map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

هل قال المثقف الفلسطيني كلمته في الأزمة السورية؟

تاريخ النشر : 22-06-2023
هل قال المثقف الفلسطيني كلمته في الأزمة السورية؟

مجموعة العمل || فايز أبو عيد

شكل الحِراك الشعبي في سوريا (مارس/آذار 2011) تحدياً مختلفاً للمثقفين السوريين والفلسطينيين، ووضعهم أمام امتحان نوعي واختبار مدى عمق انحيازهم الإنساني والتزامهم بما يكتبوه ويخطوه من شعارات براقة.

من نافل القول إن المثقفين الفلسطينيين حالهم حال المثقفين السوريين فمنهم من أعلن انحيازه التام إلى الحراك الشعبي ودعم مطالبه، ومنهم من اختار أن يكون في صف السلطات السورية، وبعضهم اختار اللون الرمادي واتخذ موقف الهروب من واقع الأزمة اليومي، عبر الحياد، وبعضهم عمل على تغطية حالة وحماية ذاته عبر العمل بالشأن الفلسطيني والفصائلي دون أن يدلي بأي تصريح مؤيد أو معارض.

ومن خلال هذه المقدمة البسيطة أستطيع الولوج في موضوع غاية في الأهمية وأطرح سؤالي هل قال المثقف الفلسطيني كلمته في الأزمة السورية؟ لأسبر من خلاله آراء الكتاب والأدباء والصحفيين والمثقفين الفلسطينيين داخل سورية وخارجها لمعرفة إن كانوا قد قالوا كلمتهم في الأزمة السورية بكل صراحة ووضوح، وتحلوا بالشجاعة الكافية، ونطقوا بالكلمة الصادقة وواجهوا الحقيقة دون مواربة أو محاباة لطرف على حساب طرف أخر.

 حاولت في هذا التقرير أن أطرح سؤالي على جميع الأدباء والكتاب لكي أنقل رأي الجميع دون تحيز أو محاباة، ولكن للأسف الشديد وبعد أن تواصلت مع أكثر من 20 أديب وروائي واعلامي فلسطيني سوري داخل سورية وخارجها، عدد قليل منهم رحب وشارك برأيه، في حين فضل الغالبية العظمى منهم التزام الصمت وعدم إعطائي أي تصريح، أو حتى الرد على سؤالي الذي أرسلته له رغم أنه شاهده وقرأه، أما البعض الآخر أعتذر بطريقة لبقة معزياً السبب بأن الأمر يحتاج إلى تمهل وروية، وغيرهم قالها بصراحة أنه لا يريد الخوض في غمار مسألة شائكة قد تؤثر عليه سلباً ويعرضه لمخاطر هو بغنى عنها.  

نعم قالوا كلمتهم

اعتبر الباحث والكاتب تيسير خلف أن المثقف الفلسطيني قال كلمته في الأزمة السورية، حيث أن جزء كبير من المثقفين الفلسطينيين السوريين أعلنوا انحيازهم إلى جانب الشعب السوري، في حين أن قلة قليلة منهم مرتبطة بالمؤسسة الثقافية السورية انحازوا إلى السلطات السورية.

منوهاً إلى أن الغالبية الساحقة من المثقفين الفلسطينيين السوريين المهمة والمؤثرة قالوا كلمتهم وكتبوا وعبروا وخرجوا بالمظاهرات وشاركوا في الحراك بكل أشكاله، (مظاهرات – اعتصامات – بيانات – نشاط على السوشيال ميديا)، مضيفاً أما من انحاز منهم للنظام السوري فمهم معروفون قبل بولائهم وارتباطهم بمؤسساته الإعلامية وغير الإعلامية، لذلك لم تكن مواقفهم مفاجئة، وهذه المواقف مفروزة قبل اندلاع الحراك الشعبي في سورية.

أما بالنسبة للمثقفين الفلسطينيين خارج سورية فهؤلاء لدية اعتبارات مختلفة بسبب يسارية بعضهم وأفكارهم القومية، فهم اعتبروا أن ما جرى في سورية مؤامرة ويجب التصدي له.

المثقف منحاز للحرية والعدالة

الباحث والكاتب الفلسطيني نبيل السهلي رأى أن الانسان المثقف بشكل دائم مع الحرية والعدالة للشعوب، وهذا ينطبق بطبيعة الحال على المثقف الفلسطيني.

مشيراً أن هناك مثقفين فلسطينيين اصطفوا منذ بداية الحراك الشعبي إلى جانب الشعب السوري الذي أراد الحرية والعيش الكريم، كما أن هناك مثقفين فلسطينيين اختاروا أن يكونوا مع الجهة الأخرى، وهؤلاء غالبيتهم ينحدرون وينضوون تحت لواء فصائل وخاصة اليسارية منها بحجة ان حراك الشعب السوري كان موجهاً من الإسلام السياسي، في أن الحقيقة غير ذلك، لأن الحراك في بدايته كان حراكاً مدنياً سلمياً بامتياز ولم يكن له علاقة بأي طرف سواء كان خارجي او ديني.

واستطرد السهلي قائلاً إن موقف المثقف النقي والإنسان يجب أن يكون بوصلته حرية الشعوب ونيلها العدالة، والشعب السوري طالب بسلمية تلك الأهداف المحقة، أما غير ذلك فيكون هناك رزمة شكوك وأسئلة حول المثقف ومواقفه.

العبيد لا يصنعون الحرية

الإعلامي ماهر الشاويش قال إن المثقفون الفلسطينيون انقسموا إلى ثلاث فئات في مواقفهم تجاه الأزمة السورية فئة صمتت تماماً ولم تبد أي موقف لا تصريحاً ولا تلميحاً تقابلها فئة ثانية عبرت عن موقفها المتعاطف والداعم لثورة الشعب السوري، والفئة الثالثة هي التي ساندت النظام السوري معتبرة أن ما جرى مؤامرة كونية على نظام "مقاوم وممانع "؟!

ربما التمس البعض العذر لمن صمت من المثقفين رغم أني لا أتفق مع هذا البعض لأن المثقف ينبغي أن يكون له موقفاً واضحاً لاسيما إذا كان هذا المثقف من أبناء شعب وقضية تحرر وطني مبتغاها الأساس الحرية والكرامة والخلاص من الاحتلال والاستعمار الذي لا يقل وطأة عن الفساد والاستبداد في تقديري، وأعتقد أنه إذا كان هناك ثمّة نقاش له علاقة بالأولويات فالأولوية في قناعتي للخلاص من الفساد والاستبداد الذي يؤهل للخلاص من الاحتلال والاستعمار فالعبيد لا يصنعون الحرية. والمجتمعات الفاسدة لا يمكن لها أن تقود معارك استقلال وسيادة.

وبخصوص الفئة من المثقفين الفلسطينيين التي اختارت الانحياز إلى النظام السوري بكل ما ارتكبه من جرائم وموبقات ومجازر بحق شعبه وبحق أبناء شعبها من فلسطينيي سورية الذين تعرضوا لكل أصناف الموت والاعتقال والاختفاء القسري ودمرت بيوتهم وهجروا واغتصبت حرائرهم واعتدي على أعراضهم؟! فلا عذر لهم وسيسجل التاريخ موقفهم بأحرف من عار، ولأيمكن أن ينسى شعبنا الفلسطيني موقفهم وكذا الأشقاء السوريين، والعار الأكبر أن يكونوا محسوبين على النخبة الفلسطينية ولا شك يقع على عاتقهم وزر كل من ساهموا في تضليله عبر أكاذيبهم وتدليسهم.

أما الذين دعموا الشعب السوري أو تعاطفوا معه بالحد الأدنى من المثقفين الفلسطينيين فإن بعضهم دفع حياته ثمناً لموقفه المبدئي والشجاع والأخلاقي ومنهم من لايزال رهن الاعتقال وآخرين لاتزال تطالهم التهديدات؟! ولكن يحسب لهم أنهم متصالحون مع ذواتهم ومنسجمون مع أنفسهم.

بقي القول إن دعم الشعب السوري في ثورته والوقوف إلى جانبه من قبل كل مثقف فلسطيني هو انحياز للمبدأ والأخلاق، بغض النظر عما اعترى الثورة من أخطاء، لأن الانحياز هو للقيم التي لا تتجزأ، وأي خطأ في السلوك والممارسة الثورية ينتقد وواجب المثقف الدعوة إلى تصحيح السلوك وتصويب المسار، والمثقف الأصل أن يكون موجهاً للسياسي وليس تابعاً له.

وحجم التعقيد والتشابك في المشهد السورية نظراً لموقع سورية الجيوسياسي لا ينبغي أن يكون شماعة للبعض يعلق عليها تقصيره أو انسحابه من اتخاذ موقف تجاه عدالة مطالب الشعب السوري وأحقيته في ثورته على الظلم والفساد والاستبداد.

قد يرجح البعض أن موقف الحياد الايجابي تجاه الازمة السورية ككل ربما كان هو الأنسب فلسطينياً وشخصياً كنت أتفق مع هذا الطرح في بدايات الثورة السورية باعتبار أنه كان من الأفضل الاستفادة من تجاربنا الفلسطينية في جغرافيات أخرى من الأردن ولبنان والعراق والكويت وليبيا، لكن الحقيقة أن النظام لم يمنح هذا الطرح فرصته بل على العكس كان مصراً على التلاعب بالورقة الفلسطينية وتوظيفها لمصلحته؟!

وأخيراً أرى أن هناك ثمّة نتاج أدبي على مستوى القصة والرواية والقصيدة واللوحة والكلمة صوتاً وصورة ساهم به مثقفون فلسطينيون خلال الأزمة السورية يستحق المتابعة والاهتمام فهو يؤرخ ويوثق لقضية عادلة ومحقة وكذا لأحداث مهمة عايشها الشعب السوري الشقيق في ثورته وفلسطينيي سورية في سفر نكبتهم الثانية.

الموقف المدروس للمثقف الحيران

سهام صحفية فلسطينية وباحثة – فضلت عدم ذكر اسمها الحقيقي – رأت إن ما وقع في سورية ليس مقطوع الجذور عن المرحلة بأكملها منذ العام 1963 الى العام 1970 الى الآن . ولم تكن الرياح التي هبت على البلد عام 2011 صاعقة في سماء صافية. بل كان لها على الدوام مقدماتها وحيثياتها، وإن تأخرت رياحها.

وفي هذا، كان التموضع شبه الإجباري لعموم المثقفين في البلد سوريين وفلسطينيين بين ثلاث خيارات: أما مبايعة الحالة التي نِات بالتحديد بعد العام 1970 والانضواء تحتها. وإما الصمت بحدود معينة والعمل الثقافي تحت سقف محدد والرضوخ للواقع دون التسليم به. او الخروج من البلد. والشواهد أكثر من أن تُعد او تحصى.

مشيرة الى انه في لهيب الأزمة السورية الطاحنة وقع فلسطينيو سورية ومثقفيهم تحت نيرانها، وتضاربت مواقفهم بشأن ما يمكن اتخاذه من موقف بعد ان بانت الأمور جلية بعد القمع غير المسبوق على الإطلاق، وحجم الدمار الهائل، والقسوة التي تم استخدامها في مواجهة عامة الناس، وسقوط الأعداد الكبيرة من الضحايا. وفبركة المجموعات التكفيرية وتركيبها، تحت عناوين ومسميات وبمساعدة من أطراف خارجية معروفة.

لافتة الى ان الواقع المأساوي وضع الصف الواسع من المثقفين والفعاليات الفلسطينية في سورية بين خيارات مرة، بعد أن طالت الاعتقالات والاستدعاءات وغيرها والإزعاجات ذات الطابع التحذيري، اعداد كبيرة منهم بتهم شتى. فانحاز بعضهم لسياسات البلد خشية من سيف الانتقام المسلط.

مضيفة لقد عبَّر المثقف الفلسطيني في الأزمة والمقتلة السورية، عن رأيه وفق تقديرات يجب أن نُقدر أي منها تبعاً لظروف شعبنا في البلد، ونستطيع الاستدلال عليها من خلال عدة اجتهادات:

1.  لجوء الكثيرين للخروج من البلد كخيار اجباري اعتقدوا به كخيار لابد منه، والهجرة عبر قوارب الموت وغيرها، بعد صعوبة تحملهم المشهد القاتل، ورؤية ما يجري من نزيف يتم فيه القتل بسخاء للناس الأبرياء، وعدم قدرتهم على مقاومة الصمت وكبت صوتهم.

2.  ومنهم من بقي يحاول ستر أسرته التي تضم كبار السن (أم وأب وشقيقات)، والمرضى والملوعين بالتهجير خاصة بعد التدمير الممنهج والمقصود مسبقاً لمخيم اليرموك، باعتباره يضم العدد الأكبر من فلسطينيي سورية، فبقي بالبلد يساير حاله واوضاع اسرته وكبار السن فيها.

3.  ومنهم من بقي بالبلد لكنه اتخذ موقف الهروب من واقع الأزمة اليومي، عبر الحياد، والتركيز على العمل السياسي الفلسطيني في إطار القضية الفلسطينية والصراع مع العدو "الإسرائيلي".

4.  ومنهم من عمل على تغطية حالة وحماية ذاته عبر العمل مع بعض الفصائل والقوى الفلسطينية الموجودة بالبلد.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/19048

مجموعة العمل || فايز أبو عيد

شكل الحِراك الشعبي في سوريا (مارس/آذار 2011) تحدياً مختلفاً للمثقفين السوريين والفلسطينيين، ووضعهم أمام امتحان نوعي واختبار مدى عمق انحيازهم الإنساني والتزامهم بما يكتبوه ويخطوه من شعارات براقة.

من نافل القول إن المثقفين الفلسطينيين حالهم حال المثقفين السوريين فمنهم من أعلن انحيازه التام إلى الحراك الشعبي ودعم مطالبه، ومنهم من اختار أن يكون في صف السلطات السورية، وبعضهم اختار اللون الرمادي واتخذ موقف الهروب من واقع الأزمة اليومي، عبر الحياد، وبعضهم عمل على تغطية حالة وحماية ذاته عبر العمل بالشأن الفلسطيني والفصائلي دون أن يدلي بأي تصريح مؤيد أو معارض.

ومن خلال هذه المقدمة البسيطة أستطيع الولوج في موضوع غاية في الأهمية وأطرح سؤالي هل قال المثقف الفلسطيني كلمته في الأزمة السورية؟ لأسبر من خلاله آراء الكتاب والأدباء والصحفيين والمثقفين الفلسطينيين داخل سورية وخارجها لمعرفة إن كانوا قد قالوا كلمتهم في الأزمة السورية بكل صراحة ووضوح، وتحلوا بالشجاعة الكافية، ونطقوا بالكلمة الصادقة وواجهوا الحقيقة دون مواربة أو محاباة لطرف على حساب طرف أخر.

 حاولت في هذا التقرير أن أطرح سؤالي على جميع الأدباء والكتاب لكي أنقل رأي الجميع دون تحيز أو محاباة، ولكن للأسف الشديد وبعد أن تواصلت مع أكثر من 20 أديب وروائي واعلامي فلسطيني سوري داخل سورية وخارجها، عدد قليل منهم رحب وشارك برأيه، في حين فضل الغالبية العظمى منهم التزام الصمت وعدم إعطائي أي تصريح، أو حتى الرد على سؤالي الذي أرسلته له رغم أنه شاهده وقرأه، أما البعض الآخر أعتذر بطريقة لبقة معزياً السبب بأن الأمر يحتاج إلى تمهل وروية، وغيرهم قالها بصراحة أنه لا يريد الخوض في غمار مسألة شائكة قد تؤثر عليه سلباً ويعرضه لمخاطر هو بغنى عنها.  

نعم قالوا كلمتهم

اعتبر الباحث والكاتب تيسير خلف أن المثقف الفلسطيني قال كلمته في الأزمة السورية، حيث أن جزء كبير من المثقفين الفلسطينيين السوريين أعلنوا انحيازهم إلى جانب الشعب السوري، في حين أن قلة قليلة منهم مرتبطة بالمؤسسة الثقافية السورية انحازوا إلى السلطات السورية.

منوهاً إلى أن الغالبية الساحقة من المثقفين الفلسطينيين السوريين المهمة والمؤثرة قالوا كلمتهم وكتبوا وعبروا وخرجوا بالمظاهرات وشاركوا في الحراك بكل أشكاله، (مظاهرات – اعتصامات – بيانات – نشاط على السوشيال ميديا)، مضيفاً أما من انحاز منهم للنظام السوري فمهم معروفون قبل بولائهم وارتباطهم بمؤسساته الإعلامية وغير الإعلامية، لذلك لم تكن مواقفهم مفاجئة، وهذه المواقف مفروزة قبل اندلاع الحراك الشعبي في سورية.

أما بالنسبة للمثقفين الفلسطينيين خارج سورية فهؤلاء لدية اعتبارات مختلفة بسبب يسارية بعضهم وأفكارهم القومية، فهم اعتبروا أن ما جرى في سورية مؤامرة ويجب التصدي له.

المثقف منحاز للحرية والعدالة

الباحث والكاتب الفلسطيني نبيل السهلي رأى أن الانسان المثقف بشكل دائم مع الحرية والعدالة للشعوب، وهذا ينطبق بطبيعة الحال على المثقف الفلسطيني.

مشيراً أن هناك مثقفين فلسطينيين اصطفوا منذ بداية الحراك الشعبي إلى جانب الشعب السوري الذي أراد الحرية والعيش الكريم، كما أن هناك مثقفين فلسطينيين اختاروا أن يكونوا مع الجهة الأخرى، وهؤلاء غالبيتهم ينحدرون وينضوون تحت لواء فصائل وخاصة اليسارية منها بحجة ان حراك الشعب السوري كان موجهاً من الإسلام السياسي، في أن الحقيقة غير ذلك، لأن الحراك في بدايته كان حراكاً مدنياً سلمياً بامتياز ولم يكن له علاقة بأي طرف سواء كان خارجي او ديني.

واستطرد السهلي قائلاً إن موقف المثقف النقي والإنسان يجب أن يكون بوصلته حرية الشعوب ونيلها العدالة، والشعب السوري طالب بسلمية تلك الأهداف المحقة، أما غير ذلك فيكون هناك رزمة شكوك وأسئلة حول المثقف ومواقفه.

العبيد لا يصنعون الحرية

الإعلامي ماهر الشاويش قال إن المثقفون الفلسطينيون انقسموا إلى ثلاث فئات في مواقفهم تجاه الأزمة السورية فئة صمتت تماماً ولم تبد أي موقف لا تصريحاً ولا تلميحاً تقابلها فئة ثانية عبرت عن موقفها المتعاطف والداعم لثورة الشعب السوري، والفئة الثالثة هي التي ساندت النظام السوري معتبرة أن ما جرى مؤامرة كونية على نظام "مقاوم وممانع "؟!

ربما التمس البعض العذر لمن صمت من المثقفين رغم أني لا أتفق مع هذا البعض لأن المثقف ينبغي أن يكون له موقفاً واضحاً لاسيما إذا كان هذا المثقف من أبناء شعب وقضية تحرر وطني مبتغاها الأساس الحرية والكرامة والخلاص من الاحتلال والاستعمار الذي لا يقل وطأة عن الفساد والاستبداد في تقديري، وأعتقد أنه إذا كان هناك ثمّة نقاش له علاقة بالأولويات فالأولوية في قناعتي للخلاص من الفساد والاستبداد الذي يؤهل للخلاص من الاحتلال والاستعمار فالعبيد لا يصنعون الحرية. والمجتمعات الفاسدة لا يمكن لها أن تقود معارك استقلال وسيادة.

وبخصوص الفئة من المثقفين الفلسطينيين التي اختارت الانحياز إلى النظام السوري بكل ما ارتكبه من جرائم وموبقات ومجازر بحق شعبه وبحق أبناء شعبها من فلسطينيي سورية الذين تعرضوا لكل أصناف الموت والاعتقال والاختفاء القسري ودمرت بيوتهم وهجروا واغتصبت حرائرهم واعتدي على أعراضهم؟! فلا عذر لهم وسيسجل التاريخ موقفهم بأحرف من عار، ولأيمكن أن ينسى شعبنا الفلسطيني موقفهم وكذا الأشقاء السوريين، والعار الأكبر أن يكونوا محسوبين على النخبة الفلسطينية ولا شك يقع على عاتقهم وزر كل من ساهموا في تضليله عبر أكاذيبهم وتدليسهم.

أما الذين دعموا الشعب السوري أو تعاطفوا معه بالحد الأدنى من المثقفين الفلسطينيين فإن بعضهم دفع حياته ثمناً لموقفه المبدئي والشجاع والأخلاقي ومنهم من لايزال رهن الاعتقال وآخرين لاتزال تطالهم التهديدات؟! ولكن يحسب لهم أنهم متصالحون مع ذواتهم ومنسجمون مع أنفسهم.

بقي القول إن دعم الشعب السوري في ثورته والوقوف إلى جانبه من قبل كل مثقف فلسطيني هو انحياز للمبدأ والأخلاق، بغض النظر عما اعترى الثورة من أخطاء، لأن الانحياز هو للقيم التي لا تتجزأ، وأي خطأ في السلوك والممارسة الثورية ينتقد وواجب المثقف الدعوة إلى تصحيح السلوك وتصويب المسار، والمثقف الأصل أن يكون موجهاً للسياسي وليس تابعاً له.

وحجم التعقيد والتشابك في المشهد السورية نظراً لموقع سورية الجيوسياسي لا ينبغي أن يكون شماعة للبعض يعلق عليها تقصيره أو انسحابه من اتخاذ موقف تجاه عدالة مطالب الشعب السوري وأحقيته في ثورته على الظلم والفساد والاستبداد.

قد يرجح البعض أن موقف الحياد الايجابي تجاه الازمة السورية ككل ربما كان هو الأنسب فلسطينياً وشخصياً كنت أتفق مع هذا الطرح في بدايات الثورة السورية باعتبار أنه كان من الأفضل الاستفادة من تجاربنا الفلسطينية في جغرافيات أخرى من الأردن ولبنان والعراق والكويت وليبيا، لكن الحقيقة أن النظام لم يمنح هذا الطرح فرصته بل على العكس كان مصراً على التلاعب بالورقة الفلسطينية وتوظيفها لمصلحته؟!

وأخيراً أرى أن هناك ثمّة نتاج أدبي على مستوى القصة والرواية والقصيدة واللوحة والكلمة صوتاً وصورة ساهم به مثقفون فلسطينيون خلال الأزمة السورية يستحق المتابعة والاهتمام فهو يؤرخ ويوثق لقضية عادلة ومحقة وكذا لأحداث مهمة عايشها الشعب السوري الشقيق في ثورته وفلسطينيي سورية في سفر نكبتهم الثانية.

الموقف المدروس للمثقف الحيران

سهام صحفية فلسطينية وباحثة – فضلت عدم ذكر اسمها الحقيقي – رأت إن ما وقع في سورية ليس مقطوع الجذور عن المرحلة بأكملها منذ العام 1963 الى العام 1970 الى الآن . ولم تكن الرياح التي هبت على البلد عام 2011 صاعقة في سماء صافية. بل كان لها على الدوام مقدماتها وحيثياتها، وإن تأخرت رياحها.

وفي هذا، كان التموضع شبه الإجباري لعموم المثقفين في البلد سوريين وفلسطينيين بين ثلاث خيارات: أما مبايعة الحالة التي نِات بالتحديد بعد العام 1970 والانضواء تحتها. وإما الصمت بحدود معينة والعمل الثقافي تحت سقف محدد والرضوخ للواقع دون التسليم به. او الخروج من البلد. والشواهد أكثر من أن تُعد او تحصى.

مشيرة الى انه في لهيب الأزمة السورية الطاحنة وقع فلسطينيو سورية ومثقفيهم تحت نيرانها، وتضاربت مواقفهم بشأن ما يمكن اتخاذه من موقف بعد ان بانت الأمور جلية بعد القمع غير المسبوق على الإطلاق، وحجم الدمار الهائل، والقسوة التي تم استخدامها في مواجهة عامة الناس، وسقوط الأعداد الكبيرة من الضحايا. وفبركة المجموعات التكفيرية وتركيبها، تحت عناوين ومسميات وبمساعدة من أطراف خارجية معروفة.

لافتة الى ان الواقع المأساوي وضع الصف الواسع من المثقفين والفعاليات الفلسطينية في سورية بين خيارات مرة، بعد أن طالت الاعتقالات والاستدعاءات وغيرها والإزعاجات ذات الطابع التحذيري، اعداد كبيرة منهم بتهم شتى. فانحاز بعضهم لسياسات البلد خشية من سيف الانتقام المسلط.

مضيفة لقد عبَّر المثقف الفلسطيني في الأزمة والمقتلة السورية، عن رأيه وفق تقديرات يجب أن نُقدر أي منها تبعاً لظروف شعبنا في البلد، ونستطيع الاستدلال عليها من خلال عدة اجتهادات:

1.  لجوء الكثيرين للخروج من البلد كخيار اجباري اعتقدوا به كخيار لابد منه، والهجرة عبر قوارب الموت وغيرها، بعد صعوبة تحملهم المشهد القاتل، ورؤية ما يجري من نزيف يتم فيه القتل بسخاء للناس الأبرياء، وعدم قدرتهم على مقاومة الصمت وكبت صوتهم.

2.  ومنهم من بقي يحاول ستر أسرته التي تضم كبار السن (أم وأب وشقيقات)، والمرضى والملوعين بالتهجير خاصة بعد التدمير الممنهج والمقصود مسبقاً لمخيم اليرموك، باعتباره يضم العدد الأكبر من فلسطينيي سورية، فبقي بالبلد يساير حاله واوضاع اسرته وكبار السن فيها.

3.  ومنهم من بقي بالبلد لكنه اتخذ موقف الهروب من واقع الأزمة اليومي، عبر الحياد، والتركيز على العمل السياسي الفلسطيني في إطار القضية الفلسطينية والصراع مع العدو "الإسرائيلي".

4.  ومنهم من عمل على تغطية حالة وحماية ذاته عبر العمل مع بعض الفصائل والقوى الفلسطينية الموجودة بالبلد.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/19048