map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

هذه حكايتي 13 | "محمد" لم أتصور أن أمنع من دفن جثمان طفلي في لبنان لأني فلسطيني سوري!

تاريخ النشر : 09-10-2017
هذه حكايتي 13 | "محمد" لم أتصور أن أمنع من دفن جثمان طفلي في لبنان لأني فلسطيني سوري!

مجموعة العمل – علاء البرغوثي

ليس أصعب على إنسان عاش الأزمة السورية بكل تفاصيلها من قصف وحصار، وشتات، وخوف، وانتقال متكرر، إلا أن يفقد ابنه. وليس أصعب من أن يفقد ابنه إلا ألا يقدر على دفنه. معاناة لا يمكن لإنسان أن يتصورها، معاناة ليست من الخيال، هي قصة لاجئ فلسطيني سوري نزح إلى لبنان حفاظاً على حياة زوجته وابنه الذي لم يبصر النور بعد.

أيام عصيبة عاشتها عائلة "محمد" - اسم مستعار-، وهي العائلة الفلسطينية التي هجرت من وطنها فلسطين، لتنزح فيما بعد إلى مخيم الحسينية للاجئين في ريف دمشق، الذي نزحت منه هرباً من القصف والاشتباكات والحصار.

لك تكن معاناة "محمد" كمعاناة كل أبناء المخيم، فزوجته تعاني من مشكلات صحية أثناء حملها، وأصبحت الزوجة ضعيفة البنية خائرة القوى، فما عاشته في الأيام السابقة لا يتحمله الرجال، فكيف بامرأة حامل، قصف على منزلها، والانتقال من منزل إلى آخر هرباً من القصف، ونقص في الطعام، وقلق دائم على زوجها، إضافة إلى التوتر والخوف، هكذا كان حال زوجة "محمد" التي قرر زوجها أخيراً الانتقال معها إلى لبنان فقد دفعه خوفه على ابنه إلى اتخاذ ذلك القرار.

العديد من المستشفيات اللبنانية رفضت استقبالنا لأننا فلسطينيين

بعد حوالي (16) ساعة أمضتها العائلة على الحدود السورية اللبنانية سمح لها بالدخول إلى لبنان، لم تكن الحياة في لبنان بأفضل من سورية إلا أنها أكثر أمناً، معاناة على أصعد متعددة تبدأ من مكان السكن ولا تنتهي بالحصول على الإقامة في لبنان.

بعد حوالي الشهرين بدأت الأوضاع الصحية لزوجة "محمد" بالتدهور، حيث أصبحت في شهرها السابع، تواجهها مشكلات عدة اضطرت الزوج إلى إسعافها، ولكن العديد من المستشفيات التي رفضت استقبالها. "لا أعرف إن كانت التجهيزات هي المشكلة أم أنها لهجتي الفلسطينية؟! أم وثيقة سفري الفلسطينية السورية، فبعضهم كان يعتذر بشكل مباشر والآخر عندما يرى الوثيقة يعتذر!" هكذا وصف "محمد" رحلة الإسعاف المضنية التي أمضاها.

يتابع محمد واصفاً المصاعب التي اعترضته: "وأخيراً قبل أحد المستشفيات باستقبال حالة زوجتي طبعاً بعد حجز وثيقة سفرها وإحضار تحويلة من الأونروا، لبدأوا بعد ذلك بالعلاج. وهناك بعض الأدوية اللازمة لا تتكفل الأونروا بمصاريفها ويجب علينا دفع ثمنها سلفاً قبل أن يعطوها لطفلي الخديج. وإذا كانت تلك الأدوية ضرورية وعاجلة فهم ينتظرون دفع ثمنها أولاً، وهذا ما حصل معنا خاصة فيما يتعلق بالحقن الضرورية للأطفال الذين يولدون في الشهر السابع، والتي كان ثمن الحقنة الواحدة حوالي 500 دولار.

أنتم فلسطينيون ولا يحق لكم دفن ابنكم في لبنان؟

ولد ابني ذو السبعة أشهر بعد ثلاثة أيام من المخاض العسير، كانت حالة الطفل الصحية حرجة، ويعاني العديد من المشكلات المتعلقة بالتنفس، فوضع في الحاضنة، وأعطي عدداً من الحقن، إلا أن حالته ازدادت تدهورا ً، وبعد خمسة أيام توفي".

ويتابع بصوت يخفي فيه حزنه وألمه "كأنما أخذت قطعة من كبدي، أظلمت الدنيا في عيني. وأتى الطبيب إلي فظننت أنه سيخفف عني، لكني فوجئت بقوله: عليك أن تبدأ بمعاملات الدفن بسرعة، كان الله بعونك أنت فلسطيني"، يضيف محمد "لم أكن أعلم بعد ما كان يقصده الطبيب بقوله "الله يكون بعونك أنت فلسطيني"، ذهبت وصديقي إلى الصندوق شعرت أن قدميّ لا تقويان على حملي، بعد دفع المصاريف الباهظة، بدأنا بالإجراءات".

"لحظة... لحظة".. قاطعنا صوت أحد الموظفين قائلا: "أنتم فلسطينيون ولا يحق لكم دفن ابنكم في لبنان؟، ظننت أنني بدأت أهلوس، اقترب صديقي منه ليعرف التفاصيل، وسأل الموظف "أين ندفن طفلنا؟! هل هذا كلام؟!، فأجاب الموظف أنه يسمح دفنه فقط في مخيم عين الحلوة، أسرعوا إلى هناك فتلك فرصتكم الوحيدة".

"شعور قاهر أن تحمل بيديك ابنك، وأنت لا تقدر على دفنه، هل ضاقت الأرض بنا حتى أنها رفضت استقبال ابني، ابني الذي يدخل الجنة دون حساب، لكن البشر يرفضون منحه قبرا؟"، هذا ما قاله محمد بصوته المبحوح.

هل يتسع مخيم عين الحلوة للأحياء حتى يتسع للأموات؟ هذه هي التعليمات!

بعد حوالي الساعة وصل محمد إلى مدخل مخيم عين الحلوة، وهناك كانت الصاعقة، فبعد انتظار لعدة ساعات طلبوا منه إذن دخول إلى المخيم، يقول محمد "أخبرنا العسكري أننا نريد أن ندفن ابننا ونخرج، وهذا الولد على يدي جثة هامدة ". لم يشفع لنا بؤس الموقف. سألته: "ألا يحق لي أن أدفنه؟"، فأجاب العسكري "هل يتسع مخيم عين الحلوة للأحياء حتى يتسع للأموات؟ هذه هي التعليمات!".

يصف صديق "محمد" المشهد قائلاً: "مشينا حول المخيم ونحن غير قادرين على استيعاب حجم الظلم الذي وقع علينا، حاملين جثة الطفل بين يدينا. كدنا أن ننهار في أي لحظة، فعقولنا ما عادت تتحمل ما يحدث أمامنا، وأثناء سيرنا قابلنا أحد العناصر الذي رق قلبه لنا، وأخبرنا أنه في العادة يمنع دخول أحد إلى المخيمات دون تصريح مهما كان السبب، لكن ونظراً للحالة التي تمرون فيها سأسمح لكم بالدخول بشرط أن يدخل والد الطفل وشخص واحد فقط، دخلنا ونحن نتجول في المخيم الذي بدا بائساً كحالنا، وصلنا إلى المقبرة التي كانت تغص بالقبور، وبعدها دفنا الطفل".

يضيف محمد " دفنت فلذة كبدي، كنت بحالة لا يعلم بها إلا الله، لم أقدر على استيعاب ما حصل، فمن قتل ودمار وحصار في سورية، إلى تشرد ومعاناة وتضييق في لبنان، فكل شيء ممنوع عنا من الإقامة حتى القبر، أين الإنسانية؟! أين منظمات حقوق الإنسان؟! أين منظمة التحرير الفلسطينية؟! أين الفصائل؟"، هكذا اختتم "محمد" حديثه والقهر يكاد يخنقه.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/8293

مجموعة العمل – علاء البرغوثي

ليس أصعب على إنسان عاش الأزمة السورية بكل تفاصيلها من قصف وحصار، وشتات، وخوف، وانتقال متكرر، إلا أن يفقد ابنه. وليس أصعب من أن يفقد ابنه إلا ألا يقدر على دفنه. معاناة لا يمكن لإنسان أن يتصورها، معاناة ليست من الخيال، هي قصة لاجئ فلسطيني سوري نزح إلى لبنان حفاظاً على حياة زوجته وابنه الذي لم يبصر النور بعد.

أيام عصيبة عاشتها عائلة "محمد" - اسم مستعار-، وهي العائلة الفلسطينية التي هجرت من وطنها فلسطين، لتنزح فيما بعد إلى مخيم الحسينية للاجئين في ريف دمشق، الذي نزحت منه هرباً من القصف والاشتباكات والحصار.

لك تكن معاناة "محمد" كمعاناة كل أبناء المخيم، فزوجته تعاني من مشكلات صحية أثناء حملها، وأصبحت الزوجة ضعيفة البنية خائرة القوى، فما عاشته في الأيام السابقة لا يتحمله الرجال، فكيف بامرأة حامل، قصف على منزلها، والانتقال من منزل إلى آخر هرباً من القصف، ونقص في الطعام، وقلق دائم على زوجها، إضافة إلى التوتر والخوف، هكذا كان حال زوجة "محمد" التي قرر زوجها أخيراً الانتقال معها إلى لبنان فقد دفعه خوفه على ابنه إلى اتخاذ ذلك القرار.

العديد من المستشفيات اللبنانية رفضت استقبالنا لأننا فلسطينيين

بعد حوالي (16) ساعة أمضتها العائلة على الحدود السورية اللبنانية سمح لها بالدخول إلى لبنان، لم تكن الحياة في لبنان بأفضل من سورية إلا أنها أكثر أمناً، معاناة على أصعد متعددة تبدأ من مكان السكن ولا تنتهي بالحصول على الإقامة في لبنان.

بعد حوالي الشهرين بدأت الأوضاع الصحية لزوجة "محمد" بالتدهور، حيث أصبحت في شهرها السابع، تواجهها مشكلات عدة اضطرت الزوج إلى إسعافها، ولكن العديد من المستشفيات التي رفضت استقبالها. "لا أعرف إن كانت التجهيزات هي المشكلة أم أنها لهجتي الفلسطينية؟! أم وثيقة سفري الفلسطينية السورية، فبعضهم كان يعتذر بشكل مباشر والآخر عندما يرى الوثيقة يعتذر!" هكذا وصف "محمد" رحلة الإسعاف المضنية التي أمضاها.

يتابع محمد واصفاً المصاعب التي اعترضته: "وأخيراً قبل أحد المستشفيات باستقبال حالة زوجتي طبعاً بعد حجز وثيقة سفرها وإحضار تحويلة من الأونروا، لبدأوا بعد ذلك بالعلاج. وهناك بعض الأدوية اللازمة لا تتكفل الأونروا بمصاريفها ويجب علينا دفع ثمنها سلفاً قبل أن يعطوها لطفلي الخديج. وإذا كانت تلك الأدوية ضرورية وعاجلة فهم ينتظرون دفع ثمنها أولاً، وهذا ما حصل معنا خاصة فيما يتعلق بالحقن الضرورية للأطفال الذين يولدون في الشهر السابع، والتي كان ثمن الحقنة الواحدة حوالي 500 دولار.

أنتم فلسطينيون ولا يحق لكم دفن ابنكم في لبنان؟

ولد ابني ذو السبعة أشهر بعد ثلاثة أيام من المخاض العسير، كانت حالة الطفل الصحية حرجة، ويعاني العديد من المشكلات المتعلقة بالتنفس، فوضع في الحاضنة، وأعطي عدداً من الحقن، إلا أن حالته ازدادت تدهورا ً، وبعد خمسة أيام توفي".

ويتابع بصوت يخفي فيه حزنه وألمه "كأنما أخذت قطعة من كبدي، أظلمت الدنيا في عيني. وأتى الطبيب إلي فظننت أنه سيخفف عني، لكني فوجئت بقوله: عليك أن تبدأ بمعاملات الدفن بسرعة، كان الله بعونك أنت فلسطيني"، يضيف محمد "لم أكن أعلم بعد ما كان يقصده الطبيب بقوله "الله يكون بعونك أنت فلسطيني"، ذهبت وصديقي إلى الصندوق شعرت أن قدميّ لا تقويان على حملي، بعد دفع المصاريف الباهظة، بدأنا بالإجراءات".

"لحظة... لحظة".. قاطعنا صوت أحد الموظفين قائلا: "أنتم فلسطينيون ولا يحق لكم دفن ابنكم في لبنان؟، ظننت أنني بدأت أهلوس، اقترب صديقي منه ليعرف التفاصيل، وسأل الموظف "أين ندفن طفلنا؟! هل هذا كلام؟!، فأجاب الموظف أنه يسمح دفنه فقط في مخيم عين الحلوة، أسرعوا إلى هناك فتلك فرصتكم الوحيدة".

"شعور قاهر أن تحمل بيديك ابنك، وأنت لا تقدر على دفنه، هل ضاقت الأرض بنا حتى أنها رفضت استقبال ابني، ابني الذي يدخل الجنة دون حساب، لكن البشر يرفضون منحه قبرا؟"، هذا ما قاله محمد بصوته المبحوح.

هل يتسع مخيم عين الحلوة للأحياء حتى يتسع للأموات؟ هذه هي التعليمات!

بعد حوالي الساعة وصل محمد إلى مدخل مخيم عين الحلوة، وهناك كانت الصاعقة، فبعد انتظار لعدة ساعات طلبوا منه إذن دخول إلى المخيم، يقول محمد "أخبرنا العسكري أننا نريد أن ندفن ابننا ونخرج، وهذا الولد على يدي جثة هامدة ". لم يشفع لنا بؤس الموقف. سألته: "ألا يحق لي أن أدفنه؟"، فأجاب العسكري "هل يتسع مخيم عين الحلوة للأحياء حتى يتسع للأموات؟ هذه هي التعليمات!".

يصف صديق "محمد" المشهد قائلاً: "مشينا حول المخيم ونحن غير قادرين على استيعاب حجم الظلم الذي وقع علينا، حاملين جثة الطفل بين يدينا. كدنا أن ننهار في أي لحظة، فعقولنا ما عادت تتحمل ما يحدث أمامنا، وأثناء سيرنا قابلنا أحد العناصر الذي رق قلبه لنا، وأخبرنا أنه في العادة يمنع دخول أحد إلى المخيمات دون تصريح مهما كان السبب، لكن ونظراً للحالة التي تمرون فيها سأسمح لكم بالدخول بشرط أن يدخل والد الطفل وشخص واحد فقط، دخلنا ونحن نتجول في المخيم الذي بدا بائساً كحالنا، وصلنا إلى المقبرة التي كانت تغص بالقبور، وبعدها دفنا الطفل".

يضيف محمد " دفنت فلذة كبدي، كنت بحالة لا يعلم بها إلا الله، لم أقدر على استيعاب ما حصل، فمن قتل ودمار وحصار في سورية، إلى تشرد ومعاناة وتضييق في لبنان، فكل شيء ممنوع عنا من الإقامة حتى القبر، أين الإنسانية؟! أين منظمات حقوق الإنسان؟! أين منظمة التحرير الفلسطينية؟! أين الفصائل؟"، هكذا اختتم "محمد" حديثه والقهر يكاد يخنقه.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/8293