map
RSS instagram youtube twitter facebook Google Paly App stores

عدد الضحايا

حتى اليوم

4256

هذه حكايتي (46) | يامن: هكذا كانت رحلة الموت من مصر إلى إيطاليا

تاريخ النشر : 28-05-2018
هذه حكايتي (46) | يامن: هكذا كانت رحلة الموت من مصر إلى إيطاليا

مجموعة العمل – علاء برغوثي 

كحال العديد من اللاجئين الفلسطينيين السوريين، يحدثنا "يامن" (اسم مستعار) عن قصة لجوئه إلى أوروبا، يامن لاجئ فلسطيني من مخيم اليرموك في الثلاثينيات من عمره درس وعاش حياته في مخيم اليرموك، إلا أن الحرب أجبرته وعائلته على مغادرة المخيم حيث بدأت رحلة لجوئه بعيد ما يعرف بمجزرة "الميغ" التي شكلت منعطفاً كبيراً في حياة سكان المخيم، فاضطر الآلاف من سكان المخيم لترك منازلهم خوفاً من القصف، وننقل لكم الحكاية على لسان صاحبها، حيث يقول يامن:

بعد شهور من الحصار الجزئي على المخيم، وما تبعها من دخول قوات المعارضة وقصف لقوات النظام بطائرة "الميغ" في نهاية العام 2012، مما أسفر عن وقوع العشرات من الشهداء والجرحى، كان لزاماً علي أنا وأسرتي أن نغادر المخيم، لم نمتلك حينها رفاهية الاختيار فلم يكن عندنا أي خطط احتياطية سوى الذهاب إلى بيت جدي في حي الميدان المجاور.

خرجنا مشياً على الأقدام كان الأمر أشبه بيوم الحشر مئات بل آلاف المدنيين يسيرون هائمين على وجوههم، وجوه شاحبة عيون جاحظة نظرات شاردة هي كل ما كان يسود المكان الذي ملأة رائحة الخوف أرجائه.

أمضينا بعض الأيام في منزل جدي الذي لم يكن يتسع للكثير، فلم نكن العائلة الوحيدة التي نزحت إليه لقد كنا نحن وأربعة عائلات من أقاربنا ممن شردتهم الحرب، ومع مرور الوقت بدأت الخيارات تضيق علينا، كانت مصر حينا تسمح لفلسطيني وبشكل استثنائي أن يدخل أراضيها لكن بشرط أن يكون المسافرون عائلة وليسوا شباباً لوحدهم.

وبالفعل قدمنا أنا وعائلتي على تأشيرة السفر إلى مصر، والتي لم تستغرق سوى بضعة أسابيع حتى صدرت، وسافرنا حينها أنا وأفراد عائلتي، كانت مصر في حالة من الاضراب ما بين سعادة بانتصار الثورة وما بين مشكلات معيشية وتآمر، نجح فيه المتآمرون أخيراً بتدبير انقلاب على أول رئيس منتخب، وما هي إلا أيام حتى تدهور الوضع بمصر وكان لزاماً علينا أن نترك مصر، لكن إلى أين؟ فقد أغلقت كل الحدود في وجوهنا.

وأمام ذلك الوضع المأساوي، لم يبقى لنا خيار سوى أن نركب قوارب الموت ونحاول الوصول إلى أوروبا، وبالفعل قابلنا مهرباً لم يكن مصرياً كان من سكان مخيمنا وأعرفه نوعاً ما، طلب مننا على كل شخص قرابة 2000$ وزع أن الرحلة آمنة وأن القوارب مجهزة ولا يوجد عليها أي اكتظاظ، وما هي سوى أيام حتى اتصل فينا وأبلغنا بموعد الرحلة.

طبعاً عندما اتصل بنا أعطانا جملة من التنبيهات والتحذيرات وأخبرنا أن كل شيء متوفر على متن المركب حتى بدلات الإنقاذ، بدونا سلمنا لما قاله، لأن لا خيار أمامنا.

أمي لم تصدق ما قاله، عملت على تحضير بعض الحقائب الصغيرة، ووضع بعض الأدوية والبسكويت وبعض العصائر، قبل ساعات قليلة من موعد الرحلة اتصل بنا وقال لنا إن الموعد تم تقريبه وأنا علينا أن نكون في أحد الأماكن في القاهرة بعد ساعة من مكالمته، تحركنا على عجل كنا جميعاً خائفين ومتوترين لدرجة شعرت فيها بأنه سيغمى علي من شدت التوتر.

بعد أن وصلنا إلى المكان المحدد كان هناك حافلة بانتظارنا، صعدنا عليها كان فيها عائلة أخرى من عشرة أشخاص، كانت الحافلة ضيقة نوعاً على هذا العدد من الركاب، لكن قال لنا إن الوقت قصير لا مشكلة بأن نتحمل، وبعد مسير استمر أكثر من خمس ساعات وصلنا إلى الإسكندرية، جلسنا في إحدى الشقق مع أربعة عائلات، ومنعنا من الخروج ومن إصدار أي أصوات، على أساس أن رحلتنا ستكون في مساء ذات اليوم.

مضى اليوم الأول وتبعه أول أسبوع ونحن ننتظر على أحر من الجمر، كل يوم نسأل المهرب فيه يخبرنا أنه بعد ساعات قليلة سيتحرك المركب، وبقينا على هذه الحال طوال عشرة أيام، وفي اليوم العاشر وبمنتصف الليل تقريباً دخل المهربون علينا على المنزل الذي كنا فيه وهم مسلحون ويقولوا لنا الآن يجب أن نذهب القارب بانتظارنا.

طوال الطريق كانوا يتكلمون بكلام بذيء ويضربون الشباب ونحن نركض حتى وصلنا إلى نقطة مظلمة على الشاطئ، هناك أجبرونا على ترك كل شيء كان معنا، ولم يكونوا يرضون أي نقاش، كنا خائفين جداً ولم نستطيع أن نعترض على أي شيء فقد كانوا مسلحين، بعد دقائق وجدنا قارب صغير جداً، قلنا لهم ليس هذا اتفاقنا، قالوا هذا المركب فقط للوصول إلى السفينة التي تبعد مئات الأمتار عن الشاطئ، وبالفعل انطلق القارب والصمت يخيم على الأجواء.

بعد إبحار لقرابة الساعتين وصلنا وكانت المفاجئة أن السفينة لم تكن سوى قارب صيد مهترئ، لكن على أي حال لم نتمكن من النقاش، فقد كنا أشبه بالرهائن، عندما وصلنا كان المركب يحمل العشرات من الركاب ممن تم تجميعهم خلال الأيام الماضية، لم نجد ماء ولا طعام على القارب، فقد كان كل ما قاله لنا المهربون مجرد كذب، وأمام حر مصر ورطوبة البحر، بدأنا نتعب رويداً رويداً، مر يوم ونصف علينا ونحن ننتظر، لقد تعبنا قبل أن ننطلق، ولم يكن هناك أي مجال لأي نقاش فقد كانوا فعلاً رجال عصابات.

بعد انتظار طويل أتت دفعة جديدة من اللاجئين وامتلئ القارب وبعدها بدأت الرحلة، وبدأت الأيام تسير ببطء، لم يكن لدينا طعام كافي أو ماء، كانوا يوزعون علينا كل يوم بعض الخبز الجاف، والقليل من الماء، ولم يكونوا يقبلوا أي نقاش، وفي حال غضب أحد اللاجئين كانوا ينهالون عليه بالضرب حتى يبثوا الذعر في قلوب بقية الركاب.

واستمرينا على هذا المنوال، كان الأطفال الأشد تضرراً خلال الرحلة شحبت وجوههم وخسروا الكثير من وزنهم، كما أن النساء كانوا في حالة يرثى لها، لم أكد أقدر أن أعد الأيام فبعد يومين أو ثلاثة بدأ الجميع بفقد التركيز.

وفي اليوم التالي ونحن بعرض البحر، لم نكن نعلم إلى أين وصلنا، توقف المركب لعدة ساعات ظننا أننا أضعنا الطريق إلا أنهم كانوا ينتظرون مركبا آخر حتى ننتقل إليه.

بعد ساعات طويلة جاء المركب وكانت المفاجأة أن المركب متهالك جداً، ولا يصلح لحمل العدد الكبير الذي معنا، حاولنا الاعتراض إلا أنهم بدأوا ينهالون علينا بالضرب والشتم، وهددوا بتركنا في البحر، وأمام الترهيب والخوف ما كان لنا إلا أن ننتقل إلى المركب الثاني، كانت الانتقال أشبه بالإعدام، فقد كان المهربون ذوو البنية الجسدية القوية يحملون الرجال والنساء والأطفال ويلقون بهم كأكياس الخضار من قارب لقارب، البعض تأذى كثيراً خلال نقله من قارب لقارب.

سار القارب بنا لقرابة اليوم، وبعدها توقف عن العمل وبقينا في عرض البحر، أخبرنا المهربون أن خفر السواحل الإيطالية سيأتون إلينا خلال ساعة أو أقل، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، بعد انتظار طويل مرت فوقنا طائرة وصورتنا، ومن ثم غادرت، وبعدها بعدة ساعات اقتربت سفينة منا غالبا كانت سفينة شحن، حملتنا على متنها وسارت بنا لعدة ساعات، بعدها اقتربت احدى السفن الحربية الإيطالية ونقلتنا على متنها وبقينا لفترة على متن السفينة حيث حصلنا على الطعام والاسعافات الأولية قبل أن يتم نقلنا إلى الأراضي الإيطالية، كنا بحالة يرثى لها، تعبون وجائعون وبحاجة للاستحمام والاستراحة، بعدها تم استقبالنا في احدى المراكز المجهزة لاستقبال المهاجرين.

في إيطاليا كنا ننظر إلى بعضنا كلنا تغييرنا فقدنا الكثير من أوزاننا، ضحكنا وبكينا ودعينا على من كان السبب بتهجيرنا من مخيمنا من قصف وحصار ودمر واعتقل، من أوصلنا إلى درجة من اليأس تساوت فيها جميع الخيارات تساوت عندنا الحياة والموت، حتى جازفنا بحياتنا من أجل البحث عن أمان لنا ومستقبل أفضل لأطفالنا لا يكون فيه خوف من اعتقال أو فزع من القصف والطيران.

اليوم أنا وصلت إلى شمال أوروبا وأعيش بأمان أن وعائلتي لكن حتى اللحظة قلوبنا معلقة بمخيمنا وأهلنا في سورية الذين لا يجدون من يعيلهم أو يدافع عنهم، فقد دمرت مخيماتنا دون أي تحرك من منظمة التحرير أو الفصائل أو الأونروا، لقد تركنا لمواجهة مصيرنا وحدنا.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/9860

مجموعة العمل – علاء برغوثي 

كحال العديد من اللاجئين الفلسطينيين السوريين، يحدثنا "يامن" (اسم مستعار) عن قصة لجوئه إلى أوروبا، يامن لاجئ فلسطيني من مخيم اليرموك في الثلاثينيات من عمره درس وعاش حياته في مخيم اليرموك، إلا أن الحرب أجبرته وعائلته على مغادرة المخيم حيث بدأت رحلة لجوئه بعيد ما يعرف بمجزرة "الميغ" التي شكلت منعطفاً كبيراً في حياة سكان المخيم، فاضطر الآلاف من سكان المخيم لترك منازلهم خوفاً من القصف، وننقل لكم الحكاية على لسان صاحبها، حيث يقول يامن:

بعد شهور من الحصار الجزئي على المخيم، وما تبعها من دخول قوات المعارضة وقصف لقوات النظام بطائرة "الميغ" في نهاية العام 2012، مما أسفر عن وقوع العشرات من الشهداء والجرحى، كان لزاماً علي أنا وأسرتي أن نغادر المخيم، لم نمتلك حينها رفاهية الاختيار فلم يكن عندنا أي خطط احتياطية سوى الذهاب إلى بيت جدي في حي الميدان المجاور.

خرجنا مشياً على الأقدام كان الأمر أشبه بيوم الحشر مئات بل آلاف المدنيين يسيرون هائمين على وجوههم، وجوه شاحبة عيون جاحظة نظرات شاردة هي كل ما كان يسود المكان الذي ملأة رائحة الخوف أرجائه.

أمضينا بعض الأيام في منزل جدي الذي لم يكن يتسع للكثير، فلم نكن العائلة الوحيدة التي نزحت إليه لقد كنا نحن وأربعة عائلات من أقاربنا ممن شردتهم الحرب، ومع مرور الوقت بدأت الخيارات تضيق علينا، كانت مصر حينا تسمح لفلسطيني وبشكل استثنائي أن يدخل أراضيها لكن بشرط أن يكون المسافرون عائلة وليسوا شباباً لوحدهم.

وبالفعل قدمنا أنا وعائلتي على تأشيرة السفر إلى مصر، والتي لم تستغرق سوى بضعة أسابيع حتى صدرت، وسافرنا حينها أنا وأفراد عائلتي، كانت مصر في حالة من الاضراب ما بين سعادة بانتصار الثورة وما بين مشكلات معيشية وتآمر، نجح فيه المتآمرون أخيراً بتدبير انقلاب على أول رئيس منتخب، وما هي إلا أيام حتى تدهور الوضع بمصر وكان لزاماً علينا أن نترك مصر، لكن إلى أين؟ فقد أغلقت كل الحدود في وجوهنا.

وأمام ذلك الوضع المأساوي، لم يبقى لنا خيار سوى أن نركب قوارب الموت ونحاول الوصول إلى أوروبا، وبالفعل قابلنا مهرباً لم يكن مصرياً كان من سكان مخيمنا وأعرفه نوعاً ما، طلب مننا على كل شخص قرابة 2000$ وزع أن الرحلة آمنة وأن القوارب مجهزة ولا يوجد عليها أي اكتظاظ، وما هي سوى أيام حتى اتصل فينا وأبلغنا بموعد الرحلة.

طبعاً عندما اتصل بنا أعطانا جملة من التنبيهات والتحذيرات وأخبرنا أن كل شيء متوفر على متن المركب حتى بدلات الإنقاذ، بدونا سلمنا لما قاله، لأن لا خيار أمامنا.

أمي لم تصدق ما قاله، عملت على تحضير بعض الحقائب الصغيرة، ووضع بعض الأدوية والبسكويت وبعض العصائر، قبل ساعات قليلة من موعد الرحلة اتصل بنا وقال لنا إن الموعد تم تقريبه وأنا علينا أن نكون في أحد الأماكن في القاهرة بعد ساعة من مكالمته، تحركنا على عجل كنا جميعاً خائفين ومتوترين لدرجة شعرت فيها بأنه سيغمى علي من شدت التوتر.

بعد أن وصلنا إلى المكان المحدد كان هناك حافلة بانتظارنا، صعدنا عليها كان فيها عائلة أخرى من عشرة أشخاص، كانت الحافلة ضيقة نوعاً على هذا العدد من الركاب، لكن قال لنا إن الوقت قصير لا مشكلة بأن نتحمل، وبعد مسير استمر أكثر من خمس ساعات وصلنا إلى الإسكندرية، جلسنا في إحدى الشقق مع أربعة عائلات، ومنعنا من الخروج ومن إصدار أي أصوات، على أساس أن رحلتنا ستكون في مساء ذات اليوم.

مضى اليوم الأول وتبعه أول أسبوع ونحن ننتظر على أحر من الجمر، كل يوم نسأل المهرب فيه يخبرنا أنه بعد ساعات قليلة سيتحرك المركب، وبقينا على هذه الحال طوال عشرة أيام، وفي اليوم العاشر وبمنتصف الليل تقريباً دخل المهربون علينا على المنزل الذي كنا فيه وهم مسلحون ويقولوا لنا الآن يجب أن نذهب القارب بانتظارنا.

طوال الطريق كانوا يتكلمون بكلام بذيء ويضربون الشباب ونحن نركض حتى وصلنا إلى نقطة مظلمة على الشاطئ، هناك أجبرونا على ترك كل شيء كان معنا، ولم يكونوا يرضون أي نقاش، كنا خائفين جداً ولم نستطيع أن نعترض على أي شيء فقد كانوا مسلحين، بعد دقائق وجدنا قارب صغير جداً، قلنا لهم ليس هذا اتفاقنا، قالوا هذا المركب فقط للوصول إلى السفينة التي تبعد مئات الأمتار عن الشاطئ، وبالفعل انطلق القارب والصمت يخيم على الأجواء.

بعد إبحار لقرابة الساعتين وصلنا وكانت المفاجئة أن السفينة لم تكن سوى قارب صيد مهترئ، لكن على أي حال لم نتمكن من النقاش، فقد كنا أشبه بالرهائن، عندما وصلنا كان المركب يحمل العشرات من الركاب ممن تم تجميعهم خلال الأيام الماضية، لم نجد ماء ولا طعام على القارب، فقد كان كل ما قاله لنا المهربون مجرد كذب، وأمام حر مصر ورطوبة البحر، بدأنا نتعب رويداً رويداً، مر يوم ونصف علينا ونحن ننتظر، لقد تعبنا قبل أن ننطلق، ولم يكن هناك أي مجال لأي نقاش فقد كانوا فعلاً رجال عصابات.

بعد انتظار طويل أتت دفعة جديدة من اللاجئين وامتلئ القارب وبعدها بدأت الرحلة، وبدأت الأيام تسير ببطء، لم يكن لدينا طعام كافي أو ماء، كانوا يوزعون علينا كل يوم بعض الخبز الجاف، والقليل من الماء، ولم يكونوا يقبلوا أي نقاش، وفي حال غضب أحد اللاجئين كانوا ينهالون عليه بالضرب حتى يبثوا الذعر في قلوب بقية الركاب.

واستمرينا على هذا المنوال، كان الأطفال الأشد تضرراً خلال الرحلة شحبت وجوههم وخسروا الكثير من وزنهم، كما أن النساء كانوا في حالة يرثى لها، لم أكد أقدر أن أعد الأيام فبعد يومين أو ثلاثة بدأ الجميع بفقد التركيز.

وفي اليوم التالي ونحن بعرض البحر، لم نكن نعلم إلى أين وصلنا، توقف المركب لعدة ساعات ظننا أننا أضعنا الطريق إلا أنهم كانوا ينتظرون مركبا آخر حتى ننتقل إليه.

بعد ساعات طويلة جاء المركب وكانت المفاجأة أن المركب متهالك جداً، ولا يصلح لحمل العدد الكبير الذي معنا، حاولنا الاعتراض إلا أنهم بدأوا ينهالون علينا بالضرب والشتم، وهددوا بتركنا في البحر، وأمام الترهيب والخوف ما كان لنا إلا أن ننتقل إلى المركب الثاني، كانت الانتقال أشبه بالإعدام، فقد كان المهربون ذوو البنية الجسدية القوية يحملون الرجال والنساء والأطفال ويلقون بهم كأكياس الخضار من قارب لقارب، البعض تأذى كثيراً خلال نقله من قارب لقارب.

سار القارب بنا لقرابة اليوم، وبعدها توقف عن العمل وبقينا في عرض البحر، أخبرنا المهربون أن خفر السواحل الإيطالية سيأتون إلينا خلال ساعة أو أقل، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، بعد انتظار طويل مرت فوقنا طائرة وصورتنا، ومن ثم غادرت، وبعدها بعدة ساعات اقتربت سفينة منا غالبا كانت سفينة شحن، حملتنا على متنها وسارت بنا لعدة ساعات، بعدها اقتربت احدى السفن الحربية الإيطالية ونقلتنا على متنها وبقينا لفترة على متن السفينة حيث حصلنا على الطعام والاسعافات الأولية قبل أن يتم نقلنا إلى الأراضي الإيطالية، كنا بحالة يرثى لها، تعبون وجائعون وبحاجة للاستحمام والاستراحة، بعدها تم استقبالنا في احدى المراكز المجهزة لاستقبال المهاجرين.

في إيطاليا كنا ننظر إلى بعضنا كلنا تغييرنا فقدنا الكثير من أوزاننا، ضحكنا وبكينا ودعينا على من كان السبب بتهجيرنا من مخيمنا من قصف وحصار ودمر واعتقل، من أوصلنا إلى درجة من اليأس تساوت فيها جميع الخيارات تساوت عندنا الحياة والموت، حتى جازفنا بحياتنا من أجل البحث عن أمان لنا ومستقبل أفضل لأطفالنا لا يكون فيه خوف من اعتقال أو فزع من القصف والطيران.

اليوم أنا وصلت إلى شمال أوروبا وأعيش بأمان أن وعائلتي لكن حتى اللحظة قلوبنا معلقة بمخيمنا وأهلنا في سورية الذين لا يجدون من يعيلهم أو يدافع عنهم، فقد دمرت مخيماتنا دون أي تحرك من منظمة التحرير أو الفصائل أو الأونروا، لقد تركنا لمواجهة مصيرنا وحدنا.

الوسوم

رابط مختصر : https://actionpal.org.uk/ar/post/9860