نضال الخليل – مجموعة العمل
مرآة الغريب في بيت بلا جدران
بعد سقوط الطاغية لم يسقط الجدار فقط، بل سقطت ظلاله على أجساد الذين اعتادوا أن يختبئوا في ظلّه الفلسطيني السوري ذاك المقيم في الحافة لم يخرج من المعركة ببطاقة نصر، بل بوشم جديد اسمه: لا أحد.
في دمشق الجديدة التي بلا تمثال صار الفلسطيني أشبه بحرف زائد في جملة وطنية مرتجلة ليس لاجئًا كما كان ولا مواطنًا كما حلم إنه ما تبقى من جملة مفخخة:
- ابن الوطن الذي لا يعترف بأبوّته.
في الاقتصاد لم يربح الفلسطيني سوى الخسارة انهار النظام وانهارت معه المعاشات الوظائف، الأسعار، والكرامة - المخيمات – التي كانت زمنًا تَشبه القرى – باتت مقابر جماعية للمستقبل لا عمل لا تعليم لا دواء لا كهرباء ولا انتظار فحتى الانتظار انتحر من الانتظار.
أما من فرّ منهم إلى المدن السورية الأخرى فحملوا اسمهم كما يحمل المنفي ورقةً قديمة لا يقرأها أحد سؤال السكن بات لغزًا وسؤال العمل تهمة وسؤال العودة إلى المخيم كمن يسأل عن ضوء في سرداب مهدوم
اجتماعيًا الفلسطيني السوري اليوم ليس مجتمعًا، بل مجموعة جزر مكسورة كل بيت خيمة وكل خيمة عزلة العائلة تفككت والنسيج الاجتماعي اهترأ فالجيرة صارت ريبة و"ابن البلد" صار "جاسوسًا محتملًا"
المخيمات التي كانت ذات يوم ممالك الفقراء تحوّلت إلى خرائط موت مؤجل فيها الأرملة لا تنتظر راتب شهيد بل تنتظر ماءً نظيفًا أو خبزًا لا يُهان به أطفالها.
الفلسطيني السوري هو الآن كائن بلا رواية رسمية النظام سقط والثورة لا تتذكره والمعارضة مشغولة بخرائطها الطائفية لم يعد رمزًا للمقاومة ولا شهيدًا في نشيد قومي صار "هو" فقط وجع معلّق في الهواء.
ذاكرته مشقوقة بين "نكبة" لم تعد له وحده و"نهاية" لم تعترف به كأحد ضحاياها في ذاكرته صور من اليرموك لا تخرج من الحلم صوت الميغ ورائحة الخبز المحترق في طابور الطحين وفي داخله سؤال لا يجرؤ على لفظه:
- لماذا نحن دائمًا الضحية بلا نشيد وطني؟
فلسفيًا الفلسطيني السوري هو السؤال الممنوع كلما حاول أن يعرف نفسه اصطدم بجدار - هل هو لاجئ؟
ولكن لم يعد له مخيم - هل هو مقاوم؟ ولكن لا جبهة تقاتل باسمه - هل هو ابن سوريا؟ ولكن أي سوريا؟ تلك التي قصفت مخيمه أم تلك التي تجاهلت موته؟
هو وجود مكسور يُعاد تعريفه كل يوم بلغة العدم لا فلسفة تجمعه إلا شعور الغريب في وطن بلا خرائط الوعي بالذات صار لعنة والحنين صار عبئًا والحياة نفسها أشبه بمنفى آخر داخل المنفى.
العدالة السياسية لم تزر الفلسطيني السوري لا زمن البعث ولا بعده لا قانون يعيد له منزله ولا خطاب يذكره ولا منصة تمثّله هو اللامرئي في كل اجتماع وطني هو الصوت المخنوق في كل مؤتمر دولي هو التائه في صفوف الإغاثة هو المقيم في حافة الموت.
ولأن العدالة غابت تحوّلت الحياة نفسها إلى محكمة قاسية يحاكم فيها الفلسطيني ذاته كل صباح:
- لماذا لم أمت؟ ولماذا عليّ أن أواصل؟ وما معنى أن أعيش "هنا" في بلد لم يعد موجودًا؟
لا مشاريع لإعادة الإعمار في المخيمات لا ضمانات لا تعليم لا نظام صحي الفصائل القديمة تآكلت والمؤسسات تتآكل الشباب يهربون والكبار يموتون في صمت والمنظمات الدولية كما هي دومًا تجيد فنّ التسويف والوعود الورقية.
المستقبل؟ سؤالٌ معلّق في هواء بلا سماء.
حين لا يكون لك مكان في جغرافيا المعنى
الفلسطيني السوري بعد سقوط الأسد ليس مجرد ضحية جديدة، بل هو مختبر حيّ لانكسار المفاهيم هو صورة للإنسان حين يُفرغ من انتمائه ويُقصى من معناه ويُعاد تعريفه لا بالقانون، بل بالنسيان.
ليس المطلوب من السوريين أن يمنحوا الفلسطيني وطنًا، بل أن يعترفوا بأن له ذاكرة وبأن المخيم ليس خيمة، بل وطنٌ تمّت مصادرة اسمه.
إن لم يُكتب هذا الفلسطيني في الدستور فليُكتب على الأقل في الضمير
وإن لم يُمثّل سياسيًا فليُعترف به شعوريًا.
لأن الفلسطيني الذي عاش نكبته الأولى في 1948 ونكبته الثانية في 2011 لا يحتمل نكبة ثالثة في نسيان ما بعد الثورة.
نضال الخليل – مجموعة العمل
مرآة الغريب في بيت بلا جدران
بعد سقوط الطاغية لم يسقط الجدار فقط، بل سقطت ظلاله على أجساد الذين اعتادوا أن يختبئوا في ظلّه الفلسطيني السوري ذاك المقيم في الحافة لم يخرج من المعركة ببطاقة نصر، بل بوشم جديد اسمه: لا أحد.
في دمشق الجديدة التي بلا تمثال صار الفلسطيني أشبه بحرف زائد في جملة وطنية مرتجلة ليس لاجئًا كما كان ولا مواطنًا كما حلم إنه ما تبقى من جملة مفخخة:
- ابن الوطن الذي لا يعترف بأبوّته.
في الاقتصاد لم يربح الفلسطيني سوى الخسارة انهار النظام وانهارت معه المعاشات الوظائف، الأسعار، والكرامة - المخيمات – التي كانت زمنًا تَشبه القرى – باتت مقابر جماعية للمستقبل لا عمل لا تعليم لا دواء لا كهرباء ولا انتظار فحتى الانتظار انتحر من الانتظار.
أما من فرّ منهم إلى المدن السورية الأخرى فحملوا اسمهم كما يحمل المنفي ورقةً قديمة لا يقرأها أحد سؤال السكن بات لغزًا وسؤال العمل تهمة وسؤال العودة إلى المخيم كمن يسأل عن ضوء في سرداب مهدوم
اجتماعيًا الفلسطيني السوري اليوم ليس مجتمعًا، بل مجموعة جزر مكسورة كل بيت خيمة وكل خيمة عزلة العائلة تفككت والنسيج الاجتماعي اهترأ فالجيرة صارت ريبة و"ابن البلد" صار "جاسوسًا محتملًا"
المخيمات التي كانت ذات يوم ممالك الفقراء تحوّلت إلى خرائط موت مؤجل فيها الأرملة لا تنتظر راتب شهيد بل تنتظر ماءً نظيفًا أو خبزًا لا يُهان به أطفالها.
الفلسطيني السوري هو الآن كائن بلا رواية رسمية النظام سقط والثورة لا تتذكره والمعارضة مشغولة بخرائطها الطائفية لم يعد رمزًا للمقاومة ولا شهيدًا في نشيد قومي صار "هو" فقط وجع معلّق في الهواء.
ذاكرته مشقوقة بين "نكبة" لم تعد له وحده و"نهاية" لم تعترف به كأحد ضحاياها في ذاكرته صور من اليرموك لا تخرج من الحلم صوت الميغ ورائحة الخبز المحترق في طابور الطحين وفي داخله سؤال لا يجرؤ على لفظه:
- لماذا نحن دائمًا الضحية بلا نشيد وطني؟
فلسفيًا الفلسطيني السوري هو السؤال الممنوع كلما حاول أن يعرف نفسه اصطدم بجدار - هل هو لاجئ؟
ولكن لم يعد له مخيم - هل هو مقاوم؟ ولكن لا جبهة تقاتل باسمه - هل هو ابن سوريا؟ ولكن أي سوريا؟ تلك التي قصفت مخيمه أم تلك التي تجاهلت موته؟
هو وجود مكسور يُعاد تعريفه كل يوم بلغة العدم لا فلسفة تجمعه إلا شعور الغريب في وطن بلا خرائط الوعي بالذات صار لعنة والحنين صار عبئًا والحياة نفسها أشبه بمنفى آخر داخل المنفى.
العدالة السياسية لم تزر الفلسطيني السوري لا زمن البعث ولا بعده لا قانون يعيد له منزله ولا خطاب يذكره ولا منصة تمثّله هو اللامرئي في كل اجتماع وطني هو الصوت المخنوق في كل مؤتمر دولي هو التائه في صفوف الإغاثة هو المقيم في حافة الموت.
ولأن العدالة غابت تحوّلت الحياة نفسها إلى محكمة قاسية يحاكم فيها الفلسطيني ذاته كل صباح:
- لماذا لم أمت؟ ولماذا عليّ أن أواصل؟ وما معنى أن أعيش "هنا" في بلد لم يعد موجودًا؟
لا مشاريع لإعادة الإعمار في المخيمات لا ضمانات لا تعليم لا نظام صحي الفصائل القديمة تآكلت والمؤسسات تتآكل الشباب يهربون والكبار يموتون في صمت والمنظمات الدولية كما هي دومًا تجيد فنّ التسويف والوعود الورقية.
المستقبل؟ سؤالٌ معلّق في هواء بلا سماء.
حين لا يكون لك مكان في جغرافيا المعنى
الفلسطيني السوري بعد سقوط الأسد ليس مجرد ضحية جديدة، بل هو مختبر حيّ لانكسار المفاهيم هو صورة للإنسان حين يُفرغ من انتمائه ويُقصى من معناه ويُعاد تعريفه لا بالقانون، بل بالنسيان.
ليس المطلوب من السوريين أن يمنحوا الفلسطيني وطنًا، بل أن يعترفوا بأن له ذاكرة وبأن المخيم ليس خيمة، بل وطنٌ تمّت مصادرة اسمه.
إن لم يُكتب هذا الفلسطيني في الدستور فليُكتب على الأقل في الضمير
وإن لم يُمثّل سياسيًا فليُعترف به شعوريًا.
لأن الفلسطيني الذي عاش نكبته الأولى في 1948 ونكبته الثانية في 2011 لا يحتمل نكبة ثالثة في نسيان ما بعد الثورة.