map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

"نهاية خيمة" قصة للكاتب نضال الخليل

تاريخ النشر : 02-03-2025
"نهاية خيمة" قصة للكاتب نضال الخليل

بينما يضرب عكازه بإيقاع جنائزي، يحمل أبو طاهر وعائلته في قلبهم ثقل الترحال المستمر وألم الهوية المهدورة، ليصبح كل طريق يمشون به يؤدي إلى المزيد من الغربة والخسارة.

في النهاية، وبينما يبحثون عن مأوى جديد في مكان بعيد وبارد تحت ثلج كندا، تتحول خيمة الأمل التي لطالما احتضنتهم إلى رمز صامت للحنين، بينما يسأل الجميع: أين يمكن للفلسطيني أن ينصب خيمته في بلاد بلا حدود له؟

نهاية خيمة

نضال الخليل

نحن من عرب بيت لحم إرثنا خيام... في كل مكان نعمر وطناً بحجم الغناء والصلاة.. لم نشقَ دون جواز سفركم.

قال طاهر كلماته بغضب في وجه رجل الأمن بمصلحة الجوازات.

الرجل ساخرا:

عامل فيها خطيب؟!

لا خطيب ولا غيرو، بتعرف بلهجتنا كل ترحال يزيد في وطنكم مدينة،  أنا أطالب بحكم جنسيتي في بلدكم كيف تأخذون منا جوازات السفر؟!

-إنها قرارات حكومية وصدقني أنا مو كتير فارقة معي كنتم بجواز سفر أم لا بس هي قرارات.

-قرارات حكومية سحبت منا الجنسية.. نحن الآن بلا جواز سفر..

أبو طاهر حمل عكازه متجها إلى الشرفة:

بدو حاقدون لو ينسوا ثأرهم معي... منذ أكثرَ من أربعين عاماً رفضت أمرهم، وخلعت البِزَّة العسكرية، قلت للضابط بندقيتي لا تقتل إخوتي.

أيلول هذا مذبحة لن تُغفر لكم.. كانت أول حرب معهم.. علقوا منصة الإعدام في ساحة بيتي، لكنّي هربتُ من أصدقائي في منظمة التحرير إلى حوران بسوريا.

الآن يعيدون محاكمتي.. مشنقتهم أحرقت جواز السفر..

ضرب الأرض بعكازه بإيقاع جنائزي عاد به إلى صوت قرع الطبول، ويداه كانتا تحملان نعش أبي خالد الفتى الفلسطيني الغاضب، وصاحب الجملة الباقية في ذاكرة أبي طاهر: "العدو الداخلي أنجس من براز كلبة."

معركة أولُها أيلول.. الموتُ في أيلول.. المجزرةُ أيلول..

في أيلول من كل عام لا يُسمع إلا قرع الطبول الجنائزية وصرخات النسوة المذبوحة من وسخ بندقياتهم.

ينظر إلى ولده: خذني لغرفتي أريد النوم.

أغلق طاهر باب الغرفة وعاد إلى إخوته.

عكاز والدي تعبت من التَّرحال.. البيوت لا عمر طويل لها كأنها منذورة.

تضحك سلمى الأخت التي تشبه بسمرتها عنجهية البدوية على الماء.

نذر!! لقد ذبحنا أكثر من عشرين أضحيةً لكن دمها كان يزيد النزوح لعنة.

قال سالم الأخ الصغير:

نحن عرب رحل بكل معنى الكلمة، ركضنا صوب الماء والعشب لأعوام، ولكن لم نملك خرافاً ولا معزاً.. كنا نحن المَعْز.

يسمع أبو طاهر جدل أبنائه.. ناظرا إلى عكازه:

أيها الصديق الخشبي مازالت لعنات التّرحال تطاردنا.. أشعر بأنيابها تحت جلدي.

مزيريب وبعدها دمشق، مخيم جرمانا، دير علي والحسينية.. والآن عدنا من نفس الطريق كأنَّ الرحلةَ وهم تعب.. من بوابة حوران عدنا كأننا لم نأت.

الفرق أن كلفة الرحلة جوازُ سفر.

وأنا بدوي فلسطين كل الجهات ستعيدني هناك إلى بيت لحم.

يخيم الصمت على البيت مع عتمة الليل.

كتب سالم لصديقه:

علينا الهرب.. كل شيء هنا يحمل الموت، ونحن الهاربون من فم الموت، من سورية، إنها حرب أنجس من براز كلبة.

المكان أشبه بقبر.

العائلة عادت لجمع خيامها لترحال بدوي مقهور، تبحث من ماء وكلأ والنار في أحلامهم لا تنطفئ.

إيقاع عكاز أبي طاهر أخرسَ كلّ اللغات.

سمعت أم عمر جارتهم في مشروع الحسينية أنهم وصلوا إلى كندا، قالت:

أبو طاهر لا يحتمل البرد وعكازه لا تمشي على جليد.. بدوي في بلاد الثلج.. أين سينصب خيمته وقهوته.. المكانُ -بلا خيمة- قبر.

الوسوم

رابط مختصر : http://actionpal.org.uk/ar/post/21210

بينما يضرب عكازه بإيقاع جنائزي، يحمل أبو طاهر وعائلته في قلبهم ثقل الترحال المستمر وألم الهوية المهدورة، ليصبح كل طريق يمشون به يؤدي إلى المزيد من الغربة والخسارة.

في النهاية، وبينما يبحثون عن مأوى جديد في مكان بعيد وبارد تحت ثلج كندا، تتحول خيمة الأمل التي لطالما احتضنتهم إلى رمز صامت للحنين، بينما يسأل الجميع: أين يمكن للفلسطيني أن ينصب خيمته في بلاد بلا حدود له؟

نهاية خيمة

نضال الخليل

نحن من عرب بيت لحم إرثنا خيام... في كل مكان نعمر وطناً بحجم الغناء والصلاة.. لم نشقَ دون جواز سفركم.

قال طاهر كلماته بغضب في وجه رجل الأمن بمصلحة الجوازات.

الرجل ساخرا:

عامل فيها خطيب؟!

لا خطيب ولا غيرو، بتعرف بلهجتنا كل ترحال يزيد في وطنكم مدينة،  أنا أطالب بحكم جنسيتي في بلدكم كيف تأخذون منا جوازات السفر؟!

-إنها قرارات حكومية وصدقني أنا مو كتير فارقة معي كنتم بجواز سفر أم لا بس هي قرارات.

-قرارات حكومية سحبت منا الجنسية.. نحن الآن بلا جواز سفر..

أبو طاهر حمل عكازه متجها إلى الشرفة:

بدو حاقدون لو ينسوا ثأرهم معي... منذ أكثرَ من أربعين عاماً رفضت أمرهم، وخلعت البِزَّة العسكرية، قلت للضابط بندقيتي لا تقتل إخوتي.

أيلول هذا مذبحة لن تُغفر لكم.. كانت أول حرب معهم.. علقوا منصة الإعدام في ساحة بيتي، لكنّي هربتُ من أصدقائي في منظمة التحرير إلى حوران بسوريا.

الآن يعيدون محاكمتي.. مشنقتهم أحرقت جواز السفر..

ضرب الأرض بعكازه بإيقاع جنائزي عاد به إلى صوت قرع الطبول، ويداه كانتا تحملان نعش أبي خالد الفتى الفلسطيني الغاضب، وصاحب الجملة الباقية في ذاكرة أبي طاهر: "العدو الداخلي أنجس من براز كلبة."

معركة أولُها أيلول.. الموتُ في أيلول.. المجزرةُ أيلول..

في أيلول من كل عام لا يُسمع إلا قرع الطبول الجنائزية وصرخات النسوة المذبوحة من وسخ بندقياتهم.

ينظر إلى ولده: خذني لغرفتي أريد النوم.

أغلق طاهر باب الغرفة وعاد إلى إخوته.

عكاز والدي تعبت من التَّرحال.. البيوت لا عمر طويل لها كأنها منذورة.

تضحك سلمى الأخت التي تشبه بسمرتها عنجهية البدوية على الماء.

نذر!! لقد ذبحنا أكثر من عشرين أضحيةً لكن دمها كان يزيد النزوح لعنة.

قال سالم الأخ الصغير:

نحن عرب رحل بكل معنى الكلمة، ركضنا صوب الماء والعشب لأعوام، ولكن لم نملك خرافاً ولا معزاً.. كنا نحن المَعْز.

يسمع أبو طاهر جدل أبنائه.. ناظرا إلى عكازه:

أيها الصديق الخشبي مازالت لعنات التّرحال تطاردنا.. أشعر بأنيابها تحت جلدي.

مزيريب وبعدها دمشق، مخيم جرمانا، دير علي والحسينية.. والآن عدنا من نفس الطريق كأنَّ الرحلةَ وهم تعب.. من بوابة حوران عدنا كأننا لم نأت.

الفرق أن كلفة الرحلة جوازُ سفر.

وأنا بدوي فلسطين كل الجهات ستعيدني هناك إلى بيت لحم.

يخيم الصمت على البيت مع عتمة الليل.

كتب سالم لصديقه:

علينا الهرب.. كل شيء هنا يحمل الموت، ونحن الهاربون من فم الموت، من سورية، إنها حرب أنجس من براز كلبة.

المكان أشبه بقبر.

العائلة عادت لجمع خيامها لترحال بدوي مقهور، تبحث من ماء وكلأ والنار في أحلامهم لا تنطفئ.

إيقاع عكاز أبي طاهر أخرسَ كلّ اللغات.

سمعت أم عمر جارتهم في مشروع الحسينية أنهم وصلوا إلى كندا، قالت:

أبو طاهر لا يحتمل البرد وعكازه لا تمشي على جليد.. بدوي في بلاد الثلج.. أين سينصب خيمته وقهوته.. المكانُ -بلا خيمة- قبر.

الوسوم

رابط مختصر : http://actionpal.org.uk/ar/post/21210