فايز أبو عيد – مجموعة العمل
عائلة وحيدة في قرية نائية في أقصى الجنوب الغربي لمحافظة درعا السورية، تقع قرية "معرية"، وهي إحدى القرى الحدودية المنسية في مثلث حدودي حساس بين سوريا وفلسطين المحتلة والأردن، تُطل القرية على "وادي الرقَّاد" أحد روافد نهر اليرموك، ويعتمد سكانها البالغ عددهم نحو 3000 نسمة على الزراعة وتربية النحل، لكنهم يعانون من تدهور الخدمات الأساسية وتضييق الاحتلال الإسرائيلي.
وسط هذا الواقع، تعيش "عائلة أبو جعادة"، العائلة الفلسطينية الوحيدة في القرية، والتي هُجرت من بلدة "سمخ" في قضاء طبريا بفلسطين عام 1948، لينتهي بها المطاف في هذه القرية النائية، وعلى الرغم من مرور أكثر من 75 عامًا على النكبة، ما تزال العائلة تحتفظ بهويتها الفلسطينية، وتواجه تحديات ًالبقاء في منطقة تشهد توغلاً إسرائيلياً متزايدا.
الموقع الجغرافي، والحياة تحت نير الاحتلال:
تقع معرية في "حوض اليرموك"، محاطة بعدد من القرى مثل "عابدين" و"بيت آرة" و"كويا"، بينما تحدها من الغرب هضبة الجولان المحتلة، ومن الجنوب الأراضي الأردنية، القرية تعاني من "عزلة قاسية".
بعد انسحاب القوات السورية من المنطقة في السنوات الأخيرة، زاد التوغل الإسرائيلي، حيث تحتل قوات الاحتلال موقع "ثكنة الجزيرة" غرب القرية، وتفرض قيوداً على حركة السكان، خاصة في الوادي الذي يحتوي على أراضٍ زراعية خصبة، كما تتعرض القرية لـاستهداف متكرر بالطائرات المسيرة (الزنانات)، مما يجعل الحياة اليومية محفوفة بالمخاطر.
حكاية العائلة الفلسطينية متى بدأت؟
تعود أصول العائلة إلى بلدة "سمخ" قرب بحيرة طبريا، والتي دمرها الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، بعد النكبة، استقرت العائلة في معرية، التي كانت آنذاك قرية زراعية نائية، وعلى عكس معظم العائلات الفلسطينية التي فضلت العيش في المخيمات مثل "مخيم درعا" أو "المزيريب"، اختارت عائلة أبو جعادة البقاء في الريف، حيث تمتلك أراضٍ زراعية.
تتكون العائلة اليوم من 5 إخوة، لكل منهم عائلته، ويبلغ عدد أفرادها الإجمالي نحو 25 شخصاً، يعمل بعضهم في الزراعة، بينما انتقل آخرون إلى مدينة درعا للعمل، ومنهم: موظف في مدرسة (أحد أبناء العائلة يعمل "آذناً" في المدرسة المحلية).
وهناك صاحب مطعم في درعا، كما أن هناك مزارعين يعتمدون على أراضيهم، لكن منع الاحتلال من الوصول إلى الوادي أفقدهم جزءًا كبيرُا من دخلهم.
الواقع الاقتصادي
كانت الزراعة المصدر الأساسي للدخل، لكن منع الاحتلال الوصول إلى الوادي أدى إلى تدهورها، إذ يعتمد الأهالي هناك على المزروعات الباكورية، وهذا ما فاقم أوضاع الأهالي للأسوأ في انتظار إيجاد حل ربما ينظر إليه كثيرون بنوع من الخوف الذي خالطته الشكوك بأن حق العودة قد يبدو مرة أخرى حلما يضطر الفلسطينين وغير الفلسطينين في قرية معرية للانتظار فترة أخرى.
ويعتمد بعض الأهالي أيضاً على تربية النحل، لكنها لم تعد كافية بسبب نقص المراعي، ولاسيما بعد وضع الاحتلال الاسرائيلي يده على الوادي ومنع النحّالة من الوصول إليه.
ولابد من الإشارة إلى أن معرية شهدت هجرة كبيرة، إذ إن أكثر من 40% من سكان القرية هاجروا إلى دمشق أو درعا بسبب انعدام الفرص.
الواقع التعليمي
لم يعرف الفلسطينيون في قرى الحدود الغربية من سوريا يوماً مدارس "الأونروا" على حد قولهم، حيث تشكل الجغرافيا حدوداً للعزلة، ومع ذلك يقاوم التعليم بصعوبة عبر مدرستين فقط: ابتدائية وإعدادية، تحاولان كسر حاجز النسيان.
المدرسة الابتدائية عبارة عن مبنى من طابقين يضم سبع شعب صفية، يتراوح عدد الطلاب في كل شعبة حوالي 30 طالباً، أما المدرسة الإعدادية، فهي مبنى من طابق واحد، تضم ست شعب تصل حتى الصف العاشر، حيث ينتهي التعليم النظامي فجأة، بعد ذلك، يُترك الطلاب أمام خيارين قاسيين: إما الرحيل بحثاً عن مدرسة ثانوية في قرى أو مدن مجاورة (إن توفرت)، أو الانقطاع عن التعليم واللجوء إلى العمل المبكر أو الزواج.
يعتبر الصف العاشر النهاية المؤقتة لكثيرين من فلسطيني القرى الحدودية، إذ لا يوجد للأسف، تعليم ثانوي كامل في قرية معرية، فطلاب العلمي قد يجدون فرصة للالتحاق بمدارس أخرى، أما طلاب الأدبي، فمصيرهم أكثر قسوة، بعد العاشر إلى قرية الشجرة أو كويا، كما يقال محلياً، في إشارة إلى انعدام الفرص، حتى إن وجدت مدارس قريبة، فإن التكاليف والنقل يصعبان الأمر على الأهالي، الذين يعيش معظمهم على الزراعة البسيطة أو أعمال يومية هشة
الواقع الخدمي
لا يوجد في قرية معرية فرن محلي، ويعتمد السكان على جلب الخبز من خارج القرية، كما أن الخدمات الصحية محدودة، حيث تتوفر صيدلية واحدة فقط، ويعمل أطباء القرية إما في مدينة درعا أو في بلدة الشجرة المجاورة.
وتعد مشكلة المياه من أكثر المشكلات التي ماتزال تواجه سكان قرية معرية بمن فيها من الفلسطينين، لذا تعتمد القرية على الصهاريج والتي يزداد الطلب عليها في الصيف إذ يتجاوز سعر نقلة الصهريج 150ألف ليرة، إذ لا توجد شبكة مياه منتظمة على عكس باقي القرى التي أخذت تعود إليها الحياة بعد سقوط الأسد، مما يزيد معاناة الأهالي، خاصة مع ارتفاع تكلفة نقل المياه من درعا.
فيما تعتبر مشكلة التنقل من وإلى قرية معرية مشابهة لمعظم القرى الأخرى، حيث يعتمد السكان على سرفيس واحد ينقلهم صباحاً ومساءً إلى درعا أو دمشق، وقد اقترح الدكتور محمد احمد العلي أحد سكان القرية "إضافة خط نقل داخلي تابع للشجرة يمتد حتى معرية، خاصة خلال أيام امتحانات الشهادات" مؤكداً " لأنني أعرف مدى المعاناة التي يعانيها الناس بسبب هذه المشكلة ".
أسعار المواصلات الحالية: - من معرية إلى درعا: ١٥ ألف ليرة، ومن معرية إلى دمشق بالسرافيس: ٥٠ ألف ليرة، هذا الاقتراح على حد قوله قد يخفف من معاناة الأهالي ويوفر حلًا عملياً خلال الفترات الحرجة مثل أيام الامتحانات.
مواهب واعدة
رغم النزوح القسري مرارا وآخرها إلى درعا تحت ظروف صعبة، استطاعت الطفلة الفلسطينية ميرا صالح أبو جعادة (9 سنوات) من عائلة أبو جعادة أن تبرز في مسابقات الحساب الذهني وتحقق مركزاً مرموقاً بدرجة عالية، لتصبح نموذجاً للإصرار والموهبة رغم التشرد، قصتها تطرح سؤالاً مؤلماً: كم من طفل فلسطيني عالق على الحدود، ينتظر من يأخذ بيده ليحول إبداعه إلى إنجاز؟
رحلة بحث وتتبع بلا كلل
تعمل "مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا" بلا كلل لتتبع أثر الفلسطينيين السوريين المنسيين، خاصة في القرى النائية مثل عائلة أبو جعادة، التي عاشت بعيدا عن الأضواء، رغم صعوبة الوصول إليهم، تمكّن الفريق من التعرف عليهم عبر جهود فردية، كتلميح من مدرس محلي، وقد تفاجأ أهالي القرية باهتمامنا بهذه العائلة، مما يؤكد غياب الاهتمام الإعلامي بهم، يقول أحد السكان: "حتى المحافظ قد لا يعلم بوجود هذه القرية، فكيف بعائلة فلسطينية وحيدة فيها؟"
ومع ذلك تلتزم المجموعة بتسليط الضوء على كل فلسطيني، حتى لو كان وحيداً في أقصى الحدود، لأن معاناتهم تستحق الرواية.
فايز أبو عيد – مجموعة العمل
عائلة وحيدة في قرية نائية في أقصى الجنوب الغربي لمحافظة درعا السورية، تقع قرية "معرية"، وهي إحدى القرى الحدودية المنسية في مثلث حدودي حساس بين سوريا وفلسطين المحتلة والأردن، تُطل القرية على "وادي الرقَّاد" أحد روافد نهر اليرموك، ويعتمد سكانها البالغ عددهم نحو 3000 نسمة على الزراعة وتربية النحل، لكنهم يعانون من تدهور الخدمات الأساسية وتضييق الاحتلال الإسرائيلي.
وسط هذا الواقع، تعيش "عائلة أبو جعادة"، العائلة الفلسطينية الوحيدة في القرية، والتي هُجرت من بلدة "سمخ" في قضاء طبريا بفلسطين عام 1948، لينتهي بها المطاف في هذه القرية النائية، وعلى الرغم من مرور أكثر من 75 عامًا على النكبة، ما تزال العائلة تحتفظ بهويتها الفلسطينية، وتواجه تحديات ًالبقاء في منطقة تشهد توغلاً إسرائيلياً متزايدا.
الموقع الجغرافي، والحياة تحت نير الاحتلال:
تقع معرية في "حوض اليرموك"، محاطة بعدد من القرى مثل "عابدين" و"بيت آرة" و"كويا"، بينما تحدها من الغرب هضبة الجولان المحتلة، ومن الجنوب الأراضي الأردنية، القرية تعاني من "عزلة قاسية".
بعد انسحاب القوات السورية من المنطقة في السنوات الأخيرة، زاد التوغل الإسرائيلي، حيث تحتل قوات الاحتلال موقع "ثكنة الجزيرة" غرب القرية، وتفرض قيوداً على حركة السكان، خاصة في الوادي الذي يحتوي على أراضٍ زراعية خصبة، كما تتعرض القرية لـاستهداف متكرر بالطائرات المسيرة (الزنانات)، مما يجعل الحياة اليومية محفوفة بالمخاطر.
حكاية العائلة الفلسطينية متى بدأت؟
تعود أصول العائلة إلى بلدة "سمخ" قرب بحيرة طبريا، والتي دمرها الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، بعد النكبة، استقرت العائلة في معرية، التي كانت آنذاك قرية زراعية نائية، وعلى عكس معظم العائلات الفلسطينية التي فضلت العيش في المخيمات مثل "مخيم درعا" أو "المزيريب"، اختارت عائلة أبو جعادة البقاء في الريف، حيث تمتلك أراضٍ زراعية.
تتكون العائلة اليوم من 5 إخوة، لكل منهم عائلته، ويبلغ عدد أفرادها الإجمالي نحو 25 شخصاً، يعمل بعضهم في الزراعة، بينما انتقل آخرون إلى مدينة درعا للعمل، ومنهم: موظف في مدرسة (أحد أبناء العائلة يعمل "آذناً" في المدرسة المحلية).
وهناك صاحب مطعم في درعا، كما أن هناك مزارعين يعتمدون على أراضيهم، لكن منع الاحتلال من الوصول إلى الوادي أفقدهم جزءًا كبيرُا من دخلهم.
الواقع الاقتصادي
كانت الزراعة المصدر الأساسي للدخل، لكن منع الاحتلال الوصول إلى الوادي أدى إلى تدهورها، إذ يعتمد الأهالي هناك على المزروعات الباكورية، وهذا ما فاقم أوضاع الأهالي للأسوأ في انتظار إيجاد حل ربما ينظر إليه كثيرون بنوع من الخوف الذي خالطته الشكوك بأن حق العودة قد يبدو مرة أخرى حلما يضطر الفلسطينين وغير الفلسطينين في قرية معرية للانتظار فترة أخرى.
ويعتمد بعض الأهالي أيضاً على تربية النحل، لكنها لم تعد كافية بسبب نقص المراعي، ولاسيما بعد وضع الاحتلال الاسرائيلي يده على الوادي ومنع النحّالة من الوصول إليه.
ولابد من الإشارة إلى أن معرية شهدت هجرة كبيرة، إذ إن أكثر من 40% من سكان القرية هاجروا إلى دمشق أو درعا بسبب انعدام الفرص.
الواقع التعليمي
لم يعرف الفلسطينيون في قرى الحدود الغربية من سوريا يوماً مدارس "الأونروا" على حد قولهم، حيث تشكل الجغرافيا حدوداً للعزلة، ومع ذلك يقاوم التعليم بصعوبة عبر مدرستين فقط: ابتدائية وإعدادية، تحاولان كسر حاجز النسيان.
المدرسة الابتدائية عبارة عن مبنى من طابقين يضم سبع شعب صفية، يتراوح عدد الطلاب في كل شعبة حوالي 30 طالباً، أما المدرسة الإعدادية، فهي مبنى من طابق واحد، تضم ست شعب تصل حتى الصف العاشر، حيث ينتهي التعليم النظامي فجأة، بعد ذلك، يُترك الطلاب أمام خيارين قاسيين: إما الرحيل بحثاً عن مدرسة ثانوية في قرى أو مدن مجاورة (إن توفرت)، أو الانقطاع عن التعليم واللجوء إلى العمل المبكر أو الزواج.
يعتبر الصف العاشر النهاية المؤقتة لكثيرين من فلسطيني القرى الحدودية، إذ لا يوجد للأسف، تعليم ثانوي كامل في قرية معرية، فطلاب العلمي قد يجدون فرصة للالتحاق بمدارس أخرى، أما طلاب الأدبي، فمصيرهم أكثر قسوة، بعد العاشر إلى قرية الشجرة أو كويا، كما يقال محلياً، في إشارة إلى انعدام الفرص، حتى إن وجدت مدارس قريبة، فإن التكاليف والنقل يصعبان الأمر على الأهالي، الذين يعيش معظمهم على الزراعة البسيطة أو أعمال يومية هشة
الواقع الخدمي
لا يوجد في قرية معرية فرن محلي، ويعتمد السكان على جلب الخبز من خارج القرية، كما أن الخدمات الصحية محدودة، حيث تتوفر صيدلية واحدة فقط، ويعمل أطباء القرية إما في مدينة درعا أو في بلدة الشجرة المجاورة.
وتعد مشكلة المياه من أكثر المشكلات التي ماتزال تواجه سكان قرية معرية بمن فيها من الفلسطينين، لذا تعتمد القرية على الصهاريج والتي يزداد الطلب عليها في الصيف إذ يتجاوز سعر نقلة الصهريج 150ألف ليرة، إذ لا توجد شبكة مياه منتظمة على عكس باقي القرى التي أخذت تعود إليها الحياة بعد سقوط الأسد، مما يزيد معاناة الأهالي، خاصة مع ارتفاع تكلفة نقل المياه من درعا.
فيما تعتبر مشكلة التنقل من وإلى قرية معرية مشابهة لمعظم القرى الأخرى، حيث يعتمد السكان على سرفيس واحد ينقلهم صباحاً ومساءً إلى درعا أو دمشق، وقد اقترح الدكتور محمد احمد العلي أحد سكان القرية "إضافة خط نقل داخلي تابع للشجرة يمتد حتى معرية، خاصة خلال أيام امتحانات الشهادات" مؤكداً " لأنني أعرف مدى المعاناة التي يعانيها الناس بسبب هذه المشكلة ".
أسعار المواصلات الحالية: - من معرية إلى درعا: ١٥ ألف ليرة، ومن معرية إلى دمشق بالسرافيس: ٥٠ ألف ليرة، هذا الاقتراح على حد قوله قد يخفف من معاناة الأهالي ويوفر حلًا عملياً خلال الفترات الحرجة مثل أيام الامتحانات.
مواهب واعدة
رغم النزوح القسري مرارا وآخرها إلى درعا تحت ظروف صعبة، استطاعت الطفلة الفلسطينية ميرا صالح أبو جعادة (9 سنوات) من عائلة أبو جعادة أن تبرز في مسابقات الحساب الذهني وتحقق مركزاً مرموقاً بدرجة عالية، لتصبح نموذجاً للإصرار والموهبة رغم التشرد، قصتها تطرح سؤالاً مؤلماً: كم من طفل فلسطيني عالق على الحدود، ينتظر من يأخذ بيده ليحول إبداعه إلى إنجاز؟
رحلة بحث وتتبع بلا كلل
تعمل "مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا" بلا كلل لتتبع أثر الفلسطينيين السوريين المنسيين، خاصة في القرى النائية مثل عائلة أبو جعادة، التي عاشت بعيدا عن الأضواء، رغم صعوبة الوصول إليهم، تمكّن الفريق من التعرف عليهم عبر جهود فردية، كتلميح من مدرس محلي، وقد تفاجأ أهالي القرية باهتمامنا بهذه العائلة، مما يؤكد غياب الاهتمام الإعلامي بهم، يقول أحد السكان: "حتى المحافظ قد لا يعلم بوجود هذه القرية، فكيف بعائلة فلسطينية وحيدة فيها؟"
ومع ذلك تلتزم المجموعة بتسليط الضوء على كل فلسطيني، حتى لو كان وحيداً في أقصى الحدود، لأن معاناتهم تستحق الرواية.