map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

بودكاست قصة من المخيم بعنوان أمُّ حسّانَ وتَبِعاتُ لمَّ الشملِ والانتظار (2)

تاريخ النشر : 06-08-2022
بودكاست قصة من المخيم بعنوان أمُّ حسّانَ وتَبِعاتُ لمَّ الشملِ والانتظار (2)

|مجموعة العمل | لندن|

تتابعُ مجموعةُ العملِ إنصاتَها مرةً أخرى إلى أمِّ حسّانَ التي روَتْ لنَا تجربَتَها في التهجيرِ الأسبوعَ الماضي، حيثُ وصلتْ إلى ألمانيا برفقةِ حفيدَيها، وها هيَ تواصلُ حديثَها معنَا اليوم، إذْ تقولُ في تصريحَاتهِا الخاصةِ لمجموعةِ العمل : "بعدَ وصولِنَا ألمانيا كانَ لديَّ معضلتانِ اثنتان، الأولى أنَّني أصبحتُ مسؤولةً أمامَ اللهِ ثمَّ البلديةِ عن تربيةِ حفيدَيَّ الاثنينِ حتى وصولُ أولياءِ أمورِهم عن طريقِ لمِّ الشمل، ويُعرَفُ عن ألمانيا أنَّها تُطِيلُ إجراءاتِ لمِّ الشمل، خاصةً للقاصرينَ لأنَّها تُولي الاهتمامَ للأزواجِ أكثرَ منهم، لذلكَ كانَ لزاماً عليَّ متابعةُ شؤونِهمُ الخاصةِ من مأكلٍ ومشربٍ وملبسٍ ونزهات، تعويضاً لهم عن حنانِ الأبِ والأمِّ الذي سيفتقدونَهُ مؤقتاً، ولهذا وقفتُ أنا المرأةَ التي شارَفَت على الستينَ من عمرِها، وقفتُ في المطبخِ من جديد، أُعِدُّ الطعامَ وأغسلُ الثيابَ وأنظِّفُ البيتَ وغرفَ نومِهِم وكأنني في العشرينياتِ من عمري، كما يترتَّبُ عليَّ أيضاً أن أتابعَ موضوعَ دراسةِ اللغة، وملفاتِ لمِّ الشمل، حيثُ لديَّ ثلاثةُ ملفاتٍ ثقيلةُ العبء، ملفُّ زوجيَ وملفُّ ابنيَ وملفُّ ابنتي، ومن الضروريِّ جداً معرفةُ كلِّ شاردةٍ وواردةٍ تخصُّ هذهِ الملفّات، وأمامَ كلِّ هذهِ المسؤولياتِ ومعَ مرورِ الأيامِ بدأتُ أشعرُ بالوهَنِ والتعبِ الجسديِّ والنفسي، لاسيَّما أنَّني أعاني من ارتفاعِ ضغطِ الدَّمِ الذي لمْ أجدْ لهُ العلاجَ الكافي حتى هذهِ اللحظة، حتّى إنَّ مدارسَ الأطفالِ بدأتْ تضغطُ بشدةٍ بخصوصِ موضوعِ الرِّعايةِ والاهتمام، وذلكَ لأنَّ الطفلينِ اللذينِ أرعاهُمَا ليسَ لديهم أبٌ أو أمٌّ مؤقتاً، وبالتالي فإنَّهم يسلِّطُونَ الأضواءَ عليهم دائماً خشيةً من التقصيرِ والإهمال، وهذهِ المتابعةُ الحثيثةُ شكّلَتْ عاملَ ضغطٍ قويٍّ عليَّ، ولا يوجدُ في المنطقةِ أيُّ شخصٍ يساعِدُني في هذهِ الأمور، باستثناءِ ابنتي المتزوجةِ في هولندا التي كانتْ تزورُني بينَ الفترةِ والأخرى لتقديمِ المساعدة، لكنَّها في نهايةِ المطافِ لديها زوجٌ وأولادٌ ومسؤولياتٌ في هولندا يجبُ أن تتابِعَها بشكلٍ مستمر ..

تأقلَمْتُ بصعوبةٍ معَ هذا الوضعِ وكُنّا ننتظرُ قراراتِ الإقامةِ للبدءِ في تفعيلِ معاملاتِ لمِّ الشمل، إلا أنَّنا تفاجَأنا بأنَّ حفيدَيّ مُنِحا حقَّ الحمايةِ في ألمانيا لمدةِ سنةٍ واحدةٍ وبالتالي لا يحقُّ لهما التقدُّمُ بطلبِ لمِّ الشمل، في حين أنني حصلتُ أنا على حقِّ الإقامةِ لمدةِ ثلاثِ 3 سنواتٍ ويحقُّ لي التقدمُ بطلبِ لمِّ الشملِ لزوجي، وبالتالي كانت الفرحةُ ناقصةً جداً، أضفْ إلى ذلكَ وجودُ خطأٍ في بياناتِ الحفيدَين، حيث سُجِّلوا في القيودِ على أنَّهم إخوةٌ وهما ليسَا كذلك، وكيفَ يكونانِ إخوةً وكلٌّ منهما يحملُ كنيةً مختلفةً عن الآخر؟!!

اضطررتُ لأخذِ استشارةِ مُحامٍ مختصٍّ فقالَ لي إنَّهُ قادرُ على معالجةِ هاتينِ المشكلتينِ لكنَّ الأمرَ يحتاجُ إلى الكثيرِ من الوقتِ لا يقلُّ عن سنتين، ثمَّ إنَّ ملفَّ لمِّ الشملِ الخاصِّ بزوجي سيتأخرُ تلقائياً بحُكْمِ أننا مُسجّلونَ في قيودِ البلديةِ بأنَّنا أسرةٌ واحدة..

سنتانِ كاملتانِ على نارِ الانتظارِ القاتل، الانتظارُ الذي أرهَقَني كثيراً وجعلَنِي أتلوُّعُ ندماً على هذهِ المجازفةِ وصَنعَ مني امرأةً ذاتَ مسؤولياتٍ تنتظرُ الوقتَ بلهفةٍ كمنْ ينتظرُ مصيرَهُ المحتوم، ماذا لو تمَّ رفضُ الطلبِ وبقيَ القرارُ على حاله؟! ما مصيرُ هذينِ الحفيدينِ في حالِ لم نتمكَّنْ من جَمعِهمَا مع أهاليهِمَا أو إعادَتِهِمَا إلى دمشق؟!! كثيرةٌ ومُثيرةٌ تلكَ الأسئلةُ التي كانتْ تهاجِمُنِي كالكابوسِ خلالَ تلكَ الفترةِ التي عِشتُ فيها على أعصابي، حتى صُدورِ القرارِ بمنحِنَا جميعاً حقَّ الإقامةِ ثلاثَ 3 سنوات، وبإمكانِنَا الآنَ العملُ على لمِّ الشمل..

الفرحةُ بهذا القرارِ أنستْنِي سنواتٍ سابقةٍ قاسيةٍ مضت، لكنَّ الزّمنَ أبى إلّا أن يختبرَ صبرَنَا مرةً أُخرى، إذْ أصيبَ زوجيَ الذي يعانِي من مرضِ السُّكري بالغرغرينا في قدمِهِ اليُمنى، وما أسرعَ الأطباءَ هُناكَ حينَ قرروا بترَ قدَمِهِ المصابةِ كي لا تنتقلَ العدوى إلى مكانٍ آخرَ في الجسم!!! ورُغمَ محاولةِ ابني الذي يعيشُ في دمشقَ أن يؤجِّلَ الموضوعَ إلى ما بعدَ لمِّ الشملِ لعلَّنَا نتدارَكُ الأمرَ بعدَ وصولِ زوجيَ المصابِ إلى ألمانيا، إلا أنَّ الأطباءَ أجمَعُوا على ضرورَةِ البترِ وبسرعة، لأنَّ التأخيرَ ليسَ في صالحِ المريض، لكنَّ القرارَ في نهايةِ المطافِ متروكٌ للمريضِ وأسرَتِهِ بالبترِ أو عدَمِه، ولا يمكنُ إجبارُهمْ على أيِّ احتمال..

يا لهولِ الدموعِ التي سُكِبتْ في تلكَ الفترة!! فالوقتُ يداهِمُنَا والمصابُ جللٌ وزوجيَ تأكُلُهُ الحيرةُ والألم، ولا يجرؤُ على محادَثَتِي ومحادَثَةِ أبنائِهِ المغتربينَ خشيةَ انفجارِهِ من البكاءِ بسببِ هذهِ المصيبة، وبعدَ طولِ محادثاتٍ داميةٍ تمَّ اتخاذُ القرارِ بالبترِ على أن يُرفَقَ التقريرُ الطبيُّ في إضبارةِ لمِّ الشملِ لتسريعِهَا رأفَةً بمثلِ هذا النَّوعِ من الحالاتِ الإنسانية..

باختصارٍ شديدٍ أخي الكريم، بُتِرَت القدم اليُمنَى لزوجي في مشفى الأسدِ الجامعي في دمشق، ليصلَ زوجيَ إليَّ بعدَ ثلاثِ سنواتٍ ونصفٍ من الغيابِ مبتورَ القدم، مكسورَ الجناح، شائبَ الرأس، ليرتَكِزَ عليَّ في مخرَجِ المطارِ ونحتضِنَ بعضَنَا كالعاشِقَيْن، في مشهدٍ دامٍ لفتَ أنظارَ الألمانِ الموجودينِ في المطارِ لدرجةِ أنَّهم بدؤوا يصوِّرُونَ اللقاءَ بعدساتِ جوّالاتِهم..

كنتُ أقولُ لهُ وهوَ يبكي: أنا قدَمُكَ التي بُتِرَتْ يا تاجَ الراس، ارتكزْ عليَّ ولا تقلق، فالشوقُ إليكَ أضناني..

نعمْ كانَ وصولُهُ منقوصاً بدونِ قدَمِهِ اليُمنى، لكنَّها مشيئةُ اللهِ التي هي فوقَ إرادَتِنَا جميعاً، حيثُ ألهمَنِي اللهُ تعالى الصبرَ والسلوانَ كي أُؤنسَ أولاديَّ الذينَ كانت لهمْ هذهِ الفاجعةُ بمثابةِ قاصمةِ الظهرِ التي تَقتُلُ الرجالَ الأشدَّاء، لكنَّني وبفضلِ اللهِ تمكَّنتُ من رفْعِ معنوياتِهم ومعنوياتِ زوجي والجميع، وقد خَفَّفَ عنَّا مصيبَتَنَا في ذلكَ الوقتِ وصولُ ابني وعائِلَتِه، وابنتي وعائِلَتِهَا بعدَ شهرٍ من وصولِ زوجي، حيثُ اجتمعَ قسمٌ كبيرٌ من العائلةِ هنا في ألمانيا، الأمر الذي دفَعَنا إلى تناسِي الجِراحِ والآلام..

حصلَ زوجي مؤخراً على طرفٍ اصطناعي، وهو يستخدِمُهُ الآنَ بصعوبةٍ بسببِ وزنِهِ الثقيل، لكنَّهُ يعتادُ عليهِ رويداً رويداً..

لا رسالةَ عنديَ في نهايةِ هذهِ المشاركةِ سوى أن أتوجَّهَ بالشكرِ الجزيلِ لموقِعِكُم الكريم، بسببِ اهتمامِهِ بمعانَاتِنَا وتجارُبِنَا ونجاحَاتِنَا، عسى أن تكونَ هذهِ الكلماتُ سبباً في لملمةِ الجراحِ ولمِّ الشملِّ ولُقيا الأبناءِ معَ الآباءِ والأجداد..

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/17613

|مجموعة العمل | لندن|

تتابعُ مجموعةُ العملِ إنصاتَها مرةً أخرى إلى أمِّ حسّانَ التي روَتْ لنَا تجربَتَها في التهجيرِ الأسبوعَ الماضي، حيثُ وصلتْ إلى ألمانيا برفقةِ حفيدَيها، وها هيَ تواصلُ حديثَها معنَا اليوم، إذْ تقولُ في تصريحَاتهِا الخاصةِ لمجموعةِ العمل : "بعدَ وصولِنَا ألمانيا كانَ لديَّ معضلتانِ اثنتان، الأولى أنَّني أصبحتُ مسؤولةً أمامَ اللهِ ثمَّ البلديةِ عن تربيةِ حفيدَيَّ الاثنينِ حتى وصولُ أولياءِ أمورِهم عن طريقِ لمِّ الشمل، ويُعرَفُ عن ألمانيا أنَّها تُطِيلُ إجراءاتِ لمِّ الشمل، خاصةً للقاصرينَ لأنَّها تُولي الاهتمامَ للأزواجِ أكثرَ منهم، لذلكَ كانَ لزاماً عليَّ متابعةُ شؤونِهمُ الخاصةِ من مأكلٍ ومشربٍ وملبسٍ ونزهات، تعويضاً لهم عن حنانِ الأبِ والأمِّ الذي سيفتقدونَهُ مؤقتاً، ولهذا وقفتُ أنا المرأةَ التي شارَفَت على الستينَ من عمرِها، وقفتُ في المطبخِ من جديد، أُعِدُّ الطعامَ وأغسلُ الثيابَ وأنظِّفُ البيتَ وغرفَ نومِهِم وكأنني في العشرينياتِ من عمري، كما يترتَّبُ عليَّ أيضاً أن أتابعَ موضوعَ دراسةِ اللغة، وملفاتِ لمِّ الشمل، حيثُ لديَّ ثلاثةُ ملفاتٍ ثقيلةُ العبء، ملفُّ زوجيَ وملفُّ ابنيَ وملفُّ ابنتي، ومن الضروريِّ جداً معرفةُ كلِّ شاردةٍ وواردةٍ تخصُّ هذهِ الملفّات، وأمامَ كلِّ هذهِ المسؤولياتِ ومعَ مرورِ الأيامِ بدأتُ أشعرُ بالوهَنِ والتعبِ الجسديِّ والنفسي، لاسيَّما أنَّني أعاني من ارتفاعِ ضغطِ الدَّمِ الذي لمْ أجدْ لهُ العلاجَ الكافي حتى هذهِ اللحظة، حتّى إنَّ مدارسَ الأطفالِ بدأتْ تضغطُ بشدةٍ بخصوصِ موضوعِ الرِّعايةِ والاهتمام، وذلكَ لأنَّ الطفلينِ اللذينِ أرعاهُمَا ليسَ لديهم أبٌ أو أمٌّ مؤقتاً، وبالتالي فإنَّهم يسلِّطُونَ الأضواءَ عليهم دائماً خشيةً من التقصيرِ والإهمال، وهذهِ المتابعةُ الحثيثةُ شكّلَتْ عاملَ ضغطٍ قويٍّ عليَّ، ولا يوجدُ في المنطقةِ أيُّ شخصٍ يساعِدُني في هذهِ الأمور، باستثناءِ ابنتي المتزوجةِ في هولندا التي كانتْ تزورُني بينَ الفترةِ والأخرى لتقديمِ المساعدة، لكنَّها في نهايةِ المطافِ لديها زوجٌ وأولادٌ ومسؤولياتٌ في هولندا يجبُ أن تتابِعَها بشكلٍ مستمر ..

تأقلَمْتُ بصعوبةٍ معَ هذا الوضعِ وكُنّا ننتظرُ قراراتِ الإقامةِ للبدءِ في تفعيلِ معاملاتِ لمِّ الشمل، إلا أنَّنا تفاجَأنا بأنَّ حفيدَيّ مُنِحا حقَّ الحمايةِ في ألمانيا لمدةِ سنةٍ واحدةٍ وبالتالي لا يحقُّ لهما التقدُّمُ بطلبِ لمِّ الشمل، في حين أنني حصلتُ أنا على حقِّ الإقامةِ لمدةِ ثلاثِ 3 سنواتٍ ويحقُّ لي التقدمُ بطلبِ لمِّ الشملِ لزوجي، وبالتالي كانت الفرحةُ ناقصةً جداً، أضفْ إلى ذلكَ وجودُ خطأٍ في بياناتِ الحفيدَين، حيث سُجِّلوا في القيودِ على أنَّهم إخوةٌ وهما ليسَا كذلك، وكيفَ يكونانِ إخوةً وكلٌّ منهما يحملُ كنيةً مختلفةً عن الآخر؟!!

اضطررتُ لأخذِ استشارةِ مُحامٍ مختصٍّ فقالَ لي إنَّهُ قادرُ على معالجةِ هاتينِ المشكلتينِ لكنَّ الأمرَ يحتاجُ إلى الكثيرِ من الوقتِ لا يقلُّ عن سنتين، ثمَّ إنَّ ملفَّ لمِّ الشملِ الخاصِّ بزوجي سيتأخرُ تلقائياً بحُكْمِ أننا مُسجّلونَ في قيودِ البلديةِ بأنَّنا أسرةٌ واحدة..

سنتانِ كاملتانِ على نارِ الانتظارِ القاتل، الانتظارُ الذي أرهَقَني كثيراً وجعلَنِي أتلوُّعُ ندماً على هذهِ المجازفةِ وصَنعَ مني امرأةً ذاتَ مسؤولياتٍ تنتظرُ الوقتَ بلهفةٍ كمنْ ينتظرُ مصيرَهُ المحتوم، ماذا لو تمَّ رفضُ الطلبِ وبقيَ القرارُ على حاله؟! ما مصيرُ هذينِ الحفيدينِ في حالِ لم نتمكَّنْ من جَمعِهمَا مع أهاليهِمَا أو إعادَتِهِمَا إلى دمشق؟!! كثيرةٌ ومُثيرةٌ تلكَ الأسئلةُ التي كانتْ تهاجِمُنِي كالكابوسِ خلالَ تلكَ الفترةِ التي عِشتُ فيها على أعصابي، حتى صُدورِ القرارِ بمنحِنَا جميعاً حقَّ الإقامةِ ثلاثَ 3 سنوات، وبإمكانِنَا الآنَ العملُ على لمِّ الشمل..

الفرحةُ بهذا القرارِ أنستْنِي سنواتٍ سابقةٍ قاسيةٍ مضت، لكنَّ الزّمنَ أبى إلّا أن يختبرَ صبرَنَا مرةً أُخرى، إذْ أصيبَ زوجيَ الذي يعانِي من مرضِ السُّكري بالغرغرينا في قدمِهِ اليُمنى، وما أسرعَ الأطباءَ هُناكَ حينَ قرروا بترَ قدَمِهِ المصابةِ كي لا تنتقلَ العدوى إلى مكانٍ آخرَ في الجسم!!! ورُغمَ محاولةِ ابني الذي يعيشُ في دمشقَ أن يؤجِّلَ الموضوعَ إلى ما بعدَ لمِّ الشملِ لعلَّنَا نتدارَكُ الأمرَ بعدَ وصولِ زوجيَ المصابِ إلى ألمانيا، إلا أنَّ الأطباءَ أجمَعُوا على ضرورَةِ البترِ وبسرعة، لأنَّ التأخيرَ ليسَ في صالحِ المريض، لكنَّ القرارَ في نهايةِ المطافِ متروكٌ للمريضِ وأسرَتِهِ بالبترِ أو عدَمِه، ولا يمكنُ إجبارُهمْ على أيِّ احتمال..

يا لهولِ الدموعِ التي سُكِبتْ في تلكَ الفترة!! فالوقتُ يداهِمُنَا والمصابُ جللٌ وزوجيَ تأكُلُهُ الحيرةُ والألم، ولا يجرؤُ على محادَثَتِي ومحادَثَةِ أبنائِهِ المغتربينَ خشيةَ انفجارِهِ من البكاءِ بسببِ هذهِ المصيبة، وبعدَ طولِ محادثاتٍ داميةٍ تمَّ اتخاذُ القرارِ بالبترِ على أن يُرفَقَ التقريرُ الطبيُّ في إضبارةِ لمِّ الشملِ لتسريعِهَا رأفَةً بمثلِ هذا النَّوعِ من الحالاتِ الإنسانية..

باختصارٍ شديدٍ أخي الكريم، بُتِرَت القدم اليُمنَى لزوجي في مشفى الأسدِ الجامعي في دمشق، ليصلَ زوجيَ إليَّ بعدَ ثلاثِ سنواتٍ ونصفٍ من الغيابِ مبتورَ القدم، مكسورَ الجناح، شائبَ الرأس، ليرتَكِزَ عليَّ في مخرَجِ المطارِ ونحتضِنَ بعضَنَا كالعاشِقَيْن، في مشهدٍ دامٍ لفتَ أنظارَ الألمانِ الموجودينِ في المطارِ لدرجةِ أنَّهم بدؤوا يصوِّرُونَ اللقاءَ بعدساتِ جوّالاتِهم..

كنتُ أقولُ لهُ وهوَ يبكي: أنا قدَمُكَ التي بُتِرَتْ يا تاجَ الراس، ارتكزْ عليَّ ولا تقلق، فالشوقُ إليكَ أضناني..

نعمْ كانَ وصولُهُ منقوصاً بدونِ قدَمِهِ اليُمنى، لكنَّها مشيئةُ اللهِ التي هي فوقَ إرادَتِنَا جميعاً، حيثُ ألهمَنِي اللهُ تعالى الصبرَ والسلوانَ كي أُؤنسَ أولاديَّ الذينَ كانت لهمْ هذهِ الفاجعةُ بمثابةِ قاصمةِ الظهرِ التي تَقتُلُ الرجالَ الأشدَّاء، لكنَّني وبفضلِ اللهِ تمكَّنتُ من رفْعِ معنوياتِهم ومعنوياتِ زوجي والجميع، وقد خَفَّفَ عنَّا مصيبَتَنَا في ذلكَ الوقتِ وصولُ ابني وعائِلَتِه، وابنتي وعائِلَتِهَا بعدَ شهرٍ من وصولِ زوجي، حيثُ اجتمعَ قسمٌ كبيرٌ من العائلةِ هنا في ألمانيا، الأمر الذي دفَعَنا إلى تناسِي الجِراحِ والآلام..

حصلَ زوجي مؤخراً على طرفٍ اصطناعي، وهو يستخدِمُهُ الآنَ بصعوبةٍ بسببِ وزنِهِ الثقيل، لكنَّهُ يعتادُ عليهِ رويداً رويداً..

لا رسالةَ عنديَ في نهايةِ هذهِ المشاركةِ سوى أن أتوجَّهَ بالشكرِ الجزيلِ لموقِعِكُم الكريم، بسببِ اهتمامِهِ بمعانَاتِنَا وتجارُبِنَا ونجاحَاتِنَا، عسى أن تكونَ هذهِ الكلماتُ سبباً في لملمةِ الجراحِ ولمِّ الشملِّ ولُقيا الأبناءِ معَ الآباءِ والأجداد..

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/17613