map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4294

الولاية القضائية العالمية. نافذة الضحايا السوريين والفلسطينيين نحو العدالة

تاريخ النشر : 26-12-2025
الولاية القضائية العالمية. نافذة الضحايا السوريين والفلسطينيين نحو العدالة

فايز أبو عيد ـ مجموعة العمل

في ظلّ حجم الانتهاكات الجسيمة التي شهدتها سورية منذ عام 2011 وحتى سقوط نظام الأسد الفار، برز مبدأ الولاية القضائية العالمية بوصفه أحد أهم المسارات القانونية المتاحة أمام الضحايا وذويهم للمطالبة بالمساءلة، في وقتٍ ما زالت فيه العدالة الوطنية غائبة أو عاجزة عن الاضطلاع بدورها.

 فهذا المبدأ، الذي يتيح للدول محاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بغضّ النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو جنسية الضحايا والجناة، شكّل نافذة قانونية أساسية لملاحقة مسؤولين سابقين في النظام السوري وحلفائه.

ووفق توثيقات حقوقية، تجاوز عدد القتلى والمختفين قسراً في سورية عتبة 200 ألف شخص منذ عام 2011، بينما تشير إحصائيات مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية إلى توثيق أكثر من 6 آلاف فلسطيني قضوا في سورية، وما يزيد على 7300 معتقل ومختفٍ قسراً، لا يزال مصير غالبيتهم مجهولاً حتى اليوم، هذه الأرقام لا تعكس فقط حجم الجريمة، بل تؤكد الطابع الممنهج للانتهاكات التي طاولت السوريين والفلسطينيين على حد سواء.

في هذا السياق، شهدت محاكم أوروبية، ولا سيما في ألمانيا وهولندا والسويد وفرنسا، محاكمات استندت إلى الولاية القضائية العالمية، أفضت إلى صدور ما لا يقل عن 17 حكماً في ألمانيا وحدها، ومقاضاة نحو 45 متهماً من ضباط أجهزة أمنية وأفراد ميليشيات موالية للنظام السابق، من جنسيات سورية وإيرانية وعراقية، وقد شملت القضايا جرائم التعذيب المنهجي، والقتل خارج نطاق القانون، والاعتقال التعسفي، لا سيما في أماكن معروفة بانتهاكاتها مثل مخيم اليرموك، وحيّي التضامن والعروبة، وفروع أمنية من بينها الفرع 215 وفرع الأمن السياسي.

وكانت المحكمة الإقليمية العليا في مدينة كوبلنتس الألمانية يوم 22/10/ 2025 عن بدء محاكمة خمسة أشخاص بينهم أربعة فلسطينيين وسوري، بتهم خطيرة تتعلق بارتكاب جرائم قتل ومحاولة قتل مدنيين بالإضافة إلى التعذيب.

أما عام 2017، حكمت محكمة نمساوية بعقوبة السجن مدى الحياة على اللاجئ الفلسطيني السوري (ب – ب) من أبناء مخيم العائدين بحمص، بتهمة قتل عشرين جندياً حكومياً غير مسلح ومنهم جرحى حين كان مقاتلاً لكتيبة الفاروق التابعة للمعارضة المسلحة في حمص بين عامي 2013 و2014.

وفي عام 2021، ألقت الشرطة الألمانية، القبض على اللاجئ الفلسطيني "موفق دواه" بتهمة ارتكاب جرائم حرب في مخيم اليرموك، حيث اتهم بسبع تهم بالقتل منها إطلاق قنبلة يدوية على حشد من المدنيين المتجمعين في عام 2014، أسفر عن مقتل سبعة أشخاص على الأقل وإصابة ثلاثة، خلال مشاركته القتال في حركة "فلسطين حرة" الموالية للنظام.

 وفي عام 2022، اعتقلت الشرطة الهولندية اللاجئ الفلسطيني "م. ج. د" من أهالي مخيم النيرب في حلب من مكان اقامته في مدينة كركرادة، للاشتباه بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال عمله في "لواء القدس" الموالي للنظام في حلب.

وبالنسبة للضحايا والناجين، ولا سيما فلسطينيي سورية الذين تعرّضوا لانتهاكات مضاعفة بفعل هشاشة وضعهم القانوني، تمثل هذه المحاكمات شكلاً من أشكال الاعتراف المتأخر بالمعاناة، إذ يرى كثيرون فيها خطوة رمزية لكنها مؤثرة، تعيد للضحايا جزءاً من كرامتهم المسلوبة، وتؤكد أن الجرائم المرتكبة بحقهم لم تُطوَ بالنسيان أو بالتقادم.

وتكتسب هذه المسارات القضائية أهمية إضافية في ضوء عمل الآلية الدولية المستقلة والمحايدة (IIIM)، التي جمعت ملايين الوثائق والشهادات المتعلقة بالجرائم في سورية، بما في ذلك الانتهاكات بحق اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما يشكّل قاعدة أدلة صلبة يمكن البناء عليها مستقبلاً، سواء أمام محاكم دولية أو في إطار محاكم وطنية سورية في حال توافر شروط الاستقلال والعدالة.

ورغم ما يحيط بالعدالة الانتقالية في سورية من تحديات سياسية وأمنية، فإنّ الأحكام الصادرة عن المحاكم الأوروبية أسست لسوابق قانونية مهمة، من شأنها الإسهام في تقويض ثقافة الإفلات من العقاب، وفتح الطريق أمام مصالحة وطنية قائمة على المحاسبة لا على طيّ الجرائم. كما أنها توفّر إطاراً قانونياً يمكن أن يُستند إليه في أي مسار داخلي مستقبلي للعدالة.

وبحسب خلاصات منظمات وشبكات ومؤسسات حقوقية، فإنّ الولاية القضائية العالمية لا تمثل انتصاراً جزئياً أو رمزياً فحسب، بل تشكّل ركيزة استراتيجية في مسار طويل لمحاسبة مئات آلاف المتورطين المحتملين في الجرائم، وضمان حق ملايين الضحايا، سوريين وفلسطينيين، في الحقيقة والعدالة والإنصاف.

الوسوم

رابط مختصر : http://actionpal.org.uk/ar/post/22503

فايز أبو عيد ـ مجموعة العمل

في ظلّ حجم الانتهاكات الجسيمة التي شهدتها سورية منذ عام 2011 وحتى سقوط نظام الأسد الفار، برز مبدأ الولاية القضائية العالمية بوصفه أحد أهم المسارات القانونية المتاحة أمام الضحايا وذويهم للمطالبة بالمساءلة، في وقتٍ ما زالت فيه العدالة الوطنية غائبة أو عاجزة عن الاضطلاع بدورها.

 فهذا المبدأ، الذي يتيح للدول محاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بغضّ النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو جنسية الضحايا والجناة، شكّل نافذة قانونية أساسية لملاحقة مسؤولين سابقين في النظام السوري وحلفائه.

ووفق توثيقات حقوقية، تجاوز عدد القتلى والمختفين قسراً في سورية عتبة 200 ألف شخص منذ عام 2011، بينما تشير إحصائيات مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية إلى توثيق أكثر من 6 آلاف فلسطيني قضوا في سورية، وما يزيد على 7300 معتقل ومختفٍ قسراً، لا يزال مصير غالبيتهم مجهولاً حتى اليوم، هذه الأرقام لا تعكس فقط حجم الجريمة، بل تؤكد الطابع الممنهج للانتهاكات التي طاولت السوريين والفلسطينيين على حد سواء.

في هذا السياق، شهدت محاكم أوروبية، ولا سيما في ألمانيا وهولندا والسويد وفرنسا، محاكمات استندت إلى الولاية القضائية العالمية، أفضت إلى صدور ما لا يقل عن 17 حكماً في ألمانيا وحدها، ومقاضاة نحو 45 متهماً من ضباط أجهزة أمنية وأفراد ميليشيات موالية للنظام السابق، من جنسيات سورية وإيرانية وعراقية، وقد شملت القضايا جرائم التعذيب المنهجي، والقتل خارج نطاق القانون، والاعتقال التعسفي، لا سيما في أماكن معروفة بانتهاكاتها مثل مخيم اليرموك، وحيّي التضامن والعروبة، وفروع أمنية من بينها الفرع 215 وفرع الأمن السياسي.

وكانت المحكمة الإقليمية العليا في مدينة كوبلنتس الألمانية يوم 22/10/ 2025 عن بدء محاكمة خمسة أشخاص بينهم أربعة فلسطينيين وسوري، بتهم خطيرة تتعلق بارتكاب جرائم قتل ومحاولة قتل مدنيين بالإضافة إلى التعذيب.

أما عام 2017، حكمت محكمة نمساوية بعقوبة السجن مدى الحياة على اللاجئ الفلسطيني السوري (ب – ب) من أبناء مخيم العائدين بحمص، بتهمة قتل عشرين جندياً حكومياً غير مسلح ومنهم جرحى حين كان مقاتلاً لكتيبة الفاروق التابعة للمعارضة المسلحة في حمص بين عامي 2013 و2014.

وفي عام 2021، ألقت الشرطة الألمانية، القبض على اللاجئ الفلسطيني "موفق دواه" بتهمة ارتكاب جرائم حرب في مخيم اليرموك، حيث اتهم بسبع تهم بالقتل منها إطلاق قنبلة يدوية على حشد من المدنيين المتجمعين في عام 2014، أسفر عن مقتل سبعة أشخاص على الأقل وإصابة ثلاثة، خلال مشاركته القتال في حركة "فلسطين حرة" الموالية للنظام.

 وفي عام 2022، اعتقلت الشرطة الهولندية اللاجئ الفلسطيني "م. ج. د" من أهالي مخيم النيرب في حلب من مكان اقامته في مدينة كركرادة، للاشتباه بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال عمله في "لواء القدس" الموالي للنظام في حلب.

وبالنسبة للضحايا والناجين، ولا سيما فلسطينيي سورية الذين تعرّضوا لانتهاكات مضاعفة بفعل هشاشة وضعهم القانوني، تمثل هذه المحاكمات شكلاً من أشكال الاعتراف المتأخر بالمعاناة، إذ يرى كثيرون فيها خطوة رمزية لكنها مؤثرة، تعيد للضحايا جزءاً من كرامتهم المسلوبة، وتؤكد أن الجرائم المرتكبة بحقهم لم تُطوَ بالنسيان أو بالتقادم.

وتكتسب هذه المسارات القضائية أهمية إضافية في ضوء عمل الآلية الدولية المستقلة والمحايدة (IIIM)، التي جمعت ملايين الوثائق والشهادات المتعلقة بالجرائم في سورية، بما في ذلك الانتهاكات بحق اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما يشكّل قاعدة أدلة صلبة يمكن البناء عليها مستقبلاً، سواء أمام محاكم دولية أو في إطار محاكم وطنية سورية في حال توافر شروط الاستقلال والعدالة.

ورغم ما يحيط بالعدالة الانتقالية في سورية من تحديات سياسية وأمنية، فإنّ الأحكام الصادرة عن المحاكم الأوروبية أسست لسوابق قانونية مهمة، من شأنها الإسهام في تقويض ثقافة الإفلات من العقاب، وفتح الطريق أمام مصالحة وطنية قائمة على المحاسبة لا على طيّ الجرائم. كما أنها توفّر إطاراً قانونياً يمكن أن يُستند إليه في أي مسار داخلي مستقبلي للعدالة.

وبحسب خلاصات منظمات وشبكات ومؤسسات حقوقية، فإنّ الولاية القضائية العالمية لا تمثل انتصاراً جزئياً أو رمزياً فحسب، بل تشكّل ركيزة استراتيجية في مسار طويل لمحاسبة مئات آلاف المتورطين المحتملين في الجرائم، وضمان حق ملايين الضحايا، سوريين وفلسطينيين، في الحقيقة والعدالة والإنصاف.

الوسوم

رابط مختصر : http://actionpal.org.uk/ar/post/22503