map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

بكلمات تدمي القلب.. أحد أبناء مخيم النيرب يرثي شقيقه الذي مات غرقاً في اليونان

تاريخ النشر : 25-06-2023
بكلمات تدمي القلب.. أحد أبناء مخيم النيرب يرثي شقيقه الذي مات غرقاً في اليونان

مجموعة العمل || مخيم النيرب

الكتابة عن الراحلين، رغم أنها كمن يضع الملح على الجرح، إلا أنها تخرج ما في دواخل المفجوع من حزن عميق كي يتحرر لو قليلاً من هول الصدمة والمصاب، وتجعله متصالحا مع مصيبته. ولا يجد من أصابته النوائب إلا قلمه يشكو به مواجعه للورق، فكيف إذا كان المفقود هو الروح والخل والسند.

اللاجئ الفلسطيني عمر عزام ابن مخيم النيرب الذي مات شقيقه عزيز عزام غرقاً يوم 14 حزيران/ يونيو من الشهر الجاري قبالة السواحل اليونانية في كارثة القارب الذي كان يقل 700 طالب لجوء، أدمى قلبه فراق شقيقه ولم يعد للحياة طعم بعده لجأ لإخراج حزنه على شكل كلام مؤثر يحرق القلوب وتدمع له العيون، فكتب على صفحته الشخصية بالفيسبوك كلمات مؤثرة موجعة في رثاء شقيقه عزيز قائلاً:  عندما يتحدث الإنسان عن فقدان أخيه الأصغر فهو يعبر عن ألم بطعم خسارة الأبناء، كيف لا وأنا أذكر تماما يوم ولادة أخي الصغير في عصر ثلاثاء من أيام آب اللهاب وقتها ركضت أختي وابنة عمي من مشفى وكالة الغوث في المخيم ليبشرونا بمجيء الولد العاشر في أسرتنا فأسماه والدي على اسم جدي (عزيز عزام).

كان جميل المحيا بهي الطلعة أفرحنا عندما حبا وأبهجنا عندما خطا ومشى وملأ البيت فرحا عندما ناغى وتكلم

كان دمث الخلق لطيف المعشر وعاش في صغره الطفل المدلل المحبوب الذي يحمله والده من موقف الأشرفية في الشيخ طه إلى موقف النيرب المعري وهو يغني له ويداعبه. 

وأضاف عمر لقد كان وجوده بين عائلة كبيرة (أشبه بكتيبة هو صغيرها) نعمة ونقمة عليه في نفس الوقت فكما الجميع يحبه فالجميع يريد أن ينصحه ويوجهه، هذا عدا عن تعدد الانتماءات السياسية والفكرية في هذه العائلة التي تتناول السياسة مع الإفطار وسهراتها العائلية أشبه بندوات فكرية أو دروس دينية، وأمام كل هذا التنوع كان على عزيز أن يخط مساره ويبني قناعاته وشخصيته، لقد كانت شخصيته خلطة فريدة متميزة وكأنه أخذ من كل واحد منا صفة أو توجه أو أفكار أو طبع لتنصهر كلها في شخصية مستقلة ومتميزة ومتمردة.

 مستطرداً وبعدما فرقتنا ظروف الحرب وأتينا إلى هذه البلاد وخلال تسعة أعوام بعيدين عن الأهل والأحبة فقد رووضنا وبرمجنا مشاعرنا وعواطفنا أن حبايبنا خلف الجبل البعيد ولا سبيل للقائهم حالياً، وبالفعل اقتنعت مشاعرنا بهذا واكتفت بما تقدمه لها وسائل الاتصال من صور او مكالمات أو مقطع صوتي مع الأحبة لتروي شوقها وتطفئ لهيبه، وعندما أخبرنا عزيز بقراره بأنه ينوي الهجرة حاولنا جاهدين ثنيه عن قراره لكنه (عزيز) فعندما يقتنع بأمر ما ويحسم قراره لا ينقصه الذكاء أو الحجج ليحاورك ويقنعك.

وبالفعل فنحن قبله يوم قررنا الهجرة كانت ظروفنا الاقتصادية والوظيفية والمعيشية أفضل من ظرفه الآن ومع هذا تركنا كل شيء خلفنا بحثا عن حياة كريمة   ورغم أنه توفي قبلنا الكثير من الضحايا حتى من أبناء مخيمنا لكننا ركبنا قوارب الموت فكيف سنمنع اليوم عزيز بما سمحنا به لأنفسنا

وأمام قراره الحاسم ما كان منا إلا أن رضخنا لرأيه وبدأنا نعد الساعات والدقائق لمجيئه وبدأنا نسمح لمشاعرنا أن تتفلت وتخرج من عقالها ويشتعل لهيبها فقريبا ستخمد نيرانها بلقاء الحبيب وإذا بها تحرق قلوبنا بفقدانه وكنا نفكر في أي بلد سيستقر واي مكان أسرع للم شمله بعائلته وكنا نتشاور هل يذهب أحدنا لإيطاليا لإحضاره أو أن يكمل بمفرده. وما كنا ندري أنه سيذهب أحدنا ليبحث عن جثمانه في اليونان. 

وكنا قد بدأنا   نتحدث مع أولادنا أكثر عن عمهم الأصغر الذي سيفرحون بلقائه قريبا والذي بالكاد يعرفه بعضهم او يتذكره البعض ونروي لهم عن ذكرياتنا وشقاوتنا معه وأقول لهذا الابن إنك تشبه عمك كثيرا في ملامحه وحتى في نزقه عندما يغضب وأقول لابن آخر أنا أكبر من عمك وكنت أحمله كما تكبر أنت أخاك الصغير وتحمله الآن

فحتى الأولاد بعد أن تشوقوا لرؤيته وأصبحوا وكأنهم يعرفونه جاءهم الخبر ليصدمهم، وبقدر ما عاش عزيز مدللا في صغره كان القدر يخبئ له الصعوبات والمحن القاسية واحدة تلو الأخرى من مرضه وخسارة بيته الذي دفع ثمنه كل ما يملك وكفاحه المضني في عمله   وانتهاء برحيله المفجع وهو في مقتبل العمر في المركب المنكوب.

كنا نفكر في شيء والقدر كان يخطط لشيء آخر ففي تلك الليلة سرى المركب يحمل في أحشائه آلاف الأحلام ألاف الدعوات لرجال ونساء وإيادي غضة وبلمحة عين كشر الليل عن أنيابه وأخلف البحر وعده وابتلعت أمواجه من وقعوا معه على رحلة اللاعودة رفقا بهم يا بحر ألا يكفهم ما كابدوه في أوطانهم من شدة.

آه يا حبيبي كم حزننا كبير ولوعتنا أكبر وقلوبنا ممزقة على فراقك لكن الحمد لله أننا مؤمنون بقضاء الله وقدره فإذا عز اللقاء بيننا في هذه الدنيا فإننا سنلتقي - إن شاء الله - في جنان النعيم فهناك سنلقى الأحبة عزيز وعماد وعلى ووالدي والصالحين ونبينا محمد وصحبه رحمك الله يا حبيبي وأسكنك فسيح جناته، وستبقى ذكراك تنبض في قلوبنا وتبقى روحك طيفاً جميلاً يسكن فينا ما حيينا ولسان حالنا يناجيك: 

أبلغ عزيزا فى ثنايا القلب منزله

أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه

وإن طرفي موصول برؤيته

وإن تباعد عن سكناي سكناه

يا ليته يعلم أني لست أذكره

وكيف أذكره إذ لست أنساهُ

يا من توهم أني لست أذكره

والله يعلم أني لست أنساه

إن غاب عني فالروح مسكنه

من يسكن الروح كيف القلب ينساه؟

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/19059

مجموعة العمل || مخيم النيرب

الكتابة عن الراحلين، رغم أنها كمن يضع الملح على الجرح، إلا أنها تخرج ما في دواخل المفجوع من حزن عميق كي يتحرر لو قليلاً من هول الصدمة والمصاب، وتجعله متصالحا مع مصيبته. ولا يجد من أصابته النوائب إلا قلمه يشكو به مواجعه للورق، فكيف إذا كان المفقود هو الروح والخل والسند.

اللاجئ الفلسطيني عمر عزام ابن مخيم النيرب الذي مات شقيقه عزيز عزام غرقاً يوم 14 حزيران/ يونيو من الشهر الجاري قبالة السواحل اليونانية في كارثة القارب الذي كان يقل 700 طالب لجوء، أدمى قلبه فراق شقيقه ولم يعد للحياة طعم بعده لجأ لإخراج حزنه على شكل كلام مؤثر يحرق القلوب وتدمع له العيون، فكتب على صفحته الشخصية بالفيسبوك كلمات مؤثرة موجعة في رثاء شقيقه عزيز قائلاً:  عندما يتحدث الإنسان عن فقدان أخيه الأصغر فهو يعبر عن ألم بطعم خسارة الأبناء، كيف لا وأنا أذكر تماما يوم ولادة أخي الصغير في عصر ثلاثاء من أيام آب اللهاب وقتها ركضت أختي وابنة عمي من مشفى وكالة الغوث في المخيم ليبشرونا بمجيء الولد العاشر في أسرتنا فأسماه والدي على اسم جدي (عزيز عزام).

كان جميل المحيا بهي الطلعة أفرحنا عندما حبا وأبهجنا عندما خطا ومشى وملأ البيت فرحا عندما ناغى وتكلم

كان دمث الخلق لطيف المعشر وعاش في صغره الطفل المدلل المحبوب الذي يحمله والده من موقف الأشرفية في الشيخ طه إلى موقف النيرب المعري وهو يغني له ويداعبه. 

وأضاف عمر لقد كان وجوده بين عائلة كبيرة (أشبه بكتيبة هو صغيرها) نعمة ونقمة عليه في نفس الوقت فكما الجميع يحبه فالجميع يريد أن ينصحه ويوجهه، هذا عدا عن تعدد الانتماءات السياسية والفكرية في هذه العائلة التي تتناول السياسة مع الإفطار وسهراتها العائلية أشبه بندوات فكرية أو دروس دينية، وأمام كل هذا التنوع كان على عزيز أن يخط مساره ويبني قناعاته وشخصيته، لقد كانت شخصيته خلطة فريدة متميزة وكأنه أخذ من كل واحد منا صفة أو توجه أو أفكار أو طبع لتنصهر كلها في شخصية مستقلة ومتميزة ومتمردة.

 مستطرداً وبعدما فرقتنا ظروف الحرب وأتينا إلى هذه البلاد وخلال تسعة أعوام بعيدين عن الأهل والأحبة فقد رووضنا وبرمجنا مشاعرنا وعواطفنا أن حبايبنا خلف الجبل البعيد ولا سبيل للقائهم حالياً، وبالفعل اقتنعت مشاعرنا بهذا واكتفت بما تقدمه لها وسائل الاتصال من صور او مكالمات أو مقطع صوتي مع الأحبة لتروي شوقها وتطفئ لهيبه، وعندما أخبرنا عزيز بقراره بأنه ينوي الهجرة حاولنا جاهدين ثنيه عن قراره لكنه (عزيز) فعندما يقتنع بأمر ما ويحسم قراره لا ينقصه الذكاء أو الحجج ليحاورك ويقنعك.

وبالفعل فنحن قبله يوم قررنا الهجرة كانت ظروفنا الاقتصادية والوظيفية والمعيشية أفضل من ظرفه الآن ومع هذا تركنا كل شيء خلفنا بحثا عن حياة كريمة   ورغم أنه توفي قبلنا الكثير من الضحايا حتى من أبناء مخيمنا لكننا ركبنا قوارب الموت فكيف سنمنع اليوم عزيز بما سمحنا به لأنفسنا

وأمام قراره الحاسم ما كان منا إلا أن رضخنا لرأيه وبدأنا نعد الساعات والدقائق لمجيئه وبدأنا نسمح لمشاعرنا أن تتفلت وتخرج من عقالها ويشتعل لهيبها فقريبا ستخمد نيرانها بلقاء الحبيب وإذا بها تحرق قلوبنا بفقدانه وكنا نفكر في أي بلد سيستقر واي مكان أسرع للم شمله بعائلته وكنا نتشاور هل يذهب أحدنا لإيطاليا لإحضاره أو أن يكمل بمفرده. وما كنا ندري أنه سيذهب أحدنا ليبحث عن جثمانه في اليونان. 

وكنا قد بدأنا   نتحدث مع أولادنا أكثر عن عمهم الأصغر الذي سيفرحون بلقائه قريبا والذي بالكاد يعرفه بعضهم او يتذكره البعض ونروي لهم عن ذكرياتنا وشقاوتنا معه وأقول لهذا الابن إنك تشبه عمك كثيرا في ملامحه وحتى في نزقه عندما يغضب وأقول لابن آخر أنا أكبر من عمك وكنت أحمله كما تكبر أنت أخاك الصغير وتحمله الآن

فحتى الأولاد بعد أن تشوقوا لرؤيته وأصبحوا وكأنهم يعرفونه جاءهم الخبر ليصدمهم، وبقدر ما عاش عزيز مدللا في صغره كان القدر يخبئ له الصعوبات والمحن القاسية واحدة تلو الأخرى من مرضه وخسارة بيته الذي دفع ثمنه كل ما يملك وكفاحه المضني في عمله   وانتهاء برحيله المفجع وهو في مقتبل العمر في المركب المنكوب.

كنا نفكر في شيء والقدر كان يخطط لشيء آخر ففي تلك الليلة سرى المركب يحمل في أحشائه آلاف الأحلام ألاف الدعوات لرجال ونساء وإيادي غضة وبلمحة عين كشر الليل عن أنيابه وأخلف البحر وعده وابتلعت أمواجه من وقعوا معه على رحلة اللاعودة رفقا بهم يا بحر ألا يكفهم ما كابدوه في أوطانهم من شدة.

آه يا حبيبي كم حزننا كبير ولوعتنا أكبر وقلوبنا ممزقة على فراقك لكن الحمد لله أننا مؤمنون بقضاء الله وقدره فإذا عز اللقاء بيننا في هذه الدنيا فإننا سنلتقي - إن شاء الله - في جنان النعيم فهناك سنلقى الأحبة عزيز وعماد وعلى ووالدي والصالحين ونبينا محمد وصحبه رحمك الله يا حبيبي وأسكنك فسيح جناته، وستبقى ذكراك تنبض في قلوبنا وتبقى روحك طيفاً جميلاً يسكن فينا ما حيينا ولسان حالنا يناجيك: 

أبلغ عزيزا فى ثنايا القلب منزله

أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه

وإن طرفي موصول برؤيته

وإن تباعد عن سكناي سكناه

يا ليته يعلم أني لست أذكره

وكيف أذكره إذ لست أنساهُ

يا من توهم أني لست أذكره

والله يعلم أني لست أنساه

إن غاب عني فالروح مسكنه

من يسكن الروح كيف القلب ينساه؟

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/19059