map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

التمثيل الفلسطيني رحلة من الألم والأمل

تاريخ النشر : 18-03-2025
التمثيل الفلسطيني رحلة من الألم والأمل

نضال خليل | مجموعة العمل 

في ليلةٍ اشتدت فيها رياح التغيير على أسوار دمشق وفي ثامن ديسمبر عام ٢٠٢٤ ارتسمت ملامح مشهدٍ جديد لسوريا بعد انتصار الثورة التي قضت على النظام البائد بقيادة بشار الأسد. كانت تلك اللحظة بمثابة ولادةٍ جديدة فصلٌ من فصول التاريخ يُعيد كتابة معادلات السياسة والاجتماع وتدور في أرجائها أسئلةٌ ثقيلةٌ عن الهوية والشرعية وسط هذا الزخم الثوري برزت صورةٌ غامضة ومُبهمة للفلسطينيين المقيمين في البلاد صورةٌ لطالما حملت في طياتها صراعات الماضي وآمال المستقبل وتحدّياتِ إعادة تأويل الدور السياسي والاجتماعي الذي طالما انغرس في تاريخهم داخل سوريا.

منذ بزوغ فجر الثورة خضعت سوريا إلى تغيّرات جذرية لم تكن مجرد تبدلات عابرة في اللوحات السياسية، بل كانت بمثابة زلزالٍ قلب مفاهيم الحياة اليومية ففي تلك اللحظات التاريخية انبثقت أصداء أصوات المظاهرات وارتفعت هتافات الحرية والكرامة لتعلن ولادة حقبةٍ جديدة ومع زوال الظلام الذي غلف النظام الساقط خرجت الحقائق المتراكمة إلى النور فاضطرّ الفلسطينيون في سوريا إلى مواجهة ورطةٍ قديمة تتشابك فيها ذكريات الماضي مع آمال الحاضر

كانت تلك الفترة بمثابة فصلٍ من روايةٍ حيةٍ تُكتب بأنامل الشعب فصلٌ امتزج فيه الألم بالأمل حيث تحولت الأحداث إلى لوحةٍ فنية معقدة تعكس تناقضات الواقع:

من جهة انتصارٌ ثوريٌّ أعاد توزيع الأوراق على مائدة السياسة ومن جهةٍ أخرى ظلّ التمثيل الفلسطيني الذي طالما حمل عبء خدمة أجندات خارجية طريح الرأس في زوايا تاريخٍ لا يحمد عقباه في خضمّ هذا التغيير الجذري  برزت تساؤلاتٌ مُلحة حول مدى قدرة تلك الهيئات على تقديم صورةٍ جديدة تعبّر عن تطلعات الفلسطينيين  تتماشى مع روح الانتصار والتجديد.

على مدى عقودٍ طويلة  كان التمثيل الفلسطيني في سوريا يشبه مرآةً معكوسةً لطيفٍ معقد مرآةً التقطت انعكاسات نضالات الشعب الفلسطيني عبر الزمن  لكنها في ذات الوقت كانت تتأثر بظلال النظام السوري القديم  فقد اعتادت تلك الهيئات أن تكون بمثابة أدوات سياسية تُستخدم لتحقيق مصالح أجندات خارجية  ما أدى إلى تزوير الهوية وتشويه الإرث الثقافي والسياسي  ومع مرور السنين  جُفّت مياه الثقة بين الفلسطينيين وكياناتهم التنظيمية  حيث تحولت أيقونات النضال إلى رموزٍ شاحبةٍ لا تعكس سوى صورةً شكليةً بعيدة عن نبض الحياة اليومية للشعب.

إن التمثيل الذي كان يوماً ما جسراً يربط بين معاناة الفلسطينيين وطموحاتهم تحول إلى سردٍ متقطعٍ تتبدل فيه الوجوه وتختلط فيه المواقف حتى بات السؤال المُلِحّ:

هل من الممكن أن يُعاد للنسيج الفلسطيني في سوريا بريقه المفقود؟

وهل يستطيع هذا الجسد الثقافي والسياسي أن يتخلص من قيوده المفروضة ويستعيد مكانته في قلب الشارع الفلسطيني؟

وسط هذه المسيرة المليئة بالتناقضات تبرز قضية الشرعية والمصداقية كأحد أهم العوامل التي تحدد مستقبل التمثيل فالارتباط الوثيق بالماضي الذي خدم أجندات نظامٍ ساد لفترةٍ طويلة  ألقى بظلاله على الحاضر  مما جعل من الصعب إعادة بناء الثقة التي انكسرت مع مرور الزمن  ورغم ذلك  فإن الثورة التي حملت في طياتها طموحات إعادة كتابة المعادلات السياسية والاجتماعية قد فتحت آفاقاً جديدة لتأمل الذات والتجديد.

إن الهوية الفلسطينية تلك اللغز الذي طالما استحيل حله بين ثنايا الألم والأمل أصبحت اليوم تحت المجهر في سياقٍ جديد داخل سوريا.

 فبينما يسعى الشارع الفلسطيني إلى إيجاد صوتٍ يعبر عن همومه تجد الهيئات التي طالما شكلت تمثيلهم أن تتحول إلى رموزٍ تقليديةٍ تفقد قدرتها على الاستجابة للمتغيرات إنّ الهوية التي تستمد جذورها من تاريخٍ طويلٍ من الكفاح والتحدي لم تعد تنعكس بوضوح في هياكل العمل السياسي والاجتماعي القائمة، بل باتت تختبئ خلف أقنعة رسمية وأيقونات ثقافية فقدت بريقها الأصلي.

وفي هذه اللحظة الحرجة يبدو أن الذاكرة الجماعية تستدعي إعادة النظر في ملامح الماضي، لتجد في تلك الذكريات نواةً للتجديد.

 فالشعوب التي تحمل في طياتها قصص الكفاح والعزيمة قادرة دائماً على تجاوز الانكسارات إلا أن ذلك يستلزم القدرة على فصل ما هو صوري عما هو جوهري.

وهنا يتضح أن التمثيل الفلسطيني القديم الذي كان بمثابة ظلٍ باهتٍ يخدم مصالح أجندات خارجية قد ضرب آخر مسمارٍ في نعشه ليبقى أمامنا تحدٍ جديد وهو كيفية بناء جسدٍ سياسيٍ واجتماعيٍ يُعبّر بصدق عن واقع الفلسطينيين في سوريا.

إن تلك المؤسسات التي تعاني من أزمة ثقةٍ متأصلة بين صفوف الشارع قد بدأت تشعر بثقل سنوات الجمود الفكري والمبدأي الذي أسفر عن فقدان الشرعية والدعم الشعبي فقد تضاءلت القدرة على التجديد وأصبحت الهياكل التقليدية عائقاً أمام مواكبة التحولات الاجتماعية والسياسية التي فرضها الزمن.

وهنا تتجلى الحاجة الملحة لإعادة صياغة الهوية التمثيلية بما يتناسب مع معطيات الواقع الجديد الذي يحمل بين طياته آمال الانتصار وتحولات العصر.

لا يمكن الحديث عن التمثيل الفلسطيني دون الإشارة إلى التأثير العميق الذي أحدثه انتصار الثورة السورية، فمع زوال النظام القديم انفتح بابٌ للتغيير والتحول السياسي وأصبح المشهد محاطاً بتناقضاتٍ وصراعاتٍ داخلية تفرض على كل جهة أن تتخذ موقفاً واضحاً في ظل هذا المشهد المتجدد تواجه الهيئات الفلسطينية تحدياتٍ جسيمة إذ بات عليها أن تجد لنفسها هويةً جديدة تليق بواقع الشارع الذي طالما سعى لتحقيق العدالة والكرامة.

في هذه المرحلة الحرجة برز السؤال الذي يطرح نفسه على كل من يُحمل همّ التمثيل الفلسطيني:

هل تستطيع هذه المؤسسات إعادة بناء جسورها مع المجتمع أم ستظل مجرد أيقوناتٍ رمزية تعبر عن وجود شكليٍ بعيد عن حياة الناس؟

تلك الأيقونات التي كانت يوماً ما صوت النضال أصبحت اليوم مجرد بقايا من هيكلٍ متعثرٍ لا يستطيع أن يواكب ديناميكية الحياة السياسية والاجتماعية.

ومن هنا يظهر جلياً أن التحول الذي شهده المشهد السياسي ليس مجرد تبدّلٍ شكليٍ، بل هو رحلةٌ طويلةٌ من الألم والتجديد رحلةٌ تتطلب إعادة النظر في أساليب العمل وتفكيك النماذج القديمة التي خانت روح التجديد، ففي غياب الدعم الرسمي من الدولة السورية الجديدة يجد الفلسطينيون أنفسهم مطالبين بإيجاد بدائل تمثيلية حقيقية تُعبّر عن همومهم وطموحاتهم بعيداً عن أي مظاهر شكليّة تحبس روح الإبداع والتجديد.

إن الطريق إلى التجديد ليس مفروشاً بالورود، بل هو مسارٌ معقد تتخلله عقباتٌ وتحديات تتطلب شجاعة وإصراراً من صناع التاريخ في ظلّ انعدام التصريحات الرسمية والضبابية التي تحيط بنظم العمل القديمة يبقى الفلسطينيون مطالبين بالانخراط في رحلةٍ شاقة لإعادة بناء الثقة المفقودة تلك الثقة التي كان يُبنى عليها تمثيلٌ سياسي واجتماعي في السابق.

يتعين على هذه المؤسسات أن تتجاوز الانقسامات الداخلية وتكسر قيود التبعية التي كانت تفرضها عليها أجندات خارجية لتكون بذلك جسراً حقيقياً بين الماضي العريق والحاضر المعاصر ففي كل زاوية من زوايا الذاكرة تظهر صورٌ لوجوهٍ عانت من الخيبات لكن تلك الوجوه لا تزال ترفلُ بين أمواج الأمل تبحث عن بصيص ينير طريقها نحو مستقبلٍ جديد.

إن التجديد هنا ليس مجرد شعار يتردد في الأروقة، بل هو نداءٌ من القلب لاستعادة الإرث السياسي والثقافي الذي يمثله الفلسطينيون في سوريا هذا النداء الذي يحثّ على إعادة النظر   في الأساليب والمناهج وإصلاح هياكل العمل الداخلي التي باتت عاجزة عن مواكبة معطيات العصر الحديث فكلما تعمّق الشعب في البحث عن هويته زاد الضباب الذي يخيم على صورته التمثيلية حتى باتت تساؤلات الشرعية والمصداقية تتردد كأنها أصداءٍ في أروقة التاريخ.

في ضوء الأحداث التي تلت الثورة لا يسعنا إلا أن نتساءل:

 هل من سبيل لإحياء روح التمثيل الفلسطيني بطريقةٍ جديدة تنبض بالحياة والواقعية؟

هل ستتمكن تلك الهيئات من تحويل التجاذبات القديمة إلى نقاطٍ مضيئةٍ تضيء مستقبل الفلسطينيين في سوريا؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات تتوقف على القدرة على التجديد على كسر القيود التي فرضها الماضي وعلى بناء جسورٍ حقيقية بين الكيان التنظيمي والشارع الفلسطيني.

ففي كل حيّ وكل زاوية من أرجاء سوريا يظل الشعب الفلسطيني يبحث عن بصيرةٍ تُعيد له الثقة في نفسه وتمنحه القدرة على المشاركة الفاعلة في رسم معالم الوطن الجديد.

وهنا يظهر التحدي الأكبر:

التوفيق بين إرثٍ ثقيلٍ من الجمود السياسي والفكري وبين حاجةٍ ملحّةٍ للتجديد والإبداع.

 إن الطريق نحو المستقبل يتطلب خطوات جذرية منها إصلاح هياكل العمل وإعادة صياغة الأهداف بما يتناسب مع واقعٍ جديد واقعٌ لا يقتصر على مجرد الحفاظ على وجود شكلي بل يسعى إلى تحقيق تغييرٍ إيجابيّ ينعكس في حياة الناس.

منذ أيام الثورة ظلّت الأيادي ممتدةً نحو المستقبل تبحث عن حلولٍ مبتكرة تُعيد للنظام الفلسطيني دوره الحقيقي وفي كل تلك المحاولات تكمن رغبةٌ جامحة في إنهاء حالة الانقسام والفجوة التي كادت أن تفقد الكيان ذاته رغبةٌ في استعادة الهوية النضالية التي لطالما ميزت الشعب الفلسطيني عن سائر الشعوب.

إنّ رحلة التمثيل الفلسطيني في سوريا اليوم تُحاكي رحلة البحث عن الذات في زمنٍ تتداخل فيه ملامح الماضي مع أطياف الحاضر تلك الرحلة التي جُسدت في قصص النضال والأمل والتي لم تستطع الهيئات التقليدية أن تلتقط معانيها الحقيقية باتت بحاجةٍ إلى إعادة تعريف متكاملة ترتكز على مبادئ العدالة والشفافية والانتماء الحقيقي.

في زمن تتسارع فيه وتيرة التحولات السياسية والاجتماعية يجد الفلسطينيون أنفسهم في مفترق طرق يحملون بين أيديهم إرثاً ثقافياً وسياسياً عريقاً إلا أن هذا الإرث بات يُهدد بفقدان معناه الأصلي فهل ستنجح المؤسسات في تجاوز قيود الماضي لتصبح جسرًا بين طموحات الشعب وواقع الحياة اليومية؟

وهل من الممكن أن ينبت من رحم هذه التحديات شجرةٌ جديدةٌ تزهر بروح التجديد والحرية؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب وعيًا جماعيًّا وإرادةً   تتجاوز الانقسامات الداخلية وتعيد صياغة الأفكار لتتماشى مع متطلبات العصر هنا لا مكان للتراجع أو الاستسلام، بل على كل من يحمل همّ التمثيل الفلسطيني أن يخطو خطواتٍ جريئة يعيد للنظام مكانته الحقيقية كمرآةٍ تعكس نبض الشارع وطموحات الشعب.

وهكذا في قلب سوريا المتجددة وبين أطياف الثورة وتحديات الواقع يبقى التمثيل الفلسطيني حكايةً لم تنتهِ بعد حكاية تُكتب بالحبر الدامي للأمل حكايةٌ تسأل عن هويةٍ تستحق أن تُسمى بحقّ وتطالب بإعادة النظر في معاني الولاء والانتماء بعيداً عن تلك الأطر القديمة التي لم تعد تلبي احتياجات العصر.

إنّ مستقبل التمثيل الفلسطيني في سوريا معلقٌ بمدى قدرة الكيانات على تجاوز الماضي على إعادة بناء ثقة الشعب وعلى إشعال شعلة التغيير في زمن يرفض الانحناء للجمود وفي كل زاويةٍ من هذا المشهد الجديد ينبثق صوتٌ من أعماق الذاكرة صوتٌ يدعو إلى التجديد والحرية إلى إعادة اكتشاف الذات والتركيز على ما يجعل من كل شعبٍ كيانًا حقيقيًا لا يُقهَر.

الوسوم

رابط مختصر : http://actionpal.org.uk/ar/post/21275

نضال خليل | مجموعة العمل 

في ليلةٍ اشتدت فيها رياح التغيير على أسوار دمشق وفي ثامن ديسمبر عام ٢٠٢٤ ارتسمت ملامح مشهدٍ جديد لسوريا بعد انتصار الثورة التي قضت على النظام البائد بقيادة بشار الأسد. كانت تلك اللحظة بمثابة ولادةٍ جديدة فصلٌ من فصول التاريخ يُعيد كتابة معادلات السياسة والاجتماع وتدور في أرجائها أسئلةٌ ثقيلةٌ عن الهوية والشرعية وسط هذا الزخم الثوري برزت صورةٌ غامضة ومُبهمة للفلسطينيين المقيمين في البلاد صورةٌ لطالما حملت في طياتها صراعات الماضي وآمال المستقبل وتحدّياتِ إعادة تأويل الدور السياسي والاجتماعي الذي طالما انغرس في تاريخهم داخل سوريا.

منذ بزوغ فجر الثورة خضعت سوريا إلى تغيّرات جذرية لم تكن مجرد تبدلات عابرة في اللوحات السياسية، بل كانت بمثابة زلزالٍ قلب مفاهيم الحياة اليومية ففي تلك اللحظات التاريخية انبثقت أصداء أصوات المظاهرات وارتفعت هتافات الحرية والكرامة لتعلن ولادة حقبةٍ جديدة ومع زوال الظلام الذي غلف النظام الساقط خرجت الحقائق المتراكمة إلى النور فاضطرّ الفلسطينيون في سوريا إلى مواجهة ورطةٍ قديمة تتشابك فيها ذكريات الماضي مع آمال الحاضر

كانت تلك الفترة بمثابة فصلٍ من روايةٍ حيةٍ تُكتب بأنامل الشعب فصلٌ امتزج فيه الألم بالأمل حيث تحولت الأحداث إلى لوحةٍ فنية معقدة تعكس تناقضات الواقع:

من جهة انتصارٌ ثوريٌّ أعاد توزيع الأوراق على مائدة السياسة ومن جهةٍ أخرى ظلّ التمثيل الفلسطيني الذي طالما حمل عبء خدمة أجندات خارجية طريح الرأس في زوايا تاريخٍ لا يحمد عقباه في خضمّ هذا التغيير الجذري  برزت تساؤلاتٌ مُلحة حول مدى قدرة تلك الهيئات على تقديم صورةٍ جديدة تعبّر عن تطلعات الفلسطينيين  تتماشى مع روح الانتصار والتجديد.

على مدى عقودٍ طويلة  كان التمثيل الفلسطيني في سوريا يشبه مرآةً معكوسةً لطيفٍ معقد مرآةً التقطت انعكاسات نضالات الشعب الفلسطيني عبر الزمن  لكنها في ذات الوقت كانت تتأثر بظلال النظام السوري القديم  فقد اعتادت تلك الهيئات أن تكون بمثابة أدوات سياسية تُستخدم لتحقيق مصالح أجندات خارجية  ما أدى إلى تزوير الهوية وتشويه الإرث الثقافي والسياسي  ومع مرور السنين  جُفّت مياه الثقة بين الفلسطينيين وكياناتهم التنظيمية  حيث تحولت أيقونات النضال إلى رموزٍ شاحبةٍ لا تعكس سوى صورةً شكليةً بعيدة عن نبض الحياة اليومية للشعب.

إن التمثيل الذي كان يوماً ما جسراً يربط بين معاناة الفلسطينيين وطموحاتهم تحول إلى سردٍ متقطعٍ تتبدل فيه الوجوه وتختلط فيه المواقف حتى بات السؤال المُلِحّ:

هل من الممكن أن يُعاد للنسيج الفلسطيني في سوريا بريقه المفقود؟

وهل يستطيع هذا الجسد الثقافي والسياسي أن يتخلص من قيوده المفروضة ويستعيد مكانته في قلب الشارع الفلسطيني؟

وسط هذه المسيرة المليئة بالتناقضات تبرز قضية الشرعية والمصداقية كأحد أهم العوامل التي تحدد مستقبل التمثيل فالارتباط الوثيق بالماضي الذي خدم أجندات نظامٍ ساد لفترةٍ طويلة  ألقى بظلاله على الحاضر  مما جعل من الصعب إعادة بناء الثقة التي انكسرت مع مرور الزمن  ورغم ذلك  فإن الثورة التي حملت في طياتها طموحات إعادة كتابة المعادلات السياسية والاجتماعية قد فتحت آفاقاً جديدة لتأمل الذات والتجديد.

إن الهوية الفلسطينية تلك اللغز الذي طالما استحيل حله بين ثنايا الألم والأمل أصبحت اليوم تحت المجهر في سياقٍ جديد داخل سوريا.

 فبينما يسعى الشارع الفلسطيني إلى إيجاد صوتٍ يعبر عن همومه تجد الهيئات التي طالما شكلت تمثيلهم أن تتحول إلى رموزٍ تقليديةٍ تفقد قدرتها على الاستجابة للمتغيرات إنّ الهوية التي تستمد جذورها من تاريخٍ طويلٍ من الكفاح والتحدي لم تعد تنعكس بوضوح في هياكل العمل السياسي والاجتماعي القائمة، بل باتت تختبئ خلف أقنعة رسمية وأيقونات ثقافية فقدت بريقها الأصلي.

وفي هذه اللحظة الحرجة يبدو أن الذاكرة الجماعية تستدعي إعادة النظر في ملامح الماضي، لتجد في تلك الذكريات نواةً للتجديد.

 فالشعوب التي تحمل في طياتها قصص الكفاح والعزيمة قادرة دائماً على تجاوز الانكسارات إلا أن ذلك يستلزم القدرة على فصل ما هو صوري عما هو جوهري.

وهنا يتضح أن التمثيل الفلسطيني القديم الذي كان بمثابة ظلٍ باهتٍ يخدم مصالح أجندات خارجية قد ضرب آخر مسمارٍ في نعشه ليبقى أمامنا تحدٍ جديد وهو كيفية بناء جسدٍ سياسيٍ واجتماعيٍ يُعبّر بصدق عن واقع الفلسطينيين في سوريا.

إن تلك المؤسسات التي تعاني من أزمة ثقةٍ متأصلة بين صفوف الشارع قد بدأت تشعر بثقل سنوات الجمود الفكري والمبدأي الذي أسفر عن فقدان الشرعية والدعم الشعبي فقد تضاءلت القدرة على التجديد وأصبحت الهياكل التقليدية عائقاً أمام مواكبة التحولات الاجتماعية والسياسية التي فرضها الزمن.

وهنا تتجلى الحاجة الملحة لإعادة صياغة الهوية التمثيلية بما يتناسب مع معطيات الواقع الجديد الذي يحمل بين طياته آمال الانتصار وتحولات العصر.

لا يمكن الحديث عن التمثيل الفلسطيني دون الإشارة إلى التأثير العميق الذي أحدثه انتصار الثورة السورية، فمع زوال النظام القديم انفتح بابٌ للتغيير والتحول السياسي وأصبح المشهد محاطاً بتناقضاتٍ وصراعاتٍ داخلية تفرض على كل جهة أن تتخذ موقفاً واضحاً في ظل هذا المشهد المتجدد تواجه الهيئات الفلسطينية تحدياتٍ جسيمة إذ بات عليها أن تجد لنفسها هويةً جديدة تليق بواقع الشارع الذي طالما سعى لتحقيق العدالة والكرامة.

في هذه المرحلة الحرجة برز السؤال الذي يطرح نفسه على كل من يُحمل همّ التمثيل الفلسطيني:

هل تستطيع هذه المؤسسات إعادة بناء جسورها مع المجتمع أم ستظل مجرد أيقوناتٍ رمزية تعبر عن وجود شكليٍ بعيد عن حياة الناس؟

تلك الأيقونات التي كانت يوماً ما صوت النضال أصبحت اليوم مجرد بقايا من هيكلٍ متعثرٍ لا يستطيع أن يواكب ديناميكية الحياة السياسية والاجتماعية.

ومن هنا يظهر جلياً أن التحول الذي شهده المشهد السياسي ليس مجرد تبدّلٍ شكليٍ، بل هو رحلةٌ طويلةٌ من الألم والتجديد رحلةٌ تتطلب إعادة النظر في أساليب العمل وتفكيك النماذج القديمة التي خانت روح التجديد، ففي غياب الدعم الرسمي من الدولة السورية الجديدة يجد الفلسطينيون أنفسهم مطالبين بإيجاد بدائل تمثيلية حقيقية تُعبّر عن همومهم وطموحاتهم بعيداً عن أي مظاهر شكليّة تحبس روح الإبداع والتجديد.

إن الطريق إلى التجديد ليس مفروشاً بالورود، بل هو مسارٌ معقد تتخلله عقباتٌ وتحديات تتطلب شجاعة وإصراراً من صناع التاريخ في ظلّ انعدام التصريحات الرسمية والضبابية التي تحيط بنظم العمل القديمة يبقى الفلسطينيون مطالبين بالانخراط في رحلةٍ شاقة لإعادة بناء الثقة المفقودة تلك الثقة التي كان يُبنى عليها تمثيلٌ سياسي واجتماعي في السابق.

يتعين على هذه المؤسسات أن تتجاوز الانقسامات الداخلية وتكسر قيود التبعية التي كانت تفرضها عليها أجندات خارجية لتكون بذلك جسراً حقيقياً بين الماضي العريق والحاضر المعاصر ففي كل زاوية من زوايا الذاكرة تظهر صورٌ لوجوهٍ عانت من الخيبات لكن تلك الوجوه لا تزال ترفلُ بين أمواج الأمل تبحث عن بصيص ينير طريقها نحو مستقبلٍ جديد.

إن التجديد هنا ليس مجرد شعار يتردد في الأروقة، بل هو نداءٌ من القلب لاستعادة الإرث السياسي والثقافي الذي يمثله الفلسطينيون في سوريا هذا النداء الذي يحثّ على إعادة النظر   في الأساليب والمناهج وإصلاح هياكل العمل الداخلي التي باتت عاجزة عن مواكبة معطيات العصر الحديث فكلما تعمّق الشعب في البحث عن هويته زاد الضباب الذي يخيم على صورته التمثيلية حتى باتت تساؤلات الشرعية والمصداقية تتردد كأنها أصداءٍ في أروقة التاريخ.

في ضوء الأحداث التي تلت الثورة لا يسعنا إلا أن نتساءل:

 هل من سبيل لإحياء روح التمثيل الفلسطيني بطريقةٍ جديدة تنبض بالحياة والواقعية؟

هل ستتمكن تلك الهيئات من تحويل التجاذبات القديمة إلى نقاطٍ مضيئةٍ تضيء مستقبل الفلسطينيين في سوريا؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات تتوقف على القدرة على التجديد على كسر القيود التي فرضها الماضي وعلى بناء جسورٍ حقيقية بين الكيان التنظيمي والشارع الفلسطيني.

ففي كل حيّ وكل زاوية من أرجاء سوريا يظل الشعب الفلسطيني يبحث عن بصيرةٍ تُعيد له الثقة في نفسه وتمنحه القدرة على المشاركة الفاعلة في رسم معالم الوطن الجديد.

وهنا يظهر التحدي الأكبر:

التوفيق بين إرثٍ ثقيلٍ من الجمود السياسي والفكري وبين حاجةٍ ملحّةٍ للتجديد والإبداع.

 إن الطريق نحو المستقبل يتطلب خطوات جذرية منها إصلاح هياكل العمل وإعادة صياغة الأهداف بما يتناسب مع واقعٍ جديد واقعٌ لا يقتصر على مجرد الحفاظ على وجود شكلي بل يسعى إلى تحقيق تغييرٍ إيجابيّ ينعكس في حياة الناس.

منذ أيام الثورة ظلّت الأيادي ممتدةً نحو المستقبل تبحث عن حلولٍ مبتكرة تُعيد للنظام الفلسطيني دوره الحقيقي وفي كل تلك المحاولات تكمن رغبةٌ جامحة في إنهاء حالة الانقسام والفجوة التي كادت أن تفقد الكيان ذاته رغبةٌ في استعادة الهوية النضالية التي لطالما ميزت الشعب الفلسطيني عن سائر الشعوب.

إنّ رحلة التمثيل الفلسطيني في سوريا اليوم تُحاكي رحلة البحث عن الذات في زمنٍ تتداخل فيه ملامح الماضي مع أطياف الحاضر تلك الرحلة التي جُسدت في قصص النضال والأمل والتي لم تستطع الهيئات التقليدية أن تلتقط معانيها الحقيقية باتت بحاجةٍ إلى إعادة تعريف متكاملة ترتكز على مبادئ العدالة والشفافية والانتماء الحقيقي.

في زمن تتسارع فيه وتيرة التحولات السياسية والاجتماعية يجد الفلسطينيون أنفسهم في مفترق طرق يحملون بين أيديهم إرثاً ثقافياً وسياسياً عريقاً إلا أن هذا الإرث بات يُهدد بفقدان معناه الأصلي فهل ستنجح المؤسسات في تجاوز قيود الماضي لتصبح جسرًا بين طموحات الشعب وواقع الحياة اليومية؟

وهل من الممكن أن ينبت من رحم هذه التحديات شجرةٌ جديدةٌ تزهر بروح التجديد والحرية؟

إن الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب وعيًا جماعيًّا وإرادةً   تتجاوز الانقسامات الداخلية وتعيد صياغة الأفكار لتتماشى مع متطلبات العصر هنا لا مكان للتراجع أو الاستسلام، بل على كل من يحمل همّ التمثيل الفلسطيني أن يخطو خطواتٍ جريئة يعيد للنظام مكانته الحقيقية كمرآةٍ تعكس نبض الشارع وطموحات الشعب.

وهكذا في قلب سوريا المتجددة وبين أطياف الثورة وتحديات الواقع يبقى التمثيل الفلسطيني حكايةً لم تنتهِ بعد حكاية تُكتب بالحبر الدامي للأمل حكايةٌ تسأل عن هويةٍ تستحق أن تُسمى بحقّ وتطالب بإعادة النظر في معاني الولاء والانتماء بعيداً عن تلك الأطر القديمة التي لم تعد تلبي احتياجات العصر.

إنّ مستقبل التمثيل الفلسطيني في سوريا معلقٌ بمدى قدرة الكيانات على تجاوز الماضي على إعادة بناء ثقة الشعب وعلى إشعال شعلة التغيير في زمن يرفض الانحناء للجمود وفي كل زاويةٍ من هذا المشهد الجديد ينبثق صوتٌ من أعماق الذاكرة صوتٌ يدعو إلى التجديد والحرية إلى إعادة اكتشاف الذات والتركيز على ما يجعل من كل شعبٍ كيانًا حقيقيًا لا يُقهَر.

الوسوم

رابط مختصر : http://actionpal.org.uk/ar/post/21275