدَ من صحةِ هذا الكلام، وأكثرُ من ذلك أقول: إنّ هذه المعاملةَ كانت أكثرَ شيءٍ عانيتُ منه أنا وعائلتي في لبنان..

دعني أحدثك عن عدمِ ارتياحي عندما كان أولادي يذهبون إلى مدارسِهِم في ظلِّ هذا الفلتانِ الأمنيِّ، حيث أبقى قَلِقاً حتى عودتِهِم، وقد لاحظتُ في الآونةِ الأخيرةِ أنهم بدؤوا يتأثرونَ بهذه الأجواءِ، عندما أصبح حديثُهم عن السلاحِ و المشاكلِ و الفوضى، وإذا ما حصل خلافٌ بينَهُم و بين أيِّ زميلٍ لهم في المدرسة، فإنه ينبغي علينا أن نسألَ عن هذا الزميلِ و عن أصلِه و حَسَبِه و نَسبِه، فإذا كان من ( هظلاك الجماعة ) فيجب علينا فضُّ الخلافِ على حسابِ أبنائنا و بدونِ أيِّ اعتراض، فالقوي يأكلُ الضعيفَ في شريعةِ الغاب الذي كنا نعيشُ فيه ..

دعني أحدثك عن المعاناة التي كنا نعاني منها أثناءَ توجّهِنا لِتَلّقي المساعداتِ الماليّةِ و الإغاثيةِ من الأونروا أو الفصائلِ أو المؤسساتِ الإنسانية، داخلَ المخيمِ وخارجَه، وساعاتِ الانتظارِ الطويلة، و حجمِ الإرهاقِ الكبير الذي كنا نكابدُهُ أثناءَ وقوفِنا على الطابور، وعراكِنا مع بقيةِ الناس، فالمشهدُ لا يوَصفُ وحجمُ الإهانةِ فاقَ التوقعات..

دعني أحدثُكَ كيف قررتُ الخروجَ من المخيمِ بسبب تحرّشِ أحدِ المسلحينَ بابنتي الوسطى، في وضحِ النهارِ وبوقاحةٍ فجّة، وعندما حاولتُ التصرفَ كرجلٍ لديه الغيرةُ على عِرضِه تم تهديدي بالتصفية، ولهذا اتصلتُ مع بعضِ أقاربي في مخيم برج البراجنة في العاصمةِ بيروت، ونسّقتُ معهم طويلاً ورتّبتُ أموري وخرجتُ سراً إلى هناك لأبدأ حياةً جديدة..

أعيش الآن على المساعداتِ وما أعملُ به والحمد لله، لكنّ الماضي يا أخي كان سوداويّاً إلى حدٍّ بعيد، محفورٌ في الذاكرة، يأبى النسيانَ والزوالَ ولا يفارقُ النفس..

أنصِفوا مخيماتِ لبنان..

أنصِفوا قلةَ فرصِ العمل وفوضى السلاحِ والمخدرات..

أنصِفوا العشوائيةَ هناك..

فالشعب هناك بحاجةٍ عاجلةٍ إلى مساعداتٍ عقليّةٍ و نفسيّةٍ قبلَ المساعداتِ الغذائيّة..

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/16719