كان يوما كما لو انه يوم البعث الجموع الهائمة على وجوهها والخوف لم تحمل معها الكثير هاموا بالتيه في براري النزوح تاركين أحلامهم وأعمارهم وضحكات بيوتهم الى تيه اللا شيء
عبث التيه
نضال الخليل
جياد الموت تملأ الحديقة المقابلة للمسجد صهيلها عويلُ الأكف الراكضة لتجمع ما تبقى هنا وهناك.
كانوا يرزحون بالقرب من باب المسجد، نازحون من خراب الديار وهول المعركة وماتوا هنا.. على درج المسجد تناثروا كالحصى تجمعوا في جيوب جياد الموت وتركوني لزجا من بقايا دمهم على أصابعي
لم أخرج بعدا من وحل تلك الحديقة يا ولدي عالق أنا هناك في تلك القبور التي حفرناها للنازحين علهم يجدون بيوتا في رحمة الله
ما زلت أشعر أن موسيقا صوتي من هدير الطائرة التي خرقت ليس فقط جدار الصوت، بل جدار القلب والحلم لم يعد بعدها لنا بيتا ولا مخيماً
لملم أبو زياد دمعة بأصابع راجلة عاد ليتأمل رذاذ المطر من النافذة... اقترب عماد ولده الصغير مقبلا يده
- اصرخ يا أبا وابك تنفس شتاء هذه البلاد علها تغسل غبار دخان الطائرة من هواء صوتك
صارت النافذة مرآة وزجاجها المبلل صار عينا أبو زياد لتعود به لماضيه حاملا حقيبته الجلدية الصغيرة المحشوة بكتاب وعدة أوراق وقلم رصاص يخدش على كتابه أو يكتب أبجدية لقصيدة حائرة بين النثرية والخطابة
عاد لأصوات الباعة وضجيج الحركة الممتلئة حياة وثرثرة يتجادل بالسياسة مع بائع الفروج محمود الشهابي وآخر الأصداء عن عملية فدائية وتصريحات السياسيين
ويضحك من سخرية جواد بائع السمك طويل القامة أخضر العينين ذاتي الوجه الغاضب كان قد اعتقل في عسقلان لأكثر من خمسة عشر عاما ولسخرية جواد طعم لاذع
- أولاد الكلب ابتعتهم دولارات الغرب وحولوا القضية لوديعة بنكية
العجان في الفرن الفلسطيني الصغير يحلم بتأسيس فرن كبير وصالة مطعم وبرفع بيت والده لعدة طوابق ما يكفي لجمع إخوته
المكان كان عامرا باللغة والأحلام والعمل كان مدينة كاملة
صديقه من سكان حي الروضة الدمشقي في كل مرة يزوره بها كان يردد جملة واحدة
- يا لكم من بنائين محترفين
عاد من النافذة الى إيقاع حياته التي أطلقت عليها الطائرة لعنتها الموت
كان يوما كما لو انه يوم البعث الجموع الهائمة على وجوهها والخوف لم تحمل معها الكثير هاموا بالتيه في براري النزوح تاركين أحلامهم وأعمارهم وضحكات بيوتهم الى تيه اللا شيء
يوم البعث في مخيم اليرموك كان يوما من كانون باردا بلا روح والأجساد كانت باردة كأنها جثث متحركة هامت على نهر التيه
مسح النافذة بكفه المتعبة ناظرا لزوجته
- اشتهي أن أعود
تمسك الزوجة بطرف شعرها:
- بسالفي هذه ما كانت إلا خديعة لنخلع من هناك ... لن يعود شيء الموت مسح الضوء هو تيه العتم
ترك لأصابعه أن تغتصب جسد السيجارة ونفث دخانها ليتحول لسحابة لتصير غيمة تمطر غضبه.
كان يوما كما لو انه يوم البعث الجموع الهائمة على وجوهها والخوف لم تحمل معها الكثير هاموا بالتيه في براري النزوح تاركين أحلامهم وأعمارهم وضحكات بيوتهم الى تيه اللا شيء
عبث التيه
نضال الخليل
جياد الموت تملأ الحديقة المقابلة للمسجد صهيلها عويلُ الأكف الراكضة لتجمع ما تبقى هنا وهناك.
كانوا يرزحون بالقرب من باب المسجد، نازحون من خراب الديار وهول المعركة وماتوا هنا.. على درج المسجد تناثروا كالحصى تجمعوا في جيوب جياد الموت وتركوني لزجا من بقايا دمهم على أصابعي
لم أخرج بعدا من وحل تلك الحديقة يا ولدي عالق أنا هناك في تلك القبور التي حفرناها للنازحين علهم يجدون بيوتا في رحمة الله
ما زلت أشعر أن موسيقا صوتي من هدير الطائرة التي خرقت ليس فقط جدار الصوت، بل جدار القلب والحلم لم يعد بعدها لنا بيتا ولا مخيماً
لملم أبو زياد دمعة بأصابع راجلة عاد ليتأمل رذاذ المطر من النافذة... اقترب عماد ولده الصغير مقبلا يده
- اصرخ يا أبا وابك تنفس شتاء هذه البلاد علها تغسل غبار دخان الطائرة من هواء صوتك
صارت النافذة مرآة وزجاجها المبلل صار عينا أبو زياد لتعود به لماضيه حاملا حقيبته الجلدية الصغيرة المحشوة بكتاب وعدة أوراق وقلم رصاص يخدش على كتابه أو يكتب أبجدية لقصيدة حائرة بين النثرية والخطابة
عاد لأصوات الباعة وضجيج الحركة الممتلئة حياة وثرثرة يتجادل بالسياسة مع بائع الفروج محمود الشهابي وآخر الأصداء عن عملية فدائية وتصريحات السياسيين
ويضحك من سخرية جواد بائع السمك طويل القامة أخضر العينين ذاتي الوجه الغاضب كان قد اعتقل في عسقلان لأكثر من خمسة عشر عاما ولسخرية جواد طعم لاذع
- أولاد الكلب ابتعتهم دولارات الغرب وحولوا القضية لوديعة بنكية
العجان في الفرن الفلسطيني الصغير يحلم بتأسيس فرن كبير وصالة مطعم وبرفع بيت والده لعدة طوابق ما يكفي لجمع إخوته
المكان كان عامرا باللغة والأحلام والعمل كان مدينة كاملة
صديقه من سكان حي الروضة الدمشقي في كل مرة يزوره بها كان يردد جملة واحدة
- يا لكم من بنائين محترفين
عاد من النافذة الى إيقاع حياته التي أطلقت عليها الطائرة لعنتها الموت
كان يوما كما لو انه يوم البعث الجموع الهائمة على وجوهها والخوف لم تحمل معها الكثير هاموا بالتيه في براري النزوح تاركين أحلامهم وأعمارهم وضحكات بيوتهم الى تيه اللا شيء
يوم البعث في مخيم اليرموك كان يوما من كانون باردا بلا روح والأجساد كانت باردة كأنها جثث متحركة هامت على نهر التيه
مسح النافذة بكفه المتعبة ناظرا لزوجته
- اشتهي أن أعود
تمسك الزوجة بطرف شعرها:
- بسالفي هذه ما كانت إلا خديعة لنخلع من هناك ... لن يعود شيء الموت مسح الضوء هو تيه العتم
ترك لأصابعه أن تغتصب جسد السيجارة ونفث دخانها ليتحول لسحابة لتصير غيمة تمطر غضبه.