map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

بودكاست قصة من المخيم بعنوان حينَ يخسرُ جمالٌ كل ما يملكُ (2)

تاريخ النشر : 21-02-2022
بودكاست قصة من المخيم بعنوان حينَ يخسرُ جمالٌ كل ما يملكُ (2)

| مجموعة العمل | لندن |

يتابعُ جمالُ حديثَهُ الخاصَّ لمجموعةِ العملِ والذي بدأَهُ معنا الأسبوعَ الفائت، إذ يحدِّثُنَا في هذهِ الحلقةِ عن مأساةٍ جديدةٍ حصلَت معهُ وهي التي دفعتهُ إلى السفرِ بحثاً عنِ الأمان، إذ يقول: "بعدَ كلِّ المحاولاتِ التي قُمنَا بها لاسترجاعِ سيارتي وأملاكي المسروقةِ والتي باءتْ بالفشل، بدأتُ أطرحُ على نفسي تساؤلاتٍ عديدة ... كيفَ يجرؤُ هؤلاءِ على مثلِ هذا الفعلِ وهم يتوسطونَ المدينةَ دونَ أخذِ اعتبارٍ لأحد؟؟ وكيفَ ينصُبَونَ الحواجزَ ويحقِّقونَ معَ الناسِ ويستولونَ على ممتلكاتِهمُ بهذا الشكلِ دونَ أيِّ حسابٍ أو عقاب؟؟ ومعَ ذلك تمكَّنتُ من استعادةِ عافيتي في مناصرةِ الثورةِ لأنَّ الثورةَ في اعتقادي مبدأٌ لا تلوِّثُهُ مجموعةٌ ممنْ استغلُّوا الفَراغَ الأمنيَّ الحاصلَ في منطقتنا..

مضتْ بضعةُ أيامٍ على الحادثة، وكنا ما نزالُ نستقبلُ المُهنّئينَ بالسلامة، حينَ ذهبَ ولدي أحمدُ ابنُ التسعِ سنواتٍ إلى مدرسته، ثم تأخَّرَ ولم يَعُد، وعندَما استنفرنا وذهبنا للمدرسةِ وسألنَا عنهُ أخبرونَا بأنَّهُ لم يأتِ اليومَ إلى مدرستهِ أبداً ولم يَرهُ أحدٌ من زملائِهِ على الإطلاق، حتى إنَّ رفيقَهُ الذي يجلسُ معهُ في المقعدِ قالَ إنَّهُ لم يَرهُ في الصباحِ الباكرِ كالعادة، وهنا كانتِ الفاجعةُ حينما فُقِد الولد، الأمرُ الذي أدَّى إلى انفعالي في المدرسةِ إذ إنني حمَّلتُها المسؤوليةَ لأنها لم تسألْ عن سببِ غيابِ الولدِ منذُ الصباح، فقالوا لي إنَّ نسبةَ الغيابِ كبيرةٌ ولم نَعُدْ ندققُ في أمورِ الغيابِ والحضورِ لأنَّ ذلكَ متروكٌ للأهلِ في ظلِّ القصفِ الذي يطالُ المدارسَ أحياناً والفلتانِ الأمني، وقد قُلنا هذا الشيءَ في مجلسِ اجتماعِ الأولياء ..

ماذا أفعلُ أمامَ هذا الخطْبِ الجلل؟؟ حيثُ بدأَ التوتُّرُ يسودُ الحيَّ مع انتشارِ الخبر، أما زوجتي فبدأتْ تولوِلُ وتصرخُ طالبةً من ربِّها الغوثَ والإعانة، فلم يبقَ حيٌّ ولا شارعٌ ولا صديقٌ ولا قريبٌ إلا وبحثنَا فيهِ وعندَهُ وقرْبَهُ عن أحمد ولكنْ دونَ جدوى، فهل يعني هذا الأمرُ أن أعودَ إلى منزلي بدونِه؟؟ بالتأكيد لا.. لن أعودَ إلا وهوَ معيَ لأنني لا أستطيعُ النومَ بدونِ قُبلتِه، فقدْ اعتدْنَا على بعضِنَا منذُ أن مكثتُ في البيتِ وهَجَرتُ السفر، فلا ينامُ إلا في أحضانِ أبيهِ الذي يقُصُّ على مسامِعِهِ حكاياتِ ليلى والذئبِ وقصصَ كانَ ياما كان، فمَنْ سيُكمِلُ له الحكايةَ هذهِ الليلة؟؟ الأنيسُ الوحيدُ لي هوَ ما قالَهُ لي شيخُ المسجدِ عندَمَا شاهدنِي منهاراً ( اصبر يا أبا محمد، ربما تكونُ الغايةُ من الخطفِ هيَ المال، ربما يتصلونَ بكَ ويطلبونَ منكَ المالَ مقابلَ إرجاعه، لأنَّ الخاطفينَ يعلمونَ إنكَ مقتدرٌ وسوفَ يستغلُّونَ هذا الأمرَ وتعلُّقَكَ بولَدِكَ أحمد، فهمْ أحفادُ الشياطينِ الذينَ لا يرحمونَ أحداً من غَطرسَتِهم، وعندَهَا سوفَ نجدُ ألفَ حلٍّ إن شاءَ الله، فالمهمُّ لدينا هوَ التأكدُ أنَّ الولدَ ما يزالُ على قيدِ الحياة، اصبرْ فلو كانَ ميتاً لوجدنَا جثَّتَهُ، ثمَّ إنَّهُ ما الغايةُ من خطفِهِ وقتله؟؟ بالتأكيدِ هوَ على قيدِ الحياة..)

كانتْ هذهِ الكلماتُ ذاتَ وقعٍ إيجابيٍّ في نفسي، ورحتُ أُعزّي نفسي وأسرتي بها ننتظرُ أيَّ اتصالٍ عن طريقِ الجوَّالِ بعدَمَا نسينا هولَ مصيبَتِنَا الأولى، وبالفعلِ تلقيتُ اتصالاً في اليومِ الثاني من الخاطفينَ عن طريقِ رقمٍ أردني، يطلبونَ مبلغاً قدرُهُ عشرةُ ملايينِ ليرةٍ مقابلَ إطلاقِ  سراحِه، وكمْ كنتُ سعيداً عندَما سمعتُ صوتَ أحمدَ من خلالِ هاتِفِهِم حيّاً لكنهُ يبكي ويناشِدُنَا أن نستجيبَ لهم في أسرعِ وقتٍ ممكنٍ كي يتمكَّنَ من العودةِ إلى أُمِّهِ وأبيهِ اللذينِ اشتاقَ لهما كثيراً، لكنَّ الخاطفينَ لم يُطيلوا في اتصالِهِم وأخبروني أنهمْ سوفَ يتصلونَ بي بعدَ يومينِ للاطلاعِ على رأيِنَا في القضيةِ ثمَّ الاتفاقِ على طريقةِ الاستلامِ والتسليم، لكنَّني باغتُّهم بالموافقةِ فوراً وأخبرتُهُمْ أنَّ المبلغَ متوفِّرٌ لديَّ الآن، فقالوا لي إنّهُ ينبغي عليَّ الانتظارُ حتى يومِ الغدِ لترتيبِ التسليمِ وهددونِي بتصفيتِهِ في حالَ حدوثِ أيِّ خللٍ بالاتفاقيةِ أثناءَ عمليةِ استلامِهِ، وبأنَّهُم سيأخذونَ في حسبَانِهِم أنني رُبَّمَا أخدَعُهُم بالموافقةِ من أجلِ اعتقالِهِم أو معرِفِتِهم أو مواجَهَتِهم بالسلاح ..

كانتِ الفرحةُ عارمةً لدينا عندَمَا أخبرتُ الأسرةَ أنني سمعتُ صوتَهُ وتحدَّثْتُ معَه، وقمْتُ بتحضيرِ المبلغِ المطلوبِ الذي جنيتُهُ طوالَ حياتي في غربتي الحمقاء، لكنْ ماذا أفعل؟؟ مضطرٌّ للدفعِ وإلا سيقتلونَ الولد.. أشارَتْ عليَّ زوجتي بعرضَ القضيةِ على فلانٍ من الناسِ وهوَ قياديٌّ في الجيشِ الحر، رُبَّما يساعدُنَا في عمليةِ تحريرِ الولدِ دونَ دفعِ الفدية، وبالفعلِ ذهبتُ إليهِ وحدَّثْتُهُ بالقصةِ وطلبتْ مساعدَتَهُ فقال لي: "واللهِ يا أخي إنَّ هذا خطرٌ على الطفل، هؤلاءِ مافياتٌ ولنْ تستطيعَ مواجَهَتَهُم لأنَّ خطَّتَهُم ستكونُ مُحْكَمةً غيرَ مخترقة، فهمْ ليسوا أغبياءَ كي يلتقوا بكَ في وسطِ الطريق، أو يتركوْكَ تحصُدُ رؤوسَهُم بسهولة، هؤلاءِ مدرّبونَ على مثلِ هذا النوعِ من المفاوضات، وبكافةِ الأحوالِ أخبرنِي بما يقولُونَهُ لكَ في الاتصالِ القادم .."

وبالفعلِ ما قالَهُ هذا القياديُّ كانَ بمحلِّهِ لدرجةِ أنني شككتُ بأمْرِهِ أنْ يكونَ متحالفاً معهُم بسببِ التطابقِ الكبيرِ في كلامِهِ وكلامِهِم، فقدْ اتصلوا بي مجدَّدَاً وعاودوا تهديدي إذا لمْ ألتزم، وبأنَّ الخطَّةَ سوفُ تكونُ على الشكلِ التالي..

عليَّ أنْ أذهبَ إلى مزرعَةٍ أعرِفُها، وسوفَ أجدُ فيها حاويةَ قمامة، يجبُ أنْ أضعَ المبلغَ بداخِلِهَا ثمَّ أعودُ إلى الوراء من حيثُ أتيت، ويجب أن يكونَ الاتصالُ مفتوحاً فيما بينَنَا للتنسيق، وعندَمَا سألتُهم عن الضمانِ قالُوا لي لا يوجدُ ضمانٌ سوى صوتِ ابنِكَ الذي تسمَعُهُ الآنَ عن طريقِ الجوال، فليسَ لدينا مصلحةٌ معَه، نحنُ نريدُ المالَ فقط.. هكذا كانُوا يقولونَ لي وصوتُ ابنيَ بينَهُم يتوسَّلُ إليَّ ألا أحاولَ خداعَهُم، ربما كانَ يقولُ هذا الكلامَ بضغطٍ منهم كي يستعطفوني ويُجبروني على الدفع..

بالفعلِ توجَّهْتُ في الوقتِ المطلوبِ إلى المكانِ المحدد، أحملُ المالَ في كيسٍ أسودَ وهمْ معيَ على الخط، يقولونَ لي بأنَّني مُتابَعٌ من قِبَلهِمْ لحظةً بلحظة وأخبروني بما أرتديْهِ وما أفعَلُهُ كي أتأكدَ أنني مراقبٌ بالفعل، لدرجةِ أنَّني إذا قمتُ بتحريكِ رأسيَ يميناً أو شمالاً يخبرونني بذلك، كأنَّهم شياطينُ يا أخي الكريم..

وصلتُ إلى المزرعةِ المحددةِ وسطَ حالةٍ من الخوفِ الشديد، لأجدَ الحاويةَ التي حدثونِي عنها ودارَ بينَنَا الحوارُ التالي:

-ضعِ الكيسِ في الحاويةِ وانصرف..

- أنصرفُ إلى أين؟؟

- ضعْهُ أولاً واتَّبعْ تعليمَاتِنَا..

- حسناً.. وضعْتُهُ..

- اِتجهْ خلفاً وسرْ كما نقولُ لكَ لأنَّنا في الوقتِ الذي تسيرُ فيهِ سوفَ نأخذُ المبلغَ منَ الحاويةِ كي نضمنَ أنَّكَ لن تفعلَ شيئاً ولا يوجدُ مسلحونَ تابعونَ لكَ في المكانَ باعتبارِ أن ابنكَ ما يزالُ بحوزَتِنَا، وبعدَ أن نستلمَ المبلغَ ونبتعدَ عنِ المكانِ كثيراً سوفَ يأتيكَ ابنُكَ من مكانٍ آخر، هوَ ذاتُ المكانِ الذي تسيرُ إليهِ الآن..

يا ربِّ لطفَك!!! ما هذا التخطيطُ الشيطانيُّ وما هذهِ الخباثة!!! بل ما هذا الذكاءُ والدَّهاء؟!! يخططونَ كما تُخطِّطُ دولةٌ ضدَّ دولة، يحسِبُونَ لكَ الوقتَ بالثانية، ويوزِّعونَ أنفَسَهُم على مجموعاتٍ كي يُشتِّتُوا تفكيرَكَ ولا يسمحَوا لكَ بكشفِ أسمائِهِم أو حتى رؤيَتِهِم، وبالفعلِ مشيتُ مسافةً طويلةً تحتَ توجيهاتِهِمُ الهاتفيةِ بعدَ أن وضعْتُ المبلغَ في الحاوية، مرةً اذهبُ إلى اليمينِ ومرةً اذهبُ إلى اليسارِ ومرةً إلى الأمامِ ومرةً إلى الوراءِ وكلُّ تفكيري متوجِّهٌ إلى أن أرى ابني سالماً معافى، ثمَّ أخبروني أنَّ ولدي موجودٌ عندَ البابِ الرئيسيِّ للمزرعةِ وبإمكانِي استلامُهُ بعدَ أنْ استلموا المبلغَ كاملاً وبالفعلِ بدأتُ أسمعُ صوتَ بكائِهِ وصُراخِه، فتتبَّعتُ الصوتَ حتى وجدْتُهُ إذْ كانتْ تلكَ اللحظاتُ من أكثرِ اللحظاتِ تأثيراً في نفسي، فأصبحْنَا ندفعُ الأموالَ الباهظةَ من أجلِ رؤيةِ أولادِنَا، فاصطحبتُهُ إلى البيتِ وسطَ إطلاقِ رصاصِ الفرحِ من قبلِ أهالي الحي ..

لا لنْ نفرحَ بعدَ هذا اليومِ ولن نبقى هُنا لأنَّ هؤلاءِ اللصوصَ ليسوا حدَثاً طارئاً على الثورةِ السوريةِ بلْ أصبَحُوا رقماً صعباً لا يمكنُ كسْرُهُ بسهولة.. ضُبّي غراضِكْ يا مرة وإلى أوروبا يا كريم..

رسالَتِي للمهتمينَ بشأنِ فلسطينيي سورية، أنْ يبدأَ كلُّ واحدٍ منّا بالإصلاحِ من نفسِه، فالنفسُ المريضةُ لن يتمكنَ من إصلاحِهَا أحدٌ إذا لمْ تُصلِحْ نفسَهَا بنفسِهَا، فالمالُ ليسَ هوَ كلُّ شيءٍ في الحياةِ لأنَّهُ لا يتسِمُ بالديمومة، فقدْ ملكتُ الملايينَ سابقاً، لكنني اليومَ لاجئٌ على طوابيرِ برلين..

 

 

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/16860

| مجموعة العمل | لندن |

يتابعُ جمالُ حديثَهُ الخاصَّ لمجموعةِ العملِ والذي بدأَهُ معنا الأسبوعَ الفائت، إذ يحدِّثُنَا في هذهِ الحلقةِ عن مأساةٍ جديدةٍ حصلَت معهُ وهي التي دفعتهُ إلى السفرِ بحثاً عنِ الأمان، إذ يقول: "بعدَ كلِّ المحاولاتِ التي قُمنَا بها لاسترجاعِ سيارتي وأملاكي المسروقةِ والتي باءتْ بالفشل، بدأتُ أطرحُ على نفسي تساؤلاتٍ عديدة ... كيفَ يجرؤُ هؤلاءِ على مثلِ هذا الفعلِ وهم يتوسطونَ المدينةَ دونَ أخذِ اعتبارٍ لأحد؟؟ وكيفَ ينصُبَونَ الحواجزَ ويحقِّقونَ معَ الناسِ ويستولونَ على ممتلكاتِهمُ بهذا الشكلِ دونَ أيِّ حسابٍ أو عقاب؟؟ ومعَ ذلك تمكَّنتُ من استعادةِ عافيتي في مناصرةِ الثورةِ لأنَّ الثورةَ في اعتقادي مبدأٌ لا تلوِّثُهُ مجموعةٌ ممنْ استغلُّوا الفَراغَ الأمنيَّ الحاصلَ في منطقتنا..

مضتْ بضعةُ أيامٍ على الحادثة، وكنا ما نزالُ نستقبلُ المُهنّئينَ بالسلامة، حينَ ذهبَ ولدي أحمدُ ابنُ التسعِ سنواتٍ إلى مدرسته، ثم تأخَّرَ ولم يَعُد، وعندَما استنفرنا وذهبنا للمدرسةِ وسألنَا عنهُ أخبرونَا بأنَّهُ لم يأتِ اليومَ إلى مدرستهِ أبداً ولم يَرهُ أحدٌ من زملائِهِ على الإطلاق، حتى إنَّ رفيقَهُ الذي يجلسُ معهُ في المقعدِ قالَ إنَّهُ لم يَرهُ في الصباحِ الباكرِ كالعادة، وهنا كانتِ الفاجعةُ حينما فُقِد الولد، الأمرُ الذي أدَّى إلى انفعالي في المدرسةِ إذ إنني حمَّلتُها المسؤوليةَ لأنها لم تسألْ عن سببِ غيابِ الولدِ منذُ الصباح، فقالوا لي إنَّ نسبةَ الغيابِ كبيرةٌ ولم نَعُدْ ندققُ في أمورِ الغيابِ والحضورِ لأنَّ ذلكَ متروكٌ للأهلِ في ظلِّ القصفِ الذي يطالُ المدارسَ أحياناً والفلتانِ الأمني، وقد قُلنا هذا الشيءَ في مجلسِ اجتماعِ الأولياء ..

ماذا أفعلُ أمامَ هذا الخطْبِ الجلل؟؟ حيثُ بدأَ التوتُّرُ يسودُ الحيَّ مع انتشارِ الخبر، أما زوجتي فبدأتْ تولوِلُ وتصرخُ طالبةً من ربِّها الغوثَ والإعانة، فلم يبقَ حيٌّ ولا شارعٌ ولا صديقٌ ولا قريبٌ إلا وبحثنَا فيهِ وعندَهُ وقرْبَهُ عن أحمد ولكنْ دونَ جدوى، فهل يعني هذا الأمرُ أن أعودَ إلى منزلي بدونِه؟؟ بالتأكيد لا.. لن أعودَ إلا وهوَ معيَ لأنني لا أستطيعُ النومَ بدونِ قُبلتِه، فقدْ اعتدْنَا على بعضِنَا منذُ أن مكثتُ في البيتِ وهَجَرتُ السفر، فلا ينامُ إلا في أحضانِ أبيهِ الذي يقُصُّ على مسامِعِهِ حكاياتِ ليلى والذئبِ وقصصَ كانَ ياما كان، فمَنْ سيُكمِلُ له الحكايةَ هذهِ الليلة؟؟ الأنيسُ الوحيدُ لي هوَ ما قالَهُ لي شيخُ المسجدِ عندَمَا شاهدنِي منهاراً ( اصبر يا أبا محمد، ربما تكونُ الغايةُ من الخطفِ هيَ المال، ربما يتصلونَ بكَ ويطلبونَ منكَ المالَ مقابلَ إرجاعه، لأنَّ الخاطفينَ يعلمونَ إنكَ مقتدرٌ وسوفَ يستغلُّونَ هذا الأمرَ وتعلُّقَكَ بولَدِكَ أحمد، فهمْ أحفادُ الشياطينِ الذينَ لا يرحمونَ أحداً من غَطرسَتِهم، وعندَهَا سوفَ نجدُ ألفَ حلٍّ إن شاءَ الله، فالمهمُّ لدينا هوَ التأكدُ أنَّ الولدَ ما يزالُ على قيدِ الحياة، اصبرْ فلو كانَ ميتاً لوجدنَا جثَّتَهُ، ثمَّ إنَّهُ ما الغايةُ من خطفِهِ وقتله؟؟ بالتأكيدِ هوَ على قيدِ الحياة..)

كانتْ هذهِ الكلماتُ ذاتَ وقعٍ إيجابيٍّ في نفسي، ورحتُ أُعزّي نفسي وأسرتي بها ننتظرُ أيَّ اتصالٍ عن طريقِ الجوَّالِ بعدَمَا نسينا هولَ مصيبَتِنَا الأولى، وبالفعلِ تلقيتُ اتصالاً في اليومِ الثاني من الخاطفينَ عن طريقِ رقمٍ أردني، يطلبونَ مبلغاً قدرُهُ عشرةُ ملايينِ ليرةٍ مقابلَ إطلاقِ  سراحِه، وكمْ كنتُ سعيداً عندَما سمعتُ صوتَ أحمدَ من خلالِ هاتِفِهِم حيّاً لكنهُ يبكي ويناشِدُنَا أن نستجيبَ لهم في أسرعِ وقتٍ ممكنٍ كي يتمكَّنَ من العودةِ إلى أُمِّهِ وأبيهِ اللذينِ اشتاقَ لهما كثيراً، لكنَّ الخاطفينَ لم يُطيلوا في اتصالِهِم وأخبروني أنهمْ سوفَ يتصلونَ بي بعدَ يومينِ للاطلاعِ على رأيِنَا في القضيةِ ثمَّ الاتفاقِ على طريقةِ الاستلامِ والتسليم، لكنَّني باغتُّهم بالموافقةِ فوراً وأخبرتُهُمْ أنَّ المبلغَ متوفِّرٌ لديَّ الآن، فقالوا لي إنّهُ ينبغي عليَّ الانتظارُ حتى يومِ الغدِ لترتيبِ التسليمِ وهددونِي بتصفيتِهِ في حالَ حدوثِ أيِّ خللٍ بالاتفاقيةِ أثناءَ عمليةِ استلامِهِ، وبأنَّهُم سيأخذونَ في حسبَانِهِم أنني رُبَّمَا أخدَعُهُم بالموافقةِ من أجلِ اعتقالِهِم أو معرِفِتِهم أو مواجَهَتِهم بالسلاح ..

كانتِ الفرحةُ عارمةً لدينا عندَمَا أخبرتُ الأسرةَ أنني سمعتُ صوتَهُ وتحدَّثْتُ معَه، وقمْتُ بتحضيرِ المبلغِ المطلوبِ الذي جنيتُهُ طوالَ حياتي في غربتي الحمقاء، لكنْ ماذا أفعل؟؟ مضطرٌّ للدفعِ وإلا سيقتلونَ الولد.. أشارَتْ عليَّ زوجتي بعرضَ القضيةِ على فلانٍ من الناسِ وهوَ قياديٌّ في الجيشِ الحر، رُبَّما يساعدُنَا في عمليةِ تحريرِ الولدِ دونَ دفعِ الفدية، وبالفعلِ ذهبتُ إليهِ وحدَّثْتُهُ بالقصةِ وطلبتْ مساعدَتَهُ فقال لي: "واللهِ يا أخي إنَّ هذا خطرٌ على الطفل، هؤلاءِ مافياتٌ ولنْ تستطيعَ مواجَهَتَهُم لأنَّ خطَّتَهُم ستكونُ مُحْكَمةً غيرَ مخترقة، فهمْ ليسوا أغبياءَ كي يلتقوا بكَ في وسطِ الطريق، أو يتركوْكَ تحصُدُ رؤوسَهُم بسهولة، هؤلاءِ مدرّبونَ على مثلِ هذا النوعِ من المفاوضات، وبكافةِ الأحوالِ أخبرنِي بما يقولُونَهُ لكَ في الاتصالِ القادم .."

وبالفعلِ ما قالَهُ هذا القياديُّ كانَ بمحلِّهِ لدرجةِ أنني شككتُ بأمْرِهِ أنْ يكونَ متحالفاً معهُم بسببِ التطابقِ الكبيرِ في كلامِهِ وكلامِهِم، فقدْ اتصلوا بي مجدَّدَاً وعاودوا تهديدي إذا لمْ ألتزم، وبأنَّ الخطَّةَ سوفُ تكونُ على الشكلِ التالي..

عليَّ أنْ أذهبَ إلى مزرعَةٍ أعرِفُها، وسوفَ أجدُ فيها حاويةَ قمامة، يجبُ أنْ أضعَ المبلغَ بداخِلِهَا ثمَّ أعودُ إلى الوراء من حيثُ أتيت، ويجب أن يكونَ الاتصالُ مفتوحاً فيما بينَنَا للتنسيق، وعندَمَا سألتُهم عن الضمانِ قالُوا لي لا يوجدُ ضمانٌ سوى صوتِ ابنِكَ الذي تسمَعُهُ الآنَ عن طريقِ الجوال، فليسَ لدينا مصلحةٌ معَه، نحنُ نريدُ المالَ فقط.. هكذا كانُوا يقولونَ لي وصوتُ ابنيَ بينَهُم يتوسَّلُ إليَّ ألا أحاولَ خداعَهُم، ربما كانَ يقولُ هذا الكلامَ بضغطٍ منهم كي يستعطفوني ويُجبروني على الدفع..

بالفعلِ توجَّهْتُ في الوقتِ المطلوبِ إلى المكانِ المحدد، أحملُ المالَ في كيسٍ أسودَ وهمْ معيَ على الخط، يقولونَ لي بأنَّني مُتابَعٌ من قِبَلهِمْ لحظةً بلحظة وأخبروني بما أرتديْهِ وما أفعَلُهُ كي أتأكدَ أنني مراقبٌ بالفعل، لدرجةِ أنَّني إذا قمتُ بتحريكِ رأسيَ يميناً أو شمالاً يخبرونني بذلك، كأنَّهم شياطينُ يا أخي الكريم..

وصلتُ إلى المزرعةِ المحددةِ وسطَ حالةٍ من الخوفِ الشديد، لأجدَ الحاويةَ التي حدثونِي عنها ودارَ بينَنَا الحوارُ التالي:

-ضعِ الكيسِ في الحاويةِ وانصرف..

- أنصرفُ إلى أين؟؟

- ضعْهُ أولاً واتَّبعْ تعليمَاتِنَا..

- حسناً.. وضعْتُهُ..

- اِتجهْ خلفاً وسرْ كما نقولُ لكَ لأنَّنا في الوقتِ الذي تسيرُ فيهِ سوفَ نأخذُ المبلغَ منَ الحاويةِ كي نضمنَ أنَّكَ لن تفعلَ شيئاً ولا يوجدُ مسلحونَ تابعونَ لكَ في المكانَ باعتبارِ أن ابنكَ ما يزالُ بحوزَتِنَا، وبعدَ أن نستلمَ المبلغَ ونبتعدَ عنِ المكانِ كثيراً سوفَ يأتيكَ ابنُكَ من مكانٍ آخر، هوَ ذاتُ المكانِ الذي تسيرُ إليهِ الآن..

يا ربِّ لطفَك!!! ما هذا التخطيطُ الشيطانيُّ وما هذهِ الخباثة!!! بل ما هذا الذكاءُ والدَّهاء؟!! يخططونَ كما تُخطِّطُ دولةٌ ضدَّ دولة، يحسِبُونَ لكَ الوقتَ بالثانية، ويوزِّعونَ أنفَسَهُم على مجموعاتٍ كي يُشتِّتُوا تفكيرَكَ ولا يسمحَوا لكَ بكشفِ أسمائِهِم أو حتى رؤيَتِهِم، وبالفعلِ مشيتُ مسافةً طويلةً تحتَ توجيهاتِهِمُ الهاتفيةِ بعدَ أن وضعْتُ المبلغَ في الحاوية، مرةً اذهبُ إلى اليمينِ ومرةً اذهبُ إلى اليسارِ ومرةً إلى الأمامِ ومرةً إلى الوراءِ وكلُّ تفكيري متوجِّهٌ إلى أن أرى ابني سالماً معافى، ثمَّ أخبروني أنَّ ولدي موجودٌ عندَ البابِ الرئيسيِّ للمزرعةِ وبإمكانِي استلامُهُ بعدَ أنْ استلموا المبلغَ كاملاً وبالفعلِ بدأتُ أسمعُ صوتَ بكائِهِ وصُراخِه، فتتبَّعتُ الصوتَ حتى وجدْتُهُ إذْ كانتْ تلكَ اللحظاتُ من أكثرِ اللحظاتِ تأثيراً في نفسي، فأصبحْنَا ندفعُ الأموالَ الباهظةَ من أجلِ رؤيةِ أولادِنَا، فاصطحبتُهُ إلى البيتِ وسطَ إطلاقِ رصاصِ الفرحِ من قبلِ أهالي الحي ..

لا لنْ نفرحَ بعدَ هذا اليومِ ولن نبقى هُنا لأنَّ هؤلاءِ اللصوصَ ليسوا حدَثاً طارئاً على الثورةِ السوريةِ بلْ أصبَحُوا رقماً صعباً لا يمكنُ كسْرُهُ بسهولة.. ضُبّي غراضِكْ يا مرة وإلى أوروبا يا كريم..

رسالَتِي للمهتمينَ بشأنِ فلسطينيي سورية، أنْ يبدأَ كلُّ واحدٍ منّا بالإصلاحِ من نفسِه، فالنفسُ المريضةُ لن يتمكنَ من إصلاحِهَا أحدٌ إذا لمْ تُصلِحْ نفسَهَا بنفسِهَا، فالمالُ ليسَ هوَ كلُّ شيءٍ في الحياةِ لأنَّهُ لا يتسِمُ بالديمومة، فقدْ ملكتُ الملايينَ سابقاً، لكنني اليومَ لاجئٌ على طوابيرِ برلين..

 

 

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/16860