map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

نداء إنساني لأجل مخيم اليرموك

تاريخ النشر : 06-01-2015
نداء إنساني لأجل مخيم اليرموك

نداء إنساني لأجل مخيم اليرموك


أيمن خالد

بعد عامين من حصار مخيم اليرموك وقبلها ستة أشهر من القصف والاشتباكات على أطرافه، وعشرات المبادرات التي حملت طابعاً سياسياً، يمكن القول إن مخيم اليرموك أصبح مأساة القرن، أشباه أجساد من الطفولة والنساء والرجال يقتلهم الجوع والحصار.
ويختلف الساسة الفلسطينيون حول تفسير الظاهرة الخاصة بهم، فهل هم كائنات بشرية يستحقون عناية خاصة، أم هم صامدون للحفاظ على جدران مخيم متآكل دمرته حرب طاحنة فتكت بالسوريين قبل الفلسطينيين، ولم نكن نحن ولا نريد أن نكون جزءاً من جرح عربي عميق، ولا نريد أن نفسر السبب والأسباب وغير ذلك، لأننا على يقين بأن الأزمة السورية تديرها جهات دولية عديدة ولدى أمريكا وإسرائيل الرغبة باستمرارها على الوتيرة نفسها، حتى نهاية 2018 بالحدود الدنيا.
أمام هذه الصورة المأساوية، نحن أمام موقف إنساني يتطلب منا أن نقف امام ضمائرنا ولنحاول ان نفعل شيئاً يمكنه ان يكون مجدياً لإنقــــاذ ما تبقى من ارواح متهالكة تستند إلى جدران مخيم متهالك أصلاً.
فأزمة المخيم ليست تحميل المسؤوليات حول كيفية حدوثها، فقصة المخيم في الأزمة السورية معقدة بتعقيدات الأزمة السورية ذاتها، ومطالبة الفلسطينيين هي احد التعقيدات التي عاشها المخيم. فالمواطن الفلسطيني الموجود في الدول العربية كلها، انسان مدني لاجئ بحكم كل قوانين الدنيا، وهو معني فقط بالحفاظ على أسرته وتأمين قوت يومه، غير أنه في صميم الازمات العربية، يتم الزج به كطرف في الصراع، وتدفع المخيمات الفلسطينية التي يسكنها مدنيون فقط، ثمن مواقف سياسية لأطراف فلسطينية وعربية.
حدث هذا في الاردن، وفي العراق ولبنان والكويت وليبيا، ويحدث في سوريا، ويحدث في جميع الدول العربية بحسب المزاج السياسي الحاكم، لأن النظام العربي وملحقات النظم العربية من المعارضة، لا تريد التمييز بين الفلسطيني المدني، المقيم كلاجئ يحتاج الاحسان، وبين مواقف سياسية تصدر عن بعض الساسة، وهي بالأصل مواقف من ملحقات التبعية السياسية لبعض القوى السياسية الفلسطينية للنظم العربية.
متى يكتشف الإسلاميون العرب، أو الجهاديون، أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» حارب قريش بسيوف من الهند، وأنه انتقل الى جوار ربه ودرعه مرهونة لرجل يهودي، وكان الله غنياً عن حاجة عبده، لكنها حكمة الرسالة الاسلامية، أن نميز ونفهم سير الحياة، كي لا نذبح الناس بقوت يومهم، ومتى يعلم الاسلاميون قبل غيرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج من الطائف بحمى المطعم بن عدي، الذي مات على الكفر، لأنه كان يعلم أن حال بعض المسلمين سيكون ذات يوم شبيها.
كفلسطينيين لا نستطيع أن نكون مع السياسة الرسمية العربية المتناقضة ولا نستطيع ان نكون ضدها، ولا نستطيع ان نكون جزءاً من الاختلافات والصراعات الميدانية، ولسنا جزءاً من «جبهة النصرة» أو «تنظيم الدولة الاسلامية»، ولسنا ضدها، ولسنا مع السياسة الايرانية ولا ضدها، ولسنا ضد تركيا، ولا نستطيع أن نشارك في أي خطوة عسكرية لا تتوجه الى فلسطين، لأن الملف الفلسطيني هو قلب الامة لارتباطه بالقدس، التي هي نبض هذا التاريخ الاسلامي الذي يمتد من مكة الى القدس، والذي بدأ بالإسراء والمعراج، والذي ينتهي بقوله تعالى فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا .
بعيدا عن كل الصراعات السياسية بالنسبة لنا مخيم اليرموك، هو قصة المدنيين الفلسطينيين الذين نزحوا من فلسطين، فالقصة الحقيقية تبدأ من فجر كل يوم، حيث بكاء الأطفال الذين أصبح حلمهم فقط، رغيف الخبز، وهذا بالطبع من يعرفون رغيف الخبز، وأما من لا يعرفون رغيف الخبز، والذين لا يملك اهاليهم القدرة على شرائه، فهم يسمعون عنه مثل حكايا الجدات، فالفارس المغوار لا يحمل سيفا يقتل به الغول، فالغول موجود في كل البيوت، ولا يسمح بدخول رغيف الخبز اليها.
مساكين اطفال مخيم اليرموك الذين كبروا خلال عامين، فكلهم لا يعرفون ماذا تعني كلمـــــة فاكهة، ويبكيني أحد الاطفال الذي وصلت اليه قدرا فاكهة الموز فأكلـــها بقشورها لأنه لا يعلم كيف تؤكل، فالكهرباء مقطــــوعة منذ أمد بعيد، والماء سيأتي في اليوم التالي ولكــنه لا يأتي أيضا، وبقية تفاصيل الحياة من الحصار جعلـــت الفلسطينيين أول شعوب الأرض من يأكــــل أوراق الصبار، فهذه الاوراق رمز القسوة والألم، وجدت اخيراً مستقرا لها في بطون خاوية.
على الهاتف اتكلم مع أولاد أبو سلمى، استاذ المخيم المعروف، أحاول ان اسمعهم بدون ان يعلم والدهم، وليس لديهم مفردات سوى الخبز، الخبز يا عمو، وفي الطريق بجوار حديقة فلسطين، تعبر ناشطة المخيم المميزة شادية، فتستمع الى حوار يدمي القلوب بين طفل وامه، فالأم تقنع طفلها بأن يأكل حبة زيتون تلفها له بورقة من الشجر، والطفل يقسم لامه والله يا امي ورق الاشجار مر المذاق، وهي تتحايل عليه وتقنعه ان يأكل هذا الطعام المر، فعلى الاقل هناك حبة زيتون وسط الاوراق المرة.
في مخيم اليرموك الداء والدواء المفقود، والقذيفة والجرح الذي لا يجد لفافة، ففي كل بيت من بيوت المخيم هناك مأساة لا توصف، بين شهيد ومفقود وشريد ومجهول لا يعلم عنه اهله شيئا. هذه المأساة التي نتفرج عليها والتي هي مخيم اليرموك، تكبر حينما يقف بعض الساسة لكي يسموا المحاصرين بين الموت والموت بالصامدين للحفاظ على المخيم، هذه المعادلة المقيتة، فأي مخيم نحافظ عليه، ولأجل ماذا نسمي هذه المأساة الانسانية صموداً وبوجه من هذا الصمود.
في كل مقاييس الدنيا يهاجر الناس من ساحة الحرب، حدث هذا في أول حرب في التاريخ، ويحدث هذا في كل الحروب الكونية، لأن المدنيين ليسوا جزءا من المعركة، ولكن في الملف الفلسطيني هناك خيانة عظمى يمارسها ساسة ومثقفون لأنهم يصفون معاناة الناس الذين لا حيلة لهم بالصامدين الابطال، فمخيم اليرموك ليس افضل من حيفا، ولا القدس ولا يافا، ونحن عندما تركنا تلك الارض، كنا نعرف ان الانسان هو غاية الحياة وان الارض تعود بسواعد الاحياء لا الاموات، فكل الذين يتحدثون عن الصمود في مخيمات تحت الموت هم وعائلاتهم ليسوا داخل المخيمات المحاصرة، ولكن تقتضي الضرورات الحزبية والسياسية أن يبقى المخيم خزان الوقود الذي تعيش عليه نظريات السياسة تلك.
مطلوب منا جميعاً البحث عن حلول إنسانية عاجلة، لإنقاذ بضعة آلاف من اهالي المخيم، كلهم يحتاجون معالجة نفسية وصحية وكلهم يحتاجون مساعدة من نوع مختلف، أما الذين يريدون الحفاظ على ما تبقى من جدران مخيم اليرموك، فليذهبوا اليه، والذين يريدون تحريره فليفعلوا ذلك بعد مغادرة المدنيين العزل منه.
على الجميع أن يدرك أن مخيم اليرموك قصة انتهت، ورواية وقفت في الفصل الأخير، وأن عودة التاريخ إلى الماضي أمر غير واقعي أبدا، فالمطلوب منا جميعاً الحفاظ على شعبنا، وليس الحفاظ على ممتلكات الناس، ولا التاريخ ولا ماضي المخيم، فمستقبل الفلسطينيين أهم من حاضرهم، وحياتهم الأهم في هذا كله.

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/421

نداء إنساني لأجل مخيم اليرموك


أيمن خالد

بعد عامين من حصار مخيم اليرموك وقبلها ستة أشهر من القصف والاشتباكات على أطرافه، وعشرات المبادرات التي حملت طابعاً سياسياً، يمكن القول إن مخيم اليرموك أصبح مأساة القرن، أشباه أجساد من الطفولة والنساء والرجال يقتلهم الجوع والحصار.
ويختلف الساسة الفلسطينيون حول تفسير الظاهرة الخاصة بهم، فهل هم كائنات بشرية يستحقون عناية خاصة، أم هم صامدون للحفاظ على جدران مخيم متآكل دمرته حرب طاحنة فتكت بالسوريين قبل الفلسطينيين، ولم نكن نحن ولا نريد أن نكون جزءاً من جرح عربي عميق، ولا نريد أن نفسر السبب والأسباب وغير ذلك، لأننا على يقين بأن الأزمة السورية تديرها جهات دولية عديدة ولدى أمريكا وإسرائيل الرغبة باستمرارها على الوتيرة نفسها، حتى نهاية 2018 بالحدود الدنيا.
أمام هذه الصورة المأساوية، نحن أمام موقف إنساني يتطلب منا أن نقف امام ضمائرنا ولنحاول ان نفعل شيئاً يمكنه ان يكون مجدياً لإنقــــاذ ما تبقى من ارواح متهالكة تستند إلى جدران مخيم متهالك أصلاً.
فأزمة المخيم ليست تحميل المسؤوليات حول كيفية حدوثها، فقصة المخيم في الأزمة السورية معقدة بتعقيدات الأزمة السورية ذاتها، ومطالبة الفلسطينيين هي احد التعقيدات التي عاشها المخيم. فالمواطن الفلسطيني الموجود في الدول العربية كلها، انسان مدني لاجئ بحكم كل قوانين الدنيا، وهو معني فقط بالحفاظ على أسرته وتأمين قوت يومه، غير أنه في صميم الازمات العربية، يتم الزج به كطرف في الصراع، وتدفع المخيمات الفلسطينية التي يسكنها مدنيون فقط، ثمن مواقف سياسية لأطراف فلسطينية وعربية.
حدث هذا في الاردن، وفي العراق ولبنان والكويت وليبيا، ويحدث في سوريا، ويحدث في جميع الدول العربية بحسب المزاج السياسي الحاكم، لأن النظام العربي وملحقات النظم العربية من المعارضة، لا تريد التمييز بين الفلسطيني المدني، المقيم كلاجئ يحتاج الاحسان، وبين مواقف سياسية تصدر عن بعض الساسة، وهي بالأصل مواقف من ملحقات التبعية السياسية لبعض القوى السياسية الفلسطينية للنظم العربية.
متى يكتشف الإسلاميون العرب، أو الجهاديون، أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» حارب قريش بسيوف من الهند، وأنه انتقل الى جوار ربه ودرعه مرهونة لرجل يهودي، وكان الله غنياً عن حاجة عبده، لكنها حكمة الرسالة الاسلامية، أن نميز ونفهم سير الحياة، كي لا نذبح الناس بقوت يومهم، ومتى يعلم الاسلاميون قبل غيرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج من الطائف بحمى المطعم بن عدي، الذي مات على الكفر، لأنه كان يعلم أن حال بعض المسلمين سيكون ذات يوم شبيها.
كفلسطينيين لا نستطيع أن نكون مع السياسة الرسمية العربية المتناقضة ولا نستطيع ان نكون ضدها، ولا نستطيع ان نكون جزءاً من الاختلافات والصراعات الميدانية، ولسنا جزءاً من «جبهة النصرة» أو «تنظيم الدولة الاسلامية»، ولسنا ضدها، ولسنا مع السياسة الايرانية ولا ضدها، ولسنا ضد تركيا، ولا نستطيع أن نشارك في أي خطوة عسكرية لا تتوجه الى فلسطين، لأن الملف الفلسطيني هو قلب الامة لارتباطه بالقدس، التي هي نبض هذا التاريخ الاسلامي الذي يمتد من مكة الى القدس، والذي بدأ بالإسراء والمعراج، والذي ينتهي بقوله تعالى فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا .
بعيدا عن كل الصراعات السياسية بالنسبة لنا مخيم اليرموك، هو قصة المدنيين الفلسطينيين الذين نزحوا من فلسطين، فالقصة الحقيقية تبدأ من فجر كل يوم، حيث بكاء الأطفال الذين أصبح حلمهم فقط، رغيف الخبز، وهذا بالطبع من يعرفون رغيف الخبز، وأما من لا يعرفون رغيف الخبز، والذين لا يملك اهاليهم القدرة على شرائه، فهم يسمعون عنه مثل حكايا الجدات، فالفارس المغوار لا يحمل سيفا يقتل به الغول، فالغول موجود في كل البيوت، ولا يسمح بدخول رغيف الخبز اليها.
مساكين اطفال مخيم اليرموك الذين كبروا خلال عامين، فكلهم لا يعرفون ماذا تعني كلمـــــة فاكهة، ويبكيني أحد الاطفال الذي وصلت اليه قدرا فاكهة الموز فأكلـــها بقشورها لأنه لا يعلم كيف تؤكل، فالكهرباء مقطــــوعة منذ أمد بعيد، والماء سيأتي في اليوم التالي ولكــنه لا يأتي أيضا، وبقية تفاصيل الحياة من الحصار جعلـــت الفلسطينيين أول شعوب الأرض من يأكــــل أوراق الصبار، فهذه الاوراق رمز القسوة والألم، وجدت اخيراً مستقرا لها في بطون خاوية.
على الهاتف اتكلم مع أولاد أبو سلمى، استاذ المخيم المعروف، أحاول ان اسمعهم بدون ان يعلم والدهم، وليس لديهم مفردات سوى الخبز، الخبز يا عمو، وفي الطريق بجوار حديقة فلسطين، تعبر ناشطة المخيم المميزة شادية، فتستمع الى حوار يدمي القلوب بين طفل وامه، فالأم تقنع طفلها بأن يأكل حبة زيتون تلفها له بورقة من الشجر، والطفل يقسم لامه والله يا امي ورق الاشجار مر المذاق، وهي تتحايل عليه وتقنعه ان يأكل هذا الطعام المر، فعلى الاقل هناك حبة زيتون وسط الاوراق المرة.
في مخيم اليرموك الداء والدواء المفقود، والقذيفة والجرح الذي لا يجد لفافة، ففي كل بيت من بيوت المخيم هناك مأساة لا توصف، بين شهيد ومفقود وشريد ومجهول لا يعلم عنه اهله شيئا. هذه المأساة التي نتفرج عليها والتي هي مخيم اليرموك، تكبر حينما يقف بعض الساسة لكي يسموا المحاصرين بين الموت والموت بالصامدين للحفاظ على المخيم، هذه المعادلة المقيتة، فأي مخيم نحافظ عليه، ولأجل ماذا نسمي هذه المأساة الانسانية صموداً وبوجه من هذا الصمود.
في كل مقاييس الدنيا يهاجر الناس من ساحة الحرب، حدث هذا في أول حرب في التاريخ، ويحدث هذا في كل الحروب الكونية، لأن المدنيين ليسوا جزءا من المعركة، ولكن في الملف الفلسطيني هناك خيانة عظمى يمارسها ساسة ومثقفون لأنهم يصفون معاناة الناس الذين لا حيلة لهم بالصامدين الابطال، فمخيم اليرموك ليس افضل من حيفا، ولا القدس ولا يافا، ونحن عندما تركنا تلك الارض، كنا نعرف ان الانسان هو غاية الحياة وان الارض تعود بسواعد الاحياء لا الاموات، فكل الذين يتحدثون عن الصمود في مخيمات تحت الموت هم وعائلاتهم ليسوا داخل المخيمات المحاصرة، ولكن تقتضي الضرورات الحزبية والسياسية أن يبقى المخيم خزان الوقود الذي تعيش عليه نظريات السياسة تلك.
مطلوب منا جميعاً البحث عن حلول إنسانية عاجلة، لإنقاذ بضعة آلاف من اهالي المخيم، كلهم يحتاجون معالجة نفسية وصحية وكلهم يحتاجون مساعدة من نوع مختلف، أما الذين يريدون الحفاظ على ما تبقى من جدران مخيم اليرموك، فليذهبوا اليه، والذين يريدون تحريره فليفعلوا ذلك بعد مغادرة المدنيين العزل منه.
على الجميع أن يدرك أن مخيم اليرموك قصة انتهت، ورواية وقفت في الفصل الأخير، وأن عودة التاريخ إلى الماضي أمر غير واقعي أبدا، فالمطلوب منا جميعاً الحفاظ على شعبنا، وليس الحفاظ على ممتلكات الناس، ولا التاريخ ولا ماضي المخيم، فمستقبل الفلسطينيين أهم من حاضرهم، وحياتهم الأهم في هذا كله.

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/421