map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

قطار اللجوء

تاريخ النشر : 16-03-2023
قطار اللجوء

يونس خطاب

لأن اللجوء أصبح سمة تلازمنا، أود أن أسرد قصة لجوء طريفة ومحزنة في آن. في عام 1948 هاجر أهلي وغيرهم من فلسطينيي شمال فلسطين باتجاه جنوب لبنان، وهناك ونتيجة لاكتظاظ المنطقة باللاجئين، فكرت لبنان بإعادة توزيعهم، فخيرت من يود منهم ان يلجأ إلى سوريا، مع وعدهم بتأمينهم إلى ملجأهم الجديد في القطار البخاري ذو الصافرة الحادة المميزة. اختار أهلي وكثرة من اللاجئين (المعترين) والذين لا حول لهم ولا قوة، اللجوء إلى مدينة حلب في شمال سوريا والتي تبعد عن دمشق 360 كم. انطلق القطار المتهالك والقديم بعرباته (فركوناته كما كانوا يطلقون عليها) التي لا تعد ولا تحصى، فقد زادوا عدد العربات ليتخلصوا من أكبر عدد من اللاجئين، وسار قطارنا (العصملي) يتهادى ببطء السلحفاة متثاقلا بحمله من اللاجئين، يزيدهم وزنا ما يحملونه من هموم ومآسي لا تعد ولا تحصى، ولا تتحمل الجبال أثقالها، ووصل القطار العتيق الى محطة القطارات في غرب مدينة حماه. نزل السائق الذي عانى طوال الرحلة من الحمولة الزائدة لقطارة غاضباً ومحتجاً بأنه لا يستطيع مواصلة السير باتجاه حلب، وطلب من ناظر المحطة ومسؤوليها إنزال عدد من اللاجئين لتخفيف الضغط على القطار. قام ناظر المحطة ومسؤوليها بالتفاوض مع ركاب آخر عربتين للنزول في حماه وعدم المتابعة الى حلب ليجابه بالرفض القاطع من ركاب العربتين الغاضبين (والمشحرين).

أوهم ناظر المحطة هؤلاء بأن المشكلة حلت وسيسير القطار مستأنفا رحلته، لكنه في الحقيقة أعطى تعليماته سرا (للمفتاحيين: الذين يبدلون الخطوط ويفصلون العربات) بفصل آخر عربتين، وأعطى أوامره للقطار بالتحرك بسرعة. صفر القطار معلنا استئناف الرحلة واستبشر ركاب العربتين شاعرين بالنصر، لكنهم استغربوا ان صوت الصفير كان يبتعد عنهم شيئاً فشيئاً، فأدركوا أن أمرا ما قد حدث لا سيما أنهم شعروا بهدوء غير عادي في عرباتهم، و نظروا من النوافذ ليروا القطار يسير بعيداً وهو يعبر منعطفا بعد المحطة ، وبدا لهم كقطار ألعاب يتهادى من بعيد، مبدداً آمالهم بالوصول لمقصدهم، شعروا والقطار يصفر، بأن أنفاسهم تصفر أيضاً مطلقة آهات الغربة (التغريبة الأولى) …. الله يسامحك أيها القطار فقد تحكمت بمصائر أجيال وأجيال من الناس سكنوا واستقروا فيما بعد في مخيم العائدين بحماه.

لكن كلمة حق تقال، من حظنا أننا سكنا حماة واستقرينا بها، حماة المدينة الجميلة والساحرة بعاصيها، وأوابدها، وتاريخها، وشهامة وكرم أهلها. حماة التي حضنتنا فكانت ملعبنا، ومربانا، وتطورنا، ونشأتنا، وتعلمنا. وقد ساهمنا نحن أيضا بتنميتها وتطورها في كافة المجالات. وتصاهرنا مع أهلها. ولم نشعر يوما إلا أنها وطننا، ومحطتنا بانتظار قطار العودة الى فلسطين، كل فلسطين.

أعشقك حماة فقد كنت، وما زلت ملهمتي ….

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/18628

يونس خطاب

لأن اللجوء أصبح سمة تلازمنا، أود أن أسرد قصة لجوء طريفة ومحزنة في آن. في عام 1948 هاجر أهلي وغيرهم من فلسطينيي شمال فلسطين باتجاه جنوب لبنان، وهناك ونتيجة لاكتظاظ المنطقة باللاجئين، فكرت لبنان بإعادة توزيعهم، فخيرت من يود منهم ان يلجأ إلى سوريا، مع وعدهم بتأمينهم إلى ملجأهم الجديد في القطار البخاري ذو الصافرة الحادة المميزة. اختار أهلي وكثرة من اللاجئين (المعترين) والذين لا حول لهم ولا قوة، اللجوء إلى مدينة حلب في شمال سوريا والتي تبعد عن دمشق 360 كم. انطلق القطار المتهالك والقديم بعرباته (فركوناته كما كانوا يطلقون عليها) التي لا تعد ولا تحصى، فقد زادوا عدد العربات ليتخلصوا من أكبر عدد من اللاجئين، وسار قطارنا (العصملي) يتهادى ببطء السلحفاة متثاقلا بحمله من اللاجئين، يزيدهم وزنا ما يحملونه من هموم ومآسي لا تعد ولا تحصى، ولا تتحمل الجبال أثقالها، ووصل القطار العتيق الى محطة القطارات في غرب مدينة حماه. نزل السائق الذي عانى طوال الرحلة من الحمولة الزائدة لقطارة غاضباً ومحتجاً بأنه لا يستطيع مواصلة السير باتجاه حلب، وطلب من ناظر المحطة ومسؤوليها إنزال عدد من اللاجئين لتخفيف الضغط على القطار. قام ناظر المحطة ومسؤوليها بالتفاوض مع ركاب آخر عربتين للنزول في حماه وعدم المتابعة الى حلب ليجابه بالرفض القاطع من ركاب العربتين الغاضبين (والمشحرين).

أوهم ناظر المحطة هؤلاء بأن المشكلة حلت وسيسير القطار مستأنفا رحلته، لكنه في الحقيقة أعطى تعليماته سرا (للمفتاحيين: الذين يبدلون الخطوط ويفصلون العربات) بفصل آخر عربتين، وأعطى أوامره للقطار بالتحرك بسرعة. صفر القطار معلنا استئناف الرحلة واستبشر ركاب العربتين شاعرين بالنصر، لكنهم استغربوا ان صوت الصفير كان يبتعد عنهم شيئاً فشيئاً، فأدركوا أن أمرا ما قد حدث لا سيما أنهم شعروا بهدوء غير عادي في عرباتهم، و نظروا من النوافذ ليروا القطار يسير بعيداً وهو يعبر منعطفا بعد المحطة ، وبدا لهم كقطار ألعاب يتهادى من بعيد، مبدداً آمالهم بالوصول لمقصدهم، شعروا والقطار يصفر، بأن أنفاسهم تصفر أيضاً مطلقة آهات الغربة (التغريبة الأولى) …. الله يسامحك أيها القطار فقد تحكمت بمصائر أجيال وأجيال من الناس سكنوا واستقروا فيما بعد في مخيم العائدين بحماه.

لكن كلمة حق تقال، من حظنا أننا سكنا حماة واستقرينا بها، حماة المدينة الجميلة والساحرة بعاصيها، وأوابدها، وتاريخها، وشهامة وكرم أهلها. حماة التي حضنتنا فكانت ملعبنا، ومربانا، وتطورنا، ونشأتنا، وتعلمنا. وقد ساهمنا نحن أيضا بتنميتها وتطورها في كافة المجالات. وتصاهرنا مع أهلها. ولم نشعر يوما إلا أنها وطننا، ومحطتنا بانتظار قطار العودة الى فلسطين، كل فلسطين.

أعشقك حماة فقد كنت، وما زلت ملهمتي ….

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/18628