map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

فلسطيني مثقف يهاجر ويترك عمله وأهله

تاريخ النشر : 28-08-2015
فلسطيني مثقف يهاجر ويترك عمله وأهله

القدس- "القدس" دوت كوم- أحمد البديري-

ما الذي يدفع رجل فلسطيني في آواخر الثلاثينات وهو متعلم ومثقف وغير عاطل عن العمل في لبنان للهجرة إلى اوروبا تاركا أهله وصحبه وعمله ليذهب إلى المجهول. فلو كان السؤال عن شاب يافع وعاطل عن العمل وأعزب لكانت الاجابة مقنعة، ولكن ما حدث مع فؤاد النمر قصة واقعية لما يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في سوريا.

فؤاد حاصل على اجازة في المحاماة وقد زاول المهنة في سوريا لعدة سنوات وبعدما ساء الحال واضطربت البلد بالحرب فر وأهله إلى لبنان حيث سكنوا بيروت. فؤاد ليس كغيره من الفلسطينين السوريين كما يسمونهم في لبنان، وجد وظيفة محترمة وباشر العمل. ظن لعامين أن الحياة ابتسمت له وما هي إلا أشهر ويرجع إلى سوريا التي نشأ فيها ويعود السلام.

 

ضاعت الوثيقة فضاع هو

ذهب فؤاد يوما إلى السفارة الفلسطينية لاستصدار جواز سفر فلسطيني لتثبيت وضعه وهنا بدأت اولى خطوات الهجرة، حيث يروي فؤاد القصة " قلت للموظفة في دائرة الاحوال المدنية اريد استخراج بيان عائلي لان زوجتي لبنانية لتقديمه للسلطات كي احصل على اقامة في لبنان، بلطف تذرعت بحجج سخيفة وواهية، غادرت مكتبها ومضيت بعد نقاش بيزنطي ممل. انا اليوم في لبنان اعمل صحفيا بعد أن كنت محاميا لعقد من الزمان في سوريا، أهتم بالسياسة وأخبارها كوني ابن قضية كبرى واقليم يحترق، لكن لم يخطر ببالي يوما أن ألجأ جسدا ومهنة الى مكان آخر وعمل آخر لا اعرف عنه شيئا. واقفا في السفارة متسائلا، لو أنني حصلت على جواز فلسطيني هل سأتمكن يوما من العمل في الخليج أو زيارة تركيا للسياحة بعد أن اوصدت الابواب في وجوهنا نحن حملة الوثائق السورية ".

فؤاد متزوج من امرأة تحبه حبا جما وهو كذلك ويسعى أن يسعدها بأي طريقة وإن كانت الحياة في بيروت ليست رخيصة. عاد فؤاد إلى المنزل ولكنه لم يجد الوثيقة وهنا شعر أن السماء أطبقت عليه لتواسيه الزوجة بأن الوثيقة في السفارة ولن تضيع وبالغد يرجع ليتأكد خاصة أنها كانت ضمن وثائق قدمها للموظفة.

 

بدلة أنيقة وربطة عنق

في اليوم التالي ذهب إلى السفارة فقال " عدت وسألت الموظفة اللبنانية العاملة في سفارة بلادي فبدأت بالصراخ والصياح دون سبب يذكر فسألتها لماذا هل من سبب لما أنت عليه الان، فلم تهدأ كلماتي المهذبة من روعها، راجعت القنصل الذي تفهم الموقف وقال سنبحث عن الوثيقة، وإن وجدناه سنتصل بك. في نهار اليوم التالي ونتيجة للاحداث في لبنان والاقليم ذهبت إلى مخفر الشرطة اللبناني لتنظيم محضر والابلاغ عن فقدان الجواز. استعنت بالبدلة الانيقة وربطة العنق والكثير من الكلام المنتقى بعناية شديدة علها تكسبني بعضا من احترام الدركي الناظر في الامر، وبعد أن علم انني صحفي ومحامي سابق منحني مكافئة كبيرة وهي أنه سيباشر غدا في المحضر بدلا من الانتظار لشهر او أكثر. شكرته وغادرت".

تدارك فؤاد للموقف وابلاغه الشرطة هو نتيجة عمله كمحامي ظنا منه أن هذه الاجراءات هي الاصل في حالة فقدان جواز السفر، فبدل أن يتناسى الامر فضل القيام بالاجراءات القانونية ليستكمل اصدار وثيقة جديدة.

 

قف مع الاجانب !

عاد في اليوم التالي وبالفعل تم تسجيل المحضر الذي أخذه للمصادقة عليه من الادارة العامة. وصل فؤاد لسفارة وروى ما حدث " دخلت وأيضا بمعية بدلة رسمية وربطة عنق أنيقة، طالعني دركي مفتول العضلات سائلا لبناني استاذ؟ اجبته لا فلسطيني قال اذا اذهب قف مع الاجانب، أوضحت بلطف بأنني أتيت للمصادقة على محضر شرطي، لم يمنحني فرصة اكمال الكلام وفجاءة وبصوت عال ونبرة حادة أعاد علي كلماته الحاسمة كسيف بتار، اذهب ووقف مع الاجانب".

" استجمعت ما تبقى لدي من انسانية، ذهبت ووقفت في صف طويل مع جنسيات اعرفها ولا اعرفها. تسألت لماذا كنت في سوريا أقف مع السوريين في نفس الطابور أما هنا فأقف مع غرباء، كنت غريبا مثلهم. أثناء وقوفي مع الغرباء لمعت فكرة في رأسي كالبرق الذي شق السماء لماذا أنا هنا؟ لماذا في هذه البلاد؟ انا لاجئ فلسطيني وهذا هو الاساس، فقدت وطني ولا يهم إلى أين ألجأ ".

 

في الطابور اتخذت القرار

فكرة الهجرة هي فكرة شائعة وسائدة في أوساط السوريين والفلسطينين والحديث عنها لا يتوقف بين مراجعة التبعات والمستقبل غير المضمون ناهيك عن المخاطر. تجارب وقصص غرق السفن واستغلال المهربين وغيرها من بشاعة الاحداث تقابل بقصص النجاح في المهجر وهنا الحديث عن الغرب. فلسطيني هاجر لسويد ففتح مطعم أو فلسطيني هاجر لسويسرا وهو الان من كبار رجال الاعمال.

فؤاد كان يعلم الصورة الكاملة لكنه اتخذ قرارا وهو في مكان غريب فقال " وأنا في الطابور منتظرا، قررت فلن أبقى هنا، سأترك كل شي وأمضي، عدت للمنزل وأخبرت زوجتي بالقرار، فامتعضت واعتقدت انه كلام غاضب وسينسى. في اليوم التالي أخطرت مكان عملي أنني قررت الرحيل وسأغادر ، فكرة السفر كانت تخطر على بالي لكنني لم امتلك جرأة القرار، بعد ضياع الوثيقة وشيء من الكرامة، استجمعت كل شجاعتي وباشرت اجراءات الرحيل والرحلة بعد شهر فيجب أن أقضيه تبعا للنظام الداخلي للعمل" .

أصدقائه بين مشجع ومعارض بسبب ويلات الهجرة لكن فؤاد صمم " في سوريا كان من المفترض ان استصدر بدل ضائع، لكن الامر يحتاج لمراجعة دوائر أمنية للتحقيق في الامر، آثرت المحافظة على نفسي، وتساءلت، ما نفعه لي وأنا متوجه لبلاد بعيدة لأحصل على ما هو أفضل منه ".

 

لم اخبر زوجتي

ترك بيروت وذهب مع زوجته إلى سوريا " جاء يوم السفر ولم أخبر زوجتي بالموعد. ودعتها حابسا رجولتي في عيوني. في الصباح قبلت يد امي ووجنتيها، تركتها باكية وتركتني مفطور القلب، أوصلني والدي للحافلة التي ستقلني للمحطة الاولى من الرحلة إلى حلب الشهباء، أمسكت بيده لاقبلها وأضعها على جبيني، فرفض حتى مصافحتي وقال اذهب حماك الله قلت له دعني اودعك قال اذهب".

اللحظات الاخيرة كانت الاصعب على فؤاد فإن هو استقل الحافلة قد لا يعود أبدا والان الفرصة الاخيرة فلعله يعود إلى عمله ويصدر وثيقة جديدة وتنتهي حالة الغضب، إلا أن فؤاد لم يتردد " احترمت مشاعر أبي وهو آخر من رأيت ورغم احتراق مشاعري صعدت الحافلة وفجاءة آثرت الخروج، هبطت من الحافلة ونظرت لوالدي النظرة الاخيرة رفعت يدي للاعلى قابضا على كفي في اشارة للنصر، فوالدي يحب الرجال حين تحين لحظاتهم".

غادر فؤاد سوريا وترك الاب والام والزوجة ورائه إلا أنهم كانوا في قلبه وبدأت رحلته إلى المجهول وإلى بلاد غريبة بلغات أغرب ومستقبل غير مضمون والرحلة لوحدها قصة اخرى.

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/2793

القدس- "القدس" دوت كوم- أحمد البديري-

ما الذي يدفع رجل فلسطيني في آواخر الثلاثينات وهو متعلم ومثقف وغير عاطل عن العمل في لبنان للهجرة إلى اوروبا تاركا أهله وصحبه وعمله ليذهب إلى المجهول. فلو كان السؤال عن شاب يافع وعاطل عن العمل وأعزب لكانت الاجابة مقنعة، ولكن ما حدث مع فؤاد النمر قصة واقعية لما يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في سوريا.

فؤاد حاصل على اجازة في المحاماة وقد زاول المهنة في سوريا لعدة سنوات وبعدما ساء الحال واضطربت البلد بالحرب فر وأهله إلى لبنان حيث سكنوا بيروت. فؤاد ليس كغيره من الفلسطينين السوريين كما يسمونهم في لبنان، وجد وظيفة محترمة وباشر العمل. ظن لعامين أن الحياة ابتسمت له وما هي إلا أشهر ويرجع إلى سوريا التي نشأ فيها ويعود السلام.

 

ضاعت الوثيقة فضاع هو

ذهب فؤاد يوما إلى السفارة الفلسطينية لاستصدار جواز سفر فلسطيني لتثبيت وضعه وهنا بدأت اولى خطوات الهجرة، حيث يروي فؤاد القصة " قلت للموظفة في دائرة الاحوال المدنية اريد استخراج بيان عائلي لان زوجتي لبنانية لتقديمه للسلطات كي احصل على اقامة في لبنان، بلطف تذرعت بحجج سخيفة وواهية، غادرت مكتبها ومضيت بعد نقاش بيزنطي ممل. انا اليوم في لبنان اعمل صحفيا بعد أن كنت محاميا لعقد من الزمان في سوريا، أهتم بالسياسة وأخبارها كوني ابن قضية كبرى واقليم يحترق، لكن لم يخطر ببالي يوما أن ألجأ جسدا ومهنة الى مكان آخر وعمل آخر لا اعرف عنه شيئا. واقفا في السفارة متسائلا، لو أنني حصلت على جواز فلسطيني هل سأتمكن يوما من العمل في الخليج أو زيارة تركيا للسياحة بعد أن اوصدت الابواب في وجوهنا نحن حملة الوثائق السورية ".

فؤاد متزوج من امرأة تحبه حبا جما وهو كذلك ويسعى أن يسعدها بأي طريقة وإن كانت الحياة في بيروت ليست رخيصة. عاد فؤاد إلى المنزل ولكنه لم يجد الوثيقة وهنا شعر أن السماء أطبقت عليه لتواسيه الزوجة بأن الوثيقة في السفارة ولن تضيع وبالغد يرجع ليتأكد خاصة أنها كانت ضمن وثائق قدمها للموظفة.

 

بدلة أنيقة وربطة عنق

في اليوم التالي ذهب إلى السفارة فقال " عدت وسألت الموظفة اللبنانية العاملة في سفارة بلادي فبدأت بالصراخ والصياح دون سبب يذكر فسألتها لماذا هل من سبب لما أنت عليه الان، فلم تهدأ كلماتي المهذبة من روعها، راجعت القنصل الذي تفهم الموقف وقال سنبحث عن الوثيقة، وإن وجدناه سنتصل بك. في نهار اليوم التالي ونتيجة للاحداث في لبنان والاقليم ذهبت إلى مخفر الشرطة اللبناني لتنظيم محضر والابلاغ عن فقدان الجواز. استعنت بالبدلة الانيقة وربطة العنق والكثير من الكلام المنتقى بعناية شديدة علها تكسبني بعضا من احترام الدركي الناظر في الامر، وبعد أن علم انني صحفي ومحامي سابق منحني مكافئة كبيرة وهي أنه سيباشر غدا في المحضر بدلا من الانتظار لشهر او أكثر. شكرته وغادرت".

تدارك فؤاد للموقف وابلاغه الشرطة هو نتيجة عمله كمحامي ظنا منه أن هذه الاجراءات هي الاصل في حالة فقدان جواز السفر، فبدل أن يتناسى الامر فضل القيام بالاجراءات القانونية ليستكمل اصدار وثيقة جديدة.

 

قف مع الاجانب !

عاد في اليوم التالي وبالفعل تم تسجيل المحضر الذي أخذه للمصادقة عليه من الادارة العامة. وصل فؤاد لسفارة وروى ما حدث " دخلت وأيضا بمعية بدلة رسمية وربطة عنق أنيقة، طالعني دركي مفتول العضلات سائلا لبناني استاذ؟ اجبته لا فلسطيني قال اذا اذهب قف مع الاجانب، أوضحت بلطف بأنني أتيت للمصادقة على محضر شرطي، لم يمنحني فرصة اكمال الكلام وفجاءة وبصوت عال ونبرة حادة أعاد علي كلماته الحاسمة كسيف بتار، اذهب ووقف مع الاجانب".

" استجمعت ما تبقى لدي من انسانية، ذهبت ووقفت في صف طويل مع جنسيات اعرفها ولا اعرفها. تسألت لماذا كنت في سوريا أقف مع السوريين في نفس الطابور أما هنا فأقف مع غرباء، كنت غريبا مثلهم. أثناء وقوفي مع الغرباء لمعت فكرة في رأسي كالبرق الذي شق السماء لماذا أنا هنا؟ لماذا في هذه البلاد؟ انا لاجئ فلسطيني وهذا هو الاساس، فقدت وطني ولا يهم إلى أين ألجأ ".

 

في الطابور اتخذت القرار

فكرة الهجرة هي فكرة شائعة وسائدة في أوساط السوريين والفلسطينين والحديث عنها لا يتوقف بين مراجعة التبعات والمستقبل غير المضمون ناهيك عن المخاطر. تجارب وقصص غرق السفن واستغلال المهربين وغيرها من بشاعة الاحداث تقابل بقصص النجاح في المهجر وهنا الحديث عن الغرب. فلسطيني هاجر لسويد ففتح مطعم أو فلسطيني هاجر لسويسرا وهو الان من كبار رجال الاعمال.

فؤاد كان يعلم الصورة الكاملة لكنه اتخذ قرارا وهو في مكان غريب فقال " وأنا في الطابور منتظرا، قررت فلن أبقى هنا، سأترك كل شي وأمضي، عدت للمنزل وأخبرت زوجتي بالقرار، فامتعضت واعتقدت انه كلام غاضب وسينسى. في اليوم التالي أخطرت مكان عملي أنني قررت الرحيل وسأغادر ، فكرة السفر كانت تخطر على بالي لكنني لم امتلك جرأة القرار، بعد ضياع الوثيقة وشيء من الكرامة، استجمعت كل شجاعتي وباشرت اجراءات الرحيل والرحلة بعد شهر فيجب أن أقضيه تبعا للنظام الداخلي للعمل" .

أصدقائه بين مشجع ومعارض بسبب ويلات الهجرة لكن فؤاد صمم " في سوريا كان من المفترض ان استصدر بدل ضائع، لكن الامر يحتاج لمراجعة دوائر أمنية للتحقيق في الامر، آثرت المحافظة على نفسي، وتساءلت، ما نفعه لي وأنا متوجه لبلاد بعيدة لأحصل على ما هو أفضل منه ".

 

لم اخبر زوجتي

ترك بيروت وذهب مع زوجته إلى سوريا " جاء يوم السفر ولم أخبر زوجتي بالموعد. ودعتها حابسا رجولتي في عيوني. في الصباح قبلت يد امي ووجنتيها، تركتها باكية وتركتني مفطور القلب، أوصلني والدي للحافلة التي ستقلني للمحطة الاولى من الرحلة إلى حلب الشهباء، أمسكت بيده لاقبلها وأضعها على جبيني، فرفض حتى مصافحتي وقال اذهب حماك الله قلت له دعني اودعك قال اذهب".

اللحظات الاخيرة كانت الاصعب على فؤاد فإن هو استقل الحافلة قد لا يعود أبدا والان الفرصة الاخيرة فلعله يعود إلى عمله ويصدر وثيقة جديدة وتنتهي حالة الغضب، إلا أن فؤاد لم يتردد " احترمت مشاعر أبي وهو آخر من رأيت ورغم احتراق مشاعري صعدت الحافلة وفجاءة آثرت الخروج، هبطت من الحافلة ونظرت لوالدي النظرة الاخيرة رفعت يدي للاعلى قابضا على كفي في اشارة للنصر، فوالدي يحب الرجال حين تحين لحظاتهم".

غادر فؤاد سوريا وترك الاب والام والزوجة ورائه إلا أنهم كانوا في قلبه وبدأت رحلته إلى المجهول وإلى بلاد غريبة بلغات أغرب ومستقبل غير مضمون والرحلة لوحدها قصة اخرى.

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/2793