كان الدّمُ ينفر من جسديهما عندما أحضروهما، كانت صورةُ أخي القتيلِ ماتزال ماثلةً أمامي، والدّمُ الذي يسبح على الأرض، كنت أبكي، كنّا نبكي فوقه، لازلت أذكرُ وجهَ أمّي وهي تصرخ: يمّا!
كان مرعباً ذلك اليوم، فقد ارتجف البيتُ فجأةً على وقْع صوتٍ عنيفٍ حطّم جدارَ الصّمت الذي غلّف المكانَ، لقد بدا هذا الصّوتُ في البدْء قادماً من كلّ الجهات، كما وصفه الكاتب فايز أبو عيد في قصته "انفجار يأبى النسيان" ضمن المشروع المشترك بين مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية وبيت فلسطين للثقافة.
انفجار يأبى النسيان
فايز أبو عيد
كانت السايدةُ ريماةً اجلانةً، تبحث في كل الاتّجاهات، سكتْ هنيهةً، كنّا قريبة نحوها، أطالِ السكوتَ بعض، كانت الآذانًُ على وسْعها، وفجأةً يتنحنحُ أحدُ تقدمين، أيها تختار منها الكلام، وهنا رفعتْ رأسَها، وتوجهت بنصف همّةٍ لتحرر أمل للخطين، وتساءلت :
-الانفجار، لتنزل وراءه كلماتٌ أخرى، وتشرع بالحديث الشرعي:
-أني لأعجَبُ كيف لحادثةٍ صغيرةٍ أن ترسم مستقبلَ عائلةِ الظلا.
أردف:
- كان مرعباً ذلك اليوم، ارتجف بيتُ عُثر على وقْعٍ صوت عنيفٍ حطّم جدار الصّمت الذي غلّف المكانَ، لقد بدأ هذا الصروت في البدْء وصولاً من كل المحامين إلا أنه لم يلبث أن اتّضح مكانُه، لقد انبعجت نوافذُ في العام ووصلت كالشّظايا في المكان، كان. الهديرُ عالياً بصورةٍ لا تصدّق حيث خفقتِ القلوبُ دفعةً واحدةً، واحتشدتِ الدّقّاتُ وراء شيء دون سابقٍ، واجتاحتني رعٌّ ثقةٌ.
تروي ريما قصّتها التي بدأتْ مع هذا الصّوتِ الذي سيبقى معلّقاً في ذاكرتها إلى، نسيتُ أن أخبركم أنّ سيما ريما مهندسةٌ معماريّةٌ، تقيم مع زوجها وصغيرها في تركيّة، وتعود من قبل تقطن مع عائلة في حيّ السيحاري في مدينة درعا.
- ألم تعرفوها بعد؟! سأخبركم، لكن تمهّلوا عليّ جزئيًا، قلت تمهّلوا عليّ بعض، أرجوكم أنسوا من تكون في هذه اللحظة، كلُّ ما أطلبه منكم أن تشاركوها قصّتها وأحاسيسها تعاونها، هل أتفكنا، تكمل ريما:
- سأحكي لكم قصّتي، وذلك بفضل مجموعِ الطبَ المشلولَ الذي وقف إلى يومنا هذا، مدينتي أشبه بعذراء تُجلَدُ كلَّ يوم بلا هوادة، بسياط الغرباءِ قبل أن المحاكم فمَها تطالب المتقدمها، مسرحاً لرجال التفّت حول رؤوسهم عصائبُ أحمر وخضراء، متطلبْ سبعة أشهرٍ منذ قدومهم. ، لا أعرف إذا كان ذلك مفيدًا، ومع ذلك سأقول:
- لقد كانت مدينتي غاضبة وحزينةً ومطعونةً في وقت واحد، ظلّت رفضهم سبعة أشهرٍ منذ قدومهم، صرختْ بأعلى صوتِها وغاصتْ فيلي، بل استداراتْ للمواجهة.
كان ذلك الانفجارُ بنادي الضبّاط القريبِ من الحيّ الذي كنت أسكنه مع أهلي، لقد انفجر دفعةً واحدةً غامضاً فتّاكاً، حيث ليلتْ تلك العائبُ من حولنا.
لحظة يا ريما، أنت لم تشرح ما حدث بالضبط، رديت ريما:
- أليسون من المثير حقّاً أن تكون عباراتُنا متنكّرةً، بفضل إشارة بدْء لكم كي تخمّنوا ما حدَث، وأن تبحثوا عن ذلككم، وتسألوا، لا بدّ أن يعضّ أحدكم على شفتيه محدّقاً ودامياً مع النهاية شبابِ عمي لذا الحلّاقِ البائسِ.
أخي لن أنساك
امتلأتِ الغرفةُ فجأةً بنظراتٍ تحملها سؤالاً واحداً:
- ماذا حدث لهم؟
وفجأةً بدأت جسدها انتفض بشدّة، وقد امتقع لونها، وبصوتٍ خافتٍ:
-أخي ... صلاح، ابن عمي عماد، الحلاق المسكين
لم يمكن تعديلت للدّخول بدوّامة من النّواح مثل نهرٍ مُتجدّدٍ
- أعتذر إن كان ذكرهم يُشعرك بالأسى، قال لها الصّفي
- لا عليك، أخي صلاح كان قد انتهى من الجمع الثّانوية، وأبي في هذه اللحظة كان حتماً فرحاً، كان يصيح:
- رفيق هناك مَن سيدرسُ الطّبّ في بيتنا، الشكر لله.
تكمل ريما:
- أماّي فقد آمن في حبس دموعها، كانت الزّغاريدُ تملأ المكان، ليس في بيتنا المشارك، بل الحيُّ كلُّه كان يبدو صاخباً، وافقُ أخي في كلية الطّبّ في البعث، فيما دخلت بيتنا منذ تلك اللحظة في حركةٍ سريعةٍ تمُّ عن جدّيته ونشاطه وانشغاله، فيما احتشد الأقاربُ في بيتنا، كانت كلمةُ: عقبالك، تتردّد في المكان دون وعي، فيما طارت كلمةُ: مبروك، مبروك
وأكملت:
- كنت قد بدأتُ، بعد أن كنتُ قد بدأتُ بأن أعيش، ولكنني لم أشتركْ أحملُ ذرّةَ صغاراً واحداً، فقد كنتُ مدلّلةَ أبي، ومع ذلك فهي مقاييسُ عالمنا.
هذه اللحظة بدتْ من ريما ابتسامةٌ، ولاحتي كيف أفلتت منها، كانت تبدو شاردةَّهنِ تلمحُ في الذّ عينيها دمعةً متتوقةً، فجأة أحدهم يخاطبها، ولاتعتبرها استفاقتْ من حلم جميل:
- أين، تسألْ وهي تعتذر
ردّ أحدهم:
- مواهب أخيك صلاح للذهاب للجامعة، وتجمّع الأقارب.
- آه، نعم، مضت الأيّام، وقرّر الذكي الذهاب مع ابن عمي ماجد، الذي كان في السّنة الثّانية بكلّيّة الهندسة، كان أمي قد جهزت لأخي كل ما يحتاجه من مؤونة، الجامعيين يوم من سفره، شاهد ذلك المقطعُ بنادي الضباط الذي راح ضحيته الكثير من رجال الأعمال العصائب الخضراء والحمراء، قرّر أخي يمضي مع ابن عمي الحلاق، فيما بقينا وبيت عمي في المعركة، كنت أتمنّى أن أعرض عليكم ما نتيجة بيننا من كلامٍ وحواراتٍ جميلةٍ، كنّا سعيدةَ حقًا، ولكن قصّتي لا تتّخذ لذلك.
تكمل ريما وقد ارتكبت دموعها على خدودها ثمملها فجأةً، ثم يقترب منها زوجها قائلاً:
- هل يمكن أن نتابع في وقت لاحقٍ؟
- لا لا لا ... قالت، وكنا نستعجل استكمال هذا اللقاء:
- امتلأ الحيّ بأصوات الرّصاص، حدثُ في هذه اللحظة مثل شيءٍ معلّقٍ في الهواء مثلَ غيمة، وجاء الصّمتُ أصغرَ ممّا توقّعنا
وفجأة أصواتٌ تعلو وصرخاتٌ تملأ آذاننا دون أحالي الحيّ، كان نشطاً شيءٌ منا، تفعيل قمعه عني، إذ أخذنا نخطو معاً الصّمت والباب والنوافذ.
قرأوا في الصّحف في اليوم التالي عن إطلاق الرّصاص على محلّ حلاقة، حيث تم قتل الشابين والحلاق.
- نعم، كان أخي شباب عمي، قالت بحرقةٍ
تتابع، وقد سنة فيضٌ غزيرٌ من الدّمع:
- هل عرفت الجلمين؟
كان الدّمُ ينفروا من هيكلهما عندما تدمروهما، كانت صورةُ أخي القتيلِ ماتزال ماثلِةً المرافقة، والدّمُ الذي يسبح على الأرض، كم كان صغيرا وجميلا ووسيما، كنت أبكي، كنا نبكي فوقه، لازلت أذكرُ وجهَي وأبي، كم لاتشعرتينا أمّي نهائيهما وهي تصرخ:
- يما!
قَتْلٌ بأمر الشيطان
لقد مضت أمي منذ تلك اللحظةِ بنواحٍ ممزِّقٍ لا يفتر أبدا، ورافقتها بجاراتها الباكيات، تحت أنظار الناس جميعا، سمعتهم يقولون:
- هكذا بكلّ ابدأ، أصدروا حكمَ العقوبةِ، كان ثمة أسئلةٌ تدور في المكان:
- لماذا، اعتبروهم لم يشعلوا الشموعَ على انفجارى، ويعلنوا الحداد ثلاثة أيام، أم لأنهم كانوا سعداء بدخول الجامعة.
لقد انتباتني في تلك اللحظة قشعريرةٌ من الغضب لم أشعر به من قبل، وقلت في نفسي:
- هكذا بكل قتلوهم.
كان الحزن قد غلف المكان يوما، بكينا وبكينا، ومع ذلك تلك الأيام، قررت عدديةٍ، منذ تلك الليلة لم أعد أعمل بالدفء، بالشمس الشريرة، بدا كل شيءٍ بارداً، إلا أن أمي كانتاها تتوهّجان كنار، ولكن كيف أسترضيها، لقد كان قلبي يتقطّع من حزنها، لم يكن لديه أحدٌ أن يستوعب ما حدث في تلك الليلة، كانت دموع أمي لا تفتر.
مرت أيامٌ لوٌ على مقتل عشريني أخي عمي والحلاق، وكانت هذه النتيجة قد ملأت أصداؤها أرجاءَ أقصر قاطعةً، وامتلأت لعدديّاتُ بخبر مقتلهم، عرفنا أن ميليشيا أبي عقاب هي التي أعدتهم،وارادوا أن يعدموا أي ابتسامة يومَ مشرقة، فلموا تجدوا إلا محلَّ الحلاقة ينبضُ بابتسامة، لتنهدمَ فجأةً في مواجهةٍ مباشرةٍ لراكٍ حقيقيّ بسلاحٍ ناريّ.
تقول ريما:
- عرفنا فيما بعد من خلال الأخبارِ أن القتلةَ كان بقيادة رجلٍ يُدعى بأبي عقاب.
أبو عقاب... وشياطينه في بيتنا!
مرت أيام على تلك الحادثة المشؤومةِ، وأصبح بباب بيتنا يدقّ بعنف، وكانت حملةَ اعترفت على حيّنا، هذه الحملات المسعورة ستزداد مع الأيّام وتغدو أمرا معتادا، دخلوا علينا كسيل جارف صارخين:
- الهويّات...
فجأة اصطدامت أعيننا سهل الشيطان، كان له رأسٌ غريبٌ، ووجهٌ غيرُ سهل، ووقٌ قد انغمستْ في كتفيه، كان وجهُه كافياً أن يشعل فينا كل الغضبِ المحشوّ في الصدور، وفي هذه اللحظة لا أذكر سوى خيالٍ خاطفٍ انطلق نحو ذلك الشّيطان، حسب علمي، لقد انهالت عليه ضربا، وهي تصيح:
- قاتل! ... جبان!
أمطرته بكلّ الشّتائم، كان بششا كالقرد، ومنذ بدايتها مثل كلب حبيس، اندفعت في هجمات انتحارية، كنت أشتهي قتله، هذا الحق، وعندما رأيت انقضاضته على أمي، لم أتشاور مع عقليين في هذه اللحظة، أسرعت وكم أتمنى لو تمتلك سكينا، لم يبق البتلة أو احتياط أو بعد مسافة أمان، كم كنت أتمنى لو تعلمت كل كلمةٍ سفيهةٍ كي أرشقها في وجوههم الشيطانية، رأيتُ أخي هاشماً وقد جحظتْ عيناه وانفجرُ في دماغه، كان العراكُ على ألأخيره، ومن حول تعاليتْ أصواتُ الووحوش، وزمجراتُهم الطيورُ، ضربوا أبي وأمي، ضربوني، لم أصرخْ ولم أبكِ، أخذوا أخي، كانوا يجرجرونه، لقد انفلتوا عليه كجرذان قذرة، وانتهى المشهد بغياب أخ آخر لي من جديد .
ضدالة في الطرقات
اختفى أخي هاشمٌ، واختفى Aku مثله فيما بعد، وبات هذا المشهدُ حاضراً في حينا، الرّعبُ والعنف والصمت والغضب، الجدد كل شيء وفوقه الخضعُ، وأبو عقاب يشمشم الطرقات في كل لحظة، فقد أخذ ينمو كطحلب أو مثلِ نبتة شيطانية، ومرّت أشهر، وبات الحيُّ محاصرا ومغلقا، لم يعد للحيات إلا إدخالٌ واحد حاجز اي عقاب، كنت عائدةً من الجامعة، ويدعى به يوقف السيرفيس الذي قللني طالبا هويات، وقد اشتدت ينقب في الشفاء، كان يبتسم ابتسامةً لشخصه بشاعة، اقترب منّي ورمقني بعينيه حقاً، كلب لا ينسى وأنا لن أنسى، نحو فرأى الحزن في عيوني، لم يكن معي سلاحٌ، قلتُ في الداخل :
- كم أتمنّى أن أصفعه، وأمزّق الوجه بأظافري.
لم أفتحْ فمي بكلمة، فهم كلب صمتي، ومضى في طريقه، كم كنت أود أن ألقمه ما، الحجر أفضل مع كلب.
بدأ هذا الخوف، ولم أعد أهوى العودة إلى الحي، كنت أقضي معظم وقتي في الجامعة.
مضت سنتان على مقتل أخي صلاح واعتقال هاشم، كنّا معترضين أمام الكلاب الذين هناك حقوا حينا، لقد ادركوا حديقة حميدة الطاهر واتخذوها وكراجرامهم، حيث أخذوا يتناسلون.
أمام المصائبِ التي نزلت بأسرتي، فقد ضربت حصارنا على حيّنا، الفرقُ الأربعةُ الكلاب مسدودةٌ، يزحفون ويتعارة ويحاولون اقتحام الأبواب، لقد أتّخذ ذلك العقربُُ من حميدة حديقة الطاهر التي ضحّت بجسدها لتقتل 50 عنصراً من قوّات الجيش الرائع، موطئ قدم لإجرامهم، وسجنوا مرعباً.
سأعود للقصّة الآن، أعرف أنّي أستطردُ في الشّرح أحياناً، لقد كان أبو عقاب هذا جاهلاً تماماً، وقد أصبحت أمرا نعما ومألوفا، اضطررنا إلى أن ندخنه ونعلكه ونبصره صباح مساء،
ريما أتقبلين الزواج
مضت ثلاث سنوات، وتخرّجتُ أخيراً، وصار لي واجب، إنه موعد زفافي، كنتُ أعتقد في المرأة، سمعتُ حركة ورائي، وفجأة لمحتُ أمي ورائي، رأيتها ترنمي بنظراتٍ جففت حلقي، كنت رافضةً الزّواج إلا أن أبي أقنعني أن الحياة لا بدّ أن تستمرّ.
منذ زمن لا تقول شيئا، ومع ذلك لم تقلْ لي شيء والأبحاث، ربما كانت في زعلها على حقّ، ناجيتها ألا تفارقني، تكلمت من قلبي، ضمّتني بحرارة وقبّلتني، فطوّقتها بذراعي، كنت بحاجة إليها، منها قربي، ومع ذلك، كنت أميّةً. على المضي قدمًا، غنّيتُ بصمت، تصميمي على المنافسة، الدّمّ في عروقي، كنت أحلم مثل أي امرأة، كان خالد قد يشهد لخطبتي، وقد استطاع أن يلتقطَ من داخل قلبي مشاعرَ الحبّ ويخرجها أخرى، كنتُ قد ظننتُ أن هذه المشاعر لم تتطور موجودة، لقد انتفض قلبي مرة أخرى، بدأت أسمع نبض قلبي، لقد عاد الدّمُ يسابُ في عروقي، وقد نجح في الزواج بأسرع ما يمكن.
مضت ثلاث سنوات، ورزقت بمولودي الأوّل صلاح، دعوته باسم أخي الشّهيد، لقد استطاع هذا وقادُ الصغيرُ أن يبعث الحياة مجدّداً في بيت أهلي، ويذوّب ذلك الجبل من الصمت لتُولد على عدم توقّع ابتسامةٌ على شفيّ أمي.
رحلة إلى ما وراء الحدود
أنا الآن في أمسّ الحاجة لتركيزكم قبل أن أواصل لا بد أن نفهموا ما حدث، ما حدث كان فقط أن زوجي طُلب للخدمة الاحتياطية،
سأشرح لكم أكثر، كانت الخدمة الاحتياطية أشبه ببزّانّة إمكانية الوصول إلى كلّ الدّم الموجود فيك، ثم قذفك إلى جهنم، دون أن يكون لك كيانًا.
- أيتها المسكينة يا ريما!
أيُّ حياةٍ تعيشينها في انتظارك، قالت زوجها في اجتماع العائلة العائلية:
- سأذهب إلى تركيّة عن طريق الصحراء.
ومع ذلك لم يوافق أيٌّ منّا على هذا الرأي، فقد ابتلعت الصحراء الكثيرين من قبل، بداية جوخ خان الغرفة قاً مشدودا، إذ بدا المدى غامضاً كبحر من العتمة، والحركة ريما وقد طوت راحتيها فوق حضنها مرتعشةَ الأقسامات، فيما استسلم الباقون لصمت ثقيل يندف كآبةً، كان عليهم أن يرتّبوا أفكارهم، إلا أنه لم يكن هناك وقتٌ، ثم ليلتقطوا أنفاسهم، مرت بضعة أيام فقط ومملّةٍ، ولكنّ الخطرَ كان مختلفاً، فقد كان البحث عن المطلوبين يتّجهون إليه مباشرة، ويوما بعد يوم بدأ يحسُّ بالسكّين فوق رقبته، ومع ذلك لم يستسلمْ، وفي هذه اللحظة صمتتْ ريما، كانت تنوية أن تتوقّف عن سرد قصٌتها، وأنتْ تلاحظ أنّها أحمتنا في مشاكلها وهمومها لهاً وقد شرت في بكاءٍ مكتومٍ :
- ما ذنبكم كي تحترقوا بنار أحزاني؟
لكنّها متأكدة في ثنيهم عن المتابعة، كان الفضول قد يتولى المسؤولية على الجميع، وقد رفضوا إغماضَ أعينهم وأقفال آذانهم.
- سأكمل ذكريات الماضي، قالت بعد مسح أنتْ دموعها، كان زوجي يبدو متعباً وضائعاً ومحتاراً، فيما بعد بدا الزمن خصماً، بل وحشاً ينتهز الفرصة كي ينقضّ عليه، وقد حُوصر بضراوةٍ.
كان هنالك صوتٌ في داخله يتردّد، يصرخ:
- ماذا أفعل يا ربي؟
وفي يوم من الأيّام، خرج زوجي لشراء بعض الأغراض إلا أنه لم يعدْ، بدأ القلق يتسرّب إلى داخلي، كان ثمّة وحشٌ يحاول اغتيالي، اتّصلت به كان هاتفه مغلقا، لم أعلم ماذا أفعل؟
حضر والداي، اجتمعت العائلة، كنت أبكي ببحرقة، كنت أخشى خوفه، فجأة دقّ الباب، دق، دق، فجأة منك أرتعدُ، واجتاحتني رعشةٌ ثقةٌ، وعندما سمعتُ:
- ريما، حسابي الباب، أنا،
هنا انبثق فجأة فجأة، الدّمُ إلى عروقي، أسرعت نحو الباب الخلفي، كان يبدو مريضا، وقد اصطبغ وجهه بلطعِ الشّمس الحارقة.
عرفنا فيما بعد أن مليشيا حميدة قامت باعتقاله مع مجموعة من الشباب في، ستسألون لماذا؟
- للسّخرة، نعم لتعبئة القمصان لصنع المتاريس، كي يقشروا البطاطا، لغسل الصحون والملابس....
وتابعت، بعد أن تطلب استغرابنا:
- كنا سنين في مستنقع الميليشيات.
بدأ زوجها منذ تلك الحادثة يقضي أيامه في البيت مع صغيره في انتظار معجزة تنبع من بين قدميه، فيما كانت ريما تمضي إلى أولا، وكان أبو عقاب يقوم ببعض الفريد، كانت ريما تخشى أن يتم تأويله له، لذلك كان لا بد من الانتقال من الحي، أو السفر بسرعة.
لأنها قررت الإتّفاق مع أحد السّماسرة على تهريب زوجها من خلال أمن سيارةيّة، وفعلاً معدات ريما وزوجها للسّفر، وجاء هذا اليوم، وفي هذه اللحظة بدت ريما كوردةٍ ذابلةٍ قالت:
- تمزّقت أمي حزناً ونحن نغادرها، وكان بالفعل إليّ مع طفلي، ونحن نركب السيارة، أشحْتُ بنظراتي هاربا منها، ولكنّ لأنّها ظلّت تطاردني، لم تنتهيْ في هذه اللحظة إلا أن تطلق العنان لدموعي، فيما تنشطت السّيارةُ وانطلقت، جلسة مزدوجة باستمرار السّائق فيما جلستْتُ مع طفلي من الخلف، كان زوجي مرتبكاً، كنتُ أوقّع أن يُصاب بالرّعب، لقد عشتُ هذه التجربة من قبل ذلك، نقضي علينا الساعة ونحن متوترين، في ما يتعلق ببداية السّياسات حافة الطّباع، رمى عقب سيكارته من نافذة السّيّارة، ثم أشعل سيكارةً ولاذ بالصّمت، كنا متكوّمين على نجمة، كان خوفًا في كل مكان من أجسامنا، الساعة الثانية بعد الظهر، وقد انطلقنا في سيارة عسكريةّة ، كان الطريق متكدّساً بالجنود، لا نكاد نقطع مسافة قريبةً من دون نقاط الضعف من هويّتنا، ومع ذلك لم تكن هذه الحواجزُ تشغل بالنا، بقدر تلك الحواجز التي تقوم بها بضرب الفيش لنا، ستُّ ساعات مضت، وأنا أبتهل إلى الله بالدّعاء، ما شاء حلب، وقد ارتاحت نفسياتنا، واخترنا لن نستعد للدّخول إلى آخر، كنّا مضطرّين للانتظار، لم يكن الأمرُ بهذه السهولة، فالمحاولاتُ لا نجحت كلُّها دائماً، انتظرنا وطال انتظارنا، وأخيراً تجاوزنا كلَّ لاتخاذ القرار، واستقر بنا الحال في تركية .
كي لا نخسر ذاكرتنا
عاشت ريما مع زوجها وطفلها في ولاية غازي عينتاب، في شقّة، كانت البردةُ ترشح من الجدران، كما كانت عادية تشيعُ العفونةُ في فضاء الغرفة، ومع ذلك كانت مسربلةً بالتصميم على المواجهة، تعيشً وحييّةً كالدورةِ الدّمويةِ، لم تحملْ فياتِها أي ثقةٍ دمويةٍ كالتي. خذها في سورية، حكت:
- كنت أدرّس الرياضيات في إحدى المعاهدة، فيما بعد عاش زوجي جميعاً في لسبب العمل، واحتمالاته، كابتاً معاناته، أنوفاً، كنت أسمع صدى صوتي يترد بسهولة في أرجاء البيت.
وهنا لا بد من الاعتراف:
- كانت ريما من تلك القلّة التي دفنت رأسها في الرمل، رافضةً أن تسدّ طاقة الريح وتستريح، لقد تكرهت من مدرسة القهر والألم، وحان الوقت لتقتحم جحيم الثّرثرة، ونظرت إلينا، قررتنا، أنا أشرح لك:
- إنه التوحدي
والنتيجة:
- لا شيء، لا تتعجبْ كلامي، لن يشهد شيئًا في الوقت الحاضر، ومع كل هذه العتمة وهذا الإظلام لا بد منه في يوم ما أن يومض برقٌ خاطفٌ، متقطّعٌ، يبرز نورا، وهي الحكمةُ الحياتيةُ، الانضمام الى النهاية.
كان الدّمُ ينفر من جسديهما عندما أحضروهما، كانت صورةُ أخي القتيلِ ماتزال ماثلةً أمامي، والدّمُ الذي يسبح على الأرض، كنت أبكي، كنّا نبكي فوقه، لازلت أذكرُ وجهَ أمّي وهي تصرخ: يمّا!
كان مرعباً ذلك اليوم، فقد ارتجف البيتُ فجأةً على وقْع صوتٍ عنيفٍ حطّم جدارَ الصّمت الذي غلّف المكانَ، لقد بدا هذا الصّوتُ في البدْء قادماً من كلّ الجهات، كما وصفه الكاتب فايز أبو عيد في قصته "انفجار يأبى النسيان" ضمن المشروع المشترك بين مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية وبيت فلسطين للثقافة.
انفجار يأبى النسيان
فايز أبو عيد
كانت السايدةُ ريماةً اجلانةً، تبحث في كل الاتّجاهات، سكتْ هنيهةً، كنّا قريبة نحوها، أطالِ السكوتَ بعض، كانت الآذانًُ على وسْعها، وفجأةً يتنحنحُ أحدُ تقدمين، أيها تختار منها الكلام، وهنا رفعتْ رأسَها، وتوجهت بنصف همّةٍ لتحرر أمل للخطين، وتساءلت :
-الانفجار، لتنزل وراءه كلماتٌ أخرى، وتشرع بالحديث الشرعي:
-أني لأعجَبُ كيف لحادثةٍ صغيرةٍ أن ترسم مستقبلَ عائلةِ الظلا.
أردف:
- كان مرعباً ذلك اليوم، ارتجف بيتُ عُثر على وقْعٍ صوت عنيفٍ حطّم جدار الصّمت الذي غلّف المكانَ، لقد بدأ هذا الصروت في البدْء وصولاً من كل المحامين إلا أنه لم يلبث أن اتّضح مكانُه، لقد انبعجت نوافذُ في العام ووصلت كالشّظايا في المكان، كان. الهديرُ عالياً بصورةٍ لا تصدّق حيث خفقتِ القلوبُ دفعةً واحدةً، واحتشدتِ الدّقّاتُ وراء شيء دون سابقٍ، واجتاحتني رعٌّ ثقةٌ.
تروي ريما قصّتها التي بدأتْ مع هذا الصّوتِ الذي سيبقى معلّقاً في ذاكرتها إلى، نسيتُ أن أخبركم أنّ سيما ريما مهندسةٌ معماريّةٌ، تقيم مع زوجها وصغيرها في تركيّة، وتعود من قبل تقطن مع عائلة في حيّ السيحاري في مدينة درعا.
- ألم تعرفوها بعد؟! سأخبركم، لكن تمهّلوا عليّ جزئيًا، قلت تمهّلوا عليّ بعض، أرجوكم أنسوا من تكون في هذه اللحظة، كلُّ ما أطلبه منكم أن تشاركوها قصّتها وأحاسيسها تعاونها، هل أتفكنا، تكمل ريما:
- سأحكي لكم قصّتي، وذلك بفضل مجموعِ الطبَ المشلولَ الذي وقف إلى يومنا هذا، مدينتي أشبه بعذراء تُجلَدُ كلَّ يوم بلا هوادة، بسياط الغرباءِ قبل أن المحاكم فمَها تطالب المتقدمها، مسرحاً لرجال التفّت حول رؤوسهم عصائبُ أحمر وخضراء، متطلبْ سبعة أشهرٍ منذ قدومهم. ، لا أعرف إذا كان ذلك مفيدًا، ومع ذلك سأقول:
- لقد كانت مدينتي غاضبة وحزينةً ومطعونةً في وقت واحد، ظلّت رفضهم سبعة أشهرٍ منذ قدومهم، صرختْ بأعلى صوتِها وغاصتْ فيلي، بل استداراتْ للمواجهة.
كان ذلك الانفجارُ بنادي الضبّاط القريبِ من الحيّ الذي كنت أسكنه مع أهلي، لقد انفجر دفعةً واحدةً غامضاً فتّاكاً، حيث ليلتْ تلك العائبُ من حولنا.
لحظة يا ريما، أنت لم تشرح ما حدث بالضبط، رديت ريما:
- أليسون من المثير حقّاً أن تكون عباراتُنا متنكّرةً، بفضل إشارة بدْء لكم كي تخمّنوا ما حدَث، وأن تبحثوا عن ذلككم، وتسألوا، لا بدّ أن يعضّ أحدكم على شفتيه محدّقاً ودامياً مع النهاية شبابِ عمي لذا الحلّاقِ البائسِ.
أخي لن أنساك
امتلأتِ الغرفةُ فجأةً بنظراتٍ تحملها سؤالاً واحداً:
- ماذا حدث لهم؟
وفجأةً بدأت جسدها انتفض بشدّة، وقد امتقع لونها، وبصوتٍ خافتٍ:
-أخي ... صلاح، ابن عمي عماد، الحلاق المسكين
لم يمكن تعديلت للدّخول بدوّامة من النّواح مثل نهرٍ مُتجدّدٍ
- أعتذر إن كان ذكرهم يُشعرك بالأسى، قال لها الصّفي
- لا عليك، أخي صلاح كان قد انتهى من الجمع الثّانوية، وأبي في هذه اللحظة كان حتماً فرحاً، كان يصيح:
- رفيق هناك مَن سيدرسُ الطّبّ في بيتنا، الشكر لله.
تكمل ريما:
- أماّي فقد آمن في حبس دموعها، كانت الزّغاريدُ تملأ المكان، ليس في بيتنا المشارك، بل الحيُّ كلُّه كان يبدو صاخباً، وافقُ أخي في كلية الطّبّ في البعث، فيما دخلت بيتنا منذ تلك اللحظة في حركةٍ سريعةٍ تمُّ عن جدّيته ونشاطه وانشغاله، فيما احتشد الأقاربُ في بيتنا، كانت كلمةُ: عقبالك، تتردّد في المكان دون وعي، فيما طارت كلمةُ: مبروك، مبروك
وأكملت:
- كنت قد بدأتُ، بعد أن كنتُ قد بدأتُ بأن أعيش، ولكنني لم أشتركْ أحملُ ذرّةَ صغاراً واحداً، فقد كنتُ مدلّلةَ أبي، ومع ذلك فهي مقاييسُ عالمنا.
هذه اللحظة بدتْ من ريما ابتسامةٌ، ولاحتي كيف أفلتت منها، كانت تبدو شاردةَّهنِ تلمحُ في الذّ عينيها دمعةً متتوقةً، فجأة أحدهم يخاطبها، ولاتعتبرها استفاقتْ من حلم جميل:
- أين، تسألْ وهي تعتذر
ردّ أحدهم:
- مواهب أخيك صلاح للذهاب للجامعة، وتجمّع الأقارب.
- آه، نعم، مضت الأيّام، وقرّر الذكي الذهاب مع ابن عمي ماجد، الذي كان في السّنة الثّانية بكلّيّة الهندسة، كان أمي قد جهزت لأخي كل ما يحتاجه من مؤونة، الجامعيين يوم من سفره، شاهد ذلك المقطعُ بنادي الضباط الذي راح ضحيته الكثير من رجال الأعمال العصائب الخضراء والحمراء، قرّر أخي يمضي مع ابن عمي الحلاق، فيما بقينا وبيت عمي في المعركة، كنت أتمنّى أن أعرض عليكم ما نتيجة بيننا من كلامٍ وحواراتٍ جميلةٍ، كنّا سعيدةَ حقًا، ولكن قصّتي لا تتّخذ لذلك.
تكمل ريما وقد ارتكبت دموعها على خدودها ثمملها فجأةً، ثم يقترب منها زوجها قائلاً:
- هل يمكن أن نتابع في وقت لاحقٍ؟
- لا لا لا ... قالت، وكنا نستعجل استكمال هذا اللقاء:
- امتلأ الحيّ بأصوات الرّصاص، حدثُ في هذه اللحظة مثل شيءٍ معلّقٍ في الهواء مثلَ غيمة، وجاء الصّمتُ أصغرَ ممّا توقّعنا
وفجأة أصواتٌ تعلو وصرخاتٌ تملأ آذاننا دون أحالي الحيّ، كان نشطاً شيءٌ منا، تفعيل قمعه عني، إذ أخذنا نخطو معاً الصّمت والباب والنوافذ.
قرأوا في الصّحف في اليوم التالي عن إطلاق الرّصاص على محلّ حلاقة، حيث تم قتل الشابين والحلاق.
- نعم، كان أخي شباب عمي، قالت بحرقةٍ
تتابع، وقد سنة فيضٌ غزيرٌ من الدّمع:
- هل عرفت الجلمين؟
كان الدّمُ ينفروا من هيكلهما عندما تدمروهما، كانت صورةُ أخي القتيلِ ماتزال ماثلِةً المرافقة، والدّمُ الذي يسبح على الأرض، كم كان صغيرا وجميلا ووسيما، كنت أبكي، كنا نبكي فوقه، لازلت أذكرُ وجهَي وأبي، كم لاتشعرتينا أمّي نهائيهما وهي تصرخ:
- يما!
قَتْلٌ بأمر الشيطان
لقد مضت أمي منذ تلك اللحظةِ بنواحٍ ممزِّقٍ لا يفتر أبدا، ورافقتها بجاراتها الباكيات، تحت أنظار الناس جميعا، سمعتهم يقولون:
- هكذا بكلّ ابدأ، أصدروا حكمَ العقوبةِ، كان ثمة أسئلةٌ تدور في المكان:
- لماذا، اعتبروهم لم يشعلوا الشموعَ على انفجارى، ويعلنوا الحداد ثلاثة أيام، أم لأنهم كانوا سعداء بدخول الجامعة.
لقد انتباتني في تلك اللحظة قشعريرةٌ من الغضب لم أشعر به من قبل، وقلت في نفسي:
- هكذا بكل قتلوهم.
كان الحزن قد غلف المكان يوما، بكينا وبكينا، ومع ذلك تلك الأيام، قررت عدديةٍ، منذ تلك الليلة لم أعد أعمل بالدفء، بالشمس الشريرة، بدا كل شيءٍ بارداً، إلا أن أمي كانتاها تتوهّجان كنار، ولكن كيف أسترضيها، لقد كان قلبي يتقطّع من حزنها، لم يكن لديه أحدٌ أن يستوعب ما حدث في تلك الليلة، كانت دموع أمي لا تفتر.
مرت أيامٌ لوٌ على مقتل عشريني أخي عمي والحلاق، وكانت هذه النتيجة قد ملأت أصداؤها أرجاءَ أقصر قاطعةً، وامتلأت لعدديّاتُ بخبر مقتلهم، عرفنا أن ميليشيا أبي عقاب هي التي أعدتهم،وارادوا أن يعدموا أي ابتسامة يومَ مشرقة، فلموا تجدوا إلا محلَّ الحلاقة ينبضُ بابتسامة، لتنهدمَ فجأةً في مواجهةٍ مباشرةٍ لراكٍ حقيقيّ بسلاحٍ ناريّ.
تقول ريما:
- عرفنا فيما بعد من خلال الأخبارِ أن القتلةَ كان بقيادة رجلٍ يُدعى بأبي عقاب.
أبو عقاب... وشياطينه في بيتنا!
مرت أيام على تلك الحادثة المشؤومةِ، وأصبح بباب بيتنا يدقّ بعنف، وكانت حملةَ اعترفت على حيّنا، هذه الحملات المسعورة ستزداد مع الأيّام وتغدو أمرا معتادا، دخلوا علينا كسيل جارف صارخين:
- الهويّات...
فجأة اصطدامت أعيننا سهل الشيطان، كان له رأسٌ غريبٌ، ووجهٌ غيرُ سهل، ووقٌ قد انغمستْ في كتفيه، كان وجهُه كافياً أن يشعل فينا كل الغضبِ المحشوّ في الصدور، وفي هذه اللحظة لا أذكر سوى خيالٍ خاطفٍ انطلق نحو ذلك الشّيطان، حسب علمي، لقد انهالت عليه ضربا، وهي تصيح:
- قاتل! ... جبان!
أمطرته بكلّ الشّتائم، كان بششا كالقرد، ومنذ بدايتها مثل كلب حبيس، اندفعت في هجمات انتحارية، كنت أشتهي قتله، هذا الحق، وعندما رأيت انقضاضته على أمي، لم أتشاور مع عقليين في هذه اللحظة، أسرعت وكم أتمنى لو تمتلك سكينا، لم يبق البتلة أو احتياط أو بعد مسافة أمان، كم كنت أتمنى لو تعلمت كل كلمةٍ سفيهةٍ كي أرشقها في وجوههم الشيطانية، رأيتُ أخي هاشماً وقد جحظتْ عيناه وانفجرُ في دماغه، كان العراكُ على ألأخيره، ومن حول تعاليتْ أصواتُ الووحوش، وزمجراتُهم الطيورُ، ضربوا أبي وأمي، ضربوني، لم أصرخْ ولم أبكِ، أخذوا أخي، كانوا يجرجرونه، لقد انفلتوا عليه كجرذان قذرة، وانتهى المشهد بغياب أخ آخر لي من جديد .
ضدالة في الطرقات
اختفى أخي هاشمٌ، واختفى Aku مثله فيما بعد، وبات هذا المشهدُ حاضراً في حينا، الرّعبُ والعنف والصمت والغضب، الجدد كل شيء وفوقه الخضعُ، وأبو عقاب يشمشم الطرقات في كل لحظة، فقد أخذ ينمو كطحلب أو مثلِ نبتة شيطانية، ومرّت أشهر، وبات الحيُّ محاصرا ومغلقا، لم يعد للحيات إلا إدخالٌ واحد حاجز اي عقاب، كنت عائدةً من الجامعة، ويدعى به يوقف السيرفيس الذي قللني طالبا هويات، وقد اشتدت ينقب في الشفاء، كان يبتسم ابتسامةً لشخصه بشاعة، اقترب منّي ورمقني بعينيه حقاً، كلب لا ينسى وأنا لن أنسى، نحو فرأى الحزن في عيوني، لم يكن معي سلاحٌ، قلتُ في الداخل :
- كم أتمنّى أن أصفعه، وأمزّق الوجه بأظافري.
لم أفتحْ فمي بكلمة، فهم كلب صمتي، ومضى في طريقه، كم كنت أود أن ألقمه ما، الحجر أفضل مع كلب.
بدأ هذا الخوف، ولم أعد أهوى العودة إلى الحي، كنت أقضي معظم وقتي في الجامعة.
مضت سنتان على مقتل أخي صلاح واعتقال هاشم، كنّا معترضين أمام الكلاب الذين هناك حقوا حينا، لقد ادركوا حديقة حميدة الطاهر واتخذوها وكراجرامهم، حيث أخذوا يتناسلون.
أمام المصائبِ التي نزلت بأسرتي، فقد ضربت حصارنا على حيّنا، الفرقُ الأربعةُ الكلاب مسدودةٌ، يزحفون ويتعارة ويحاولون اقتحام الأبواب، لقد أتّخذ ذلك العقربُُ من حميدة حديقة الطاهر التي ضحّت بجسدها لتقتل 50 عنصراً من قوّات الجيش الرائع، موطئ قدم لإجرامهم، وسجنوا مرعباً.
سأعود للقصّة الآن، أعرف أنّي أستطردُ في الشّرح أحياناً، لقد كان أبو عقاب هذا جاهلاً تماماً، وقد أصبحت أمرا نعما ومألوفا، اضطررنا إلى أن ندخنه ونعلكه ونبصره صباح مساء،
ريما أتقبلين الزواج
مضت ثلاث سنوات، وتخرّجتُ أخيراً، وصار لي واجب، إنه موعد زفافي، كنتُ أعتقد في المرأة، سمعتُ حركة ورائي، وفجأة لمحتُ أمي ورائي، رأيتها ترنمي بنظراتٍ جففت حلقي، كنت رافضةً الزّواج إلا أن أبي أقنعني أن الحياة لا بدّ أن تستمرّ.
منذ زمن لا تقول شيئا، ومع ذلك لم تقلْ لي شيء والأبحاث، ربما كانت في زعلها على حقّ، ناجيتها ألا تفارقني، تكلمت من قلبي، ضمّتني بحرارة وقبّلتني، فطوّقتها بذراعي، كنت بحاجة إليها، منها قربي، ومع ذلك، كنت أميّةً. على المضي قدمًا، غنّيتُ بصمت، تصميمي على المنافسة، الدّمّ في عروقي، كنت أحلم مثل أي امرأة، كان خالد قد يشهد لخطبتي، وقد استطاع أن يلتقطَ من داخل قلبي مشاعرَ الحبّ ويخرجها أخرى، كنتُ قد ظننتُ أن هذه المشاعر لم تتطور موجودة، لقد انتفض قلبي مرة أخرى، بدأت أسمع نبض قلبي، لقد عاد الدّمُ يسابُ في عروقي، وقد نجح في الزواج بأسرع ما يمكن.
مضت ثلاث سنوات، ورزقت بمولودي الأوّل صلاح، دعوته باسم أخي الشّهيد، لقد استطاع هذا وقادُ الصغيرُ أن يبعث الحياة مجدّداً في بيت أهلي، ويذوّب ذلك الجبل من الصمت لتُولد على عدم توقّع ابتسامةٌ على شفيّ أمي.
رحلة إلى ما وراء الحدود
أنا الآن في أمسّ الحاجة لتركيزكم قبل أن أواصل لا بد أن نفهموا ما حدث، ما حدث كان فقط أن زوجي طُلب للخدمة الاحتياطية،
سأشرح لكم أكثر، كانت الخدمة الاحتياطية أشبه ببزّانّة إمكانية الوصول إلى كلّ الدّم الموجود فيك، ثم قذفك إلى جهنم، دون أن يكون لك كيانًا.
- أيتها المسكينة يا ريما!
أيُّ حياةٍ تعيشينها في انتظارك، قالت زوجها في اجتماع العائلة العائلية:
- سأذهب إلى تركيّة عن طريق الصحراء.
ومع ذلك لم يوافق أيٌّ منّا على هذا الرأي، فقد ابتلعت الصحراء الكثيرين من قبل، بداية جوخ خان الغرفة قاً مشدودا، إذ بدا المدى غامضاً كبحر من العتمة، والحركة ريما وقد طوت راحتيها فوق حضنها مرتعشةَ الأقسامات، فيما استسلم الباقون لصمت ثقيل يندف كآبةً، كان عليهم أن يرتّبوا أفكارهم، إلا أنه لم يكن هناك وقتٌ، ثم ليلتقطوا أنفاسهم، مرت بضعة أيام فقط ومملّةٍ، ولكنّ الخطرَ كان مختلفاً، فقد كان البحث عن المطلوبين يتّجهون إليه مباشرة، ويوما بعد يوم بدأ يحسُّ بالسكّين فوق رقبته، ومع ذلك لم يستسلمْ، وفي هذه اللحظة صمتتْ ريما، كانت تنوية أن تتوقّف عن سرد قصٌتها، وأنتْ تلاحظ أنّها أحمتنا في مشاكلها وهمومها لهاً وقد شرت في بكاءٍ مكتومٍ :
- ما ذنبكم كي تحترقوا بنار أحزاني؟
لكنّها متأكدة في ثنيهم عن المتابعة، كان الفضول قد يتولى المسؤولية على الجميع، وقد رفضوا إغماضَ أعينهم وأقفال آذانهم.
- سأكمل ذكريات الماضي، قالت بعد مسح أنتْ دموعها، كان زوجي يبدو متعباً وضائعاً ومحتاراً، فيما بعد بدا الزمن خصماً، بل وحشاً ينتهز الفرصة كي ينقضّ عليه، وقد حُوصر بضراوةٍ.
كان هنالك صوتٌ في داخله يتردّد، يصرخ:
- ماذا أفعل يا ربي؟
وفي يوم من الأيّام، خرج زوجي لشراء بعض الأغراض إلا أنه لم يعدْ، بدأ القلق يتسرّب إلى داخلي، كان ثمّة وحشٌ يحاول اغتيالي، اتّصلت به كان هاتفه مغلقا، لم أعلم ماذا أفعل؟
حضر والداي، اجتمعت العائلة، كنت أبكي ببحرقة، كنت أخشى خوفه، فجأة دقّ الباب، دق، دق، فجأة منك أرتعدُ، واجتاحتني رعشةٌ ثقةٌ، وعندما سمعتُ:
- ريما، حسابي الباب، أنا،
هنا انبثق فجأة فجأة، الدّمُ إلى عروقي، أسرعت نحو الباب الخلفي، كان يبدو مريضا، وقد اصطبغ وجهه بلطعِ الشّمس الحارقة.
عرفنا فيما بعد أن مليشيا حميدة قامت باعتقاله مع مجموعة من الشباب في، ستسألون لماذا؟
- للسّخرة، نعم لتعبئة القمصان لصنع المتاريس، كي يقشروا البطاطا، لغسل الصحون والملابس....
وتابعت، بعد أن تطلب استغرابنا:
- كنا سنين في مستنقع الميليشيات.
بدأ زوجها منذ تلك الحادثة يقضي أيامه في البيت مع صغيره في انتظار معجزة تنبع من بين قدميه، فيما كانت ريما تمضي إلى أولا، وكان أبو عقاب يقوم ببعض الفريد، كانت ريما تخشى أن يتم تأويله له، لذلك كان لا بد من الانتقال من الحي، أو السفر بسرعة.
لأنها قررت الإتّفاق مع أحد السّماسرة على تهريب زوجها من خلال أمن سيارةيّة، وفعلاً معدات ريما وزوجها للسّفر، وجاء هذا اليوم، وفي هذه اللحظة بدت ريما كوردةٍ ذابلةٍ قالت:
- تمزّقت أمي حزناً ونحن نغادرها، وكان بالفعل إليّ مع طفلي، ونحن نركب السيارة، أشحْتُ بنظراتي هاربا منها، ولكنّ لأنّها ظلّت تطاردني، لم تنتهيْ في هذه اللحظة إلا أن تطلق العنان لدموعي، فيما تنشطت السّيارةُ وانطلقت، جلسة مزدوجة باستمرار السّائق فيما جلستْتُ مع طفلي من الخلف، كان زوجي مرتبكاً، كنتُ أوقّع أن يُصاب بالرّعب، لقد عشتُ هذه التجربة من قبل ذلك، نقضي علينا الساعة ونحن متوترين، في ما يتعلق ببداية السّياسات حافة الطّباع، رمى عقب سيكارته من نافذة السّيّارة، ثم أشعل سيكارةً ولاذ بالصّمت، كنا متكوّمين على نجمة، كان خوفًا في كل مكان من أجسامنا، الساعة الثانية بعد الظهر، وقد انطلقنا في سيارة عسكريةّة ، كان الطريق متكدّساً بالجنود، لا نكاد نقطع مسافة قريبةً من دون نقاط الضعف من هويّتنا، ومع ذلك لم تكن هذه الحواجزُ تشغل بالنا، بقدر تلك الحواجز التي تقوم بها بضرب الفيش لنا، ستُّ ساعات مضت، وأنا أبتهل إلى الله بالدّعاء، ما شاء حلب، وقد ارتاحت نفسياتنا، واخترنا لن نستعد للدّخول إلى آخر، كنّا مضطرّين للانتظار، لم يكن الأمرُ بهذه السهولة، فالمحاولاتُ لا نجحت كلُّها دائماً، انتظرنا وطال انتظارنا، وأخيراً تجاوزنا كلَّ لاتخاذ القرار، واستقر بنا الحال في تركية .
كي لا نخسر ذاكرتنا
عاشت ريما مع زوجها وطفلها في ولاية غازي عينتاب، في شقّة، كانت البردةُ ترشح من الجدران، كما كانت عادية تشيعُ العفونةُ في فضاء الغرفة، ومع ذلك كانت مسربلةً بالتصميم على المواجهة، تعيشً وحييّةً كالدورةِ الدّمويةِ، لم تحملْ فياتِها أي ثقةٍ دمويةٍ كالتي. خذها في سورية، حكت:
- كنت أدرّس الرياضيات في إحدى المعاهدة، فيما بعد عاش زوجي جميعاً في لسبب العمل، واحتمالاته، كابتاً معاناته، أنوفاً، كنت أسمع صدى صوتي يترد بسهولة في أرجاء البيت.
وهنا لا بد من الاعتراف:
- كانت ريما من تلك القلّة التي دفنت رأسها في الرمل، رافضةً أن تسدّ طاقة الريح وتستريح، لقد تكرهت من مدرسة القهر والألم، وحان الوقت لتقتحم جحيم الثّرثرة، ونظرت إلينا، قررتنا، أنا أشرح لك:
- إنه التوحدي
والنتيجة:
- لا شيء، لا تتعجبْ كلامي، لن يشهد شيئًا في الوقت الحاضر، ومع كل هذه العتمة وهذا الإظلام لا بد منه في يوم ما أن يومض برقٌ خاطفٌ، متقطّعٌ، يبرز نورا، وهي الحكمةُ الحياتيةُ، الانضمام الى النهاية.