map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

سوريا.. فلسطينيون يبيعون ممتلكاتهم طلباً للخلاص وفراراً من جحيم العيش

تاريخ النشر : 01-06-2023
سوريا.. فلسطينيون يبيعون ممتلكاتهم طلباً للخلاص وفراراً من جحيم العيش

مجموعة العمل|| فايز أبو عيد

تشهد المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سورية، اقبالاً كبيراً بين اللاجئين الفلسطينيين على بيع عقاراتهم وممتلكاتهم وأثاث منازلهم وأغراضهم الشخصية للحصول على تكاليف الخروج من سوريا نحو دول الاتحاد الأوروبي، أو سعياً لتلبية احتياجاتهم الأساسية وتأمين كسرة خبز لهم ولأطفالهم، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والارتفاع الجنوني للأسعار، الذي أصبح يشكل كابوساً يؤرق حياتهم وينغص عليهم معيشتهم.

مراسلو مجموعة العمل في المخيمات الفلسطينية قاموا بجولة ميدانية سبروا خلالها آراء الأهالي حول ظاهرة بيع منازلهم وممتلكاتهم، والدافع الرئيسي وراء تنامي تلك الظاهرة؟ 

مخيم اليرموك

شهد مخيم اليرموك خلال السنوات الثلاثة الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في ظاهرة بيع الأهالي لمنازلهم وممتلكاتهم، والمحال التجارية، وذلك بعد وصول البعض منهم إلى طريق مسدود وفقدان الأمل بعودة الحياة إلى المخيم جراء التعنت بمنح الموافقات الأمنية اللازمة لعودة للأهالي، والمماطلة في إعادة تأهيل البنى التحتية وإزال الركام والدمار، بالإضافة لمصادرة ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين.

أضف إلى ذلك إعلان محافظة دمشق في التاسع والعشرين من شهر يونيو/حزيران 2020، عن المخطط التنظيمي ما أثار قلق أهالي مخيم اليرموك من خسارتهم لممتلكاتهم ومنازلهم مما دفعهم لبيعها بأبخس الأثمان.

وتعتبر قلة الموارد المالية أحد الأسباب الرئيسية لبيع بعض الأهالي ممتلكاتهم، وذلك لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف ترميم منازلهم التي دُمرت بسبب العمليات العسكرية التي شنتها القوات السورية مدعومة بالطيران الروسي للسيطرة على المخيم ومحيطه عام 2018.

ومن الأسباب المهمة لبيع الممتلكات والتفكير بالهجرة الأوضاع الأمنية والمداهمات والاعتقالات، ناهيك عن الشعور الدائم بالخوف من الاعتقال، وعدم الأمان في بيئة انتشر فيها اللصوص وعصابات السلب والنهب والتعفيش.

في حين أن لسوء أوضاعهم الإنسانية وبؤسها الأثر الأكبر في بيع عدد من أبناء مخيم اليرموك لممتلكاتهم، للهروب من جحيم واقعهم المنهار والمتردي، حيث لجأ البعض منهم إلى بيع أو مقايضة أثاث منازلهم للحصول على المواد الغذائية الأساسية لسد رمق أطفالهم في ظل توقف غالبيتهم عن العمل بعد الشلل الذي أصاب معظم مرافق الحياة في دمشق وريفها.

مخيم الحسينية

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة بيع المنازل والمحال التجارية في مخيم الحسينية بريف دمشق، بسبب موجة الهجرة من سورية هروباً من الواقع الاقتصادي والمعيشي الصعب الذي تعاني منه البلاد منذ سنوات دون أفق للحل أو أمل في الانفراج ولو كان بعيداً بعض الشيء، أو للهروب من إرسال الأبناء إلى الخدمة الالزامية.

وباعتبار أن 95% من أهالي المخيم يعيشون تحت خط الفقر، لم يجد الكثيرون منهم وسيلة لتأمين تكاليف السفر سوى بيع ما يملكون من عقارات أو سيارات كنوع من المغامرة التي قد تخيب أو تصيب.

وفي الحديث عن هذا قال أبو ثائر أحد سكان المخيم: "كان لدي منزل في شارع الخزان بنيته بعرق جبني وتعب سنين، ولكن بسبب ما وصلنا إليه من أوضاع معيشية مزرية لم يعد لدي القدرة والطاقة لتحمل أعباء الحياة وتأمين لقمة عائلتي، أإضافة إلى ذلك أن ابني أصبح في سن الخدمة الإلزامية، لذلك قررت الفرار به وقمت ببيع كل ما أملك من أجله، كما أنني اضطررت للاستدانة من بعض معارفي ولكن الحمد لله نجوت مع عائلتي وأنا الآن في هولندا.

أما أبو خالد يخبرنا عن قصته: كان لدي سيارة أستخدمها في العمل وبعد أن ساءت الأمور، قررت بيعها والسفر، بعتها وزاد من ثمنها 2000 دولار، وبدأت بالبحث عن وسيلة للوصول إلى تركيا، وقمنا بالتواصل مع مكتب سفر، ودفعنا له المبلغ الذي طلبه، ولكن "واه حسرتاه" اكتشفت فيما بعد بأنه نصاب محترف، وقد خسرت كل شيء ولم أجني سوى الندم والألم.

من جانبه ذكر مراسلنا أن السفر والحلم بحياة أكثر إنسانية ليس هو الدافع الوحيد وراء بيع الأهالي لممتلكاتهم، بل الهاجس الأمني والخوف من الاعتقال.

لافتاً أن عشرات الأسر باعت منازلها بسبب مخاوف أمنية من العودة إلى المخيم، وخاصة المطلوبين لانتمائهم لحركة حماس، أو بسبب تقارير كيدية.

وسجلت عشرات حالات بيع المنازل في منطقة شارع السرو لعائلات موالية تنتمي للطائفة الشيعية الأمر الذي أثار القلق في نفوس الأهالي وخاصة مع انتشار هذه الظاهرة في بلدة الذيابية المجاورة، كما تزداد حالات بيع منازل المشروع القديم وخاصة في المناطق الشرقية.

مخيم النيرب

أسباب لا حصر لها وراء ظاهرة تنامي بيع أبناء مخيم النيرب لمنازلهم وممتلكاتهم، وبحسب أحد أبناء المخيم الذي رفض ذكر اسمه لدواع أمنية، أن الفلتان الأمني والممارسات القمعية تجاه أبناء المخيم والخوف من الاعتقال في أي لحظة، هي السبب الرئيسي للتفكير بالبيع والهجرة.

في حين يحتل الوضع المعيشي والتدهور الاقتصادي المركز الثاني، فحياة الناس باتت مليئة بالهموم والمشاكل والديون، في ظل عدم قدرتهم على تأمين احتياجات الأسرة اليومية الأساسية.

أبو فراس (اسم مستعار) قال لمراسل مجموعة العمل: إنني أتحين الفرصة المناسبة لأرسل أولادي خارج هذا البلد الذي لم تعد العيشة فيه تطاق، أضف يا صديقي الخدمة الإلزامية التي تشكل عبء وثقل مادي كبير على الأهالي، كما أنها تحرم أولادنا من أجمل سنين حياتهم، فمن يذهب للخدمة العسكرية حكم عليه بالدمار والضياع، على حد تعبيره.

أما الشاب (حسن) من أبناء مخيم النيرب عام 2014م، كان في السنة الأولى في المعهد الرياضي فقد اضطر لترك دراسته والبقاء حبيسا في المخيم بعدما تلقى دعوة لمراجعة فرع أمن الدولة دون معرفة السبب، لذا قرر والده بيع محل يمتلكه في مدينة حلب، وهو مصدر رزقه الوحيد ليرسله وشقيقه الصغير الذي كان يبلغ العاشرة إلى تركيا ومنها الى أوروبا، وهم متواجدين اليوم في العاصمة الألمانية.

 في حين أن محمد مدرس، وحامد طبيب، وأحمد صيدلي وغيرهم الكثير من أبناء المخيم دفعتهم التقارير الكيدية بداية الاحداث لبيع منازلهم للهجرة طلباً للخلاص وفراراً من الاعتقال أو الموت تعذيباً في غياهب السجون السورية.

أبو خالد باع منزله المتواضع في المخيم وأثاث منزله بالكامل لتأمين سفر ولده القاصر مع عمه، فالدين أرهق عاتقه فلا حل سوى أن يغامر برحلة مجهولة إما أن تنشله من وضعه المزري أو ينتظر خبراً يقتله حياً.

 يمثل ابو خالد حال أغلب الأهالي في مخيم النيرب حيث تقدر المنازل والعقارات التي باعها أهلها لتأمين السفر بالمئات، بيعت بثمن بخس راهن أصحابها على هجرة طريقها مجهول ومحفوف بالمصاعب لدرجة أن المخيم خسر عدداً من شبابه غرقاً على طريق الهجرة، أما في النهر الحدودي بين سورية وتركيا أو في البحر المتوسط، فيما تعرض البعض الاخر للاحتيال والسرقة والخطف والمطالبة بفدية، كان كل ذلك ضمن الحسابات ولكن صعوبة العيش والوضع الأمني دفعهم مرغمين للجوء اليه.

مخيم حندرات

وإذا اتجهنا نحو مخيم حندرات فستكون الإجابة حاضرة عند الجدران المهدمة والأسقف الهابطة وبقايا من أثاث مسروق، فمعالم المخيم بعد القصف محيت منها الذكريات الجميلة، ذكريات الطفولة زواريب المخيم، الأحبة الخلان، ولم يعد سوى الأطلال والركام والبكاء على من رحل وأرتحل.

يقول حليم إن لديه 6 أولاد جميعهم صغار، وقد اتخذ قرارا ببيع منزله الصغير في المخيم، بقصد هجرته إلى أوروبا، منوهاً أن استطاع بيع منزله ولكن بتراب المصاري على حد تعبيره، واستدان من أقاربه وأصدقائه المبلغ المتبقي، وهاجر إلى هولندا بدافع لم شمل العائلة بطريقة قانونية، كما يفعل غالبية أرباب الأسر الذين لا يملكون دفع تكاليف هجرة عائلة كاملة.

مخيم خان دنون

أظهرت الإحصائيات التي رصدتها مجموعة العمل إن 40% من سكان مخيم خان دنون باعوا ممتلكاتهم ليحصلوا على لقمة العيش والسفر للخارج، وأن العشرات من السكان باعوا ممتلكاتهم من أثاث وبيوت لتأمين تكاليف السفر.

مؤكدة أنه أكثر من 90% من الأهالي يعيشون تحت خط الفقر ما يجعل الأهالي يقفون على حافة هاوية جديدة بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار وانتشار حالات البطالة.

وأضاف أن المخيم يشهد ركوداً عقارياً بسبب ارتفاع أسعار المنازل وقلة الطلب عليها، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تهدد بإفراغ المخيم من سكانه.

وأعرب بعض الأهالي عن حزنهم للتخلي عن ممتلكاتهم التي تربطهم بذكريات عزيزة، لكنهم قالوا إنهم لا يجدون بدائل أمام الفقر والبطالة والغلاء.

مخيم درعا

أقدم عدد من اللاجئين الفلسطينيين بمخيم درعا، منذ بداية الحرب السورية على بيع منازلهم وبعض ممتلكاتهم من أجل السفر والهجرة لتأمين حياة كريمة ولائقة لهم ولعائلاتهم، فبعد التضييق الأمني والمطالبات وانتشار القتل والخطف في المنطقة دفع ذلك العديد من أبناء المخيم للهجرة خارج سوريا مما يترتب عليهم تكلفة مالية كبيرة جداً.

ووفقاً لشهادة عدد من أهالي مخيم درعا أن العشرات من أبنائهم هاجروا بسبب الصراع الذي اندلع في سورية، وتعرض مخيمهم للقصف والحصار والجوع، وكذلك فراراً من الخدمة الإلزامية.

في السياق تواصل مراسل مجموعة العمل مع عدد من أبناء المخيم المقيمين حالياً في الدول الأوروبية وسألهم عن الأسباب التي دفعتهم للهجرة واختيار طريق الموت للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي.

 قال على 40 عاماً: منذ بداية الأحداث في المخيم عام 2013 قررت السفر أنا وأخي محمد من أجل تأمين مستقبلنا ولتحسين وضعنا المعيشي، ولأننا أساسا لانحمل هويات شخصية وجاءت الهجرة أفضل حل لنا، ومن أجل تأمين المال اللازم بعنا منزلنا وكل ما نملك، وهاجرنا إلى أوروبا، والحمد لله وضعنا اليوم أفضل بكثير مما كنا عليه سابقاً.

لم يكن أبو قاسم يملك خياراً سوى بيع منزله الوحيد الذي يملكه بسعر بخس من أجل تأمين مصاريف السفر، وذلك بسبب اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية، والمضايقات العديدة التي تعرض لها بعد الإفراج عنه من قبل بعض اللصوص وأرباب السوابق الذين لم يستطع أحد ردعهم وحل مشكلته معهم، لذلك كان الحل الوحيد لخلاصه منهم الهجرة.

لافتاً إلى أنه اليوم بدأ حياة جديدة في ألمانيا بعد خوض رحلة شاقة في غمار البحر كاد أن يموت خلالها، ويتطلع لبناء مستقبل جديد له ولعائلته.

وذكر مراسل مجموعة العمل أن العديد من العائلات في درعا ومخيم درعا ترفض رفضاً قاطعاً ذهاب أولادها لخدمة العلم، فالعديد منهم باع منزله أو بعض ممتلكاته، ومنهم من قام بالدين وكتابة سندات أمانة لحين وصول أبنائهم وتمكنهم من السداد، مشيراً إلى أن أغلب الديون تكون بالدولار الأمريكي، وعلى الرغم من المبالغ المالية الكبيرة لازال البعض يفكر بالهجرة.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/18951

مجموعة العمل|| فايز أبو عيد

تشهد المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سورية، اقبالاً كبيراً بين اللاجئين الفلسطينيين على بيع عقاراتهم وممتلكاتهم وأثاث منازلهم وأغراضهم الشخصية للحصول على تكاليف الخروج من سوريا نحو دول الاتحاد الأوروبي، أو سعياً لتلبية احتياجاتهم الأساسية وتأمين كسرة خبز لهم ولأطفالهم، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والارتفاع الجنوني للأسعار، الذي أصبح يشكل كابوساً يؤرق حياتهم وينغص عليهم معيشتهم.

مراسلو مجموعة العمل في المخيمات الفلسطينية قاموا بجولة ميدانية سبروا خلالها آراء الأهالي حول ظاهرة بيع منازلهم وممتلكاتهم، والدافع الرئيسي وراء تنامي تلك الظاهرة؟ 

مخيم اليرموك

شهد مخيم اليرموك خلال السنوات الثلاثة الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في ظاهرة بيع الأهالي لمنازلهم وممتلكاتهم، والمحال التجارية، وذلك بعد وصول البعض منهم إلى طريق مسدود وفقدان الأمل بعودة الحياة إلى المخيم جراء التعنت بمنح الموافقات الأمنية اللازمة لعودة للأهالي، والمماطلة في إعادة تأهيل البنى التحتية وإزال الركام والدمار، بالإضافة لمصادرة ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين.

أضف إلى ذلك إعلان محافظة دمشق في التاسع والعشرين من شهر يونيو/حزيران 2020، عن المخطط التنظيمي ما أثار قلق أهالي مخيم اليرموك من خسارتهم لممتلكاتهم ومنازلهم مما دفعهم لبيعها بأبخس الأثمان.

وتعتبر قلة الموارد المالية أحد الأسباب الرئيسية لبيع بعض الأهالي ممتلكاتهم، وذلك لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف ترميم منازلهم التي دُمرت بسبب العمليات العسكرية التي شنتها القوات السورية مدعومة بالطيران الروسي للسيطرة على المخيم ومحيطه عام 2018.

ومن الأسباب المهمة لبيع الممتلكات والتفكير بالهجرة الأوضاع الأمنية والمداهمات والاعتقالات، ناهيك عن الشعور الدائم بالخوف من الاعتقال، وعدم الأمان في بيئة انتشر فيها اللصوص وعصابات السلب والنهب والتعفيش.

في حين أن لسوء أوضاعهم الإنسانية وبؤسها الأثر الأكبر في بيع عدد من أبناء مخيم اليرموك لممتلكاتهم، للهروب من جحيم واقعهم المنهار والمتردي، حيث لجأ البعض منهم إلى بيع أو مقايضة أثاث منازلهم للحصول على المواد الغذائية الأساسية لسد رمق أطفالهم في ظل توقف غالبيتهم عن العمل بعد الشلل الذي أصاب معظم مرافق الحياة في دمشق وريفها.

مخيم الحسينية

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة بيع المنازل والمحال التجارية في مخيم الحسينية بريف دمشق، بسبب موجة الهجرة من سورية هروباً من الواقع الاقتصادي والمعيشي الصعب الذي تعاني منه البلاد منذ سنوات دون أفق للحل أو أمل في الانفراج ولو كان بعيداً بعض الشيء، أو للهروب من إرسال الأبناء إلى الخدمة الالزامية.

وباعتبار أن 95% من أهالي المخيم يعيشون تحت خط الفقر، لم يجد الكثيرون منهم وسيلة لتأمين تكاليف السفر سوى بيع ما يملكون من عقارات أو سيارات كنوع من المغامرة التي قد تخيب أو تصيب.

وفي الحديث عن هذا قال أبو ثائر أحد سكان المخيم: "كان لدي منزل في شارع الخزان بنيته بعرق جبني وتعب سنين، ولكن بسبب ما وصلنا إليه من أوضاع معيشية مزرية لم يعد لدي القدرة والطاقة لتحمل أعباء الحياة وتأمين لقمة عائلتي، أإضافة إلى ذلك أن ابني أصبح في سن الخدمة الإلزامية، لذلك قررت الفرار به وقمت ببيع كل ما أملك من أجله، كما أنني اضطررت للاستدانة من بعض معارفي ولكن الحمد لله نجوت مع عائلتي وأنا الآن في هولندا.

أما أبو خالد يخبرنا عن قصته: كان لدي سيارة أستخدمها في العمل وبعد أن ساءت الأمور، قررت بيعها والسفر، بعتها وزاد من ثمنها 2000 دولار، وبدأت بالبحث عن وسيلة للوصول إلى تركيا، وقمنا بالتواصل مع مكتب سفر، ودفعنا له المبلغ الذي طلبه، ولكن "واه حسرتاه" اكتشفت فيما بعد بأنه نصاب محترف، وقد خسرت كل شيء ولم أجني سوى الندم والألم.

من جانبه ذكر مراسلنا أن السفر والحلم بحياة أكثر إنسانية ليس هو الدافع الوحيد وراء بيع الأهالي لممتلكاتهم، بل الهاجس الأمني والخوف من الاعتقال.

لافتاً أن عشرات الأسر باعت منازلها بسبب مخاوف أمنية من العودة إلى المخيم، وخاصة المطلوبين لانتمائهم لحركة حماس، أو بسبب تقارير كيدية.

وسجلت عشرات حالات بيع المنازل في منطقة شارع السرو لعائلات موالية تنتمي للطائفة الشيعية الأمر الذي أثار القلق في نفوس الأهالي وخاصة مع انتشار هذه الظاهرة في بلدة الذيابية المجاورة، كما تزداد حالات بيع منازل المشروع القديم وخاصة في المناطق الشرقية.

مخيم النيرب

أسباب لا حصر لها وراء ظاهرة تنامي بيع أبناء مخيم النيرب لمنازلهم وممتلكاتهم، وبحسب أحد أبناء المخيم الذي رفض ذكر اسمه لدواع أمنية، أن الفلتان الأمني والممارسات القمعية تجاه أبناء المخيم والخوف من الاعتقال في أي لحظة، هي السبب الرئيسي للتفكير بالبيع والهجرة.

في حين يحتل الوضع المعيشي والتدهور الاقتصادي المركز الثاني، فحياة الناس باتت مليئة بالهموم والمشاكل والديون، في ظل عدم قدرتهم على تأمين احتياجات الأسرة اليومية الأساسية.

أبو فراس (اسم مستعار) قال لمراسل مجموعة العمل: إنني أتحين الفرصة المناسبة لأرسل أولادي خارج هذا البلد الذي لم تعد العيشة فيه تطاق، أضف يا صديقي الخدمة الإلزامية التي تشكل عبء وثقل مادي كبير على الأهالي، كما أنها تحرم أولادنا من أجمل سنين حياتهم، فمن يذهب للخدمة العسكرية حكم عليه بالدمار والضياع، على حد تعبيره.

أما الشاب (حسن) من أبناء مخيم النيرب عام 2014م، كان في السنة الأولى في المعهد الرياضي فقد اضطر لترك دراسته والبقاء حبيسا في المخيم بعدما تلقى دعوة لمراجعة فرع أمن الدولة دون معرفة السبب، لذا قرر والده بيع محل يمتلكه في مدينة حلب، وهو مصدر رزقه الوحيد ليرسله وشقيقه الصغير الذي كان يبلغ العاشرة إلى تركيا ومنها الى أوروبا، وهم متواجدين اليوم في العاصمة الألمانية.

 في حين أن محمد مدرس، وحامد طبيب، وأحمد صيدلي وغيرهم الكثير من أبناء المخيم دفعتهم التقارير الكيدية بداية الاحداث لبيع منازلهم للهجرة طلباً للخلاص وفراراً من الاعتقال أو الموت تعذيباً في غياهب السجون السورية.

أبو خالد باع منزله المتواضع في المخيم وأثاث منزله بالكامل لتأمين سفر ولده القاصر مع عمه، فالدين أرهق عاتقه فلا حل سوى أن يغامر برحلة مجهولة إما أن تنشله من وضعه المزري أو ينتظر خبراً يقتله حياً.

 يمثل ابو خالد حال أغلب الأهالي في مخيم النيرب حيث تقدر المنازل والعقارات التي باعها أهلها لتأمين السفر بالمئات، بيعت بثمن بخس راهن أصحابها على هجرة طريقها مجهول ومحفوف بالمصاعب لدرجة أن المخيم خسر عدداً من شبابه غرقاً على طريق الهجرة، أما في النهر الحدودي بين سورية وتركيا أو في البحر المتوسط، فيما تعرض البعض الاخر للاحتيال والسرقة والخطف والمطالبة بفدية، كان كل ذلك ضمن الحسابات ولكن صعوبة العيش والوضع الأمني دفعهم مرغمين للجوء اليه.

مخيم حندرات

وإذا اتجهنا نحو مخيم حندرات فستكون الإجابة حاضرة عند الجدران المهدمة والأسقف الهابطة وبقايا من أثاث مسروق، فمعالم المخيم بعد القصف محيت منها الذكريات الجميلة، ذكريات الطفولة زواريب المخيم، الأحبة الخلان، ولم يعد سوى الأطلال والركام والبكاء على من رحل وأرتحل.

يقول حليم إن لديه 6 أولاد جميعهم صغار، وقد اتخذ قرارا ببيع منزله الصغير في المخيم، بقصد هجرته إلى أوروبا، منوهاً أن استطاع بيع منزله ولكن بتراب المصاري على حد تعبيره، واستدان من أقاربه وأصدقائه المبلغ المتبقي، وهاجر إلى هولندا بدافع لم شمل العائلة بطريقة قانونية، كما يفعل غالبية أرباب الأسر الذين لا يملكون دفع تكاليف هجرة عائلة كاملة.

مخيم خان دنون

أظهرت الإحصائيات التي رصدتها مجموعة العمل إن 40% من سكان مخيم خان دنون باعوا ممتلكاتهم ليحصلوا على لقمة العيش والسفر للخارج، وأن العشرات من السكان باعوا ممتلكاتهم من أثاث وبيوت لتأمين تكاليف السفر.

مؤكدة أنه أكثر من 90% من الأهالي يعيشون تحت خط الفقر ما يجعل الأهالي يقفون على حافة هاوية جديدة بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار وانتشار حالات البطالة.

وأضاف أن المخيم يشهد ركوداً عقارياً بسبب ارتفاع أسعار المنازل وقلة الطلب عليها، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تهدد بإفراغ المخيم من سكانه.

وأعرب بعض الأهالي عن حزنهم للتخلي عن ممتلكاتهم التي تربطهم بذكريات عزيزة، لكنهم قالوا إنهم لا يجدون بدائل أمام الفقر والبطالة والغلاء.

مخيم درعا

أقدم عدد من اللاجئين الفلسطينيين بمخيم درعا، منذ بداية الحرب السورية على بيع منازلهم وبعض ممتلكاتهم من أجل السفر والهجرة لتأمين حياة كريمة ولائقة لهم ولعائلاتهم، فبعد التضييق الأمني والمطالبات وانتشار القتل والخطف في المنطقة دفع ذلك العديد من أبناء المخيم للهجرة خارج سوريا مما يترتب عليهم تكلفة مالية كبيرة جداً.

ووفقاً لشهادة عدد من أهالي مخيم درعا أن العشرات من أبنائهم هاجروا بسبب الصراع الذي اندلع في سورية، وتعرض مخيمهم للقصف والحصار والجوع، وكذلك فراراً من الخدمة الإلزامية.

في السياق تواصل مراسل مجموعة العمل مع عدد من أبناء المخيم المقيمين حالياً في الدول الأوروبية وسألهم عن الأسباب التي دفعتهم للهجرة واختيار طريق الموت للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي.

 قال على 40 عاماً: منذ بداية الأحداث في المخيم عام 2013 قررت السفر أنا وأخي محمد من أجل تأمين مستقبلنا ولتحسين وضعنا المعيشي، ولأننا أساسا لانحمل هويات شخصية وجاءت الهجرة أفضل حل لنا، ومن أجل تأمين المال اللازم بعنا منزلنا وكل ما نملك، وهاجرنا إلى أوروبا، والحمد لله وضعنا اليوم أفضل بكثير مما كنا عليه سابقاً.

لم يكن أبو قاسم يملك خياراً سوى بيع منزله الوحيد الذي يملكه بسعر بخس من أجل تأمين مصاريف السفر، وذلك بسبب اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية، والمضايقات العديدة التي تعرض لها بعد الإفراج عنه من قبل بعض اللصوص وأرباب السوابق الذين لم يستطع أحد ردعهم وحل مشكلته معهم، لذلك كان الحل الوحيد لخلاصه منهم الهجرة.

لافتاً إلى أنه اليوم بدأ حياة جديدة في ألمانيا بعد خوض رحلة شاقة في غمار البحر كاد أن يموت خلالها، ويتطلع لبناء مستقبل جديد له ولعائلته.

وذكر مراسل مجموعة العمل أن العديد من العائلات في درعا ومخيم درعا ترفض رفضاً قاطعاً ذهاب أولادها لخدمة العلم، فالعديد منهم باع منزله أو بعض ممتلكاته، ومنهم من قام بالدين وكتابة سندات أمانة لحين وصول أبنائهم وتمكنهم من السداد، مشيراً إلى أن أغلب الديون تكون بالدولار الأمريكي، وعلى الرغم من المبالغ المالية الكبيرة لازال البعض يفكر بالهجرة.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/18951