map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

اليرموك واستدلالاته الرمزية

تاريخ النشر : 16-03-2023
اليرموك واستدلالاته الرمزية

بقلم علي بدوان

يملك مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين متسعاً حياً، نابضاً، متألقاً، وافراً وغنياً، في الذاكرة الفلسطينية المعاصرة، وفي موسوعة الكفاح الوطني الفلسطيني ما بعد النكبة الكبرى، وفي مسيرة المقاومة الفلسطينية.

مخيم اليرموك، ليس مكاناً جغرافياً بحتاً، أو موئلاً لمجموعات أو كتل بشرية من اللاجئين الفلسطينيين في سورية، إنه جزءاً أساسياً من التاريخ والفعل، الذي يُلخّص دراما النكبة الفلسطينية وتحولاتها، كما يُلخّص سطوة وقوة وحضور الفلسطيني، وإنسانية ونبل هذا الشعب الذي رمت به أقدار النكبة خارج وطنه التاريخي فلسطين.

إنه المخيم الذي كان ينبض في الحياة ليل نهار، لا تعرف صباحه من مسائه، بأسواقه العامرة المدينية، وبنواديه الثقافية ومراكز المؤسسات الوطنية الفلسطينية المنتشرة على امتداده، والمجتمعية المحلية ومراكز وكالة الأونروا والهيئة العامة للاجئين، ليضم بين ثناياه العدد الأكبر من مثقفي فلسطين وكتابها، وأدباءها، وفلاسفتها، ومنظريها، ومناضليها، وكوادرها، وفعالياتها، وحتى أطبائها، ومهندسيها، ومدرسيها، ومشاكسيها. فهو أكبر تجمع فلسطيني خارج فلسطين على الإطلاق، إذ كانت تقارب أعداد المواطنين الفلسطينيين داخله بحدود ربع مليون مواطن فلسطيني من أصل أكثر من ستمائة وخمسين ألف مواطن فلسطيني مقيم فوق الأرض السورية، منهم ما يقارب النصف مليون لاجئ منذ العام 1948 وهم من يُطلق عليهم اسم "فلسطيني سوري" أو "فلسطينيو سورية ــــ سوريو فلسطين". حيث يتمركز اللاجئون الفلسطينيون فيما يعرف بـ (لب المخيم) بينما يَسكن ويقيم فيه ويحيط به أكثر من مليون مواطن سوري من مختلف مناطق سورية من أقصاها الى أقصاها.

لقد صنع الفلسطينيون في مخيم اليرموك، مدينة جديدة باتت كأنها مدينة عريقة في قدمها وتاريخها، تسود فيها حالة التأخي والاندماج الهائل بين أبناء الشعبين الشقيقين التوأمين السياميين السوري والفلسطيني. حيث الحياة المشتركة بكل جوانبها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.. الخ. مع وجود حالات واسعة من الزواج المتبادل بين أبناء وبنات الشعبين الشقيقين، والأهم في هذا المجال أن الزواج المتبادل يتخطى المنطق الطائفي، لنجد بأن المئات من الشبان الفلسطينيين يقترنون بفتيات سوريات من كل المناطق والطوائف من موزاييك المجتمع السوري، مجسدين بذلك رؤية وطنية وقومية وإنسانية وأخلاقية وحتى إسلامية تتعدى منطق الطوائف المقيت، وتعطي صورة ناصعة عن الشعب الفلسطيني.

في التأخي والانتماء الوطني والقومي الواحد الموحّد، ومنذ العام 1948، يذهب السوري والفلسطيني معاً إلى المدرسة، مدرسة الأونروا للفلسطيني، ومدرسة الحكومة التابعة لوزارة التربية للفلسطيني والسوري. ويذهبان للجامعات السورية معاً بفرص تكافؤ واحدة، ويتقدمان للمسابقات الوظيفية معاً وبفرص تكافؤ واحدة، ويذهبان لخدمة العلم (خدمة الجيش) معاً، في مواقع واحدة وفي كليات ومدارس عسكرية واحدة، وفي مهاجع وأسرة نوم وقاعات تدريب واحدة، ليصار بعضها إلى نقل وفرز الفلسطينيين بمعظمهم إلى جيش التحرير الفلسطيني بعد إنجاز الدورات التدريبية، ويبقى منهم البعض ممن لا يتوفر لهم من اختصاص عسكري في جيش التحرير ليخدموا (العسكرية) في القطعات العسكرية السورية وخاصة منهم الجامعيين (ضباط مجندين).

وفي التأخي السوري الفلسطيني، كان السوري على الدوام معنا في قواعد ومقرات ومكاتب ومؤسسات المقاومة والفصائل الفلسطينية ومعسكراتها في سورية ولبنان وقبلها في الأردن، ومنذ العام 1965، مدوناً شهادة كبيرة في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني الذي باتت فيه أعداد الشهداء السوريين تقارب ثلث شهداء الثورة الفلسطينية المعاصرة بعموم فصائلها المعروفة.

وفي التأخي المشترك، يشعر المواطن السوري في مخيم اليرموك بأنه فلسطينياً تماماً، لذلك كانت حياته ونمطها، وحتى لهجته وعباراته وكلماته فلسطينية بالكامل. وعندما تم توجيه سؤال لمواطن سوري من قبل هيئة اعلامية دولية عند مدخل مخيم اليرموك في تلك اللحظات العصيبة، عن جنسيته قال: أنا سوري من فلسطين..

هذا التأخي الودود واللصيق، كان من المنطقي ومن الطبيعي أن تتوالد انطلاقاً منه، تلك الهبة الهائلة والسريعة جداً، من قبل أبناء مخيم اليرموك وشبابه وشاباته وحتى من نسائه وكبار السن فيه، الذين انتشروا في الشوارع، معلنين تشكيل اللجان الشعبية، من أجل مساعدة إخوانهم السوريين من الذين اتجهوا نحو المخيم من المناطق المحيطة به والتي باتت تعرف باسم مناطق وبؤر التوتر خلال الفترات الماضية قبل محنة اليرموك.

• مخيم اليرموك: أول مثوى لشهداء فلسطين خارج أرض فلسطين التاريخية.

• اليرموك أول معسكر، اول طلقة...

• اليرموك: الشهيد الأول لحركة فتح أحمد موسى الدلكي من قرية ناصر الدين قضاء طبرية. والأول الـــ (ج ش) خالد أبو عيشة من كفر لاقف قضاء نابلس. والأول لــ (ج ش ق ع) خالد الأمين من أندور قضاء الناصرة. والأول لــ (ج ت ع) نصر الغوري من الحولة. والأول لــ (صاع...ق ...ة) محي الدين محمد. والأول لـــ (ج ت ف) ... 

• اليرموك أول مجموعة (فدائية) كتيبة 68. ومثلها في قطاع غزة بقيادة الش... ه.ي..د المصري ع مصطفى حافظ ...

فهل يعي من تطاول على مخيم اليرموك دلالاته ومعانيه.

على جدران مخيم اليرموك، وفي شوارعه رسم الفلسطينيون مآسيهم، مؤرخين بخربشاتُ أقلامهم دراما اللّجوء، فتدمع جدران المخيم عند التحليق عليها. وعلى جدران المخيم نشروا ملصقاتهم، وصور شهدائهم. ورسموا على جدران مدارس الأونروا (يوجد 38 مدرسة تابعة للأونروا في اليرموك) لوحات العودة الى حيفا ويافا وعكا وصفد وطبريا واللد والرملة، العودة هناك الى الوطن السليب، وإلى الهوية التي مازالت تعيش في وجدان كل لاجئ فلسطيني. إن تلك الكلمات ليست شاعرية، أو لغة خشبية أو متقادمة، كما يعتقد البعض، إنها كلمات "قوة الحق في مواجهة حق القوة" تتأجج كل يوم عند تلك الأجيال التي توالدت في صفوف اللاجئين الفلسطينيين في سورية، لتكسر ما قاله وزير خارجية الولايات المتحدة فترة الخمسينيات من القرن الماضي جون فوستر دالاس "الكبار يموتون والصغار ينسون".

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/18624

بقلم علي بدوان

يملك مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين متسعاً حياً، نابضاً، متألقاً، وافراً وغنياً، في الذاكرة الفلسطينية المعاصرة، وفي موسوعة الكفاح الوطني الفلسطيني ما بعد النكبة الكبرى، وفي مسيرة المقاومة الفلسطينية.

مخيم اليرموك، ليس مكاناً جغرافياً بحتاً، أو موئلاً لمجموعات أو كتل بشرية من اللاجئين الفلسطينيين في سورية، إنه جزءاً أساسياً من التاريخ والفعل، الذي يُلخّص دراما النكبة الفلسطينية وتحولاتها، كما يُلخّص سطوة وقوة وحضور الفلسطيني، وإنسانية ونبل هذا الشعب الذي رمت به أقدار النكبة خارج وطنه التاريخي فلسطين.

إنه المخيم الذي كان ينبض في الحياة ليل نهار، لا تعرف صباحه من مسائه، بأسواقه العامرة المدينية، وبنواديه الثقافية ومراكز المؤسسات الوطنية الفلسطينية المنتشرة على امتداده، والمجتمعية المحلية ومراكز وكالة الأونروا والهيئة العامة للاجئين، ليضم بين ثناياه العدد الأكبر من مثقفي فلسطين وكتابها، وأدباءها، وفلاسفتها، ومنظريها، ومناضليها، وكوادرها، وفعالياتها، وحتى أطبائها، ومهندسيها، ومدرسيها، ومشاكسيها. فهو أكبر تجمع فلسطيني خارج فلسطين على الإطلاق، إذ كانت تقارب أعداد المواطنين الفلسطينيين داخله بحدود ربع مليون مواطن فلسطيني من أصل أكثر من ستمائة وخمسين ألف مواطن فلسطيني مقيم فوق الأرض السورية، منهم ما يقارب النصف مليون لاجئ منذ العام 1948 وهم من يُطلق عليهم اسم "فلسطيني سوري" أو "فلسطينيو سورية ــــ سوريو فلسطين". حيث يتمركز اللاجئون الفلسطينيون فيما يعرف بـ (لب المخيم) بينما يَسكن ويقيم فيه ويحيط به أكثر من مليون مواطن سوري من مختلف مناطق سورية من أقصاها الى أقصاها.

لقد صنع الفلسطينيون في مخيم اليرموك، مدينة جديدة باتت كأنها مدينة عريقة في قدمها وتاريخها، تسود فيها حالة التأخي والاندماج الهائل بين أبناء الشعبين الشقيقين التوأمين السياميين السوري والفلسطيني. حيث الحياة المشتركة بكل جوانبها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.. الخ. مع وجود حالات واسعة من الزواج المتبادل بين أبناء وبنات الشعبين الشقيقين، والأهم في هذا المجال أن الزواج المتبادل يتخطى المنطق الطائفي، لنجد بأن المئات من الشبان الفلسطينيين يقترنون بفتيات سوريات من كل المناطق والطوائف من موزاييك المجتمع السوري، مجسدين بذلك رؤية وطنية وقومية وإنسانية وأخلاقية وحتى إسلامية تتعدى منطق الطوائف المقيت، وتعطي صورة ناصعة عن الشعب الفلسطيني.

في التأخي والانتماء الوطني والقومي الواحد الموحّد، ومنذ العام 1948، يذهب السوري والفلسطيني معاً إلى المدرسة، مدرسة الأونروا للفلسطيني، ومدرسة الحكومة التابعة لوزارة التربية للفلسطيني والسوري. ويذهبان للجامعات السورية معاً بفرص تكافؤ واحدة، ويتقدمان للمسابقات الوظيفية معاً وبفرص تكافؤ واحدة، ويذهبان لخدمة العلم (خدمة الجيش) معاً، في مواقع واحدة وفي كليات ومدارس عسكرية واحدة، وفي مهاجع وأسرة نوم وقاعات تدريب واحدة، ليصار بعضها إلى نقل وفرز الفلسطينيين بمعظمهم إلى جيش التحرير الفلسطيني بعد إنجاز الدورات التدريبية، ويبقى منهم البعض ممن لا يتوفر لهم من اختصاص عسكري في جيش التحرير ليخدموا (العسكرية) في القطعات العسكرية السورية وخاصة منهم الجامعيين (ضباط مجندين).

وفي التأخي السوري الفلسطيني، كان السوري على الدوام معنا في قواعد ومقرات ومكاتب ومؤسسات المقاومة والفصائل الفلسطينية ومعسكراتها في سورية ولبنان وقبلها في الأردن، ومنذ العام 1965، مدوناً شهادة كبيرة في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني الذي باتت فيه أعداد الشهداء السوريين تقارب ثلث شهداء الثورة الفلسطينية المعاصرة بعموم فصائلها المعروفة.

وفي التأخي المشترك، يشعر المواطن السوري في مخيم اليرموك بأنه فلسطينياً تماماً، لذلك كانت حياته ونمطها، وحتى لهجته وعباراته وكلماته فلسطينية بالكامل. وعندما تم توجيه سؤال لمواطن سوري من قبل هيئة اعلامية دولية عند مدخل مخيم اليرموك في تلك اللحظات العصيبة، عن جنسيته قال: أنا سوري من فلسطين..

هذا التأخي الودود واللصيق، كان من المنطقي ومن الطبيعي أن تتوالد انطلاقاً منه، تلك الهبة الهائلة والسريعة جداً، من قبل أبناء مخيم اليرموك وشبابه وشاباته وحتى من نسائه وكبار السن فيه، الذين انتشروا في الشوارع، معلنين تشكيل اللجان الشعبية، من أجل مساعدة إخوانهم السوريين من الذين اتجهوا نحو المخيم من المناطق المحيطة به والتي باتت تعرف باسم مناطق وبؤر التوتر خلال الفترات الماضية قبل محنة اليرموك.

• مخيم اليرموك: أول مثوى لشهداء فلسطين خارج أرض فلسطين التاريخية.

• اليرموك أول معسكر، اول طلقة...

• اليرموك: الشهيد الأول لحركة فتح أحمد موسى الدلكي من قرية ناصر الدين قضاء طبرية. والأول الـــ (ج ش) خالد أبو عيشة من كفر لاقف قضاء نابلس. والأول لــ (ج ش ق ع) خالد الأمين من أندور قضاء الناصرة. والأول لــ (ج ت ع) نصر الغوري من الحولة. والأول لــ (صاع...ق ...ة) محي الدين محمد. والأول لـــ (ج ت ف) ... 

• اليرموك أول مجموعة (فدائية) كتيبة 68. ومثلها في قطاع غزة بقيادة الش... ه.ي..د المصري ع مصطفى حافظ ...

فهل يعي من تطاول على مخيم اليرموك دلالاته ومعانيه.

على جدران مخيم اليرموك، وفي شوارعه رسم الفلسطينيون مآسيهم، مؤرخين بخربشاتُ أقلامهم دراما اللّجوء، فتدمع جدران المخيم عند التحليق عليها. وعلى جدران المخيم نشروا ملصقاتهم، وصور شهدائهم. ورسموا على جدران مدارس الأونروا (يوجد 38 مدرسة تابعة للأونروا في اليرموك) لوحات العودة الى حيفا ويافا وعكا وصفد وطبريا واللد والرملة، العودة هناك الى الوطن السليب، وإلى الهوية التي مازالت تعيش في وجدان كل لاجئ فلسطيني. إن تلك الكلمات ليست شاعرية، أو لغة خشبية أو متقادمة، كما يعتقد البعض، إنها كلمات "قوة الحق في مواجهة حق القوة" تتأجج كل يوم عند تلك الأجيال التي توالدت في صفوف اللاجئين الفلسطينيين في سورية، لتكسر ما قاله وزير خارجية الولايات المتحدة فترة الخمسينيات من القرن الماضي جون فوستر دالاس "الكبار يموتون والصغار ينسون".

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/18624